التقت أعينهما. لا شك في ذلك. في تلك اللحظة، اختفى كل صوت، ولم يبقَ سوى “هو” ينظر إلى أسفل الجبل وليون ينظر إلى أعلى. وبينما تخلى ليون عن سيفه وتقدم خطوةً إلى الأمام، تسللت صرخة يائسة إلى أذنيه.
“يا قائد!!! يا إلهي، ساعدني! أرجوك!!!”.
أدار ليون رأسه ليرى أربعة باهاموت متكدسين بشكل غريب فوق بعضهم البعض كشطيرة. في الجوار، كان ملازم روبرت ينقض عليهم بسيفه يائسًا. لكن دون جدوى. تراكم المزيد من الباهاموت فوقهم، يلتهمون الأجساد المتصارعة. نائب القائد، الذي حاول إنقاذ روبرت، ابتلعه الحشد أيضًا.
كان البهاموتيون أطول وأثقل بكثير من البشر. حتى أن اثنين منهم كانا كافيين لسحق رجل عادي حتى الموت.
لقد انقضى زمن صمود درع روبرت الفولاذي، المطلي بالفضة، أمام الضغط. ومع استمرار تراكم الباهاموت، بدأت الأرض نفسها تهتز. تخيّل ليون بسهولة ما حدث لروبرت، وقد سُحق تحتهم. وإن لم يفعل شيئًا، فقد يرى مستقبل الكتيبة – ضائعًا، بلا قائد، ومذعورًا.
لكن “هو” كان موجودًا هناك، في متناول يده.
“أنت تعلم ما سيحدث. سيموتون جميعًا بسبب اختيارك. وستفقد كل شيء، تمامًا كما حدث في تيران.”
سخر منه الصوت في عقله. لم يكن ليون الوحيد الذي يراوده شعور الذنب لتخليه عن المواطنين في أسلدورف. ظنّ أن بإمكانه الوصول إلى القمة قبل نهاية المعركة، وأن هناك من يستطيع قيادة الفرقة. ثم اتخذ قراره. أصدر فكه المشدود صوتًا ملتويًا.
قفز ليون على حصان روبرت الذي لا يمتطيه راكب. لم يعد ينظر إلى الأعلى. ركب بسرعة، وأعاد تنظيم التشكيل وصاح: “ارفعوا دروعكم! سننزل من الجبل الآن!”.
بدا الفرسان في حيرة من أمرهم من التغيير المفاجئ في القيادة. ولكن عندما رفع السيف المقدس “أبوكاليبس” نصله الطويل، انتبهوا بسرعة. إنه ليون بيرج، فارس نهاية العالم الأحمر، فارس الحاكم المختار، والمحبوب من كارت.
“اقطعوا أي باهاموت يسقط من الأعلى ولا تسمحزا له بخرق التشكيل!”
رفع ليون سيفه عالياً وصاح مجدداً: “الحاكم معنا!”.
دوّت العبارة التي أشعلت قلب أي فارسٍ مقدسٍ في الهواء. ردّت الفرقو بالمثل.
“Deus nobiscum erit !!! (الحاكن سيكون معنا !!!)”
أمام سيف الحاكم، زمجرت شفرات فولاذية في انسجام، وارتفعت كقطعة واحدة. احترقت مئة قلب كقطعة واحدة – كشعلة واحدة، تُضيء الظلام.
***
راقبت فيرونيكا بقلق ليون وهو يقود الفرسان على المنحدر. تحرك الفرسان الشباب بسرعة، محافظين على تشكيلهم المتماسك، ولم يتركوا مجالًا للباهاموت للاختراق.
كان ليون مسيطرًا تمامًا. ومع ذلك، حبست أنفاسها بتوتر. تراكمت أعداد هائلة من الباهاموت لدرجة أن الأرض نفسها كادت أن تنهار. وبالفعل، مع صوت هدير، تصدع المنحدر الأبيض كشبكة عنكبوت، وامتد إلى حيث كان ليون آخر من نزل.
كتمت فيرونيكا صرخةً في داخلها. انهار المنحدر بأكمله كانهيار جليدي. لم تعد تعرف إن كان قد نجا أم لا. كل ما كان بإمكانها فعله هو الدعاء. أرجوكم، أنقذوه. ساعدوه. أرجوكم، أعيدوا فارسكم إلى دياره سالمًا.
