الحلقة 100
*******
في تلك اللحظة، عند مدخل ريغارتا.
على الطريق المغطّى بدخان أبيض كثيف، كان السّائقون يضحكون بسخرية.
في الحقيقة، كانت هذه المنطقة معروفة كمصحّة، وكان معظم زوّارها من الخارج من كبار السنّ. وبسبب طبيعة أعمارهم، كانوا يفضّلون القطارات على العربات.
فالقطار أسرع بكثير، والسّفر بالعربة لساعات طويلة كان مرهقًا جدًا.
ومع ذلك، كان هناك من يستخدم العربات.
أولئك الذين لديهم وقت وفير ولا حاجة لهم للتعجّل.
أي، النبلاء.
لم يكونوا يرغبون في مشاركة المقاعد مع آخرين في وسيلة نقل جماعيّة.
لكن بسبب هذا الشعور بالامتياز المتعجرف، كان هناك من تقطّعت به السّبل على هذا الطريق…
“…”
كان هذا الشخص هو رودريك.
بعد لقاء والده، دوق إيفانز، مع الإمبراطورة، كان عائدًا على عجل محملًا بالإمدادات الضروريّة.
لكن الطريق، الذي كان سليمًا، شهد حادثًا، بل وانفتحت في وسطه فجوة كبيرة.
والأدهى، أنّ ذلك حدث بالضبط عندما كان هو يمرّ!
كظم رودريك غيظه وقال:
“انتقل إلى طريق آخر.”
“لكن، سيّدي، العربات التي تستقلّها كبيرة جدًا، قد يكون من الصعب استخدام طريق آخر…”
“إذن، إلى متى سنظلّ عالقين هنا؟”
صاح رودريك بغضب.
“من الأصل، لا يمكن أن يحدث انفجار كهذا كأنّه كان ينتظرنا…”
توقّف فجأة وهو يصرخ بانفعال.
كم عدد الأشخاص القادرين على إحداث انفجار بهذا الحجم دون أيّ خسائر بشريّة؟
‘ذلك الوغد، سيد البرج…!’
تذكّر رودريك وجه لوسيل المبتسم وهو يصر على أسنانه.
‘لا يمكنني التأخّر أكثر.’
كان عليه إيقاف مشروع دافني قبل أن يكبر أكثر.
“هناك.”
“نعم، نعم!”
أشار رودريك بعينيه إلى السحرة الذين رافقوه وقال:
كانوا سحرة لا ينتمون إلى برج السحر، يعيشون بدعم من النبلاء.
بما أنهم لم يكونوا جزءًا من البرج، كانت قواهم السحريّة ضعيفة، لكن بفضل دعم عائلة الدوق، كانوا أقوى من السحرة الأفراد الآخرين.
“انقلوا كلّ هذه الأمتعة.”
“ماذا؟”
لكن عند سماع هذا الأمر، صُدم السحرة.
بسبب أحجار القوّة التي تلقّاها من الإمبراطورة السابقة هيلا، كان هناك عشرات العربات.
نقل كلّ هذا بقواهم السحريّة؟ كان ذلك مستحيلًا.
لكن إذا لم يطيعوا أوامر الراعي، سينتهي عقدهم.
“هل تقولون إنّكم لا تستطيعون؟”
كما توقّعوا، تجهّم وجه رودريك.
“لا، لا، سنفعل!”
أجاب السحرة بسرعة وبدأوا بتجميع قواهم السحريّة.
ببطء، لكنّ العربات بدأت تطفو في الهواء.
ابتسم رودريك بسخرية.
‘مهما حاول ذلك الرجل التفكير.’
بل إنّ قيامه بهذا العمل يعني أنّه يائس حقًا.
أرسل رودريك رسالة عبر طائر البريد، مؤكّدًا أنّ كلّ الخطط تسير دون عوائق.
تخيّل لوسيل يشعر بالإحباط لفشل خطته، فانفلتت ضحكة ساخرة منه.
لكنّه لم يكن يعلم.
أنّ قوّة السحرة تتناسب مع طاقتهم البدنيّة.
وأنّه كان عليه الانتباه لحالتهم بعناية.
****
في هذه الأثناء، كان صالون أرتيميس مكتظًا بالناس كالعادة.
في إحدى زوايا الصالون، كانت سيدات نبيلات كبيرات في السنّ يستمتعن بوقت شاي هادئ.
“ابني أحبّ ‘عصا الامتحان’ من هذا المتجر كثيرًا.”
“حفيدي أيضًا. قال إنّها تجعل عينيه تلمعان، وتساعده على التركيز في الدراسة.”
