5
بعد عدة ساعات من المطاردة تم حبس ديليا داخل زنزانة قصر لودريس في الطابق السفلي.
داخل الزنزانه المظلمة والباردة كانت تجلس على الارض الصلبه بلا مبالاة.
ينزل ضوء القمر بشكل خافت من النافذة الصغيرة التي في الأعلى ليعطي إضاءة صغيرة وخافته.
بعد لحظات من الصمت المستمر تم سماع صوت خطوات ثقيله وبطيئة تقترب من الزنزانة التي تمكث داخلها ديليا.
استدارت ديليا برأسها ناحية مصدر الصوت وغلب عليها التوتر بشكل مفاجئ.
ما زالت غريزتها كشيطانة ذات مستوى أدنى راسخة مقارنة بمافريك الذي هو ملك الشياطين وذو القوة الاعلى.
اقتربت الخطوات أمام الزنزانة مباشرة وتم فتح الباب الحديدية ليصدر صريراً عالياً.
وعندما توقف مافريك أمام ديليا التي كانت جالسة، فجأة تحرك جسدها الى وضعية الركوع القسري واصدرت تأوه مصدوم.
“..اهه..!”
لم تركع لأنها أرادت ذلك بل تحرك جسدها من فعل القوة السحريه لمافريك ودون وعي منها.
اصبحت ديليا راكعة رغماً عنها بفعل أحدى قدراته السحريه، أمام مافريك الذي كان هو واقفاً بثبات وحضور مخيف ناظراً للأسفل ناحيتها ببرود.
كان الصمت ثقيل وخانق ولا زالت انظار مافريك موجهة ناحية ديليا بكثافة مخيفه.
“ديليا.”
منادته لأسمها جعلها ترتعد من الخوف دون وعي.
“لا استطيع قتلكِ كما اتمنى بسبب اتفاقية والدتكِ لكن.. لا تضني أنني سأسمح للأمر أن يمر بهدوء.”
“….”
انتقل نظر مافريك ناحية القضبان الحديديه وتحدث بكلمات حازمة الى الحراس الواقفين على الجانب.
“خذوها الى أرض العقاب.”
“…!”
تحرك الحراس الشبيهين بالآلات بثبات وسحبوا ديليا من ذراعيها بقسوة.
“لا! سيدي اللورد! اغفر لي! لا اريد الذهاب الى هناك!..”
كان صوتها يرتجف اثناء تحدثها وكانت تبدو خائفه ورافضه للفكرة بالكامل.
ورغم هذا، نظرات مافريك المشتعله ناحيتها جعلتها تطبق فمها وتنزل رأسها للأسفل مع جسدها المرتجف.
تحدث مافريك بصوت هادئ متناقض مع تعابير وجهه البارده والمخيفه:
“ديليا.. يجب أن تشكريني لأنني لم اقتلكِ. لو كان اي شخص فعل هذا مكانكِ لقتله دون كلمات إضافية. همم؟ لا تجعليني اغير رأيي الى عقوبه اكثر قسوة.”
لم تتجادل ديليا مرة اخرى بعد سماعها لكلمات سيدها وتم سحبها بصمت من قبل الحراس الى أرض العقاب التي يتواجد فيها الشياطين ذو المستوى الأدنى فقط.
كانت أرض العقاب مكاناً من المستحيل أن تحصل فيه على طعام جيد او ملابس مريحه. لأنها أرض مخصصه للشياطين المجرمين والتي تقع في اقصى شمال مملكة لودريس.
لم تتوقع ديليا أن يحصل هذا لكنها لن تصمت أيضاً وتعيش هناك في ذلك المكان البشع حتى ولو لفترة قصيرة.
كانت الخطط تجول في ذهنها أثناء سحبها من قبل الحراس حتى اختفت من عند أنظار مافريك.
****
ضوء القمر سقط من النافذة معطياً إضاءة باهته داخل الغرفة التي كنتُ امكت فيها.
غرفة سوداء مشؤومه…
شددتُ قبضتي في غضب وانزعاج بينما كنتُ استند على الاثاث واحاول المشي بصعوبه وألم بساقاي المشلولتين الى باب الخروج.
مع كل خطوة كانت قدماي ترتجف وكنتُ اتأوه واشد على اسناني في ألم.
لا بأس.. بقي القليل..
كنتُ آمل أن لا يتضح أن الباب مقفل بعد وصولي إليه لذا كنتُ ادعو بأستمرار.
فجأة انفتح الباب وفقدت توازني من الصدمة وسقطت على الأرض على مؤخرتي.
اطلقتُ انين متألم وعضضتُ شفتي.
‘اللعنه…’
ولكن صوت الخطوات الثقيله التي اتجهت ناحيتي جعلتني انسى ألمي.
ادرتُ رأسي بسرعه الى مصدر الصوت وكان مافريك يقترب بوجه غير معروف حتى توقف بالقرب مني.
انحنى فجأة في مستواي في حركة هادئة وامسك بخصله من شعري كانت عالقه على خدي ثم دسها خلف اذني بلطف.
اقشعريتُ بسبب لمسته مدركة انه يتم لمسي الآن من قبل ملك الشياطين نفسه وليس مافريك الخادم العادي كما كنتُ أضن من قبل.
تراجع رأسي بعيداً عن لمسة اصابعه وكان وجهي عابس ومليئ بالمشاعر المختطله.
زممتُ شفتي في عدم ارتياح.
سقطت يد مافريك في الهواء بعد أن تجنبته واختفت ابتسامته الصغيرة وأصبح وجهه بلا تعابير.
نظر ناحيتي بصمت بينما كان يبدو أن يفكر في شيء ما.
فجاة حملني بين ذراعيه بأسلوب الزفاف ووضعني بلطف على الملائات السوداء للسرير الكبير الذي كان يقع في منتصف الغرفة.
تحدث بصوت لطيف ولا زال ينظر إلى تعابير وجهي العابسه قائلاً ببطئ ونعومه:
“تريسي لن تتعرضِ هنا للألم أو التجاهل وسوف يعاملكِ الجميع معاملة خاصة.”
أصبحت تعابير وجهي ممزوجه بين الانزعاج والصدمه بعد سماعي للـ لقب الذي اعطاني إياه، فرفعتُ نظري للأعلى قليلاً ونظرتُ له بعبوس و حده ثم تحدثتُ بصوت مكتوم ومنزعج:
“لا تناديني هكذا.. كما أنني لا أثق بك فكيف تريدني أن أثق بشعبك؟ فقط اتركني اذهب!”
صمتَ مافريك لثواني مفكراً بصمت أثناء نظره بعيون منحنيه للأسفل في ابتسامة:
“تريسي لقد كنتُ افكر في زفافنا لذا حددته بعد ثلاثة أيام. ما رأيكِ؟”
لم يكن هناك وقت للانزعاج من تجاهله لكلماتي لأن موضوع الزفاف لفتَ انتباهي وجعلني في حالة صدمة وعدم تصديق.
“..زفاف؟..”
سألته بتعبير غبي واردتُ أن يكرر كلماته لأنني ربما سمعته بشكل خاطئ.
انحنى ناحيتي في مستواي ممسكاً بيداي معاً بقبضة يديه الكبيره الحازمه لكن اللطيفه:
“نعم، زفافنا.”
أكدَ افكاري بصوته الحازم وتعابير وجهه المبتسمه المعتاده.
“بما أنني احبكِ بشكل خاص فكرتُ أننا يجب أن نكون معا. ملك وملكة. همم؟ اليس رائعاً؟ ولا تقلقي.. لأنكِ سوف تحبيني بعد أن نتزوج كما أنكِ سوف تعيشين في رفاهيه الى الأبد.”
عجزتُ عن الكلام بسبب كلماته ونظرتُ له بصمت وذهول لبضع ثواني حتى فتحتُ فمي أخيراً وتحدثتُ بصوت بارد مع وجهي الذي كان بلا تعابير:
“هل تريد أن تجبرني على الزواج منك؟”
“….”
بقي ينظر بصمت دون أن يجيبني بشيء.
كان الجو ثقيلاً ومتوتراً ولم ينظر أحدنا بعيداً عن الاخر.
أصبحت تعابير وجهه غامضه حتى فتح فمه أخيراً وتحدثَ بتساؤل أثناء جلوسه على حافة السرير الكبير، بالقرب مني:
“ما الذي يجب أن افعله حتى تشعر تريسي أنها غير مضطرة لذلك؟”
رفع يده ببطء ومسحها برفق على جانب رأسي وفوق شعري الأخضر الطويل الذي كان يسقط فوق أذني اليمنى.
توقف فجأة عن مداعبة شعري لبضع ثوان، ثم بدأ يمرر أصابعه بين شعري ببطء وتحدث بصوت بارد قليلاً، هامسًا:
“هل.. هل تريسي تخاف من كونها تعيش مع شياطين وليس بشر؟ هل هذا هو سبب كونكِ ترفضين البقاء هنا؟”
“….”
حل الصمت فور قوله لكلماته ولم يأتيه رد.
كان الصمت هو مثل تأييد لكلماته لذا لم أشعر بالحاجة للتحدث اكثر.
همهم مافريك في فهم للوضع ثم تحدث بمرونه دون قلق:
“سوف تعتادين على ذلك لذا لا تفكري في الأمر كثيراً.”
بدت كلماته كما لو أنه يواسي طفلاً شاكياً.
