16
وصلتْ العربةُ أخيرًا إلى العاصمةِ الملكيةِ.
كان قصرُ دوق كيرينا يقعُ في أحدِ أقربِ المُواقعِ إلى القصرِ الملكي داخل العاصمةِ.
شاركتْ ليانا في الحفلات التي كانتْ تُقام في قصورِ النُبلاء، لكنها لم تزرْ القصرَ الملكي مِن قبلِ.
وقد أسر بصرهُا القصرَ الملكي الضخمَ الذي فاق خَيالها.
(مُذهــل…)
وكانتْ شوارعُ العاصمةِ تَعجُ بالحياةِ.
الناسُ يملؤون المكانَ، والأسواقَ والمتاجرَ مُصطفة على جَانبي الطريق.
الطرقُ مَرصوفةٌ بحجارةٍ مُنظمةٍ، تُحيطُ بها الزهورُ والمساحاتُ الخضراء، والمَنظرُ العامُ للمدينةِ جَميلٌ جدًا.
مُشاهدةُ الناسِ وهُم يتنقلون في هذا المكان لم يكنْ شيئًا مُملاً على الإطلاقِ.
ومع استمرارِ سَيّر العربةِ بهدوءٍ، وصلتُ أخيرًا إلى قصرٍ ضخمٍ يقعُ بالقربِ مِنَ القصرِ الملكي.
(هذا هو… قصرُ دوق كيرينا…)
بعد أن عَبرتُ البوابةَ الواسعةَ، اتّضحَ أن هُناك حديقةً ضخمةً داخلَ القصرِ.
نافورةٌ كبيرةٌ تتوسطُ الحديقةُ، يتدفقُ منها الماءُ مُتلألئًا تحتَ ضوءِ الشمس.
والربيعُ في أَوجِّه، لذا كانتْ الزهورُ المُتفتحةُ تنثرُ عبيرها في الأرجاءِ.
نسيتْ ليانا مَكانتهُا، ووقفتْ مَأخوذةً بجمالِ هذا المشهدِ الساحرِ.
وفي عمقِ الحديقةِ، ارتفعَ قصرٌ ضخمٌ يكادُ يُظنُّ أنَّه هو القصرُ الملكي ذاتهُ، ولو لم تكنْ قد رأتْ القصرَ الحقيقي مِنْ قبلِ، لَظنّت أنَّه هو.
مقارنةً بالقصر الذي نشأتْ فيّه، فهو بالكادِ يُضاهي حجمَ إسطبل الأحصنة التابعِ لهذا القصر.
حتى قصر عائلة هوود الفيكونت العريقة لا يُقارن بهِ.
أدركتْ مَدى الفجوة الهائلة بين طبقاتِ النبلاءِ ُرغم انتمائهم لنفسِ الطبقةِ.
(هَلَ سأعيشُ في مثلِ هذا القصر لمُدة عامٍ؟)
وبما أن هذا زواجٌ تعاقدي دون حتى لقاءٍ مباشرٍ، فَمِن المُؤكد أنَّها لن تُمنحْ جناحُ دوقة، بلّ على الأرجحِ ستُمنحُ غُرفةَ ضيوفٍ أو حتى غُرفةَ خدمٍ.
ومع ذلك، القصرُ كبيرٌ جدًا لدرجةِ أنَّها قد تَضيعُ بداخلهِ.
ليانا، التي كانتْ تشعرُ بالرهبةِ تمامًا، لاحظتْ أن العربةَ بدأتْ تُبطئ سُرعتها شيئًا فشيئًا حتى توقفتْ بهدوءٍ.
الخادمةُ التي كانتْ تُرافقها فتحتْ بابَ العربةِ.
رؤيةُ القصرِ الفاخرِ مِن خلالِ البابِ جعلتْ ليانا تشعرُ برغبةٍ في الهروبِ، لكنها تماسكتْ، ونزلتْ مِن العربةِ مُستعينةً بيدِ السائقِ.
حتى البابِ الأمامي كان عاليًا لدرجة أنّها اضطرت لرفعِ رأسها لتراهُ، وقد نُقشتْ عليه زخارفٌ مُذهلةٌ.
فَتحَ الحرسُ البابَ الضخمَ معًا، وعِندما عَبرتهُ وجدتْ نفسها داخلَ قاعةٍ واسعةٍ، تتفرعُ مِنها سلالمٌ إلى اليمينِ واليسارِ، وعلى الجدرانِ عُلقتْ لوحاتٌ عديدةٌ.
حتى الخدم الذين يعملون هُنا كانوا أنيقين وجذّابين، مما جعلَ ليانا، بثوبها البالي وحقيبتها الوحيدة، تشعرُ بعدمِ الانتماءِ.
وحين خَفضت بصرها، وجدتْ تحتَ قدميها سجادة ناعمة تُغطي الأرضَ بالكاملِ.
