7
الفصل 7
اقتربت خطوات مافريك من قاعة العرش وتم سماع صوت دندنه.
واثناء دخول مافريك قاعة العرش مع مستشاره براين، رأو امرأة جالسة على كرسي فاخر.
أبيجيل، الأخت الكبرى لـ مافريك.
لديها هالة متعجرفه وواثقه وترتدي فستان احمر فاخر وذو تصميم منفوش.
مع شعرها الأسود الطويل المنسدل حتى خصرها والذي كان بنفس لون شعر مافريك.
لديها عيون حاده ذات لون احمر ونظرة متحديه ومتعجرفة.
كان الفرق بينها وبين مافريك هي ملامحها التي كانت اكثر انثويه مع سلوكها الذي يملئه الأناقة والفخر.
عكس مافريك الذي كان له ملامح حاده ولكن مبتسمه وهادئة. ولديه سلوك غامض في العادة مع واجهة مرحة وأفكاره غير معروفة.
لاحضت أبيجيل وجود مافريك فأرتسمت ابتسامة واسعة وواثقة على وجهها، ثم نهضت من كرسي العرش وتوجهت بخطوات بطيئة وهادفة ناحية مافريك.
كان مافريك يقف وينظر لها بأبتسامة صغيرة على الرغم من نظرته الباردة اثناء اقترابها منه، حتى توقفت امامه ببضع سنتمترات.
تراجع براين قليلاً للخلف بنظرة من سيده، ليترك مساحة خاصة بين الأشقاء.
لم تتقاطع انظارهم بعيداً عن بعضهم حتى فتحت أبيجيل شفتها المطلية بأحمر الشفاه ذو اللون القاني وتحدثت بصوتها الناعم المعتاد:
“مافريك. ألم تشتاق لشقيقتك؟”
رفعت يدها ووضعتها ووضعتها على خد مافريك بطريقة حنونه.
لكن من وجهة نظر مافريك.. كان الأمر مقزز ومقرف الى حد ما لدرجة أنه أراد لف رقبها النحيلة وقتلها في ثواني معدودة.
جعلته تخيلاته يبتسم بأريحية اكثر بينما رفع يده بهدوء ووضعها على يدها الموضوعة على خده، ثم انزلها ببطئ حتى افترقت اللمسه بينهم واخرج مافريك منديله من جيبه ليمسح يده بلا مبالاة.
اظلمت تعابير وجه أبيجيل من سلوك مافريك لكنها استبدلت عبوسها بسرعة بأبتسامتها الناعمه المعتادة ثم نظرت بعيداً ناحية الباب وتكلمت بلهجة أنيقة:
“سمعتُ أن هناك ضيف جديد انتقل مؤخراً الى هذا القصر. كما أنه يعيش في عزلة. يجب أن أذهب وأرحب بذلك الضيف بنفسي، ما رأيك يا أخي؟ أنت تعلم أنني احب التحدث مع الناس الجدد لجعل يومي ممتع.”
انخفضت حرارة الجو عند قول أبيجيل لكلماتها.
اصبحت تعابير وجه مافريك باردة واختفت ابتسامته.
لاحضت أبيجيل تعابير مافريك التي تغيرت بسبب كلماتها فأرتسمت ابتسامة أوسع على وجهها وضحكت ضحكة ذات نية خبيثه ومنتصره.
تحدثت بنبرة مرحه:
“هاهاها.. مافريك. لا تقل أنك لا تريد أن تقدمني لها. يا لك من اخ اصغر سيء.”
شد مافريك على قبضة يده التي كانت منسدله للأسفل محاولاً تهدئة غضبه. ثم بعد ان استطاع السيطرة على انفعالاته استدار ببرود ولا مبالاة ثم تحدث بصوت هادئ ولا مبالي:
“عودي الى قصر الكريستال واسترخي هناك. ليس هناك مكان لديكِ في قصري.”
أصبح الجو بارداً.
“…قصرك؟”
بدا صوتها مخيفاً عندما أصبح بلا مشاعر.
