⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
كانت أشعة شمس مايو مشرقة ودافئة بما يكفي لتداعب الجلد، وكان النهر يموج بتموجات لطيفة أثارها النسيم الخفيف.
كانت أرتيزيا وليسيا من بين آخر الواصلين. وعندما نزلتا من العربة ممسكتين بأيدي المرافقين، اقترب منهما كادريول بخطوات سريعة، بعدما كان واقفًا بجانب الممر الخشبي يتحدث مع طاقم السفينة.
قال وهو يبتسم بلطف:
«أهلًا بقدومك يا سيدة روزان. وسررت بلقائك يا سيدة مورتن.»
فأجابت أرتيزيا:
«شكرًا على الدعوة. لم نتأخر كثيرًا، أليس كذلك؟»
«أبدًا. وصلتِ تمامًا في الوقت المناسب.»
تظاهر كادريول بأنه ينظر إلى ساعته الجيبية ثم أغمز بعينه.
في الحقيقة، كانتا متأخرتين قليلًا، لذا شعرت أرتيزيا ببعض الإحراج.
ثم قال كادريول بنبرة مازحة وهو يفرقع أصابعه:
«من آداب السلوك الصحيحة أن تصل السيدة متأخرة قليلًا. ألم يُعلِّمكِ الدوق إفرون ذلك؟»
فأجابته أرتيزيا بهدوء:
«لكن هذا ليس موعدًا غراميًا.»
ضحك قائلًا:
«يا له من كلام محبط. كنت أتطلع بشوق لرؤيتك من جديد.»
وضع كادريول يده على صدره كما لو كان سيطلب رقصة. لكن أرتيزيا اكتفت بابتسامة هادئة وتجاهلت المجاملة بخفة.
كانت قد بدأت تفهم طبع الأمير، فهو يميل إلى التخفيف من حدّة كلماته وتصرفاته ليجعل الآخرين مرتاحين.
لم يكن شخصًا طائشًا أو مغازلًا فارغًا؛ فمع أنه يفاجئ الآخرين أحيانًا بملاحظاته، إلا أنه يشبه الأميرة إلويس في ذلك.
ثم سمعوا صوت بافيل يلوّح من على ظهر السفينة وهو ينادي:
«آه! لقد وصلتما أخيرًا!»
لوّحت له ليسيا بحماس وشكرت كادريول بأدب:
«يشرفني أن أتلقى دعوة الأمير كادريول، رغم أنني أشعر أنني لا أستحق هذا الشرف تمامًا.»
ابتسم كادريول قائلًا بلطف:
«لا تستحقين؟! يا سيدة مورتن، يُقال إنك صديقة مقربة من السيدة أرتيزيا، بل كأنك أخت للدوق بافيل. لطالما تساءلت عن شخصك، لذا يشرفني لقاؤك أخيرًا.»
قدّم لهما التحية الرسمية بنفس اللباقة، ثم سار معهما بنفسه نحو الممر الخشبي المؤدي إلى السفينة.
أمسكت أرتيزيا بيده وصعدت، ومدّ بافيل يده ليساعدها على الصعود، ثم تبعتهما ليسيا وهي تمسك بأيدي الرجلين بسعادة طفولية.
بعد ذلك تبادلوا التحية مع غراهام، الذي لم يروه منذ فترة، ثم ألقوا التحية على ضيفة أخرى — الكونتيسة مارتا وابنتها الصغيرة أغنيس — وأخيرًا اقتربوا من سكايلا بابتسامات دافئة.
قالت أرتيزيا بود:
«سكايلا، مضى وقت طويل.»
فأجابت سكايلا بتحية فاترة:
«مرحبًا.»
مالت أرتيزيا برأسها متسائلة.
كانت سكايلا قد سافرت إلى الشرق في الشتاء الماضي مع غارنيت والماركيزة كاميليا، ولم تعد إلا مع اكتمال الربيع.
كانت أرتيزيا قد كتبت لها عدة رسائل، لكن الردود كانت قليلة وباردة.
في البداية ظنت أن الرسائل ربما تأخرت في الوصول، لكنها لاحظت أن الوضع لم يتحسن حتى بعد عودتها.
كانت سكايلا تكتب فقط: «أنا مشغولة لأن ابن عمي جاء معي»، والجملة كانت تحمل في طيّاتها رغبة في قطع التواصل.
شعرت أرتيزيا بالقلق، متسائلة إن كانت قد أزعجتها دون قصد، ولولا كلمات سيدريك المطمئنة لزاد قلقها أكثر.
قال لها سيدريك حينها:
[الماركيزة كاميليا تمر بأمور معقدة مؤخرًا. لا تقلقي. إنها ذكية وتعرف كيف تحمي أبناءها جيدًا.]