“حفيدتي تقول إنّ ‘مُنتج استعادة الطاقة’ رائع. بفضله، تشعر أنّ مهاراتها في المبارزة تتحسّن يومًا بعد يوم.”
كانت قصص العائلة موضوعًا لا ينفد في حديث السيدات.
فجأة، توقّفت إحداهنّ.
“ألا تشعرن برائحة غريبة؟”
“حقًا؟ لا ألاحظ شيئًا.”
مالت السيدات برؤوسهنّ متعجّبات.
“حقًا؟ لكن…”
قالت السيدة التي بدأت الموضوع:
“أشعر وكأنّ هناك رائحة احتراق.”
في تلك اللحظة، ظهر شخص بينهنّ.
“هل الشاي يناسب ذوقكنّ؟”
كان غايل، مدير صالون أرتيميس.
كان يرتدي قميصًا ضيّقًا للغاية وبنطالًا أسودَ مثاليّ التناسق.
بدا وكأنّه يشعر بالحرّ قليلًا، فقد شمّر عن كمّيه، مكشفًا عن عضلات ذراعيه المثيرة للإعجاب.
في الحقيقة، لو كنّ شابات، لخفن من غايل…
“أوه، غايل، منذ مدّة لم نرك!”
“تبدو مشغولًا جدًا اليوم أيضًا.”
لكن بالنسبة لهؤلاء السيدات المخضرمات، لم يكن ذلك شيئًا.
بل وجدن غايل، الودود واللطيف على الرغم من حجمه، لطيفًا كحفيد. والأهم…
سألت إحدى السيدات بنبرة خافتة:
“بالمناسبة، غايل، هل رأيت هذا؟”
أخرجت شيئًا بحذر.
اتسعت عينا غايل.
“هذا…!”
“أجل، صحيح. إنّه الكتاب الجديد للمعلّمة ‘سيرينا’، صدر هذا الصباح.”
“…”
أمسك غايل فمه مصدومًا.
سيرينا.
مؤلّفة صنعت كليشيهات الروايات الرومانسيّة، ولا تزال تُبدع في هذا المجال.
كانت هذه السيدات شغوفات بالروايات الرومانسيّة، وخاصّة أعمال سيرينا.
بالطبع، لم يُظهرن ذلك علنًا، بل احتفظن به سرًا.
كانت أعمارهنّ تجعل إعلان حبّهنّ للروايات الرومانسيّة أمرًا صعبًا.
لذا، كنّ يستمتعن بجلسات قراءة سريّة في غرفة خاصّة بالصالون.
ذات يوم، نسيت إحدى السيدات كتابًا رومانسيًا كانت تحمله.
“آه، نسيتُ أخذ كتابي…!”
هرعن إلى الصالون، وهناك التقت عيناها بعيني غايل وهو يحمل الكتاب.
جسده الضخم، وجهه المخيف، ويده الكبيرة التي تكاد تخفي الكتاب.
ابتلعت السيدات لعابهنّ.
“هذا الكتاب… إنّه لحفيدي. نسيتُ أخذه…”
جمعت إحداهنّ شجاعتها وقالت.
توقّعن السخرية أو النظرات المتعالية.
لكن…
“أوه، حقًا! كتاب لحفيدكِ، لحسن الحظّ أنّني احتفظت به!”
على عكس مظهره المخيف، ابتسم غايل ببساطة.
“هذا الكتاب ممتع جدًا. يبدو أنّ حفيدكِ يقرأ كتبًا متنوّعة.”
بل وقال هذا. كان واضحًا أنّه من عشّاق الكتاب مثلهنّ.
نظرت السيدات إلى بعضهنّ، ثم…
بام!
أمسكن بيد غايل.
“ألا ترغب في الانضمام إلى نادينا؟”
وهكذا، استمرّت جلساتهنّ السريّة حتّى الآن.
قال غايل بمفاجأة:
“كتاب جديد؟ لم أكن أعلم!”
“ههه، متجرك مزدهر جدًا. قد لا تلاحظ وأنت مشغول. توقّعتُ ذلك، فأحضرتُ نسخة لك.”
“شـ، شكرًا!”
تناول غايل الكتاب بوجه ممتلئ بالامتنان.
ابتسمت السيدات برضا.
“بالمناسبة، غايل، يبدو أنّ الرائحة أصبحت أقوى منذ قدومك.”
“رائحة؟”
ارتعد غايل، فأومأت السيدة برأسها.
“منذ قليل، كنت أشمّ رائحة احتراق خفيفة.”
“ههه، ربّما تسرب رائحة الأعشاب التي نغليها.”
أومأت سيدة أخرى كأنّها توقّعت ذلك.