رفعت يدها اليمنى فجأة عالياً وتكونت طاقة مظلمه حول جسدها وبداخل قبضة يدها، كأشارة على خروج طاقتها المظلمه الداخليه التي كانت دليل على أنها من عرق الشياطين.
استدار مافريك فجأة ناحيتها بعد أن كان واضعا ظهره لها وانتشر ظلام اشد واوسع حول جسده.
لم تهتم أو تخف أبيجيل من اخيها مافريك بل أصبحت متحمسه اكثر واطلقت الظلال المظلمه ناحية اخيها دون ندم.
فجأة قاطعتهم ظلال سوداء قادمه من الجانب الآخر ودمرت التقاء الظلال السوداء معا.
“ما هذا بحق الجحيم؟!!”
انتشر صراخ حاد وصارم بدا ينتمي لأمرأة عجوز.
عرف كل من مافريك وأبيجيل هوية الشخص الذي تدخل بينهم.
بدت أبيجيل غير مهتمه به ولكن بدا مافريك متردداً ووقف مكانه ثابتاً بصمت وبلا تعابير.
تقدمت خطوات سريعة وحازمه ناحيتهم.
كانت الخطوات تنتمي للمرأة العجوز التي اوقفت شجار الاخوين.
اجاثا هي الأم الفعلية لوالد مافريك وهي جدة مافريك وأبيجيل.
مشت مع فستانها الاسود الطويل والمنفوش الذي يتحرك بمرونه مع كل خطوة منها، ووقفت بين مافريك و أبيجيل وكانت تنظرة بنظرة حاده ناحيتهم.
تتمتع الملكة السابقة اجاثا والتي هي لا تزال جزء من العائلة المالكه بصفات القائد، مع سلوكها الحازم وتفكيرها المنطقي. لكنها ايضا تملك تعاطف لمن حولها ولا تقبل سوا بالعدل.
لا تزال لم تخسر اخلاقها النبيلة التي من المفترض أن يتمتع بها طبقة النبلاء، ولا تزال ذكية وحكيمه رغم كبر سنها وعيشها لعقود من الزمن.
“ما الذي تفعلانه في قصر لودريس!!! ألا تعرفون كما المكان ثمين وكم يجب الحذر من الحاق الضرر به؟!”
كان صوتها عاليا وصاخبا عندما كانت تتحدث.
شعرت أبيجيل بالأنزعاج بسبب الضجة التي احدثتها جدتها ونظرت بطرف عينيها بأنزعاج الى الجانب الآخر.
لاحضت اجاثا سلوك أبيجيل الفظ لذا نقرت على لسانها في خيبة أمل ثم تجاهلت سلوك حفيدتها العاصي، وحولت نظرها الى مافريك. نظرت له بجدية وتحدثت بصوت بارد وحسابي:
“سمعتُ أنك جلبتَ فتاة بشرية الى هنا؟ هل هذا صحيح؟”
لم يرد مافريك على الفور ولاحظ كم كانت جدته تركز على الكلمات التي سوف تخرج من فمه.
ورغم هذا.. هو لم يهتم بأخذ اذن من اي أحد، حتى من جدته التي كان يملك علاقه مقربه منها.
تحدث بصوت هادئ ولكن حازم مع ابتسامه صغيرة وواثقة ارتسمت على وجهه:
“هذا صحيح. أنا احبها. كما أن لديها اسم وليس لقب بشريه فقط. اسمها هو تريستيا.”
بدا مافريك فخوراً ومصراً اثناء تحدثه عن تريستيا، الفتاة التي لفتت انتباهه منذ أن انتقل الى العالم البشري ومنذ أن رآها.
لكن كانت مشاعر أعمق من أن يتم شرحها لذا كل ما استنتجه مافريك هو أن السبب لأنهم مناسبين روحياً مع بعضهم.
كما أنه يبدو أنها سوف تقتح قلبها له مع مرور الوقت.
