مدّ سيدريك يده ورفعها بلطف بين ذراعيه. تمتمت أرتيزيا، وهي لا تزال نصف نائمة:
“اللورد سيدريك…؟”
“نعم، أنا.”
“لقد أتيت فعلًا لتبحث عني…”
كان صوتها بالكاد يُسمع، أشبه بتفكير بصوت عالٍ أكثر من كونه همسًا.
وربما لأنها لا تزال تحلم، تمتمت بكلمات غير مفهومة، ولفّت ذراعيها حول عنقه. ورغم أنها كانت شبه نائمة، كانت هذه أول مرة تقترب منه بهذه العفوية، واحتضنها سيدريك بسعادة.
وعندما استدار، رأى هايلي وليسيا واقفتين ووجهيهما مليئين بالقلق، ورأسيهما منخفضين. أما أوبري، التي بدت وكأنها لا تدرك خطورة الموقف، فقد كانت على وشك أن تصرخ بوجه مشوّه بالارتباك، بينما كانت كيسل تجرّها بعيدًا.
تقدّم بافيل خطوة وشرح بصوت محرج:
“أقسم أننا فتشنا هذه الغرفة مرات عدة…”
“…”
لم يقل سيدريك شيئًا. بما أن أرتيزيا كانت نائمة، فمن المحتمل أنها لم تستجب لنداءاتهم. ولم يكن أحد ليتوقع أن شخصًا ما قد حبسها عمدًا. لم يخطر ببالهم حتى أن ينظروا داخل الخزانة.
ورغم أن سيدريك كان غاضبًا، إلا أنه كبح انفعاله، ولم يُجب بافيل على الفور.
في تلك اللحظة، رمشت أرتيزيا بعينيها مجددًا، وتذكّرت أنها كانت تلعب الغميضة. ابتسمت، وأضاء وجهها كزهرة تتفتح:
“اللورد بافيل، لقد أوفيت بوعدك فعلًا.”
“…أنا آسف.”
اعتذر بافيل أخيرًا، وقد احمرّ وجهه خجلًا. فقال سيدريك برقة:
“كنتِ خائفة، أليس كذلك؟”
“أنا بخير. بخير… كنت أعلم أنك ستأتي للبحث عني…”
تحرّكت أرتيزيا وكأنها تشير إلى أنه يمكنه إنزالها، لكن سيدريك، وهو لا يزال يحملها، خرج بها إلى الخارج.
وصل الكونت والكونتيسة جوردن بسرعة بعد أن تلقيا الرسالة من الخادم. فوجئوا حين رأوا كيسل وأوبري في هذه الحالة، وأومأ لهم سيدريك أن يتبعوه بينما توجه نحو الجناح السكني.
ولمّا وصلوا إلى غرفة النوم، وضع سيدريك أرتيزيا برفق. ثم أمر ماري بإحضار كوب من الماء.
سألت أرتيزيا بدهشة:
“ما الذي حدث؟ هل هناك خطب ما؟”
وكانت نبرتها تُوحي بأنها لا ترى أن حبسها أمر كبير.
ربّت سيدريك على شعرها بلطف. عادت ماري بكوب الماء، وناوله لأرتيزيا.
“اشربي. لا بد أنك عطشى.”
“آه.”
لم تكن أرتيزيا قد شعرت بعطشها حتى أشار إلى ذلك. شربت رشفة، ثم شعرت بعطش شديد، فأنهت الكوب كله دفعة واحدة.
ابتسم سيدريك وقال:
“لا بأس الآن.”
“نعم؟”
“لن يُحبسكِ أحد مرة أخرى. آسف لأنني لم أكن منتبهًا كفاية.”
فكر في أن يخبرها أن أوبري هي من فعلت ذلك، لكنه تراجع. كانت أرتيزيا قد قالت إنها بخير، لكن لا بد أن ما حدث أخافها.
ولم يُرد أن يزرع في نفسها قلقًا إضافيًا.
“هل تثقين بي؟”
سألها ببساطة، فأومأت أرتيزيا برأسها بهدوء، وهي تعبث بأصابعها الصغيرة، ثم تمتمت:
“لأنك أتيت وبحثت عني…”
لم يَعُد يهم من يكرهها أو لماذا حدث ذلك.
لم يعرف سيدريك ما الذي دار في ذهنها حينها. مدّ يده وربّت على شعرها برقة، ثم وقف.
“بدّلي ملابسكِ وارتاحي. لا بد أنكِ مرهقة.”
“آه.”
بدون تفكير، أمسكت أرتيزيا بردائه مندهشة، لكنها سرعان ما تركته حين أدركت ما فعلت.
نظر سيدريك إلى يدها بشعور مختلط بالحنان والحزن. سُرّ لأنه أصبح شخصًا يمكنها الاعتماد عليه، لكن رؤية تعبيرها هذا، وهي لا تزال صغيرة وغير قادرة على التعبير الكامل عن مشاعرها، أحزنته.
لو كانت مثل باقي الأطفال، لكانت الآن تبكي وتتوسل.
