الفصل 34

 

<– ما يرتبه حاكم¹ –>

 

شعرت كأن صاعقة ضربتني، ففتحت عينيّ على اتساعهما.

 

لم يكن الآخرون الذين لم يروا وجهي قد لاحظوا شيئًا، واستمروا في الحديث.

 

“عالم آخر؟ هل يعني ذلك أنهم يجلبون شخصًا يعيش في نجم آخر؟”

 

“بدقة أكثر، قيل إنه عالم منفصل تمامًا عن هذا العالم… هيه، أيها الوريث هالدف، أليس هذا من اختصاصك في الفيزياء السحرية؟ اشرح لنا.”

 

أطلق لومينس ، الذي كان هادئًا، تنهيدة قصيرة قبل أن يتحدث.

 

“…أنت تعرف ذلك أيضًا، أليس كذلك، فيلكينا؟ تعريف ‘العالم’ هو النطاق الذي يصل إليه تأثير حاكم.”

 

“نعم! ندرس ذلك في مقرر الفيزياء السحرية.”

 

“إذا قلبنا هذا التعريف، فهناك فرضية تقول بوجود ‘خارج العالم’، وهو مكان لا يصل إليه تأثير حاكم. عالم منفصل تمامًا عن هذا، لا تخضع قوانينه وأسبابه لقوانين هذا العالم.”

 

“هوه، هذا مثير للاهتمام.”

 

حتى جين، الذي كان في أحضان فيلكينا، بدا مهتمًا.

 

“بالطبع، هذه ليست فرضية تحظى بالكثير من التأييد. مجرد الادعاء بوجود مكان لا يخضع لتأثير حاكم يعتبر أمرًا غير مقبول دينيًا لدى أغلب سكان قارة أرانداست.”

 

“…لكن في الواقع، ‘خارج العالم’ موجود بالفعل. إذا كانت قوة ‘دعوة نحو النجوم’ حقيقية.”

 

بينما كنت أسمع صوت يوغو، كانت أفكاري تدور بسرعة.

 

جلب شخص من عالم آخر إلى هذا العالم…

 

هل يعني ذلك أنهم يتحدثون عني؟

 

“أ-أم، يوغو.”

 

“ماذا هناك؟”

 

“إذا كانت العائلة الملكية تعلم بذلك، فهل هذا يعني أنه تم استخدام ‘دعوة نحو النجوم’ في الماضي؟”

 

عند سؤالي، هتفت فيلكينا بحماس، “صحيح، هذا مثير للاهتمام!”

 

شعرت بأن قلبي ينبض بسرعة بينما كنت أبلع ريقي.

 

“سمعت أنه تم استخدامها من قبل. لا أعرف التفاصيل الدقيقة، لكنها كانت منذ زمن بعيد.”

 

إذا كانت منذ زمن بعيد، فربما لا علاقة لي بالأمر؟ ولكن…

 

كنت أظن دائمًا أنني وصلت إلى هذا العالم لأنني تمنيت ذلك أثناء لعب اللعبة.

 

لكن، هل من الممكن أن يكون السبب الحقيقي هو ‘دعوة نحو النجوم’؟

 

بغض النظر عن السبب، ربما لن يغير ذلك شيئًا بالنسبة لي الآن.

 

ومع ذلك، شعرت بقلبي يخفق باضطراب.

 

لأول مرة، بدأت أفكر في الطريقة التي جئت بها إلى هذا العالم، ــ وفي طريقة العودة إلى عالمي الأصلي.

 

بمجرد أن خطرت لي هذه الفكرة، شعرت بألم حاد في رأسي.

 

لا، يبدو أن هذه مجرد أفكار عبثية. لا يجب أن أفكر في أمور غريبة.

 

من الأفضل أن أركز على شيء آخر.

 

أمسكت برأسي الذي بدأ يؤلمني، محاولًا تهدئة نفسي.

 

“لكن، لماذا يريدون جلب شخص من عالم آخر؟ هل سيساعد ذلك في إنقاذ العالم من أزمة ما؟”

 

عند سؤال فيلكينا، خفض لومينس عينيه وشرح قائلاً:

 

“…إنها مجرد فرضية، لكن شخصًا من عالم آخر لا يخضع لقوانين، مما يعني أنه قد يمتلك قوة خارقة للطبيعة، قوة لا يمكن لأي ساحر في هذا العالم مجاراتها.”