بينما كان مافريك غارقاً في افكاره ايقضه صوت اجاثا وكلماتها التي سببت له الارتباك:
تحدثت بصوت مضجر وتعبير عبوس وكانت كلماتها غير متوقعة:
“اذن؟ متى سوف تتزوجها؟ لا تقل أنك تخطط لأبقائها هنا كضيف شرف فقط.”
لم تصدق أبيجيل ما سمعته وبدت متهجمه وغاضبه ثم تحدثت بأنزعاج وتمرد:
“مافريك سيتزوج من تلك البشريه؟ جدتي لا تنسي أنها مصابة بالشلل!! لذا ليس هناك فائدة!”
أصبحت تعابير وجه مافريك باردة بشكل مخيف بسبب كلمات أبيجيل لكنه حاول السيطرة على غضبه وتحدث بصوت بارد وحاد، كانت نبرة لا يتحدث بها ألا عندما يشعر بالغضب والانزعاج الشديد:
“أبيجيل، منذ متى أصبحتِ تحبين التدخل في شؤوني الخاصة؟ لا تنسي أنكِ مجرد أميرة بلا هدف أو مكانة وبفضلي أنتِ لا تزالين تستطيعين الدخول الى العاصمه والى قصري بعد رجوعكِ من سفركِ الطويل.”
بدت معاني كلماته يتخللها السخريه وأيضاً الكره والرفض.
انطبق فك أبيجيل في غضب وانزعاج مكتوم بسبب سخرية اخيها لها ومن اهانته الصارخة ناحيتها.
نظر الاثنان الى عيون بعضهما البعض بنظرات ناريه ولم ينقطع التواصل البصري بينهم إلا بعد أن اوقفتهم اجاثا بصوتها الحاد والمنزعج:
“توقفا حالاً عن هذا! أنتم لستم اطفالاً!”
عند هذا المشهد، تراجعت اجاثا بضع خطوات للخلف واغمضت عينيها في خيبة امل، ثم وضعت يدها على جبينها في تعب واطلقت تنهد متعب من فمها بسبب شعورها بالارهاق من سلوك احفادها امامها.
نظرت أبيجيل بعيداً عن مافريك في عجرفة وانزعاج ومافريك ايضا تجاهل أبيجيل ناظراً بعيداً بوجه بلا تعابير.
خلال لحضات الصمت المعدودة لم يسع لمافريك سوا أن يفكر في سبب قبول جدته اجاثا بتريستيا كـ شريكة له.
نظر مافريك بصمت وهدوء مع وجه بلا تعابير الى اجاثا التي كانت واقفه وبدا انها تفكر في شيء ما.
فجأة حولت اجاثا نظرها ناحية مافريك ونظرت له بحزم وتحدثت بصوت جدي:
“ارشدني الى طريق وجود تلك البشريه..- اه.. اعني تريستيا.”
نظر مافريك لثواني بتعبير غير معروف الى عيون جدته التي كانت تنظر له أيضاً ثم اومأ بهدوء وارتسمت ابتسامه صغيرة وهادفة على وجهه.
استدار بحركات واسعة معطياً ظهره لهم ومشى بحزم وصمت ناحية باب الخروج لقاعة العرش بينما تبعته اجاثا بنفس خطواته بصمت.
تبعتهم أبيجيل أيضاً سراً وكان تعبيرها يبدو مظلما ومنزعجاً لكنها كانت أيضاً تريد أن ترى تلك البشرية التي أسرت قلب اخيها الاصغر مافريك.
***
تحت اشعة الشمس الحارقة في الظهيرة كان على سجناء أرض العقاب ان يعملوا في مناجم عديدة ويستخرجوا الاحجار الكريمه.
كان هذا هو عقابهم.
وعندما يحل غروب الشمس يذهبون الى مبنى أرض العقاب الذي كان مكان ضخم ويسكنه العديد من السجناء.
من بينهم كانت ديليا التي انتقلت مؤخرا الى ارض العقاب الذي يقع في شمال مملكة لودريس.
كانت ترتدي بجامة رمادية اللون وتحمل بيدها منجل وكانت تضربه على الحجر.
مع كل ضربه تخرج شتائم غاضبه من فمها وتتنهد في تعب واحباط.
فجأة رمت المنجل بعيدا من يدها حتى وقع وارتطم على الأرض الحجرية واصدر صريراً عالياً.
صرت على اسنانها في غضب واحباط، وبينما كانت واقفه بالقرب من بركة ماء لاحضت انعكاسها على البركة.
لقد تغير مظهرها وأصبح اشعثاً واصبحت بشرتها التي كانت ناعمه ذات يوم خشنه. ورغم هذا ما زالت ملامحها التي كانت جميله بشكل فريد باقيه ولم تختفي.
“هاها~ جميلة أرض العقاب هنا؟”
صوت رجولي ومرح بدا قريبا ويقترب من المكان التي كانت تقف فيه ديليا.
استدارت ديليا ناحيته في انزعاج وعبوس ونظرت له ببرود:
“ماذا تفعل هنا؟ هل كنتُ تلاحقني أيها الوغد؟”
“هوهوه.. لما كل هذا الغضب والاحباط. لا يجب ان تغضبي والا سوف تخسرين جمالكِ بالكامل؟~”
اثارت كلماته غضبها لكنها لم تكن تريد أن تتجادل معه لأنه لم يكن شخصاً سهلاً في الواقع.
اسمه اورنر وينتمي لسجناء الدرجة الأولى من أرض العقاب، تمرد كثيراً وكان أيضاً المفتعل وراء ثورة سجناء العقاب في كل مرة.
كما أنه استطاع الهرب مرات عديدة من أرض العقاب ثم في النهاية يعود بنفسه الى هنا قائلاً أنه كان يأخذ نزهة قصيرة في الخارج بسبب شعوره بالضجر.
“فقط اذهب ولا تتدخل في ما لا يعنيك.”
تحدثت ديليا بصرامة وحدة ناحيته ثم ادارت وجهها العابس بعيداً محاولة تجاهل وجوده.
ورغم رفض ديليا الصارخ له ألا أنه اقترب منها ووضع يده على كتفها قائلا بصوته المرح والخالي من الهموم وناظرا ناحيتها بعيونه الخضراء العميقه:
“ربما تحتاجين الى المساعدة؟ همم؟”
“….”
استطاعت ديليا فهم نيته من وراء كلماته لكنها لم ترد عليه وتظاهرت بعدم السماع.
صمت اورنو أيضاً ولم يصر على أن تقبل عرضه لكنه بقي ينظر ناحية وجهها والابتسامه الواسعة تعلو وجهه.
لقد خططت ديليا للهروب من هنا ولكن ليس بأخذ مساعدة من الثعبان السام.
بينما كانت تنظر ناحية الارض بعبوس محاولة عدم إظهار ارتباكها فتحت فمها وارجعت شعرها للخلف برشاقه بينما ابعدت يده اورنو عن كتفها قائلة بصوت متسلط ولا مبالي:
“ماذا تريد في المقابل؟”
ابتسم اورنو أوسع عند كلماتها مع عيونه الخضراء التي اعطت وهج خافت وآسر.
لقد لاحظ كيف كانت تحاول التظاهر بالقوة ورغبتها في عدم الخضوع له.
اقترب منها وهمس في أذنها بمرح وصوت ومنخفض:
“أريد أن تجعليني أعبر حدود المملكة الى عالم البشر.”
ارتبكت ديليا من كلماته ولم تفهم السبب وراء قوله لهذا لكنها لم تهتم واومأت فقط بلا مبالاة ثم نظرت بعيداً بينما كانت تلف بخصلة شعرها الوردي حول اصبعها.
****
داخل الغرفة الواسعة حيث كانت تمكث تريستيا على السرير الكبير والمريح ذو الملائات السوداء.
لم يكن يومها سيئاً لأنها تمتعت بخدمات رائعة خلال الساعات التي تركها فيها مافريك لوحدها.
ملابس مريحه وجيده، وطعام لذيذ وذو طعم فريد مع جو هادئ ومسالم.
كان يدخل الخدم احياناً للتنظيف أو للسؤال ما إذا كنتُ بحاجة الى أي شيء. كان كل شيء جيد لدرجة أنني نسيتُ الاحداث المرهقة التي مررتُ بها مؤخراً.
حتى دخل مافريك مرة اخرى ولكن هذه المرة كان معه ضيوف آخرين.
سيدة عجوز ترتدي فستان اسود فاخر وتقليدي وعلى الجانب الاخر تقف فتاة شابة ترتدي فستان احمر فاخر.
عبستُ ونظرتُ اليهم ثم وقع نظري في النهاية على مافريك.
ابتسم مافريك بهدوء وعيونه الحمراء منحنية للأسفل.
فتح فمه وتحدث بصوت ناعم ومراعي:
“هذه هي جدتي اجاثا وكانت الملكة السابقة لمملكة لودريس. و…”
نظر مافريك بطرف عينيه بنظرة باردة لثواني ناحية أبيجيل لكنه ابتسم مرة اخرى ولا زال يتحدث بصوت مراعي ولطيف:
“وهذه هي شقيقتي الكبرى، أبيجيل.”
اومأتُ بتردد لهم كأشارة لأعطائهم التحية.
لاحضتُ أن الفتاة التي كانت تشبه مافريك بطريقة ما تنظر لي بنظرة غير راضية.
يبدو إنها لم تحب وجودي ولكني حولتُ نظري بعيداً وتظاهرتُ بعدم رؤيتي لأني لم ارد ان اصنع اعداء هنا.
فجأة تقدمت السيدة اجاثا التي هي جدة مافريك ناحيتي ووقفت بأستقامة ونظرت الى حيثُ انا كنتُ جالسه على السرير وكان نصف جسدي مغطى بالبطانيه.
ودون سابق انذار رفعت يدها ووضعتها على ساقاي التي كانت مدفونه تحت البطانيه، بحركة بطيئة وسلسة ثم بعد بضع ثواني خرج ضوء من بين اصابعها المجعدة متجهاً ناحية ساقاي.
كنتُ مذهوله ومرتبكة وشعرتُ بالدم الذي داخل ساقاي يتدفق بسرعة كما شعرتّ بحرارة لم تكن مريحة ابداً.
وعندما كنتُ على وشك الاحتجاح بسرعة اوقفني مافريك بوضع يده على كتفي الايمن فجأة ومسحه ببطئ وبطريقة مريحه كما لو كان يحاول تهدئتي.
كان الشعور الذي شعرتُ به عندما وضع يده على كتفي مشابهاً لتلك المشاعر التي شعرتُ بها عندما وضع يده على رأسي في الوقت الذي جلبني فيه لأول مرة الى مملكته.
ولكني لم اشعر بالدوار وفقدان الوعي مثل المرة الاولى بل شعرتُ بذهني الذي كان مشوش ومتوتر قليلا طوال الأيام السابقة، يهدأ الآن بشكل كبير ويخفف من توتري الحالي.
هدأت تعابير وجهي وكان مافريك ينظر بصمت وبوجه غير معروف ناحيتي، بينما كانت السيدة العجوز اجاثا لا تزال توجه طاقتها ذات اللون الرمادي ناحية قدماي حتى انتهت وتلاشت الظلال الرمادية بصمت.
“لقد أعطيتُ قدماكِ فرصة للمشي مرة أخرى. وخلال ثلاثون يوماً. ستعتمد سرعة الشفاء على التدريبات البدنية التي يجب أن تقومي بها.”
شعرتُ بالفعل منذ البداية إنها هدفت الى معالجة ساقاي عندما وضعت يدها عليهما، بالرغم من معرفتي ألا انني شعرتُ أيضاً بالارتباك والتوتر من فكرة المشي مرة اخرى.
