الفصل 131
“مكان عملكِ؟ أنتِ تنهين الأكاديميّة وتعملين أيضًا؟”
سألت يورينا بملامح مندهشة، فأومأت بيكي برأسها.
“الاميـ … أقصد، المديرة قالت إنّه يمكننا استخدام المحلّ إذا أردنا مكانًا للتجمّع والنقاش مع زملاء الفريق.”
“حقًا؟”
“إذًا، هذا شيء نشكرها عليه!”
نهض أعضاء الفريق وهم يحملون أغراضهم.
كانوا متعبين، لكنّ فكرة مواصلة البحث جعلتهم سعداء.
“…هذا هو المكان الذي تعملين فيه، بيكي؟”
لكن لحظة وصولهم إلى صالون أرتيميس، تجمّد أعضاء الفريق في مكانهم.
ففي النهاية، المبنى الذي أمامهم كان أشهر صالون في الإقليم حاليًا!
“لكن، هل يُسمح لنا بالدخول حقًا؟”
حتّى يورينا، التي كانت دائمًا هادئة، تلعثمت وهي تسأل. فأومأت بيكي برأسها.
‘قالت إنّها تريد الترويج لخدمة تجاريّة جديدة، إذًا هذا الكلام صحيح.’
لكن من جهة أخرى، شعرت ببعض القلق.
كانت تخشى أن يُنظر إليها بازدراء من الموظّفين لاستخدامها علاقاتها لتتجاوز الزبائن المنتظرين.
بل ربّما يعتبر الموظّفون هذا امتيازًا خاصًا، فيرمقونها بنظرات ساخطة.
“لقد وصلتم في موعد الحجز. سأرافقكم إلى الغرفة الخاصّة.”
لكن، كما لو أنّه يكسر قلق بيكي، تحدّث أحد الموظّفين بنبرة واثقة.
“حجز؟”
سألت بيكي وهي تفتح عينيها بدهشة، فأجاب الموظّف بصوت عالٍ كأنّه يريد للجميع أن يسمع:
“هذه خدمة جديدة في صالوننا. نحجز مسبقًا لعدد محدود من الأشخاص، ونساعدهم على الدخول في الموعد المحدّد.”
بالتأكيد، مع الحجز المسبق، لن يكون هناك حاجة للانتظار دون موعد، بل يمكن الدخول مباشرة.
‘هذه هي الخدمة التي تحدّثت عنها الاميرة !’
أضاء وجه بيكي فجأة.
مع وجود الحجز، لن تضطرّ للقلق بشأن أنظار الزبائن المنتظرين.
شعرت بيكي بالارتياح وهي تستعدّ للدخول مع زملائها، عندما سمعت صوتًا.
“أوه! ؟ الانسة تيرينكا!”
مع صيحة عالية، اقترب أحدهم بسرعة.
كانت فتاة أرستقراطيّة ذات مظهر فخم، بشعر ورديّ فاتح.
وكان وجهًا تعرفه بيكي جيّدًا.
قبل أيّام، حاولت هذه الفتاة الدخول دون انتظار دورها، فطُردت، تلك الزبونة المزعجة.
“الآنسة تيرينكا، ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟”
“الآنسة… روديا…”
ردّت تيرينكا بملامح محرجة، بينما فتحت بيكي عينيها بدهشة.
كانت هذه هي روديا أوفين، التي لم تحضر حتّى الاجتماعات!
أعضاء الفريق الأرستقراطيّون، الذين يعرفون شخصيّة روديا، بدوا منزعجين، بينما نظر العامّيون الذين يرونها لأوّل مرّة بحذر.
“أوه، هل أتيتم بسبب أمر متعلّق بالأكاديميّة؟”
لكن روديا، وكأنّها لا ترى تعابيرهم، تفحّصتهم بنظرات وقحة.
وقعت عيناها على بيكي، الموظّفة التي استقبلتها عندما طُردت.
