الفصل 184
‘ما الذي حدث؟’
لم تستطع ماريا فهم الموقف أمامها في تلك اللحظة.
لم يكن هناك أيّ فوضى، بل لم يكن المكان أرتميس أصلًا. ولم يكن لوسيل موجودًا.
نظرت حولها بسرعة، فوجدت الفرسان مرتبكين أيضًا. هذا يعني أنّه لا يوجد أحدٌ منهم يقف إلى جانب دافني.
كبحت ماريا اضطرابها وتقدّمت نحوها بوجهٍ قلق.
“ما الذي حدث؟ أين الدّوق الأكبر الآن؟”
“لقد نقلتُ الدّوق إلى مكانٍ آمن. لا داعي للقلق.”
“ماذا؟ إذًا لماذا أنا…”
“ألم أقل لكِ؟ لديّ كلامٌ معكِ.”
ابتسمت دافني بلطف.
“يمكنني التّغاضي عن أشياء أخرى، لكن هذا لا يمكنني مسامحته.”
في تلك اللحظة.
صفعة!
تردّد صوتٌ حادّ.
لم تستطع ماريا الحركة للحظة. لم تفهم ما الذي أصابها للتوّ.
“الأميرة!”
صرخ الفرسان نحو دافني كأنّهم يلومونها.
لكن لم يكن هناك أيّ اهتزاز في تعبير دافني.
لم يكن الأمر كأنّها فقدت صوابها وتحرّك جسدها دون وعي.
أغلقت ماريا قبضتها بقوّة. كادت أسنانها تصطكّ غضبًا، لكنّها كبحت نفسها بجهد. لا يمكنها كشف طبيعتها أمام النّاس.
“لم، لماذا تفعلين هذا بي…!”
غطّت ماريا خدّها وهي تبكي بوجهٍ شاحب.
مالت دافني رأسها بهدوء.
“في يوم مأدبة النّصر، عندما أحرجتني بحجّة أنّكِ تائهة، ظننتُ أنّه أمرٌ ممكن. كانت الظّروف قد تُسبّب سوء فهم.”
“…”
“صنعكِ لنفس الدّواء أيضًا، فهمته. لم أكن أنوي جني المال منه، وكانت حياة النّاس الأولويّة. زيادة الدّواء تعني توزيعًا أسرع.”
“إذًا لماذا…!”
“لكن…”
تحوّلت عينا دافني إلى برودٍ مفاجئ.
“لم يكن عليكِ التّلاعب بحياة النّاس.”
عيناها الخضراوان، كأنّهما تخترقان كلّ شيء. قضمت ماريا الجلد الدّاخليّ لفمها بقوّة.
مرّة أخرى.
تنظر إليها تلك العيون.
بنفس الثّقة، كأنّها تعرف كلّ شيء.
في ذلك الوقت، سلبها كلّ شيء.
سيّدها الذي خدمته بصدق، عالمها، جسدها.
‘لكن ليس الآن.’
ارتجفت ماريا كأنّها خائفة، وهي تبكي.
“لا أفهم لماذا تفعلين هذا بي… كنتُ فقط أريد المساعدة…!”
مع ارتفاع بكائها، تجمّع الفرسان حولها لحمايتها.
على الرّغم من أنّهم فرسان، لم يمنعوا دافني من الاقتراب، بل وقفوا مذهولين.
لو وصل هذا الأمر إلى أذني وليّ العهد، فسيكونون كالموتى.
“الأميرة، هل تدركين ما فعلتِ؟”
“استخدام العنف ضدّ القديسة أمرٌ لا يمكن قبوله!”
لم يكن مؤكّدًا بعد، لكن النّاس يهتفون لماريا.
حتّى لو كانت دافني أميرة، لن يمكن التّغاضي عن هذا بسهولة.
“يجب أن تأتي معنا، أيّتها الأميرة.”
“إلى أين؟”
“مكانٌ آمن. من أجل سلامتكِ، نرجو أن ترافقينا.”
بدَوا كأنّهم يحاولون الإقناع، لكنّهم اتّخذوا قرارهم بالفعل.
إن لم تذهب طواعية، فسوف يأخذونها بالقوّة.
في الواقع، الدّوق فيريجرين والدّوق الشاب، اللذان يملكان السّلطة الكاملة، موجودان الآن في القارّة حيث الشّقوق.
قد يكون هناك أفرادٌ آخرون من العائلة، لكنّهم لن يستطيعوا مساعدة دافني بالكامل.
“يجب أن تأتي معنا.”
“…”
نظرت دافني إلى الفرسان المقتربين بهدوء.
“حسنًا، فليكن.”
تبعتهم بهدوء. كان وجهتهم سجن القصر.