رافقتها الخادمةُ حتى وصلتْ إلى إحدى غُرفِ الضيوفِ، والتي كانتْ واسعةٌ جدًا كذلك.
وفي الداخلِ، لم يكنْ ينتظرها دوق كيرينا بالطبعِ، بلّ كبيرِ الخدمِ، وهو رجلٌ يبدو أنَّه في سنِ مُتقدمة بعضَ الشيءِ، بشعرهِ المُخضب بالشيبِ، لكن وقفتهُ وانضباطهُ أوحيا بأنّه شخصٌ حازمٌ ومهذبٌ.
وقد قدّمَ نفسهُ باسم “فيليتشي”.
قالَ لها بصوتٍ مُنخفضٍ واضحٍ:
“نيابةً عن السيدِ كارلايز، سأقومُ بتأكيدِ تفاصيل هذا العقد.”
وأشارَ لها بالجلوسِ، فجلستْ بصمتٍ.
“الشروطُ والمكافأةُ، كما هو مُوضح في الوثيقةِ التي وقعتموها قبلَ قليلٍ.”
أعادَ عرضَ الأوراقِ التي وقعتها ليانا في منزلِ الفيكونت هوود، فأومأتْ بالموافقةِ.
“سأشرحُ لكِ الآن شُروط الإقامةِ في هذا القصر.”
ثُمَّ تابعَ قَائلاً:
ـ لا تخرجي مِنَ الغرفةِ المُخصصةَ لكِ.
ـ تتناولين وجباتكِ بِمُفردكِ في غرفتكِ.
ـ لا يُسمحُ بإحضارِ أيّ شخصٍ إلى القصرِ.
ـ يٌحقُ لكِ حُضور الحفلاتِ الليليةِ، لكن لن يكون هُناك مُرافقة أو مرافِق.
ـ بدلًا مِن ذلك، يُمكنك شراءَ ما تشائين مِن الفساتين والمُجوهرات.
بالنسبةِ لسيدةٍ نبيلةٍ، كانتْ تِلك الشروط صادمةً للغاية.
ويبدو أنّه لا نية لهُ في مُعاملتها كزوجة، رُغم كونه زواجًا تعاقديًا.
لكن ليانا جاءتْ إلى هُنا وهي على علمٍ بكلِ ذلك. فبالرغمِ مٍن حُصولها على مبلغٍ كبيرٍ، ستُطلق بعد عامٍ واحدٍ فقط.
رُبما تُوصف بالمرأةِ الشريرةِ، لكن أُختها صَبِرتْ خَمس سنوات.
لذا، مهما حدث، عليّها أن تصمدَ حتى نهايةِ العامِ.
“هَلَ لديكِ أيّ أسئلةٍ؟”
فكرتْ ليانا قليلاً، ثُمَّ سألتْ:
“هَلَ يُمكنني الخروجَ؟ وماذا عَن الرسائل؟”
“يُمكنك ذلك، ولكن بناءً على المكانِ الذي ترغبين بالذهابِ إليه، سَنُوفر لكِ عربة لا تحملُ شعارَ الدوقية، لذا نرجو إبلاغنا مُسبقًا بالوجهةِ والوقتِ. أما الرسائل، فيُسمح بها إذا وافقتِ على أن نطّلع عليها أولًا.”
إذًا، لا يُسمح لها بالخروج بحرية، وحتى المراسلات تحتاج إلى إذن.
كأنّها تعيشُ كالسجينةِ، ومع ذلك، لم تشعرْ ليانا بأيّ استياءٍ.
فوجهاتها المُعتادة لا تتعدى محلَ خياطة تعمل فيه، أو الدير. أما مُراسلاتها، فستكون لأختها فقط.
“مفهــومٌ.”
تفاجأ فيليتشي قليلًا مِن مُوافقتها السريعة، لكنّه ناولها وثيقة تحتوي على الشروطِ التي شرحها.
“إذن، يُرجى التوقيعَ هُنا.”
شرحَ لها أنّه في حالِ مُخالفتها للعقدِ، ستُجبرُ على دفعِ غرامة مالية.
فأمعنتْ النظرَ في الورقةِ، وقرأتها مِرارًا، حتى وقّعتْ بحذرٍ شديدٍ.
ثُمَّ سَلّمها فيليتشي وثيقةَ الزواجِ.
كان اسمُ الدوق كُتبَ أولًا بخطٍ أنيقٍ على الخانةِ المُخصصة للزوجِ.
(كارلايز كيرينا…)
زوجها “الاسمي” لمُدة عامٍ واحدٍ فقط، لكن خطهُ كان جميلًا للغايةِ.
بالتأكيدِ تلقّى تعليمًا رفيعًا، على عكسِ ليانا التي لم تستطعْ دُخولَ الأكاديمية النبيلة.
ثُمَّ كتبتْ اسمها بجانبِ اسمه، بأقصى قدرٍ مِن العنايةِ.
ترجمة فيبي≽^•⩊•^≼
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 16"