لحسن الحظ، لم يلاحق الباهاموتيون الفرقة أكثر. ففي النهاية، لم يكن ليون فريستهم الحقيقية.
أشاحت فيرونيكا بنظرها بعيدًا ونظرت إلى الجانب الآخر من الجبل. كان هذا الجانب يؤدي إلى سهول منخفضة، وخلفها، كانت المدينة المقدسة مرئية عبر تضاريس صخرية صلبة.
في حين أن فرقة ليون كانت تتكون من فرسان كانوا صغارًا بشكل واضح، ربما في العشرينات من عمرهم، فإن الفرسان بقيادة مكلنبورغ كانوا من بين الأكثر شهرة تحت قيادته من كارت.
كانت المعركة مذهلة بحق. في كل مرة كان الفارس القائد يُلوّح بسيفه، يسقط اثنا عشر باهاموت. ليس هذا فحسب، بل ضربت هراوة شجاعة الباهاموت، فسحقت قلوبهم، واستخدم البعض السلاسل لخنق القلور. حطمت السهام التي أُطلقت بدقة لا تخطئ القلوب. ومع ذلك، وبينما كانوا يقتلون عشرة، كان عشرون آخرون يندفعون للأمام، ويمنعون انسحابهم مرارًا وتكرارًا.(الباهاموت في بنصهم قلبو هذي نقطة ضعفهم لو تتذكروا، القلوب هنا تقصد ذيك النقطة)
مهما قتلوا، بدا الباهاموتيون بلا نهاية. تعلقوا بالخيول والفرسان، وألقوا بأنفسهم عليهم في هجمات شبه انتحارية. لم تكن معركة بقدر ما كانت تدميرًا ذاتيًا. لم يكن البشر لا يُقهرون، خاصةً عندما اندفع الأعداء من الأعلى والأسفل، من الأمام والخلف، ومن جميع الجهات.
شاهدت فيرونيكا الفرسان النبلاء الجميلين وهم ينهارون ببطء. انكسرت الرماح، وتحولت الرايات البيضاء إلى اللون الأحمر. مزق هؤلاء الوحوش، ضعف حجم الإنسان، أطراف الفرسان ومزقوا خوذاتهم لالتهام رؤوسهم. كان المشهد أشبه بلوحة فنية لفنان تصور الجحيم – مشهد حيّ ومأساوي مرسوم بألوان قاتمة.
سقط الفرسان المقدسون، الذين خفقت قلوب سيوف القارة باسمهم، دون أي عاطفة أو رحمة. رأت فيرونيكا مكلنبورغ يقفز أرضًا عندما سقط حصانه. حاصرته عشرات من البهاموت من كل حدب وصوب. ارتفع السيف المقدس هينيسيس عاليًا، متألقًا. لكن ذلك السيف، الذي كان صلبًا في يوم من الأيام، سرعان ما اختفى.
الموت. نقي، مظلم، لا شيء.
كانت نهايةً مروعةً للغاية لفارسٍ شريفٍ فخور. ذكرى نبله وغروره جعلتها أكثر صدمةً.
كان الأمر أشبه بسقوط نسرٍ مُحلّق في السماء. أشبه بالعثور على جثة طائرٍ كان عظيمًا، مُلقىً في زقاقٍ كأي حمامةٍ عادية. آه، حتى أولئك الذين حكموا السماء كانوا مجرد وحوشٍ مُقيّدةٍ بالأرض.
تلوت اللحم والعظام مثل الديدان عبر القماش الأبيض.
لم يخشوا الموت. كان هذا أكبر اختلاف بينهم وبين البشر. لم تكن لدى البهاموت غريزة بقاء لحماية أنفسهم. كانوا جميعًا مترابطين، لا يخشون الاختفاء.
اندفعوا نحو الفرسان كأمواتٍ نهضوا من قبورٍ قديمة. بفكوكهم الضخمة، عضّوا دروعهم الفولاذية، مزّقوا اللحم بأيديهم. كانت المعركة وحشيةً لا تُوصف.