 

لم يكن استنتاج لومينس صحيحًا تمامًا، (فأنا لم أكن أمتلك أي قوة على الإطلاق)، لكن إن كان هناك سبب منطقي لجلب شخص من عالم آخر، فهذا قد يكون أكثر تفسير معقول.

 

“صحيح، هذا ما سمعته أيضًا. استعارة قوة شخص من عالم آخر يتمتع بقدرات خارقة من أجل تصحيح أزمة العالم. إنها قصة تبدو وكأنها أسطورة سخيفة.”

 

حتى يوغو، رغم أنه كان هو من طرح الموضوع، بدا وكأنه لا يصدقه تمامًا.

 

لكن فيلكينا ضحكت قائلة:

 

“لا بأس، إنها قصة رومانسية! أليس كذلك؟ كيف تظنون أن الشخص القادم من العالم الآخر سيكون، جين؟”

 

“قد يكون مختلفًا عنّا في المظهر أيضًا، أليس كذلك؟”

 

“آه، صحيح! ربما يكون عملاقًا كما في القصص الخيالية، أو على العكس، قزمًا صغيرًا!”

 

ماذا لو قلت لهم، “أنا ذلك الشخص القادم من العالم الآخر”؟

 

هل سيتفاجؤون؟ هل سيصدقونني؟ هل سيستمعون إليّ؟

 

إنهم جميعًا طيبون، ربما سيأخذون كلامي بجدية ويحاولون مساعدتي.

 

…لكن…

 

“…سينيفينا؟ انتظروا جميعًا للحظة.”

 

من خلفي، كان لومينس يسير بجانبي، فاستدعى الجميع ووضع يده على جبهتي.

 

“كما توقعت، لديك حمى. يبدو أن حالة سينفينا ليست جيدة. اليوم دعنا نأخذ قسطًا من الراحة.”

 

“آه، لم نصل حتى إلى نصف المسافة المقررة للمسير اليوم!”

 

“ألم تقولي بنفسك قبل أن نغادر؟ أنكِ لن تضغطي على نفسك وإذا شعرتِ بالتعب ستخبريننا بذلك. إذا استمريتِ في إجهاد نفسك فلن نتمكن من المضي قدمًا. سأستخدم سحر الشفاء الآن.”

 

قال ذلك بنبرة حنونة ولكن صارمة. بينما كانت فيلكينا تشبك يديها وتومئ بالموافقة، وافق يوغو أيضًا.

 

“صحيح، صحيح! سينفينا ، ارتاحي! سأقوم بتحضير كل شيء للنوم في الخارج!”

 

“المشي لفترات طويلة في أيام ممطرة يؤثر بشكل طبيعي على الجسم. لا داعي لأن تشعري بالذنب.”

 

حتى الكلب الأبيض بدا عليه القلق، فصعد على كتفي وقام بفرك خدي كما لو كان يحاول تدفئتي.

 

“سينفينا ، الجميع قلقون عليكِ ولا يريدونكِ أن تجازي نفسك. ارجعي للراحة واستعيدي قوتكِ.”

 

في تلك اللحظة، أدركتُ الحقيقة.

 

لقد كنت أعرفها منذ البداية. كنت أعرفها ولكنني كنت أتجاهلها عمدًا.

 

عندما طلب لومينس مني أن أرقص كما في السحر، وعندما تساءلت إذا كان علي أن أتظاهر بكوني صديقة لهم، بل حتى في كل نفس أتنفسه.

 

الاهتمام الذي أتلقاه، الحب الزائد، والمشاعر الدافئة.

 

كل ذلك—

 

يحدث فقط لأنني أعيش حياة شخص آخر يدعى سينفينا كرومويل.

 

لم يكن هذا مخصصًا لإنسان من عالم آخر نسي حتى اسمه.

 

أمسكت برأسي الذي بدأ يؤلمني بشدة، وكأن الألم يزداد قوة مع كل لحظة.