‘بفضل هذه الفتاة تمكّنت من الدخول مباشرة.’
بينما ينتظر البعض دون موعد، استغلّت هذه الفتاة امتيازاتها كموظّفة للدخول بسرعة.
لم يعجبها ذلك، لكنّه كان فرصة.
بعد أن اتّخذت قرارها، أمسكت روديا يد بيكي.
“رائع، إذًا دعيني أدخل معكم.”
“…ماذا؟”
“نحن في نفس الفريق، أليس كذلك؟ ألم تأتوا لإكمال المهمّة؟”
“بالطبع يجب أن أكون معكم.”
ضغطت روديا على يد بيكي وهي تبتسم.
تجمّدت وجوه أعضاء الفريق جميعًا.
كانت نواياها واضحة جدًا.
كان “الأمر المهم” الذي تحدّثت عنه هو زيارة هذا الصالون، واستغلّت فكرة الدخول المباشر لتذكر المهمّة الجماعيّة متأخّرًا.
برقت عيون أعضاء الفريق بازدراء واضح، لكن روديا تظاهرت بعدم رؤيته.
كان عليها مقابلة ذلك الموظّف، روز، مهما كان.
‘وأثناء ذلك، يجب أن أقابل صاحب المحلّ وأطلب منه نقل ذلك الموظّف إليّ.’
لم يكن هناك وقت. ابتسمت روديا وهي تحثّهم على الدخول.
“ماذا تنتظرون؟ هيا، لندخل.”
“…”
“الناس ينظرون إلينا.”
تحت ضغط ابتسامتها، أومأ أعضاء الفريق على مضض.
ثمّ رافقهم الموظّف إلى مدخل مخصّص لحاملي الحجوزات.
تأمّلت روديا المكان بعيون لامعة.
‘ذلك الموظّف، روز، بالتأكيد يعمل اليوم، أليس كذلك؟’
بعد كلّ هذا العناء للدخول، كان عليها مقابلته مهما حدث.
في تلك اللحظة، سأل موظّف عند مدخل الحجوزات:
“ما أسماؤكم؟”
أجابوا بتردّد، ناطقين بأسمائهم.
“شكرًا لتأكيدكم. بيكي آيفورن، يورينا سيريويغ، ماينا فوريير، ولوسيا تيرينكا. تمّ التأكيد.”
أجاب الموظّف بحماس. بدا وكأنّه موظّف جديد، إذ لم ترَ بيكي وجهه من قبل.
بعد التحقّق من القائمة، رافقهم الموظّف إلى الداخل. حين حاولت روديا اللحاق بهم.
“لحظة، انتظري من فضلك. ”
اعترض موظّف آخر طريقها.
“عذرًا، ما اسمكِ؟”
“لمَ تسأل؟”
“يجب أن يتطابق الاسم مع قائمة الحجز للسماح بالدخول.”
“…وماذا لو لم يكن اسمي موجودًا؟”
“سيكون الدخول صعبًا.”
عند سماع كلام الموظّف، اختفت ابتسامة روديا ببطء. حاولت الابتسام وقالت:
“ألم تسمع؟ أنا مع هذه المجموعة.”
“لكن… بدون اسم في القائمة، الدخول صعب وفق الإجراءات.”
ارتجف الموظّف وهو يجيب، فبدأت ملامح روديا، التي حاولت الابتسام، تتجمّد ببطء.
حاولت الصبر كما نصحتها والدتها، لكنّها لم تستطع. قالت وهي تُشبك ذراعيها:
“نظام تشغيل فاشل. أريد مقابلة المدير. هيا، اطلبه الآن.”
“ماذا؟ لكن…”
“ألا تسمعني؟ أتريد مني إحضار المزيد من الأشخاص؟”
عبست وهي تُهدّد.
ارتجف الموظّف من موقفها الحازم.
كما خمّنت بيكي، كان موظّفًا جديدًا من العامّة.
لذا لم يكن يعرف من أي عائلة بارزة هي روديا.
لكن ذلك الشعر الورديّ والعيون الخضراء…
‘هل يُعقل… الاميرة بيريجرين؟’
ارتجف الموظّف.
لم يكن يعرف وجه الاميرة بيريجرين جيّدًا، لكنّه سمع أنّها تقيم في إقليم ريغارتا وتزور هذا الصالون باستمرار.
‘إذا تسبّبت الاميرة في مشكلة هنا…’
قد يؤثّر ذلك على عمل المحلّ. شحب وجه الموظّف.
لاحظت روديا ذلك، فرفعت زاوية فمها بنظرة ساخرة.
حتّى دون أن تكشف عن هويّتها، كان الجميع يرتجف من تصرّفها الواثق.
كلّ ذلك بفضل شعرها الورديّ وعينيها الخضراوين.
ابتسمت روديا بلطف. في العادة، كانت ستطالب باعتذار رسميّ، لكن الوقت كان ضيّقًا.
“لا بأس، يحدث ذلك. هلاّ أسرعتَ وأرشدتَني إلى الداخل؟”
“نعم، انتظري لحظة…”
بينما كان الموظّف الجديد يهرع إلى الداخل، فجأة فتح عينيه بدهشة.
وكذلك فعل أعضاء الفريق، بما فيهم بيكي.
كانت تعابيرهم وكأنّهم رأوا شيئًا لا ينبغي رؤيته.
‘ما الخطب؟ لمَ هذا…’
نظرت روديا تلقائيًا إلى حيث ينظرون.
فجأة، تجمّدت هي أيضًا.
“آه، لقد تأخّرتُ كثيرًا.”
صوت ناعم لكنّه مشحون بحدّة ما.
امرأة ذات شعر ورديّ أفتح من شعرها، وعينين خضراوين صافيتين.
كانت الاميرة بيريجرين الحقيقيّة، دافني، تنظر إليها.
***
“الاميرة …!”
نادتني بيكي بملامح مندهشة.
لا عجب في ذلك. بعد تصرّفات رودريك، تجنّبتُ الظهور علنًا لتفادي الشائعات.
بمعنى أدقّ، لم أظهر بمظهر “دافني” أمام الناس.
لهذا كانت بيكي مندهشة هكذا.
لكن لقب الاميرة يُستخدم في مثل هذه المواقف.
قلت لبيكي وأنا أرفرف مروحتي.
“تأخّرتُ قليلًا بسبب أمور أخرى. لقد حجزتُ غرفة خاصّة بالكامل كي تدخلوا إذا تأخّرتُ، لكن يبدو أنّني وصلتُ في الوقت المناسب.”
عند ذكر حجز الغرفة بالكامل، فُتحت أفواه الآخرين ببطء.
نظرتُ إلى بيكي بهدوء.
“آه… نعم! وصلتِ في الوقت المناسب تمامًا!”
كانت نظرة فقط، لكن ربّما لأنّها أخت سوكيا، بدت بيكي سريعة البديهة. أومأت بسرعة.
“أنتِ… تعرفين الاميرة بيريجرين…”
“كيف يمكن أن…”
تمتم أعضاء الفريق الذين جاؤوا معها، وكأنّهم لا يصدّقون. بيكي، وهي من العامّة، تعرف الاميرة ؟ كان ذلك مزيجًا غير متوقّع.
قلت وأنا أرفرف مروحتي.
“إنّها فتاة تُعجب بها صاحبة الصالون. إنّها تُساعدني شخصيًا. حجز مكان كهذا لشخص مثلها ليس بالأمر الكبير.”
بالمعنى الدقيق، أنا صاحبة الصالون، لكن بما أنّني أساعدها شخصيًا، فهذا ليس كذبًا.
