1
الفصل 1 :
“الوريثُ سيكونُ الطفل الذي تلده ستيلا.”
“……هل تعرفُ ما تعنيه هذه الكلمات الآن وأنتَ تقولها؟”
“نعم. أعني أننا حتى لو تزوّجنا، لن تحملي مني أبدًا.”
جلنج!
سقطت الفنجان من اليد التي كانت ترتجفُ بصوتٍ مزعج.
“رايموند. أسألُكَ بجدّيةٍ لأنني حقًّا لا أفهم، ألستَ تقصد وريث عائلة لارسن؟ بالتأكيد لستَ تقصد عائلتي، دوقية مارتيور، صحيح؟”
“ها. يفغينيا مارتيور، توقّفي عن التظاهر بالغباء من فضلكِ.”
“م… ماذا قلتَ؟!”
هزّ رايموند رأسه باشمئزازٍ حقيقيّ، ثم وضع فنجانه بأناقةٍ تامّة.
لم يصدر الفنجان أدنى صوتٍ وهو يعود إلى مكانه، دليلٌ على مدى هدوئه.
نظر مباشرةً إلى يفغينيا المذهولة وقال:
“هذا الزواج هو ما أردتِه أنتِ. من أجل حبّكِ التافه.”
“……”
“إذًا، ألا يجب احترام حبّي أنا أيضًا؟”
كلامٌ مجنونٌ تمامًا.
نظر رايموند إلى يفغينيا التي بدأت كتفاها ترتجفان، بنظراتٍ باردة كأنّ بكاءها لا يعنيه بشيء، ثم نهض من مكانه.
ظنّ أنّ صوت حفيف الفستان من خلفه هو يفغينيا تحاول الإمساك به مجدّدًا، فاستدار بتجهّم.
ثم…
“ما… مارتيور، ماذا تفعلين الآن…!”
“رايموند لارسن، يا ابن الـ……!”
بوخ، بوخ، بوخ!
“متْ! متْ!”
“آه، آهآآك! آخ!”
كان الحذاء الوحيد في الإمبراطوريّة المرصّع بالماس بلا حساب، سلاحًا فتاكًا بكلّ معنى الكلمة.
كعبٌ مدبّب ينهال على الكتف والظهر والذراع دون تمييز.
“آخ، توقّفي، مارتيور، أيتُّها المجنونة! آخ!”
لفّ رايموند جسده كالكرة وحاول التراجع، لكن يفغينيا لم تستسلم.
حتى وهو يُضرب، ظلّ يناديها “مارتيور” بمسافةٍ رسميّة، فازداد غضبها.
في طفولتهما حين كان يمصّ الخبز المبلّل بالحليب، كان يناديها “جينيا، جينيا” بكأنّه لا شيء!
خلعتْ حذاءها الواحد فأصبحت تعرج، لكنها طاردته بعناد.
أخيرًا، عندما انغرز الكعب في جبهته وسال الدم، توقّف كلّ شيء.
“هاك، هاك. مارتيور، أنتِ مجنونةٌ حقًا…”
“نعم، أنا مجنونة. لكنكَ أكثر جنونًا مني. عريسٌ يدخل بيت زوجته، ويقول إن الوريث سيكون من ستيلا؟ كلما فكّرتُ فيها ازددتُ غضبًا. تعالَ، اقترب لأضربكَ أكثر!”
“آخ، آخ!”
عاد هجوم الكعب، وأصبحت ملابس رايموند في حالة يُرثى لها.
بعد عدّة محاولات، نجح أخيرًا في الابتعاد، فأمسك جبهته الدامية وصرخت:
“أنتِ، أيتها المجنونة! كنتُ أظنّكِ ستتصرّفين بأدبٍ أمامي قليلًا، لكن بما أن «الاسم ظهر» الآن، لم يعد هناك داعٍ لذلك، صحيح؟!”
“اخرس واغرب عن وجهي. تُريد المزيد؟”
“……مهما فعلتِ، لن يتغيّر شيء. تظاهري بالجنون ولن أنظر إليكِ أبدًا…”
لم يكن هناك حاجةٌ لإكمال الجملة.
ما إن حرّكت أصابعها الممسكة بالحذاء الملطّخ بالدم حتى شحب وجه رايموند.
ركض هاربًا خارج غرفة الضيوف، ولم يكن في ظهره أيُّ أثرٍ للأناقة.
وضعت يفغينيا الحذاء برفق، ثم تساءلت وهي تُصدر صوت «تش تش»:
“لماذا أحببتُ هذا الوغد أصلًا؟ هل هذا أيضًا قوّة الرواية الأصليّة؟”
* * *
يفغينيا مارتيور. الابنة الشرعيّة الوحيدة لعائلة مارتيور الدوقيّة، إحدى الدوقيّتين الوحيدتين في الإمبراطوريّة.
جميلة الإمبراطوريّة الاجتماعيّة الشهيرة… ومجنونة مُعلنة.
رغم أنها تجاوزت سنّ الرشد، لم تكن مخطوبةً بعد.
لأنها كانت مغرمةً تمامًا بصديق طفولتها، رايموند لارسن، ابن الكونت لارسن.
رفضت كلّ عروض الزواج التي وصلتها، ومنعت كلّ من وصل إلى رايموند.
ظنّت أنها ستكون هي من يتزوّجه حتمًا… حتى ظهرت «ستيلا أيير».
كيف استطاعت ابنة بارون تافهة أن تُغوي رايموند؟ راقبتها بنظراتٍ تقطر قتلًا… ثم اكتشفت الحقيقة.
“ستيلا هي البطلة، ورايموند البطل… لا يمكن منافسة ذلك…”
لِمَ التستّر؟
هذا عالم رواية رومانسيّة فانتازيّة بعنوان «الآنسة البارونة التي تتحدّى القدر»، ويفغينيا… شخصيّةٌ تناسخت واستعادت ذكريات حياتها السابقة لتوّها.
البطلة والبطل قد اكتملا بالفعل.
إذًا المقعد المتبقّي واضح، أليس كذلك؟
“حتى لو كنتُ الشريرة، فالمستقبل مضمونٌ نوعًا ما، أليس الأمر جيّدًا؟”
حرق؟ قطع رأس؟ إعدام؟ كلّها أفضل من مصير يفغينيا.
لأن يفغينيا مارتيور… ستموت جوعًا في السجن!
“بل إنّه كتب أن الجميع احتفلوا بعد موتها. كيف يعيش المرء ليصل إلى هذه النقطة؟ ألم أعشْ حياةً لا بأس بها؟”
تمتمت، فانقلبت صفحات الكتاب في رأسها، وتذكّرت ما فعلته:
رمي اللحم على الأرض لأنّه لم يُشوَ كما أحبّ.
جلد خادمة بالسوط لأنها لفّت شعرها بزاوية درجتين فقط.
جرح نفسها مرارًا لجذب انتباه رايموند.
قبل أسبوع فقط، تسلّقت إطار النافذة أمامه وصرخت أنها تحبّها.
“كانت الريح… أقوى مِمّا توقّعتُ…”
رايموند الذي رآها تتمايل من الريح، تذمّر واستدار وغادر دون أدنى اهتمام.
ثم كسّرت الأثاث، ومزّقت الملاءات، وبعدها…
“فجأة تذكّرتُ حياتي السابقة… حسنٌ، ليس فجأةً تمامًا.”
مرّرت أصابعي بحذر على عظمة الترقوة.
على بشرةٍ ناعمة كفاية لإطلاق تنهيدة، كان هناك حرفٌ أسود كأنّه وشم:
Raimund Larsen (رايموند لارسن).
اسم الرجل الذي طردته لتوّه بكلّ وقاحة.
“آه. «الاسم»… هذا أكثر خيالاً من التناسخ نفسه.”
في أسطورة تأسيس الإمبراطوريّة، وطنها وخلفيّة الرواية، هناك هذا:
في زمنٍ بعيد جدًّا، كان الحاكم يختار شريك الحبّ بنفسه.
