5
-الخطة الانتقامية الصغيرة لشريرة عاشت ثلاث مرات
* * *
“كيف حدث هذا؟”
نظر غليين حول جسر غرينغن في حالة من الذهول.
بعد أن بذل قصارى جهده للتخلص من المطاردين ووصل إلى الوادي، وجد الجنود المرتدين زيّ الجيش الإمبراطوري وقد غرسوا رؤوسهم في الثلج مصطفّين في صف واحد.
“لقد كانوا يتربصون بنا يا مولاي. لقد علموا أننا سنسافر من هذا الطريق، وأرادوا نصب كمين لنا”.
“لكن؟”
“أه، لذلك غيّرنا الاتجاه وضربناهم من الخلف. كهجوم مفاجئ على الهجوم المباغت”
“هاه؟ لا لحظة، كيف عرفت إن جيش كيون كان متخبي؟”
“أوه… إذًا الطفلة.”
“الطفلة؟”
غليين لف رأسه بسرعة.
كانت فتاة صغيرة ذات شعر وردي داكن تنام بعمق بين ذراعي تانيسا.
وبينما كان دنكن يشرح القصة كاملة، عبس غليين أكثر.
“هل هذا معقول؟ تلك الطفلة الصغيرة كانت تقودكم شخصيًا؟”
“أنا أيضًا، حقًا… أشعر وكأني سمعت شيئًا غير معقول. يا سيدي الصغير…….”
حكّ دنكن رأسه.
“يا عم، اضرب من الخلف. الهجوم المباغت، كما تعلم، أفضل شيء فيه هو الهجوم الخلفي. ضرب مؤخرة الرأس، تحبه أنت أيضًا، صح؟ ها؟”
“صاحب الشعر البنفسجي ذاك، إنه ليون بودابيتي. خادم الإمبراطورة اللعين. يجب أن نمسك به أولاً!”
“انتظر لحظة يا عمّ. هل أنت مستخدم هالة؟ أرني، اكشف عن إحصائيات هالتك!”
تغيرت تعابير وجوه الفرسان، بمن فيهم غليين وتومبل، إلى نظرة غريبة.
اتجهت أنظارهم جميعاً نحو الفتاة ذات الشعر الوردي
‘يا إلهي، أنا متحمس جداً.’
تظاهرت أريليتي بالنوم وهي تتصبب عرقاً بارداً.
“إن التفكير في ابتسامة الإمبراطورة الخبيثة تجعلني أغضب، لذا توقف……..”
لم أتمكن من تمييز الكلمات التي يجب قولها عن تلك التي يجب أن ألتزم الصمت عنها، فتحدثت بشكل عشوائي.
إذا استمر الاشتباه بي على هذا النحو، فسأكون في موقف صعب.
مرت بذهني الأيام التي كنت أُستغل فيها كساعة عالية الأداء، بينما كنت أُعرف بحكيم الغابة البيضاء.
لا أريد. إذا اكتشفوا ذلك، سأتعرض للاستغلال مرة أخرى.
لقد انتهى بي الأمر بمساعدة جماعة اللورد الشاب، ولكن كان ذلك نصفه رغبة في إلحاق الأذى بالإمبراطورة وفصيل الأمير الأول، والنصف الآخر كان بدافع التكفير ورد الجميل لأولئك الذين لقوا حتفهم هنا في الماضي. لم يكن لدي أدنى رغبة في التفاني أو الولاء لهم.
’الناس جميعهم متشابهون. لا يجب أن تثق بهم من البداية. ولا يجب أن تعطيهم أي فرصة للتلاعب.’
من الأفضل أنني عدتُ طفلاً في الخامسة من عمري. لأنه لن يصدق أحد أن طفلة صغيرة قد غيرت اتجاه الخيول وقاد عملية هجوم مفاجئة.
تظاهرت أريليتي بالتقلب، ودفنت وجهها في حضن تانيسا الذي تفوح منه رائحة خبز السمسم.
كانت تانيسا تربّت برفق على ظهر أريليتي، ثم فتحت فمها بحذر لتتكلم.
“في الحقيقة… أنا أيضًا سمعتُ ذلك بوضوح، يا سيدي النبيل. صوت هذه الطفلة وهي تأمر نائب قائد فرقة الفرسان بصوت جهوري.”
لا! أختي ………………!(تقصد تانسيا)
“بل ونادت باسم ليون بودابيتي بشكل دقيق. من المؤكد أنها كانت تعرف أنه قائد وحدة الأسد الأسود.”
ارتجفت!
ارتجفت كتفا أريليتي من دون أن تشعر. وكأن عشرات النظرات كانت توخز ظهرها.
بعد لحظة من الصمت، مسح غليين هيدجيت أثر الدم عن خده وأصدر أوامره.
