3
هل هو حقًا أصلع؟
لم يكن هناك أيّ روايةٍ رومانسيّةٍ تاريخيّةٍ يظهر فيها الأب أصلعًا.
جلستُ على الكرسيّ بإحباطٍ شديد، مُتكئةً بثقل، فحاولت ماري، وهي تتلعثم، أن تُبرّر للدّوق الأكبر بأيّ طريقةٍ ممكنة.
في عالم الرّوايات الرّومانسيّة التّاريخيّة، عادةً ما يكون الآباء وسيمين أيضًا.
‘حتّى إنّني لم أتلبّس بطلة القصّة، بل خادمة، وسأذهب لأعمل حتّى تنهك عظامي.’
لقد تلبّستُ بروايةٍ رومانسيّةٍ تاريخيّة، لكن لا يوجد شيءٌ يُمتع العين.
لا فائدة سوى أنّني أصبحتُ أصغر بأربع سنوات، أليس كذلك؟
“على أيّ حال، الشّمال يجاور ليس فقط غابة الأقزام، بل وأرض القبائل البربريّة أيضًا، لذا الحروب شائعة هناك. الصّيف فيه بارد، والشّتاء شديد البرودة.”
الأقزام؟ يبدو أنّها تشير إلى أشخاصٍ مثل الأقزام في سيد الخواتم.
بالمناسبة، غابة الأقزام وأرض القبائل البربريّة؟ يا لها من تسمياتٍ خياليّةٍ حقًا، شعرتُ بشعر ذراعيّ ينتصب من الحماس.
‘أنا حقًا تجسدتُ بعالمٍ آخر. هذا المكان ليس كوريا بالتأكيد.’
أدركتُ أخيرًا أنّني تجسدتُ بروايةٍ خياليّة.
كانت ماري تشرح كلّ شيءٍ بهدوء، لكنّها شعرت بشيءٍ غريب، فسألتني بنبرةٍ خافتة:
“مهلاً، كيف يمكنكِ، جريتنا، أن تفقدي كلّ ذكرياتكِ؟ هذه أمورٌ يعرفها كلّ مواطن في الإمبراطوريّة.”
“أمم… ربّما لأنّني ضربت رأسي بشدّة بسقف العربة.”
شعرتُ بتأنيب الضّمير لكذبي على ماري، لكنّني لم أستطع قول الحقيقة.
“حقًا، حتّى أنا اكتشفتُ اليوم فقط أنّ عربات النّقل يمكن أن تكون بهذا الخطر.”
لحسن الحظّ، صدّقت ماري كذبتي الضّعيفة. نظرت إلى الأمتعة المترنّحة في العربة بنظرةٍ خائفة.
يبدو أنّها شعرت بالكثير وهي تتزاحم مع الأمتعة في العربة الضّيّقة.
“يا للأسف، لقد جئنا على عجل، وهذا كلّ ما لدينا. كان يجب أن أدفع أكثر وأحصل على عربةٍ أفضل. أنا آسفة حقًا. لو لم أُخدع في الطّريق… هئ…”
“لا بأس، ماري… لا تبكي.”
بدأت ماري تبكي، مُلقية اللّوم على نفَسها.
لماذا تبكي الآن؟ هذا يجعلني أشعر بالذّنب.
على أيّ حال، يبدو أنّها تعرّضت للنّصب.
بدت ماري بريئةً بما يكفي لتكون عرضةً للخداع.
ربّتتُ على كتفها بتردّد:
“لا بأس، ماري. قد أكون فقدتُ ذاكرتي مؤقّتًا، لكنّني أعلم كم أنتِ لطيفة.”
كانت ماري تغطّي وجهها بيديها، ثمّ رفعت رأسها ببطء. ربّتتُ على كتفها مُجدّدًا.
“حتّى لو فقدتُ ذاكرتي، نحن صديقتان. أتفهمين؟”
“هئ، هئ، حقًا، جريتنا… يبدو أنّكِ أصبحتِ شخصًا مختلفًا تمامًا بعد فقدان ذاكرتكِ. لماذا أصبحتِ تتكلّمين بهذا الجمال فجأة؟”
يا لها من ملاحظةٍ دقيقة، ماري. شخصٌ مختلف؟ هذا صحيح تمامًا.
“منذ أن وضعتِ ضفدعًا حيًّا في جيبي، ظننتُ أنّكِ فتاةٌ مشاغبة ومُثيرة للمشاكل، لكن، جريتنا… يبدو أنّني أخطأتُ في تقييمكِ. لم أكن أعلم أنّكِ تفكّرين بي هكذا!”
همم… هل تجسدتُ بجسدٍ له شخصيّةٌ مشابهة لي؟
تصرّفات جريتنا تُشبه تمامًا ما كنتُ أفعله في طفولتي.
انتظرتُ حتّى تهدأ ماري، لكنّ العربة توقّفت فجأة.
“لماذا توقّفت فجأة؟”
هل وصلنا؟
حين حاولتُ النّظر من النّافذة، فُتحت نافذةٌ تربط بمقعد السّائق فجأة، وظهر وجهٌ خشن.
“اسمعا، أيّتها الفتاتان.”
يا للرّعب! ظننتُ أنّه لصّ! هدّأتُ قلبي المفزوع وسألت:
“ما الأمر؟”
“الخيول لا تطيعني على الإطلاق. لا أستطيع أن أقلّكما إلى داخل القصر.”
ماذا يعني هذا؟
نزلتُ من العربة فورًا لأتفقّد الخيول. كانت الخيول خائفةً جدًّا، تقاوم بأرجلها الأربع.
كأنّ شيئًا غير مرئيّ يعيقها.
“كما ترين، هذا حال الخيول. لكن البوّابة الرّئيسيّة هناك، فستصلان بسرعة.”
نظرتُ إلى البوّابة البعيدة ثمّ إلى الأمتعة المحملة على العربة.
… إذن، يجب أن أحمل هذا وأذهب إلى هناك؟
نظرتُ بحزنٍ إلى الخيول التي تئنّ.
“جريتنا، ماذا نفعل؟”
“… نمشي، ماذا عسانا أن نفعلَ؟”
بما أنّ الجلوس لمدّة طويلة جعل مؤخرتي تؤلمني، فلنعتبر هذا أمرًا جيّدًا.
حملتُ الأمتعة التي أنزلها السّائق بقوّة.
“هيّا بنا!”
كان القصر أقرب ممّا توقّعت.
الحارس نظر إلينا بعينٍ متوجّسة بسبب مظهرنا الرّث، لكنّه فتح البوّابة الحديديّة بعد أن قدّمنا خطاب التّوصية.
للوصول إلى البوّابة الرّئيسيّة للقصر، كان علينا عبور الحديقة.
كانت الحديقة مثل متاهة.
‘منذ قليل وأنا أشمّ رائحة الورد…’
كلّما مشينا، رأينا ورودًا مزهرة بكثرة في طريق القصر.
بفضل ذلك، كانت الحديقة تفوح برائحةٍ عطرة كأنّها رُشّت بماء الورد.
حتّى لو لم تكن رائحةً اصطناعيّة، قد كانت مبالغًا فيها.
عندما طرقت ماري الباب ثلاث مرّات، سُمع صوتٌ من الجهة الأخرى.
بدا أنّ هناك حديثًا خافتًا، ثمّ فُتح الباب نصف شبرٍ تقريبًا.
“من أنتم؟”
كان صوت امرأةٍ في منتصف العمر هادئًا لكنّه بارد. تنحنحت ماري بنبرةٍ متوترة:
“مرحبًا، نحن الخادمتان ماري وجريتنا، جئنا بتوصية من زوجة الماركيز.”
انحنت ماري قليلاً، وقلّدتُ حركتها بعينيّ.
“ادخلا.”
بعد مواجهةٍ قصيرة، فُتح الباب.
ربّما بسبب الوقت المتأخّر، كانت القاعة مظلمةً تمامًا.
كان المصباح الذي تحمله المرأة التي سمحت لنا بالدّخول هو النّور الوحيد في القصر.
“يجب أن نُعرّف بأنفسنا. أنا إيزادورا ساموئيل، ناديني بالحاضرة.”
[ميري : الحاضرة هو لقب اختارته لنفسها كي تُعرّف مكانتها أو رمزًا لهويتها، بمعنى “المركز” أو حتى “ذات الحضور”.]
شعرها المرفوع بإحكام دون خصلةٍ متدلّية، فستانها الأسود الذي يصل إلى رقبتها، ووجهها الجادّ الخالي من التعبير، كلّها أعطت انطباعًا بأنّها شخصيّةٌ لا تُستهان بها.
نظرة الحاضرة إلى مظهرنا جعلت شفتيها تتصلّبان للحظة.
“بهذا الحال، لا يمكنكما دخول غرف النّوم. يجب أن تستحمّا أوّلاً. أمّا الحذاء… من الأفضل التّخلّص منه.”
نظرت الحاضرة إلى حذائي المليء بالطّين كما لو كانت تنظر إلى قاذورات، وتجعّد أنفها بشدّة.
“مؤقّتًا، ستستخدم ماري الغرفة الشّرقيّة، وجريتنا الغرفة الغربيّة. سيتمّ إعادة التّوزيع لاحقًا.”
أومأت أنا وماري برأسينا بهدوء لتجنّب إثارة استيائها.
“زيلدا سترافق ماري إلى الغرفة الشّرقيّة، وأنا سأرافق جريتنا بنفسي.”
“حسنًا، سيدتي الحاضرة.”
ظهرت خادمةٌ تُدعى زيلدا فجأة من الظّلام دون أيّ صوت.
‘متى جاءتْ؟’
لم يكن هناك أحدٌ بجانبنا بالتأكيد. تراجعتُ أنا وماري خطوةً للوراء من الرّعب.
أخذت زيلدا حقيبة ماري بسهولة.
“اتبعيني.”