غطّيتُ فمي بالمروحة وتفحّصت أعضاء الفريق بهدوء.
خشيتُ أن يكون هناك من يتعاطف مع روديا، لكن عندما نظرت، لم يكن هناك تعبير ودود واحد.
كانت نظراتهم كمن ينظر إلى طالب متكرّر يحاول التسلّل دون جهد.
كان ذلك لصالحي.
بما أنّهم رأوا وسمعوا روديا مباشرة، سيتحدّثون عن شخصيّتها بصراحة.
‘عدوّ عدوّي هو حليفي.’
“لكن…”
بينما كنتُ أخفي هذه الأفكار وأرفرف مروحتي، أنزلقت عيناي إلى الجانب.
وقعت نظرتي على روديا.
“هذا وجه لم أره من قبل.”
“…!”
ارتجفت روديا عند سؤالي.
ارتعشت عيناها الخضراوان الدقيقتان.
كنتُ أعلم أنّنا نتشابه، لكن من قريب، كان الشبه مذهلاً.
لكنّها لم تكشف عن هويّتها، بل استغلّت مظهرها للضغط على الموظّف.
لكنّها لم تكن تعلم أنّ الاميرة فيريغرين الحقيقيّة ستظهر هنا.
في تلك اللحظة، أمسكت روديا بطرف تنّورتها وانحنت.
“أتشرف بلقاء الاميرة بيريجرين. أنا روديا أوفين.”
“تعرفينني؟”
“كيف لا أعرف الاميرة بيريجرين؟ حتّى عندما كنتُ طريحة الفراش بسبب المرض، كنتُ دائمًا أصغي إلى قصصكِ.”
تحدّثت روديا وهي تبتسم بلطف، وكأنّها لم تتفاجأ أبدًا.
“يبدو أنّكِ تعرفين زملائي في الفريق. لو علمتُ بذلك، لكنتُ زرتكِ مبكّرًا. يا للأسف.”
كانت تتحدّث بسلاسة، وكأنّها تضعني في مكانة خاصّة، بينما تُلمّح بأنّها في نفس فريق بيكي.
‘وتذكر أيضًا أنّها كانت مريضة.’
كانت سريعة البديهة بشكل لا بأس به.
“حقًا؟”
لكنّني أمِلتُ رأسي باستغراب.
“غريب. لم أجد اسمكِ بين أسماء أعضاء الفريق الذين يدرسون معًا.”
“…ماذا؟ ما الذي تقصدينه…”
“كما تعلمين، أنا مهتمّة بعلم الأعشاب. بيكي ساعدتني كثيرًا. أحيانًا تخبرني عن المواد التي تدرّسها. لكن…”
ضيّقتُ عينيّ.
“لم أسمع عنكِ أبدًا.”
“…!”
“بل سمعتُ أنّ هناك شخصًا يتغيّب باستمرار بحجّة أمور عاجلة…”
مددتُ كلامي وغطّيتُ فمي بالمروحة. ثمّ، بملامح دافني الشرّيرة المعهودة، رفعتُ حاجبًا.
“لعلّ ذلك الشخص ليس أنتِ، أليس كذلك؟”
“…!”
شحب وجه روديا عند كلامي.
“ذلك… كان لديّ أمر عاجل حقًا… لكن في أوقات أخرى، شاركتُ جيّدًا.”
قالت ذلك ونظرت إلى زملائها في الفريق.
لم أرَ وجهها بوضوح من الجانب، لكن كنتُ أعلم.
كانت تنظر إليهم كأنّها تطالبهم بالتحدّث.
لكن تصرّفها وحّد قلوب أعضاء الفريق.
“…”
أغلق أعضاء الفريق أفواههم كما لو كانوا متّفقين.
كان ذلك بمثابة رفض الاعتراف بها كجزء من الفريق.
أمسكت روديا طرف تنّورتها بغضب.
التعليقات لهذا الفصل " 131"