 

فكر في تلك الحقيقة مرة أخرى وأنا أتحمل الألم.

 

الغروب كان سريعًا في ذلك الطقس الغائم. قمنا بإعداد خيمة صغيرة لتحضير مكان النوم، ثم تناولنا الوجبات المجففة التي جلبناها، ثم حددنا دوريات الحراسة.

 

مع مراعاة حالتي الصحية، عارض الجميع أن أكون في دور الحراسة.

 

وفي النهاية، لم يكن أمامي شيء آخر أفعله سوى الاستلقاء في كيس النوم. لكن النوم لم يأتِ.

 

بعد وقت طويل بدا وكأنني لا أستطيع التمييز بين كوني مستيقظة أو نائمة، نهضت ببطء.

 

سمعت صوت الحشرات من بعيد، بالإضافة إلى أصوات حيوانات لا أستطيع تحديد هويتها.

 

ببطء، خرجت من الخيمة بعد أن أخذت الحذر لكي لا اوقظ فيلكينا التي كانت نائمة بجانبي.

 

“…آه…”

 

كانت السماء المظلمة لا يظهر فيها القمر، لكن شعاع ضوء سحري كأنها اليراعات يضيء المكان.

 

تلك الأضواء السحرية، التي تتألق بألوان صفراء وخضراء وأحيانًا حمراء، كانت تتوهج في ذهني.

 

كنت أتذكرها جيدًا. إنها كانت السحر الذي استخدمه لومينس عندما غابت الشمس في وادي الفتنة.

 

“لومينس …”

 

“نعم، سينفينا . هل استيقظتِ؟ الجو بارد.”

 

همس وهو ينطق بتعاويذ سحرية، وفجأة أصبح المكان دافئًا حولي.

 

“…شكرًا لك.”

 

“على الرحب والسعة. هل لا تزالين مستيقظة؟”

 

عندما أومأت برأسي بصمت، أشار لومينس إلى صخرة مغطاة ببطانية وقال لي أن أجلس عليها.

 

“السماء مغيمة جدًا ولا يوجد قمر.”

 

“يبدو أن الطقس سيظل غائمًا حتى صباح الغد. وربما تهطل الأمطار بين الحين والآخر… لا تجهدي نفسكِ، سينفينا .”

 

قبضت يديّ بقوة، وكنت أستلزم قول شيء ما، لكنني لم أكن متأكدة إذا كان من الأفضل أن أتحدث أو أبقى صامتة.

 

“…….”

 

كنت مترددة بين الكلام وعدم الكلام، ثم أغلقت عيني بقوة. في تلك اللحظة، سمعت تعويذة غريبة وكأنها همسات.

 

“…عكس الأصل يصبح الفراغ، وعكس الفراغ يفتح الطريق إلى الأبد. في فرحة الانقطاع سيصرخ الجميع.”

 

مع تلك التعويذة التي شعرت وكأنها مألوفة، تحول العالم من حولي إلى بياض ساطع.

 

“…آه…؟”

 

“آه، يا أمير يوغو، إنك تجعل الأمور أكثر تعقيدًا. لا أريد استخدام هذا السحر كثيرًا لأني أخشى أن يشك فيه ‘العالم’.”

 

كانت المساحة التي حولنا بيضاء بلا حدود، وكان لومينس يراقبني بابتسامة ساخرة.

 

“…آه…!!! لومينس ، كيف تجرؤ على مسح ذكريات الآخرين هكذا!”

 

“آسف، آسف. في الواقع، لم أمسحها، بل خزنتها هنا في هذا المكان.”

 

قال ذلك بصوت غير مبالي تمامًا.

 

بدأت تتدفق الذكريات في ذهني بوضوح. حتى حديثنا الأخير في هذا المكان كان يتدفق.

 

“…أنت تقلق عليّ… كيف يمكن أن تفعل هذا…”

 

“نعم، أعلم. كنت أبدو شجاعًا وأقول الكثير من الأشياء العظيمة، لكن الآن أشعر بالخجل. على أي حال، سينفينا ، هل أنتِ مشوشة الآن بسبب ‘دعوة نحو النجوم’؟”

 

لقد كان يسألني عن كل شيء كنت أعاني منه، الذي كنت أفكر فيه وأنا أعض على قلبي.

 

“…هل كنت تعرف؟ هل كنت تعرف هويتي؟”

 

“نعم، إذا كنتِ تعنين أنكِ من عالم آخر، فهذا صحيح.”

 

“آه…”

 

أدركت الآن أن كل الكلمات الغامضة التي قالها لي، وكل الارتباك الذي شعرت به، كان يمكنني فهمه من خلال هذا التصريح.

 

لقد كان لومينس يدرك منذ البداية أنني من عالم آخر.

 

“…كيف كنت تعرف؟ كيف عرفتَ عن أعداء العالم؟ كيف تستطيع استخدام سحر يتجاوز النظام المعتاد؟ وأيضًا…”

 

“ليس لدي نية للإجابة، لذلك ليس له معنى أن تسألي.”

 

“لماذا تتصرف هكذا بتعجرف؟!”

 

تنهد لومينس بعمق وهو يدفع شعره بعيدًا عن جبهته.

 

“أنتِ من دائمًا تتصرفين وكأنكِ ستجلبين المشاكل لنفسكِ.”

 

“…ماذا…؟”

 

“أنتِ دائمًا تتصرفين بشكل غير متوقع. من بحيرة صمت، إلى قبول اختبار الأمير، إلى الاتصال بأمير يوغو، وصولًا إلى هذه اللحظة… هل تعرفين كم أنا قلق بشأنكِ؟”

 

لماذا يبدو وكأنه يردد كلامي؟

 

“لا بأس، ما فائدة أن تراجعي سينفينا في هذا؟ هذا أمر يجب عليَّ معالجته. على أي حال، دعينا نعود إلى الموضوع الرئيسي. سينفينا . أعلم أن وجودكِ في حالة اهتزاز وأنكِ تشعرين بالقلق.”

 

بتلك العيون الذهبية التي كانت كأنها تخترق كل شيء، كان ينظر إليّ وكأنما يقرأ كل شيء في داخلي.

 

ثم مرر يده برفق على خدي.

 

“في الأصل، عندما يعبر شخص من عالم آخر إلى هنا، يقوم حاكم عادةً بتوفير حماية عقلية له.”

 

“حماية عقلية؟”

 

“من المنطق، إذا سقط شخص من عالمه الذي عاش فيه طوال حياته إلى عالم مختلف تمامًا، فسيشعر بكمية هائلة من الرعب والذعر. وفي أسوأ الأحوال، قد يصاب عقله بضرر كبير.”

 

كان الأمر كما توقعت، فكرتُ في ذلك بطريقة غير شخصية، كما لو أن الأمر لا يخصني.

 

مهما كنت قد لعبت ألعابًا أو قرأت روايات وفنون فانتازيا، فهي مجرد “تجربة غير مباشرة”. حتى لو اعتدت على رؤية الكثير من الشخصيات تموت في الكتب، هل سأكون هادئة إذا رأيت شخصًا يموت أمام عيني؟

 

“لكي يستخدموك كخادم مريح في مواجهة أزمات هذا المكان، كان من الأفضل أن تكوني في حالة عقلية سليمة، لذلك يبدو أن حاكم قرر تقويتها وحمايتها. أضاف عملية لتقوية وحماية عقلكِ لتجنب إصابتكِ. وأخفى ذكرياتكِ عن عالمكِ الأصلي، وأزال مشاعر القلق والخوف التي قد تشعرين بها، وأدخلكِ في ثقافة هذا العالم ومعرفته.”

 

الاسم الذي فقدته. قدرتي الغريبة على التكيف السريع بعد وصولي إلى هذا العالم. الشعور الغريب الذي كان يجعلني أرغب في التقيؤ كلما حاولت تذكر الواقع. كل ذلك.

 

“…وبغض النظر عن الحكم الأخلاقي لذلك، فإن تلك الحماية العقلية التي كانت بداخلكِ بدأت تضعف تدريجيًا.”

 

كانت هذه خطة حاكم في هذا العالم، محكمة وآلية للغاية.