في البداية، لم تستطع فيرونيكا تحديد ما شعرت به. ثم أدركت – رغم أعدادهم، ورغم تغطيتهم جانبًا كاملًا من الجبل، لم يكن هناك صوت.
لم يكن البهاموت يتواصلون، بل كانوا يتحركون كما لو كانوا كائنًا حيًا واحدًا.
وهكذا، عندما توقفت آلاف الحضور في وقت واحد، عرفت فيرونيكا أن الأمر قد انتهى.
انتهى الأمر. وكأن الزمن توقف، انتهى الأمر.
قفزت من الجرف، وشعرت بدوار يغمر جسدها. سقطَت على الأرض، وسارت وسط الزحام المتدافع.
كانت الأرض مليئة باللحم، مسحوقة، ملتصقة بالأرض بالدم. مع كل خطوة خطتها، كانت أوتارهم اللزجة تتمدد وتلتصق بأخمص قدميها. كل شيء – الخيول والبشر – قد سُحق وتناثر حتى أصبح من الصعب التعرف عليه.
وأخيرا توقفت في مكان واحد.
نظرت فيرونيكا إلى الأرض وكتمت صرخة. أرادت أن تغمض عينيها، لكنها لم تستطع. لم يكن لعيون البهاموت جفون، كالأسماك. بين الجثث المحطمة والمدوسة، لم يبق إلا السيف – الملطخ بالقرمزي – محتفظًا بشكله.
انحنت والتقطت السيف. حدقت بها آلاف العيون. تمامًا كأهل أسلدورف في كوابيسها. عيونٌ جعلتها ترتجف.
تم أخذ السيف الصغير، وسوف يسقط كارت.
لقد تحققت نبوءة واحدة، وبقيت اخرى.
***
تأوهت فيرونيكا في الغرفة المظلمة. ظن أوسكار أنها قد تموت أخيرًا. أخيراً. ربما كان ذلك للأفضل.
لقد مرّت ثلاثة أيام منذ أن فقدت وعيها. حينها، عادت فرقة ليون، لكن قائد الفرسان التاليين لم يعد منهم احد.
أفاد ليون أنهم صادفوا العديد من البهاموت في الجبال. لقي كلٌّ من القبطان ونائبه حتفهما، وسقط عشرون جنديًا من على المنحدرات. لم تكن هذه تهويدة للبابا الأرق.
أخيرًا، أمر البابا القلق بـ”ستجواب” المرأة التي نطقت بالنبوءة المشؤومة. كان أوسكار في حيرة من أمره.
إلى امرأة نائمة. إلى من لم تشعر بالتوبة أو بالحاجة إلى المغفرة.
وجد الأمر غير معقول. كان قد انتظر ليون، لكن ليون لم يأتِ. لذا أمر البابا أوسكار بنفسه باستخدام السوط. لن يملك الجلادون العاديون القوة الكافية لتحملها. لا بد أن يكون أحد فرسان الحاكم.
لم يستطع أوسكار، بعد أن أقسم بالولاء، رفض أمر البابا. لم يكن مثل ليون. لم يُفكّر. لم يُصدر أحكامًا. ببساطة، تبعه، حتى إلى وادي الموت. لذا، ضرب أوسكار ظهر المرأة الطاهرة فاقدة الوعي. حتى تمزقت ثيابها وتناثر دمها. حتى ارتجف ظهرها النحيل من الألم وتشتت أنينها. لم يكن ذلك، بلا شك، اهتداءً، بل اعتداءً.
– “أنت تشفق علي، أليس كذلك؟”.
تناثرت قطرة من الدم الساخن على ظهر يده التي تحمل السوط.
– “تعتقد أن هناك ظلمًا في هذا الوضع. لهذا السبب تُكلف نفسك عناء قول هذه الأشياء التافهة. لأن فكرة معاناتي دون فهم أي شيء تُزعجك.”
أغمض عينيه بإحكام، متذكرًا تلك العيون الحمراء الحازمة. قيل إن الإيمان دون عملٍ ميت.
“فهل أستحق الموت؟”.
رفع أوسكار السوط عاليًا. وبعد لحظة وجيزة، انزلق السوط بلا حول ولا قوة إلى الأرض.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات