الفصل 6 :
وقفت يفغينيا وحدها أمام العربة، فتقدم السائق مترددًا وقال بصوتٍ خافت:
“سمو الدوقة، هل أقوم أنا بمرافقتكِ على الأقل…”
“لا، لا داعي. سأنزل وحدي.”
نزلت يفغينيا خطوةً خطوة بحذر، ثم تنفست الصعداء.
لكثرة اللامعقولية، لم تشعر حتى بالغضب.
كان مجرد فضول: لماذا يتصرف رايموند بهذا الشكل؟
‘هل فقد عقله أخيرًا؟’
كما قال رايموند بنفسه، طالما أن اسمه محفورٌ على كتف يفغينيا، فالفسخ مستحيل.
وفي مثل هذا الوضع، أن يجلب عشيقته علنًا إلى الحفل، هذا سلوكٌ لا يمكن تفسيره بالعقل.
‘هل يظن أن كلامي عن الفسخ مجرد تهديدٍ فارغ؟’
تقول بالكلام إنها تريد الفسخ، لكن حفل الخطبة يسير دون أيّ مشكلة، فمن الطبيعي أن يعتقد أنها تتظاهر فقط.
وإن كان مخطئًا بهذا الشكل، فيمكن تخمين سبب جنون رايموند تقريبًا.
‘يظن أنني أتظاهر بالغيرة عمدًا لأجبره على ترك ستيلا.’
قبل أن تستيقظ على حياتها السابقة، فعلت هذا مراتٍ عديدة.
تهدد بالقفز من النافذة إن لم يعد فورًا، أو تمنع ستيلا من دخول كل محلات الخياطة في العاصمة إن لم يخرج معها…
باختصار، ارتكبت كل أنواع الجنون لجذب انتباه رايموند.
‘كنت أقول “انظر إلي” وما إلى ذلك، وكان يظن أنني أفعل هذا عمدًا لاستفزازه…’
ربما كان ذلك هو “لطفه” بطريقته الخاصة.
يعطيها هذا القدر من الحرية، وفي المقابل قد ينظر إليها يومًا ما، شيءٌ من هذا القبيل.
لكن لسوء الحظ، يفغينيا هي الشخص الذي يريد الهرب أبعد ما يمكن من هذا “اللطف”.
‘أساسًا، لا أعرف إن كان هذا يمكن أن يُسمى لطفًا…’
أصدرت “تسك” خفيفة وتمتمت:
“يبدو أن عليّ أن أوضح الأمر لرايموند تمامًا.”
حُبّكما؟ أؤيده بشدة.
فدعنا نذهب كلٌ في طريقه، كيف أقول هذا حتى يبدو صادقًا؟
بينما كانت تغرق في التفكير وهي تمشي، وصلت فجأةً إلى مدخل القاعة.
أومأت برأسها قليلاً، ففتح حارس الباب الباب وصرخ:
“تدخل الآنسة يفغينيا مارتيور، الابنة الشرعية لدوقية مارتيور!”
تدفق دفء القاعة فجأةً، وتطاير شعر يفغينيا الأحمر.
وفي اللحظة نفسها، تجمدت الأجواء المرحة في القاعة.
انحنت العيون التي كانت تتسلل سريعًا بين بدلة رايموند وفستاني يفغينيا وستيلا.
ضحكاتٌ خافتة ساخرة، ومراوح ترفرف بسرعة.
كانت يفغينيا تعرف أكثر من أيّ أحد ما تعنيه هذه الأصوات.
“ها. من يجرؤ…”
قبل أن تصبح “مجنونة المجتمع الراقي في إمبراطورية أتروكس”، وبعدها أيضًا.
لم يكن هناك من يجرؤ على السخرية منها.
النميمة خلف ظهرها أمرٌ طبيعي، فحتى الملك يُشتم في غيابه.
لكن السخرية أمام وجهها مباشرةً؟ مستحيل.
‘عشتُ شهرًا هادئةً نسبيًّا، ففقدوا صوابهم.’
كيف لبالغين كبار أن يكون تفكيرهم قصيرًا إلى هذا الحد؟
عبست يفغينيا، ثم فتحت عينيها على وسعهما عمدًا، ونظرت واحدًا تلو الآخر إلى العيون خلف المراوح.
من يخفض نظره فور التقاء العينين: مبتدئ.
من يرتجف ثم يدير بصره ببطء متظاهرًا بالهدوء: متوسط.
ومن يحدق بها بوقاحة أكبر:
“……الآنسة ابنة الماركيز ناغلسمان. لم نلتقِ منذ زمن، أليس كذلك؟”
“يا إلهي، فعلاً. آخر مرة كانت… في جلسة الشاي عند كونت جيوفاني، أليس كذلك؟”
كان الجواب مليئًا بنيةٍ واضحة لاستفزاز يفغينيا.
أولاً، آخر لقاء بين يفغينيا وابنة الماركيز ناغلسمان كان قبل شهرين، وجلسة شاي عائلة جيوفاني قبل أربعة أشهر.
لا يمكن أن تجهل هذا، لكنها ذكرت ذلك اليوم عمدًا لسبب واضح.
‘في ذلك اليوم، لأن رايموند لم يرافقني، ضايقت ستيلا فسكبت الشاي عليها بالخطأ، فظهر رايموند كالأشباح ورافق ستيلا.’
كان بالنسبة ليفغينيا إهانة، وبالنسبة للحاضرين مسرحيةً ممتعة.