“آه… نعم! أذهب الآن.”
نظرت ماري إليّ للحظة، وقالت بهمس: “تصبحينَ على خيرٍ”، ثمّ تبعت زيلدا بسرعة.
“من هنا.”
رفعت الحاضرة المصباح أعلى قليلاً. شكرتُها بهدوء وتبعتُها.
من الخارج، بدا القصر فخمًا، لكن من الدّاخل… كان باردًا ومخيفًا نوعًا ما.
‘أم أنّ هذا مجرّد شعور؟’
طرق، طرق.
حتّى عندما أصغيت، لم أسمع سوى صوت خطواتي.
رغم أنّني أسير مع الحاضرة في ممرٍّ واسع، شعرتُ وكأنّني أمشي وحدي.
لم تبدُ خطواتها مميّزة، لكن عدم سماع صوتها كان عجيبًا.
جلجل، جلجل، جلجل.
بدلاً من ذلك، كان صوت مفاتيحها المعلّقة على خصرها يتردّد.
“جريتنا، أليس كذلك؟”
“نعم، سيدتي الحاضرة.”
عندما أجبتُ بأدبٍ قدر الإمكان، خفّ تعبيرها القاسي قليلاً.
“سأشرح بعض التّعليمات أثناء ذهابنا إلى غرفة الخدم.”
تبعتُ الحاضرة وخطوتُ إلى داخل القصر العميق.
“في قصرنا، هناك حظر تجوّل. باستثناء أنا وبعض العاملين اللّيليّين، لا يُسمح للخدم بالخروج من غرفهم بعد السّاعة الحادية عشرة وسبع دقائق مساءً.”
السّاعة الحادية عشرة وسبع دقائق؟ ذكّرني ذلك بمهاجع المدرسة الثّانويّة.
‘هل القوانين صارمة لأنّها حياةٌ جماعيّة؟’
لكن حتّى مع ذلك، تحديد الوقت بدقّةٍ بالدّقائق بدا غريبًا.
ألا يقولون عادةً الحادية عشرة فقط؟
“مهما سمعتم من أصواتٍ غريبة، لا تخرجوا من غرفكم أبدًا. هل فهمتِ؟”
“نعم.”
“أثناء عملكِ هنا، قد تسمعين أو ترين أشياء غريبة. لا أعلم كيف كان الوضع في قصر الماركيز، لكن…”
توقّفت الحاضرة عن الكلام بشكلٍ نادر.
“إذا سمعتِ شيئًا، تظاهري بأنّكِ لم تسمعيه. إذا رأيتِ شيئًا، تظاهري بأنّكِ لم تريه. إذا حدثت ظاهرةٌ غريبة، أبلغي زيلدا أو أنا.”
ظاهرةٌ غريبة؟ ما المقصود بذلك؟
لم يمضِ خمس دقائق منذ دخولي القصر، ومع ذلك تراكمت الأسئلة التي أودّ طرحها.
لكن بسبب الجوّ، لم أستطع سوى الإيماء بجدّيّة.
“أخيرًا، قد يأتي أحيانًا أشخاصٌ من الخارج ليستفسروا عن عائلتنا.”
عبست الحاضرة وهي تفكّر بـ”الأشخاص الخارجيّين”.
“قولي: ‘لا أعرف’ أو ‘ليس لديّ علم’. إذا كرّروا السّؤال، سيتوقّفون في النّهاية.”
يبدو أنّ الانضباط في عائلة الدّوق الأكبر صارمٌ جدًّا.
“لقد وصلنا. زميلتكِ في الغرفة هي جيسيكا. الغرفة لشخصين، لذا كونا متعاونتين. بما أنّكِ ذات خبرة، أفترض أنّكِ ستؤدّين عملكِ جيّدًا.”
“بالطّبع، سأحرصُ على ذلكَ. شكرًا على التّرافق.”
قلّدتُ ماري برفع تنّورتي قليلاً وتحيّتي، فخفّت نظرة الحاضرة الحادّة قليلاً.
“هل هناك شيءٌ آخر تريدين قوله؟”
“عند النّوم، تأكّدي من وضع سدّادات الأذن.”
سدّادات أذن؟ لماذا أحتاجها؟
“لماذا سدّادات الأذن…”
“لا تحاولي معرفة الكثير. كلّ ما عليكِ، يا جريتنا، هو أداء عملكِ جيّدًا. هل فهمتِ؟”
حين حاولتُ السّؤال، جاءني ردٌّ حادّ.
“نعم… فهمتُ.”
“غرفة الاستحمام في نهاية الممرّ في هذا الطّابق. استحمّي بسرعة وارجعي، فالسّاعة ستصبح الحادية عشرة وسبع دقائق قريبًا.”
“وأيضًا، جريتنا.”
استدارت الحاضرة ثمّ نظرت إليّ مجدّدًا.
“إذا ضُبطتِ تتجوّلين ليلاً خلسة…”
أصبح صوتها البارد أكثر صرامة.
“ستُطردين فورًا.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"