وبما أنه لم يعد بإمكاننا البقاء هنا، فقد عبرنا الجسر. لأنخذ استراحة قصيرة في ملجأ عبر الشارع.
ماذا نفعل مع هؤلاء ؟ هل نقتلهم يا سيدي؟
كان الجنود الذين يرتدون زي القتلة الأبيض، الذي يسهل التسلل به في الثلج، متوترين جدًا.
غليين، الذي كان يحدّق بهم بنظرات حادّة، أصدر أوامره ببرود.
“الآن وقد تبيّن أن ولي العهد الأول هو من يقف خلفهم، فلا حاجة لإبقائهم على قيد الحياة… أقتلوهم جميعًا.”
كانت هناك سلسلة من الأصوات الباهتة أثناء سحب السيف من غمده.
فتحت أريليتي عينيها فجأة وهي في حضن تانيِسا.
قتلهم جميعًا؟ حتى ليون بودابيتي؟ ذلك المخلص للإمبراطورة وقائد وحدة ’الأسد الأسود‘ التابعة مباشرة للأمير الأول؟
إنه حجر شطرنج ثمين، كان من الممكن أن يكون يوماً ما مفتاحاً لهجوم مضاد… فكيف يُهدر بهذه البساطة، دون أن يُستغل ولو مرة واحدة كما ينبغي؟
لقد خرجت يدي أولا دون أن أشعر بذلك
آه، لا… أرجوك!
انشدّت أنظار الجميع نحو تلك اليد الصغيرة التي امتدت بحسرة في الفراغ.
ساد صمت مرعب , و أسقطت أريليتي يديها
أُه، لقد انتهى أمري.
* * *
نظر غليين حوله إلى الطفلة التي كانت تجلس أمامه.
حتى أن تسميتها بـ ‘طفلة’ يبعث على الشعور بالذنب، كانت مجرد رضيعة.
رغم أنه لم يرَ رضيعًا يجلس بهذا القدر من التصلّب من قبل، إلا أنها في النهاية لم تتجاوز الثلاث سنوات ونصف… بالكاد تُعدّ رضيعة، لا طفلة.
انسجام الشعر القرمزي مع الغرة المرتبة والعينين الخضراوين كان مبهرًا لدرجة أن من يرى لا يملك إلا أن يهمس: ‘يا إلهي’
خدّاها كانا يبدوان طريين كعجينة دقيق مُخمّرة ومنتفخة.
لو لم تلتزم بتلك الملامح الجادة طَوال الوقت، ولو بدا على وجهها شيء من براءة الطفولة… لما استطاع أحد أن يمنع نفسه من التودد والدلال.
كانت في الطفلة هيبة وقوة حضور نادرة على من هم في الخامسة من عمرهم.
بدءًا من تلك النظرات التي وجهتها لمن أنقذها من وسط الثلوج… كانت نظرات لا تشبه نظرات الأطفال.
لا أدري لمَ، لكن كان فيها شيء من ثِقَل السنين… كأنما تنبعث منها هالة عجوز أنهكته الدنيا.
“بالمناسبة… لم نتعارف رسميًا بعد، صحيح؟”
اختار غليين كلماته الأولى بحذر.
“أنا غلين هيدجيت، وريث عائلة هيدجيت. ما اسمك؟”
اتسعت عينا الطفلة بدهشة.
“هل كشف عن اسمه ومكانته أولًا؟”
بينما كانت أريليتي تتأمل وسامة ملامح غليين، أطلقت تنهيدة إعجاب في داخلها. فلم يسبق لأي نبيل أن قدّم نفسه أولًا قبل أن يسأل عن اسمها… غليين كان الأول.
كما هو متوقع من فارسٍ جسور من أطراف المملكة.
يعرف كيف يفتتح الحديث بأسلوب رصين وجاد.
“أريليتي. أريل… أريليتي.”
وما عساي أفعل؟ بالكاد أستطيع حتى نطق اسمي كما ينبغي.
وما إن قبضت قبضتها الصغيرة، التي تشبه كتلة من القطن، حتى ناولها غليين ورقة وقلمًا، وكأنه فهم غايتها دون أن تنبس بكلمة.
“هل تودين أن تحاولي كتابته إن كنتِ تستطيعين؟ اسمك.”
أريليتي خطّت اسمها بحروف كبيرة واضحة على صفحة الورقة البيضاء.
أريليتي إل كليمنس كاديز.
نقص المساحة جعل الحروف تتقلص شيئًا فشيئًا كلما تقدمت نحو نهاية الورقة
“كاديز؟”
نطق غلين باللقب الذي دُفع على عجل في زاوية الورقة. وكان من البديهي أن ترتفع حاجباه بشكل مثلث من الدهشة.