بعد ألف سنة من التأسيس، أصبحت مجرّد «أسطورة» لا أكثر ولا أقل.
لكن كلّا.
لماذا يوجد «تتحدّى القدر» في عنوان الرواية الأصليّة برأيكم؟
“لأنهم أرادوا فقط إدخال عقبةٍ في حبّ البطل والبطلة، فاخترعوا هذه الأسطورة، صحيح؟”
لو أخفت الإسم فور استيقاظها لكان الأمر مختلفًا، لكنها للأسف كانت في حالة ذهول من الألم.
عندما استعادت عقلها، كان ظهور اسم رايموند على جسدها قد انتشر كالنار في الهشيم بين الدوقية.
بين الخدم، أصبحت خطوبتهما أمرًا مفروغًا منه، ولم يعد هناك من يصدّق إنكارها الآن.
قرّرتُ أن أسلك طريق الشريرات السابقات: أتوب وأصبح إنسانة طيّبة، وأحافظ على علاقةٍ جيّدة مع البطل.
…فكانت النتيجة أن تكتشف متعة ضرب رأس شخصٍ بكعب حذاء.
“لكن، هل هذا خطأي؟ هو من قال كلامًا لا يقوله إنسان!”
منذ استعادة ذكريات حياتها السابقة، برد حبّها الحارّ تجاه رايموند منذ زمن.
حتى رؤية وجهه لم يعد يُدقّق قلبها، وهذا كلّ شيء.
ظنتُ أن ذلك نعمة، لكن كيف كانت تعرف أن رأس رايموند هو المصيبة؟
“هل كان دائمًا هكذا؟ كانت قشور حبّي من الأدامانتيوم؟!”
كيف يقول أمامها مباشرةً إنه سيقطع نسله؟
إمّا أنه مجنونٌ تمامًا، أو واثقٌ إلى هذا الحدّ من حبّ يفغينيا، يوك! واحدٌ من الاثنين.
وبالنظر إلى ما فعلته يفغينيا سابقًا، فالاحتمال الأكبر هو الثاني.
“لا يمكن. أن أبقى صداقةً مع بطل الرواية الأصليّة؟ مستحيلٌ تمامًا.”
رأته مرّةً واحدة اليوم فقط، وكادت تقتله بكعب حذائها.
لو رأته مرّتين أو ثلاثًا، لا شكّ أنها ستتسبّب بكارثةٍ يومًا ما.
“لكن القتل ممنوعٌ بالتأكيد.”
إن لم تستطع التقرّب من رايموند، فلن تستطيع التقرّب من ستيلا البطلة أيضًا.
فكلّ محاولاتها الطيّبة ستبدو في عيني رايموند المجنون مشوّهةً تمامًا.
حاولتُ إنهاء الخطبة بالحسنى، لكنّه يخطّط للوريث بالفعل، يبدو أن رايموند قد حسم أمره بالزواج نهائيًّا.
“يُطالبني باحترام حبّه، ثم يجعل من تُحبّه عشيقة؟ حتى التفكير في هذا يجعلني أغلي!”
بل إنه يعتبر هذا المبدأ المجنون أمرًا طبيعيًّا!
ربما بسبب جنون يفغينيا المفرط في الرواية الأصليّة، ازداد حبّهما قوّة بعد كلّ المصاعب.
يعني: ما لم ترتكب يفغينيا جنونًا يُضاهي الرواية، فلن يتغيّر رأي رايموند أبدًا.
لكن يفغينيا ليست من تيأس هكذا.
“تظنّ أنني سأترك الأمر كما هو؟ سنرى.”
ابتسمت يفغينيا ابتسامةً خبيثة، ثم رنّمت الجرس الصغير: دلان دلان.
“هل دعوتني، آنستي؟”
“أجل. أين والدي الآن؟”
إن لم يتغيّر رأي رايموند، فسيكفي تغيير رأي شخصٍ أقوى.
مثلًا… دوق مارتيور الذي يحبّ ابنته الوحيدة، التي تشبه زوجته الضعيفة الراحلة، أكثر من أيّ شيءٍ في العالم.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 1"