اومأتُ بصمت وتردد ونظرتُ للأسفل بوجه بلا تعابير.
لاحظ مافريك كيف بدت تريستيا مشوشة لذا حول نظره الى جدته اجاثا ويبدو أنها فهمت ما اراده قبل أن يطلب منها أي شيء.
وعندما كانت اجاثا على وشك الاستدارة، توقفت فجأة عند مسارها ونظرت الى تريستيا بطرف عينيها ذات اللون الازرق الباهت.
تحدثت بصوت هادئ ولكن مسموع:
“يجب أن تتوقفي عن الحذر كثيراً والتفكير بشكل زائد بلا داعي. حياة البشر قصيرة لذا يجب أن تعيشيها بشكل جيد.”
لم اجبها ولكني شعرتُ بالدهشه من النصيحة غير المتوقعة.
كان هذا صحيحاً ولكن كان من الصعب أيضاً أن اغير من سلوك اعتدتُ على فعله بسبب عيشي لبيئة كانت مختلفه كثيراً عن الذين كانوا بنفس عمري.
ودون أن ادرك.. يبدو أن جدة مافريك قد خرجت بالفعل مع تلك الفتاة الشابة وبقي مافريك واقفاً بصمت وينظر ناحيتي بصمت وهدوء.
“….”
“….”
محرج…
فجأة جاءت فكرة ما الى ذهني.
تحدثُ بصوت جاد وحافضتُ على هدوئي:
“قصر المركيز رولاند.. اعني قصر والدي. ما الذي حصل بعد اختفائي؟”
نظر مافريك ناحيتي بتعبير مفكر لثواني ثم ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهه قائلا بصوت لطيف ولا مبالي:
“لا شيء كبير. فقط توقعوا انكِ لم تعودي على قيد الحياة بسبب حادثة الحريق التي حصلت في غرفتكِ مؤخراً.”
“…ماذا؟”
نظرتُ له بغباء وبعد ثواني من الصمت قلت بهدوء:
“هل افتعلتَ حريقاً في غرفتي؟”
نظر مافريك ناحيتي بصمت ملاحضاً كيف كنتُ احاول اخفاء ارتباكي ثم اومأ بلا مبالاة مع ابتسامة صغيرة، وتحدث بهدوء وتساؤل:
“هذا صحيح.. هل أنتِ غاضبة تريسي؟”
لم أكن غاضبة لكني كنتُ قلقه بشأن المستقبل.
ولم اتوقع ان يحصل كل هذا خلف ظهري لذا كان يجب ان أجمع افكاري مرة اخرى.
لم اجبه ونظرتُ بعيداً لكني هززتُ رأسي بالنفي.
ابتسم مافريك عند اشارتي ورفع يده اليسرى ليضعها خلال شعري الاخضر ويمسده بلطف وحركات سلسة.
لمست اصابعه اذني اليسرى وبدلاً من الابتعاد فرك قوقعة اذني بهدوء بأصابعه، ولا زالت الابتسامة الصغيرة تعلو تعابير وجهه الهادئة والغامضه.
تجعد جبيني في انزعاج من سلوكه الصارخ وامسكتُ بيده ودفعتها بعبوس بعيداً عن اذني.
انقطع التواصل الجسدي بيننا ولكن لم يبدو مافريك منزعجاً بل كان هادئاً تماماً، واصبحت تعابير وجهه مبتسمه بشكل اعمق.
****
بدت الأضواء الليلة داخل الاسواق المليئة بالحيوية مشرقة الى حدا ما.
واعطت ضحكات الناس من اطفال ونساء ورجال وعجائز، جواً مليئاً بالطاقة الايجابية والسعادة.
كان اليوم هو حفل تأسيس امبراطورية ريفينوود التي يعيشها البشر فقط.
وكان من الطبيعي ان يحتفل سكانها بشكل اكبر بعد أن تم اعفاء الفلاحين من نصف ضرائبهم من قبل الامبراطور نفسه.