“كاديز؟ هل هو اسم العائلة الذي تم إعدامهم قبل ثلاث سنوات بتهمة محاولة اغتيال الإمبراطور؟”
لن يجنيها شيء من كشف حقيقة كونها ابنة عائلة تم تصفيتها بتهمة الخيانة، لكن أريليتي لم تحاول إخفاء ذلك.
أفضل أن أقول إني ابنة الخائن على أن يُكتشف أنني كنت حكيمة غابة الثلج(البيضاء). بهذا سأتمكن من تفسير سبب تركي في حقل الثلج.
إذا كان الشخص يمتلك منطقًا عاديًا، فلن يربط مباشرة بين طفل في الخامسة من عمره يقوم بتصرفات غريبة و’حكيم غابة الثلج’.
“هل أنت أيضًا على صلة بغابة الثلج؟”
يبدو أنه ليس كذلك!
أريليتي أصبحت شاحبة جدًا وفقدت كل لون وجهها.
لا، يجب أن أكون شجاعة، أريل. في هذه اللحظة، لا أحد يعرف من أنا.
طفلة، عليك التظاهر أنكِ طفلة. طفلة صغيرة بريئة في الخامسة من العمر.
ها؟ ما هي غابة الثلج؟ أنا لا أعرف عن ذلك شيئًا…
إذا, كيف عرفت إسم ليون بودابيتي؟
“ذاك، ذلك الرجل الشرير جاء ليمسك بأمي.”
حتى هنا كانت الأعذار التي أعدتها أريليتي
.“تم القضاء على عائلة كاديز بسبب تهمة الخيانة، وهربت الزوجة وهي تحمل ابنتها. بالطبع، الفارس الذي طارد والدتها لم يكن ليون بودابيتي، لكن في النهاية، لا أحد يعرف الحقيقة.”
رفع غليين حاجبيه وكأنما يقول ‘مثير للإعجاب’. الابتسامة الودية والمرحة التي شاهدها من قبل اختفت تمامًا.
“تقولين إنك حتى رأيت إحصائيات الهالة الخاصة بدنكن؟”
“آه…؟”
“حتى مستخدمو الهالة لا يجدون سهولة في قراءة تدفق الهالة داخل جسد شخص آخر. فكيف تمكنتِ أنتِ، طفلة في الخامسة، من فعل ذلك؟”
هل تفوّهتُ حقًا بشيء كهذا؟
“أوه، قلتُها حقًا!”
لأنها كانت ملفوفة بإحكام في حضن دوريس دنكن، استطاعت أن تراقب وتفهم بدقة تدفق الهالة في سيفه مع كل ضربة كان يوجهها.
سواء كانت الأورا(نفسها الهالة ) أو المانا، فجميعها تستمد أصلها من الغابة البيضاء.
التحكم بها أمر مختلف، لكن قراءتها واستشعارها لا يشكّلان أي صعوبة.
أريلتي تودّ لو تضرب فمها الثرثار حتى يسكت.
لكن غليين لم يتوقف عند هذا الحد في استجوابه.
“بالطبع، عندما التقينا لأول مرة، قلت إن هناك هجومًا سيحدث في السابع من يوليو 1357 في تقويم إيناباشي. ولكن إذا كان الأمر في عام 1357، فهذا يعني أن هناك عشرة أعوام متبقية، هل قمت بالتنبؤ بذلك مسبقًا؟”
“آه، ذلك.”
“قالت أيضًا أنه يجب استخدام الماندرِيك لمرض السل لدى ‘الكلب المجنون الجميل’. هذا اللقب المهين يُطلق على الأمير الثالث في إمبراطورية بيرتل. ماذا كنتُ تعرف لتقولي مثل ذلك؟”
“إذن، الأمر هو…”
“الآن وقد فكرت في الأمر، هناك الكثير من الأشياء الغريبة. كان يبدو أنك كنت على معرفة بي وبأفراد مجموعتي منذ البداية. قلتَ للكونت تومبيل ألا يبيع منزله، وللنائب سيرجيو ألا يتزوج…”
“…………”
“هل كنت تعلم من نحن منذ البداية؟ أجبني، يا صغيرتي.”
حينما تلقيتُ كامل قوة مستخدم الأورا، بدأت العرق يتصبب مني بغزارة.
كان الوضع يتجه بشكل متزايد نحو أن يصبح غير مواتي.
الآن أصبحت بحاجة إلى عذر. ماذا علي أن أفعل؟ هل أرجع الزمن مرة أخرى؟
“لاااااااه!”
الصوت الذي يصدره الإبرة كان يرن في الأذنين بشكل مدوٍّ.
———————————————————
شاركني رأيك بالفصل و إذا كانت لديك ملاحظات يمكنك تواصل معي على إنستجرام : ma0.bel
التعليقات لهذا الفصل " 5"