***
“لوسيل هاج!”
هزّت الأخبار القصر بأكمله.
“كيف حال لوسيل؟ هل هو بخير؟”
“نعم، بفضل إطلاقه لقوّته السّحريّة بسرعة، لم تحدث صدامات أخرى. هو يرتاح الآن، ولم تُسجّل خسائر بشريّة.”
تنفّس الإمبراطور الصّعداء عند سماع ذلك.
الشّقوق وهيجان لوسيل. ما هذا الذي يحدث؟
‘لحسن الحظّ، تمّ حلّ الأمر بسلام…’
بينما كان الإمبراطور يكبت تنهيدة، دخل فارسٌ وركع أمامه.
“ما الأمر؟”
“سيان فيريجرين يطلب مقابلتك، جلالتك.”
عبس الإمبراطور عند سماع ذلك.
لأسبابٍ ما، استخدمت الأميرة العنف ضدّ ماريا، وقرّر الفرسان المرافقون أنّها خطرة فأخذوها إلى الحجز.
لذلك، جاء سيان فيريجرين ليحتجّ على القصر معتبرًا الأمر ظلمًا.
الإمبراطور يعرف. ليست أيّ شخص، بل هي أميرة فيريجرين. لا يمكن تقييد حركتها بسهولة.
لكن…
ماريا هي القديسة التي ظهرت بعد سنوات في الإمبراطوريّة.
حتّى لو كانت فيريجرين، لا يمكن مقارنتها بالقديسة التي يثق بها النّاس.
وعلاوةً على ذلك، أليست ماريا حبيبة ابنه إيرين؟
لو وقف الإمبراطور إلى جانب فيريجرين في هذا الموقف، فسيواجه انتقادات النّاس، وقد يخسر القديسة.
“قل إنّني مشغولٌ جدًا ولا أستطيع مقابلته.”
رفض الإمبراطور مقابلة سيان بحزم. بما أنّ هناك ذريعة حماية القديسة، لم يكن عليه أن يتفهّم ظروفهم.
“لكن، يقول إنّ لديه شيئًا يجب أن يريك إيّاه، جلالتك…”
“مهما كان، لا أستطيع مقابلته. هل يجب أن أكرّر؟”
انحنى الخادم بسرعة عند نبرة الإمبراطور الحادّة.
“دافني حُجزت؟”
وصلت الأخبار إلى قصر هيلا أيضًا.
“وإذًا، ماذا عن لوسيل؟”
“يقال إنّه يتلقّى العلاج في مكانٍ آمن.”
“حسنًا، هكذا إذًا…”
تمتمت هيلا بهدوء، فصبّ خادمٌ الشّاي في كوبها.
“كفى. اخرج الآن.”
بمفردها، عبثت هيلا بالكوب.
‘رغم أنّ الأمور اختلفت قليلًا، يبدو أنّ الخطّة تسير جيّدًا.’
لكن على عكس أفكارها، كانت تقضم شفتيها بقلق.
إيقاف هيجان لوسيل يعني أنّ دافني أدركت قوّتها كقديسة إلى حدٍّ ما.
‘حتّى لو كانت محتجزة الآن، إذا اكتشفت القوّة الشّيطانيّة التي استخدمتها…’
كانت تُغلق قبضتها وتفتحها بقلق عندما سمعت صوتًا مألوفًا.
“سمعتُ أنّكِ تبحثين عنّي.”
كانت ماريا. هرعت هيلا لاستقبالها.
“هل أصبتِ بأذى؟”
“لقد صفعتني على خدّي. تلك المرأة، كانت دائمًا قاسيةً بعض الشيء.”
سخرت ماريا بخفّة.
“إذًا، متى سنبدأ؟ إذا سمع الدّوق فيريجرين أنّ دافني محتجزة، سيعود فورًا. ليس لدينا وقتٌ كثير.”
“صحيح. لكن…”
ضيّقت ماريا عينيها.
كان من الجيّد أن أمسكوا بدافني. لكن…
‘لا يزال هناك شيءٌ غريب.’
دافني، التي دائمًا ما تفلت من الفخاخ بمكر، لا يمكن أن تُقبض عليها بهذه السهولة.
‘ربّما تحاول كسب الوقت حتّى عودة الدّوق، لكن…’
قد يكون لديها خطّة أخرى، لذا يجب الاقتراب بحذر.
قالت ماريا بحزم:
“ليس الآن. انتظري قليلًا.”
“حتّى متى؟ لقد انتظرتُ طويلًا بالفعل!”
قبل سنوات، عندما اكتشفت أنّ لوسيل هو تجسّد الشّيطان الأوّل.
اقترب منها طاقةٌ سوداء وهمست.
“سلّمي دافني إليّ، وعزلي لوسيل إلى الأبد. إذا نجحتِ، سأعطيكِ ما تريدين.”
“ما أريد؟”
“نعم، مثل… الخلود الذي تتوقين إليه.”
الشرّ يتغذّى على الشرّ. لقد أدرك رغبات هيلا بسرعة.
مظهرٌ لا يشيخ.
صحّةٌ أبديّة.
جمالٌ خالد.
استسلمت هيلا لهذا الهمس بسهولة.
“حتّى لو اضطررتُ لإرسال ذلك الشّيطان إلى المعبد فورًا! ألا تسمعين كلامي؟”
تسبّبت في أحداث جعلت الإمبراطور يخاف ابنه، وأرسلت لوسيل الصّغير إلى المعبد، معزولًا تمامًا ليكره البشر.
حتّى يرغب في قتل الجميع.
كما وضعت تابعًا شيطانيًا في جسد دافني لمنعها من التّيقظ كقديسة.
لكنّ الخطّة فشلت، واضطرّت لإدخال ماريا في جسدٍ بشريّ.
لذلك، استنفدت الكثير من القوّة المقدّسة التي سحبتها من دافني.
قبل أن تفقد قوّتها تمامًا ويعود مظهرها إلى طبيعته، كان عليها فعل شيء.
عند رؤية هيلا التي فقدت صوابها، نقرت ماريا بلسانها وقالت:
“ليس الآن. لا يمكننا إفساد الأمور التي شارفت على النّجاح بسبب الطّمع.”
“لكن…”
“انتظري قليلًا. لم يتبقَّ الكثير.”
غادرت ماريا الغرفة تاركةً هذا الكلام. هدّأت هيلا أعصابها وهي بمفردها.
‘صحيح، لا يمكنني التّسرّع.’
الوقت في صالحها على أيّ حال. جلست بهدوء وأمالت كوب الشّاي الذي صبّه الخادم للتوّ.
بينما كانت تستنشق العطر الهادئ، لاحظت مرآة في زاوية الغرفة.
في اللحظة التي رأتها، اصفرّ وجهها.
كان وجهها مشوّهًا.
كأنّه ملتوٍ من مقاومة مرور الزّمن.
كلنك!
أسقطت الكوب وأمسكت المرآة بيدٍ مرتجفة.
“آه، لا… لا! لقد أخطأتُ… أرجوكِ…!”
حاولت نفي ذلك وهي تلمس المرآة ووجهها ويديها المجعّدة، لكنّ شيئًا لم يتغيّر.
‘لا يمكن أن يستمرّ هكذا…’
لم تعد تستطيع الانتظار. إذا لم تستطع ماريا فعل ذلك، فسوف تفعله بنفسها.
نهضت هيلا وهي تتنفّس بارتجاف، وارتدت رداءً وغادرت القصر بهدوء.
لوسيل، الذي أُنهك من قوّته، سيحتاج ثلاثة أيّام على الأقلّ ليستعيد وعيه.
لذا، ستستخدم قوّته السّحريّة لاستعادة مظهرها أوّلًا.
لاحقًا، عندما تأخذ القوّة المقدّسة من دافني، لن يُكتشف تدفّق السّحر.
توجّهت هيلا مع أشخاصٍ من المعبد، الذين رتّبت معهم مسبقًا، إلى القصر المنفصل حيث يقيم لوسيل.
هم أيضًا، منذ استيقاظ دافني من السّم، لم يحصلوا على إمداداتٍ كافية من القوّة المقدّسة، لذا كان عليهم الإمساك بدافني بأيّ ثمن.
دخلوا الغرفة معًا.
في وسط الصّمت، ظهر وجه لوسيل الشّاحب.
“هل يجوز لنا فعل هذا…؟”
“ما المشكلة؟ إنّه يعاني من قوّته السّحريّة الزّائدة، أليس كذلك؟ أخذ القليل لن يضرّ!”
“لكن، إذا أخذنا أكثر ممّا يجب، قد يسبّب خطرًا كما حدث من قبل. إذا ظهر شيطانٌ آخر، فلن نتمكّن من التّعامل معه هذه المرّة!”
“إذا لم تستطيعوا، ابتعدوا! سأفعلها بنفسي!”
دفعت هيلا الكهنة بعصبيّة ومدّت يدها نحو لوسيل النّائم كالميّت.
في تلك اللحظة.
“يبدو أنّكم مشغولون جدًا.”
سُمع صوتٌ مألوف.
استدارت هيلا مذهولة.
وتجمّدت ملامحها على الفور.
“أنتِ…!”
التعليقات لهذا الفصل " 184"