فسألته أرتيزيا:
[هل تقصد أن هناك مشكلة تخص كاميليا ولوكا؟ أم أن هناك وريثًا آخر على قيد الحياة قد ينازع في الميراث؟]
كانت تعرف أن إخوة الماركيز ماتوا جميعًا في سن مبكرة، لذا كان هو الوريث الشرعي الوحيد.
فكر سيدريك قليلًا ثم قال:
[الأمر ليس سرًا لا يمكن البوح به، لكنه موضوع ترغب عائلة الماركيز في إبقائه خفيًا. بما أنكِ صديقة لسكايلا، من الأفضل أن تسمعيه منها مباشرة. لكن إن أردتِ حقًا أن تعرفي، سأخبرك.]
في النهاية قررت أرتيزيا ألا تسأل. لم تسأل غارنيت أيضًا، إذ رأت أن سيدريك محق الأفضل أن تسمع من سكايلا نفسها. ومن إشارتها إلى مجيء ابن عمها معها، كانت أرتيزيا قد خمّنت بعض الأمور.
وبما أن غارنيت لم تبدُ قلقة، فلم تهتم كثيرًا.
واليوم، رأتهم أخيرًا. نظرت إلى سكايلا، ثم رفعت بصرها نحو الشاب الواقف بجانبها.
كان شابًا يبدو في أوائل العشرينات، بشرته ويداه مسمرتان من الشمس. وعلى عكس مظهر كادريول الأنيق، كان مظهره بسيطًا خشنًا قليلًا.
كانت عيناه تتحركان بتوتر تحت رموش منخفضة، ويبدو أنه غير مرتاح بين هذا الجمع النبيل.
قالت سكايلا بنبرة خالية من الحماس:
«هذا إيان كاميليا، ابن عمي. إيان، هذه أرتيزيا روزان، الوريثة الشابة لعائلة روزان وخطيبة الدوق إفرون.»
انحنى الشاب قليلًا وقال:
«تشرفت بلقائكِ يا سيدة روزان.»
ابتسمت أرتيزيا وردّت التحية بأدب:
«تشرفت بمعرفتك، اللورد كاميليا.»
ثم ألقت نظرة فاحصة عليه. كان يعرف آداب النبلاء الأساسية، لكن من الواضح أن تربيته مختلفة تمامًا عن تربية أرتيزيا الصارمة منذ الصغر.
سألت برقة:
«سمعت من غارنيت أنكما جئتما معًا من الشرق. هل هذه زيارتك الأولى للعاصمة؟»
«نعم، إنها المرة الأولى منذ كنت صغيرًا.»
أجاب إيان بتصلب. بدا هو وسكايلا غير مرتاحين لوجودهما في هذا اللقاء، مما جعل الموقف محرجًا قليلًا لأرتيزيا.
لكن في تلك اللحظة، عاد كادريول بعد أن أنهى تفقد السفينة ورفع المرساة، واقترب منهم بخفة.
قال مبتسمًا وهو يأخذ كأسين من الخدم:
«سنبدأ الإبحار بعد قليل. هل كنتن تتحدثن؟»
ناولهن كأسين آخرين وقال:
«سنشرب نخبًا قريبًا، لذا لا تشربوا بعد.»
«حسنًا.»
ثم وزّع الكؤوس على البقية.
بدأت الأشرعة تُفتح ببطء، وبدأت السفينة تنساب على طول النهر. كان إيان يحدّق بصمت في الماء الجاري، ممسكًا بكأسه.
اقتربت أرتيزيا من سكايلا وربطت ذراعها بذراعها وهمست بصوت خافت:
«هل أنتِ مخطوبة؟»
تسمرت سكايلا ونظرت إليها بذهول:
«…كيف عرفتي؟»
لكن صوتها انخفض بسرعة قبل أن تُكمل الكلمة الثانية.
تابعت أرتيزيا بلطف:
«لم أكن لأخمن غير ذلك. لكن، بصراحة، هل أنتِ موافقة؟ هل هذا قرار الماركيز والماركيزة؟»
صمتت سكايلا، فشدّت أرتيزيا على ذراعها قليلًا وأبعدتها عن إيان حتى لا يسمع.
سألتها بصوت حنون:
«سكايلا، هل أنتِ بخير فعلًا؟ هل ترغبين بهذا الزواج؟»
أجابت بصوت خافت بعد تردد:
«لست معترضة بالضبط… أنا فقط مصدومة. لم أتخيل أنني سأتزوج بهذه السرعة.»
غامت ملامح وجه سكايلا. كانت تفهم سبب هذا الزواج الذي حدثتها عنه الماركيزة، وتدرك أنه لا يوجد بديل أفضل منه.
التعليقات لهذا الفصل " 86"