رفعت يفغينيا شفتيها بازدراءٍ وقالت:
“لا، آخر مرةٍ كانت في حفل الربيع في القصر الإمبراطوري قبل شهرين. أن تختلط عليكِ الذاكرة إلى هذا الحد… هل تتذكرين اسمكِ على الأقل؟”
“ما، ماذا قلتِ؟”
“سمعتُ أن هناك طبيبًا بارعًا في علاج فقدان الذاكرة، هل أبحث لكِ عنه؟ بقوة دوقية مارتيور، سنعثر عليه بالتأكيد قبل أن تسوء حالتكِ.”
لم تكن آنسة ناغلسمان واقفةً مذهولة لأنها لم تفهم.
بل فهمت جيدًا إلى درجة أنها لم تجد ردًا.
ربتت يفغينيا على كتفها بلطف وهي بين الذهول والارتباك، وابتسمت بعينين منحنتين:
“تبدين بخير الآن، لكن إن خرجتِ ليلاً في نزهة فاختطفتِ فجأةً دون أن يعلم أحد، ورُميتِ في جزيرةٍ نائية لا إنسان فيها ولا شيء… ألن تسوء حالتكِ أكثر؟”
“……خ، خطف؟ يا آنسة مارتيور! ما هذا ال…”
نظرت يفغينيا بهدوء إلى وجه آنسة ناغلسمان الذي شحُب تمامًا، ثم ضحكت فجأة.
آهاها. هاها، ها.
انفجرت ضحكتها الصافية، فالتفتت الأنظار إليها لحظيًا.
كانت يفغينيا معتادة جدًا على أن تكون مركز الاهتمام.
فضول، اهتمامٌ دنيء، أو خوف.
استمتعت قليلاً بالنظرات المشوشة بمشاعر متضاربة، ثم هزّت رأسها:
“كل هذا مجرد افتراض، افتراضٌ فقط. لِمَ تفزعين هكذا؟”
وجهها لا يزال يحمل الضحك.
لكن العينان الذهبيتان بين الرموش المنحنية كانتا باردتين كالثلج.
أمسكت يفغينيا كتف آنسة ناغلسمان برفق وأضافت كأنها تمزح:
“……حسنًا، لن أنكر أن دوقية مارتيور تملك القوة لتحويل هذا ‘الافتراض’ إلى حقيقة.”
“……!”
“تصرفي باعتدال، باعتدال. في الحد الذي أستطيع فيه التغاضي. فهمتِ؟”
لم تكن يفغينيا قد ضايقت آنسة ناغلسمان بهذا الشكل من قبل.
السبب بسيط.
لأنها ابنة عم رايموند.
لكن هذا كان مهمًا فقط ليفغينيا الماضية التي كانت معلقة برايموند.
أما الآن، فلا يعنيها أبدًا.
‘أتمنى أن تركض إلى رايموند الآن وتخبره بكل الشتائم عني. هل أفعل الشيء نفسه أمام دوق ودوقة لارسن أيضًا…’
أطلقت يفغينيا آنسة ناغلسمان المذعورة، وتناولت كأس نبيذ من النادل.
بينما كانت تبحث عن مكان جيد لتمضية الوقت وهي ترتشف النبيذ، توقفت الموسيقى الهادئة فجأة.
“ما الذي يحدث؟ لمَ توقفت الموسيقى فجأة…”
“يبدو أن آنسة ماركيز ناغلسمان أعدت شيئًا مجددًا. دائمًا تفتح فعالياتٍ جديدة، لا عجب أن حفلاتها مشهورة.”
“ليس تغيير الموسيقى فقط، بل إيقافها تمامًا، لا بد أنها أعدت شيئًا مذهلاً.”
بالنسبة للنبلاء الذين يلهثون وراء الجديد والموضة، مثل هذه الفعاليات كانت انفجارًا للدوبامين.
في الهمسات المتزايدة، شعرت بالحيرة ممزوجةً بحماس لا يمكن إخفاؤه.
طق، طق.
تقدمت آنسة ماركيز ناغلسمان وهي تتباهى بفستانها الكبير، وكان وجهها غائمًا بشكل غريب.
كأنها لا تفعل هذا بإرادتها.
“أيها السادة، اليوم أعددتُ… فعاليةً ممتعةً جدًا. وهي…”
تنفست بعمق، ثم رفعت شفتيها بقوة.
طرقت بإصبعها، فصعد رجلان قويّا البنية من أسفل الدرج.
كان الرجلان ذوا مظهرٍ حسن، لكن ملابسهما جريئةٌ جدًا.
بلا قميص ولا شيء، فقط سترةٌ فوق الجسد العاري، وقفا على جانبي آنسة ناغلسمان، يبدوان تماماً كـ…
‘همم، لا يبدوان كمن يقومون بعملٍّ شريف.’
بينما كانت تراقبهما بنظرةٍ مترددة، جاءها الإدرك متأخرةً.
كانت سترتا الرجلين متناسقتين تمامًا مع فستان آنسة ناغلسمان.
رغم اختلاف الملابس، إلا أنها من نفس القماش، تنسيق ثلاثي واضح.
في اللحظة التي أدركت فيها هذا، بدأ شعورٌ سيء يتسلل إليها.
‘……لا، مستحيل، أليس كذلك؟’
لقد حذرتها للتو، لا يمكن أن تتجاهل لطفها.
مستحيلٌ حقًا.
“اليوم سنختار الثنائي الذي يرتدي أكثر ملابس ‘ثنائية’ في الحفل… ونمنحهما الحق في قضاء الصيف في فيلا البحر في أراضي ناغلسمان…”
…يبدو أن آنسة ناغلسمان أصيبت حقًا بالخرف المبكر.
وبشكلٍّ حادٍّ جدًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 6"