لكن في مكان ما داخل الزقاقات المظلمة كان يمشي ويليام بخطوات هادئة مع تعابير وجهه التي كانت هادئة بشكل مخيف وجالب للقشعريرة.
كان غطاء الرأس الاسود يغطي رأسه لذا لم يكن وجهه واضحا.
واثناء المشي بحزم وهدوء ارتطم به رجل بدين وتفوح منه رائحة مقرفة.
بدا الرجل سكيراً.
انزعج الرجل من الارتطام المفاجئ فرفع رأسه ناظرا الى ويليام في انزعاج وتحدث بصوت عالي بكلمات مبعثرة وغاضبة:
“ايها الوغد! يا أبن العاهرة، هل أنت اعمى؟!!”
رفع الرجل يده ونقر على صدر ويليام بأحباط وانزعاج ثم لاحظ تعابير وجه ويليام المخفي تحت الرداء الاسود ولكنه لم يهتم وواصل السب والشتائم.
فجأة رفع ويليام يده التي كانت مغطاة بكفوف سوداء ولفها حول رقبة الرجل بهدوء وصمت ولم تتغير تعابير وجهه طوال تلك الفترة كما لو كان تمثالاً.
شعر الرجل بصعوبة في التنفس في البداية وبدأ بضرب ذراع ويليام بقبضاته ولكن ضرباته كانت ضعيفة بسبب كونه سكيراً.
حتى تم خلق مشهد دموي ولم تكن هناك فرصة تمكن الرجل من الصراخ، وكل ما تم سماعه هو صوت كسر العضام.
وقع جسد الرجل على الارض مثل دمية هامدة، ونظر ويليام بلا مبالاة ناحية المشهد الذي سببه هو بنفسه.
كانت قوته مفاجئة جداً بالنسبه لأي شخص اذا رأى ما حصل قبل ثواني معدودة.
تم سماع صوت خطوات سريعة من الخلف وصوت رجولي قادم من الرجل الذي كان ينحني خلف ويليام على ركبته اليمنى، ثم تحدث بحزم وخضوع:
“سيدي الشاب. هل اتعامل معه؟”
توقف ويليام لثواني عند كلمات تابعه ثم تحدث بصوت بارد ومنزعج بنفس وجهه الذي كان خالي من التعابير:
“لا تسألني عن ما هو واضح. الأهم من هذا، هل وجدتَ أي أثر لها؟”
تردد تابع ويليام المخلص في الاجابة لكنه في النهاية هزَ برأسه في نفي وتحدث بصوته الرجولي بحزم واحترام مرة اخرى:
“اعتذر سيدي الشاب. رجالنا يواصلون البحث وعندما..-“
“اصمت.”
قاطع ويليام كلمات الرجل وحل صمت متوتر لثواني حتى فتح ويليام فمه قليلا في دهشه بينما كان ينظر الى بقعة بين الناس بأبتسامته الواسعة التي ارتسمت فجأة على وجهه.
تحدث بصوت مرح متناقض مع بروده السابق:
“ماذا لدينا هنا؟ ، شخص اختفى أيضاً مع اختفاء اختي ثم عاودَ الظهور فجأة.”
برز رأس وردي من بين الناس داخل السوق الليلي ال
مليئ بالاضواء المشرقة.
كانت ديليا تمشي داخل الشارع المزدحم بلا مبالاة بينما كانت ترتدي فستان انثوي ذو تصميم ريفي وبجانبها يمشي رجل نحيف برشاقة وكان طويل القامه ولديه شعر اشقر فاتح وعيونه خضراء اللون وعميقه.
انعكس المشهد غير المتوقع داخل قزحية عيون ويليام وبدا مركزاً بالكامل على الاثنين، ولم تختفي الابتسامة الواسعة من وجهه.
—✎✎✎✎✎—
نهاية الفصل
يتبع…
—✎✎✎✎✎—
التعليقات لهذا الفصل " 7"