لم يعرف كيف يرد على ذلك. كيف يمكنه أن يفتح قلبها بالكامل؟ كيف يمكنه أن يجعلها تثق به لدرجة أنها تبكي أمامه أو تعبر عن مشاعرها بحرية؟
جلس مجددًا على طرف السرير، وأزاح خصلة من شعرها خلف أذنها، ثم وعدها:
كانت ماري تنتظر بالخارج ومعها بيجاما، فأعطاها سيدريك أرتيزيا وغادر الغرفة.
في غرفة المعيشة، كان بافيل يمشي ذهابًا وإيابًا بقلق.
“أنا لم أقصد تجاهلها أو ألا أبحث عنها…”
“أعلم، ليس خطأك.”
إذا كان هناك من يُلام، فهو نفسه. كان يعلم أن أوبري تسببت بمشاكل سابقًا، ويعلم أن تلك البذور لا تزال موجودة. لقد كان خطأه لأنه لم يتدخل ويعالج الأمر من قبل، وراح يبرر تصرفاتها لصغر سنها.
كان وجه سيدريك جامدًا كالصخر وهو يخرج من غرفة أرتيزيا.
وفي هذه الأثناء، كان الكونت والكونتيسة جوردن قد سمعا القصة كاملة من كيسل وهايلي، وبدت وجهيهما شاحبين من الخوف.
حتى لو كان ما حدث مجرد تصرف طفولي ناتج عن غيرة أو كراهية، إلا أنه كان فعلًا لا يُغتفر.
لكن أرتيزيا هي خطيبة سيدريك. وقد أمرهم بنفسه أن يعاملوها كأخته.
وأوبري تجاوزت حدودها بشكل واضح.
ومع ذلك، فإن ابنتهما المدلّلة لم تعتذر، بل كانت ترفع رأسها حتى الآن، رغم انكشاف ما فعلته.
نظر سيدريك إلى آرون ومارغريت وقال:
“أعتقد أنكما تفهمان ما سأقوله.”
“نحن نعتذر بشدة. لقد فشلنا كوالدين.”
“إنها لا تزال صغيرة، ولم تتعلم آداب التصرف بعد…”
“تبرير تصرفاتها بصغر سنها وعدم تعلمها — هذه ستكون المرة الأخيرة.”
كان في صوت سيدريك برودة لم يعهدوها من قبل.
لكن لم يكن هناك ما يمكن قوله. كلاهما كان يعرف أن أوبري أساءت لأرتيزيا منذ لقائهما الأول، وأن سيدريك غضّ الطرف حينها.
“حبس شخص ما ليس مجرد مسألة سلوك. وأوبري لا تبدو نادمة بأي شكل.”
“سنتأكد من أن هذا لن يتكرر أبدًا. وسنؤدّبها بشدة.”
انحنى آرون ومارغريت أكثر، فقال سيدريك ببرود:
“ستُهدم جميع الغرف الخاصة التابعة لعائلة جوردن في القصر. كما ستوضعان تحت الإقامة الجبرية لمدة شهر.”
“نقبل بالأمر.”
وبما أنه لا يليق أن يُعاقب طفل في الثامنة على التمرد، وجه سيدريك العقوبة إلى والديها. كانت الغرف الخاصة التي خُصصت لعائلة الكونت جوردن امتيازًا لمكانتهم كممثلين عن الإقطاعية.
وسحبها منهم كان بمثابة خفض كبير في مكانتهم.
ثم التفت سيدريك إلى كيسل، المربية.
“يُمنع على المربية دخول القصر لمدة عامين.”
لم تكن كيسل تدخل القصر إلا للإشراف على الأخوات جوردن، لكن العقوبة ستُسجَّل. أطرقت برأسها بتواضع، والدموع تلمع في عينيها.
وأخيرًا، نظر سيدريك إلى أوبري، التي لا تزال غير مدركة لحجم ما حدث، ثم عاد بنظره الحاد إلى آرون ومارغريت:
“يُمنع على أوبري جوردن دخول القصر بشكل دائم. ليس القصر فقط، بل أي مكان قد تلتقي فيه بأرتيزيا. وآمل ألا أراها مجددًا.”
وهذا كان بمثابة نهاية مستقبلها داخل طبقة نبلاء إيفرون.
م.م: تستاهل 🤣🤣🤣 اعرفي مكانك
انحنى آرون ومارغريت بصمت، عاجزين عن الكلام.
“أمي؟ أبي؟”
عندها فقط بدأت أوبري تشعر بالخطر الحقيقي. نظرت حولها بقلق، تبحث عن من يدافع عنها. سارعت مارغريت إلى الإمساك بيدها، وأشارت لها أن تُخفض رأسها.
وترددت أوبري، لكنها فعلت. وحتى هايلي وليسيا — رغم براءتهما — انحنيتا كذلك.
نظر سيدريك إليهم بحزن مرير، ثم أمرهم بالمغادرة.
كان يعلم أن هذا ما يجب فعله… لكنه مع ذلك، شعر بالألم.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"