“صحيح؟ إذن لا شيء مهم.”
“هذا المكان يستخدم طرقًا فريدة لتحضير الأطعمة. يتناسب مع أجواء الصالون.”
بما أنّ أرتيميس يستخدم الأعشاب بكثرة مقارنة بالصالونات الأخرى، كانت رائحة الأعشاب تملأ المكان.
“حسنًا، يبدو ذلك منطقيًا.”
أومأت السيدة التي ذكرت رائحة الاحتراق مقتنعة.
“على أيّ حال، اقرأ الكتاب الجديد. رومانسيّة سيرينا أصبحت أعمق.”
“لقد اخترنا بالفعل عبارات مميّزة. ‘الرجل يتحدّث بقلبه.’ عبارة رائعة.”
“إذا اتبعنا هذا المنطق، فزوجي هادئ جدًا.”
“أوه، سيدتي!”
“لكن لا يمكنني إنكار أنّ زوجي هادئ أيضًا!”
ضحكت السيدات وهنّ يلوّحن بأيديهنّ كأنّهنّ يقلن إنّ الأمر مبالغ فيه.
ابتسم غايل معتادًا على هذا التدفّق في الحديث. ثمّ عندما نادى عليه أحدهم، قال “أعتذر” وغادر.
نظرت السيدات إلى ظهر غايل بارتياح.
‘هذا الطبع البسيط هو سحره.’
حتّى لو احمرّ وجهه خجلًا، لم يغضب أو يطلب منهنّ التوقّف.
بل كان يتفهّم شكواهنّ من أزواجهنّ.
كان هذا سبب استمرارهنّ في زيارة الصالون.
“إنّه شخص طيّب.”
“بالتأكيد.”
أومأت السيدات معًا.
لم يكن غايل يعلم ذلك، وأكمل عمله بجدّ.
بعد ذلك، أثناء استراحة قصيرة، دخل إلى الداخل وارتعد.
“…”
كان ذلك بسبب لوسيل، الذي كان جالسًا بوجه غامض.
كان هو مصدر ‘رائحة الاحتراق’ التي لاحظتها السيدة ذات الحاسة القويّة.
عندما دخل، بدا مرتاحًا كمن أنهى أمرًا كبيرًا…
‘لماذا تعبيره هكذا فجأة؟’
بينما كان يفكّر، قال لوسييل:
“غايل الصاخب، عمل جيّد اليوم.”
“ماذا؟ لم أقل شيئًا بعد…”
هل قرأ أفكاري؟
بينما كان غايل متفاجئًا، تنهّد لوسيل بخفّة.
“لماذا أنا ناقص إلى هذا الحدّ؟”
“ماذا؟”
“كنتُ أظنّ أنّني واسع الأفق…”
أنزل لوسيل بصره، ثم رفع رأسه لينظر إلى غايل.
كانت عيناه تتجهان نحو…
صدر غايل.
ارتعد غايل وغطّى صدره بذراعيه.
“أنا، أنا أحلم بالعيش مع زوجة تشبه الأرنب!”
“أجل، حسنًا…”
لكن ردّة فعل لوسيل كانت غريبة. أنزل غايل يده بحذر وسأل بقلق:
“هل هناك مشكلة؟”
“لا شيء كبير. لكنّني أدركت نقصي للتوّ.”
تمتم لوسيل بضعف.
كيف لشخص كان يبتسم بثقة وكأنّه يعرف كلّ شيء أن يبدو بهذا الضعف؟
حرّك غايل عينيه قليلًا.
كان لوسيل يحمل كتابًا بعنوان “كيف تتقرّب من الآخرين ببطء”.
ما الذي دفع هذا الشخص المضطرب نفسيًا لقراءة هذا؟
‘هل شعر أخيرًا بشيء من الإنسانيّة؟’
إذا كان كذلك، ربّما أدرك فعلًا نواقصه.
كان اختفاء غروره أمرًا جيّدًا، لكنّ غايل شعر بقليل من الشفقة.
قال غايل بتردّد وهو يحاول التخفيف عنه:
“حسنًا… كلّ شخص لديه نواقص. بالطبع، سيّدي، لديك الكثير، الكثير جدًا منها.”
“غايل، منذ مدّة لم تقل شيئًا بصراحة. كنتَ دائمًا تشتمني في سرّك.”
“ألم تكن تعلم ذلك بالفعل؟ لا داعي للمفاجأة. فقط استمع بهدوء.”
“حسنًا…”
عندما تحدّث غايل بنبرة صارمة، أغلق لوسيل فمه بحزن.
التعليقات لهذا الفصل " 100"