“….”
أدرتُ وجهي على الجانب الآخر لتجنب يده التي كانت تمسد رأسي مع تعبير وجهي العابس.
لم يتفاعل مافريك عندي حركتي وبقي صامتاً.
نهض بحركة صامته من السرير ووقف على الجانب قائلا بلطف:
“سأترككِ لترتاحين. إذا كنتِ بحاجة لشيء عندها قومي فقط بسحب الحبل المتصل بسقف السرير وسيأتي الخدم إليكِ مباشرة.”
مش بخطوات واسعة ناحية الباب ثم فتحها بهدوء وخرج من الغرفة غالقا الباب خلفه.
استطعتُ سماع صوت الباب يقفل بواسطة المفتاح مما جعلني اشعر بالغضب لذا ضربت بقبضتي فجأة على ملائات السرير في حالة أحباط وغضب.
****
في صباح اليوم التالي كان هناك مجموعة من الخدم والخادمات يتوجهون نحو غرفة تريستيا وبأيديهم العديد من الهدايا ذات الشكل والحجم المختلفين والمربوطه بالأشرطة الملونه.
دخلوا الباب مما تسبب الأمر في ايقاضي بسبب الضجه فرفعتُ جسدي العلوي مستندة بذراعاي على السرير الذي كنتُ مستلقيه عليه وعدلتُ جلستي.
نظرتُ حولي في دهشه ولاحضتُ عدد صناديق الهدايا التي برزت أمام ناظري والتي تم وضعها في كومه على الأرض.
“ما كل هذا؟..”
عند سؤالي انحنى الخدم والخادمات توقف الجميع ثم انحنوا ناحيتي في وقت واحد.
تقدمت خادمة الى الأمام بخطوات بطيئة ثم توقفت.
بدت الخادمة أنها رئيستهم بسبب الكرايزما التي كانت تمتلكها وكانت تبدو في منتصف العمر،
انحنت في احترام وتحدثت بصوت رسمي وواضح:
“هذه هي الهدايا المقدمة من جلالته شخصياً، ويتمنى أن تنال اعجابكِ.”
كان هذا متوقعاً.
نظرتُ حولي الى الخدم الذكور والاناث الواقفين في احترام ثم قررتُ تجربة شيء ما.
تحدثتُ بصوت هادئ وبلا مشاعر وبدا عالي بما فيه الكفاية ليسمع جميع من في الغرفة:
“ماذا أكون بالنسبة لكم؟”
عند سؤالي بدا الخدم الاصغر سناً في حالة تفكير لكن رئيستهم التي كانت سيدة عجوز سريعة البديهية أجابت بسرعة وبحزم:
“أنتِ هي السيدة التي يفضلها الملك، ومن المرجح أن تكوني من المرشحات لمنصب الملكة في المستقبل.”
“….”
حل الصمت عند كلماتها وركز الخدم على المحادثة بحذر.
نظرتُ بلا تعبير إلى الخادمة العجوز التي كانت الأكبر سناً بينهم وقلتُ بصوت متزن مع نظرتي الحاده:
“ما هو أسمكِ؟”
عند سؤالي اجابت الخادمة على الفور بصوت احترامي:
“اسمي هو دارسي وأنا هي رئيسة الخدم هنا في هذه القلعه. هل هناك أي شيء آخر تريدين معرفته، سموكِ؟”
سموكِ؟..
دهشتُ قليلا من اللقب الأحترامي غير المتوقع لكني كنتُ اسيطر على تعابير وجهي ولم اظهر ذلك.
‘الخطوة الأولى في طريق النصر هي التعرف على عدوك.’
شددتُ قبضة يدي التي كانت تحت البطانيه في حزم ثم رفعتُ ذقني قليلاً وقلت:
“كم عمركِ ومنذ متى تعملين هنا يا دارسي؟”
بدت دارسي مترددة عند سؤالي لكنها اخفضت رأسها للأسفل في احترام وقالت بصوت هادئ:
“عمري هو 346 عاماً ولقد مضى عقدين على عملي هنا في هذه القلعه.”
فتحتُ فمي قليلاً في دهشه من كلماتها وتذكرتُ متأخرة أنني لا اتعامل مع بشر بل مع شياطين.
ساد التوتر في الجو ويبدو أن بعض الخدم لاحضوا تغيير تعابير وجهي لذا حاولتُ السيطرة على ارتباكي بسرعة.
“أفهم.”
أجبتُ بهدوء محاولة الحفاظ على صوتي الهادئ.
فجأة تم فتح الباب واقتربت خطوات لشخص ما.
انحنى الخدم جميعاً في وقت واحد عند ظهور ملكهم وأصبحت تعابير وجههم مثل الدمى.
تهجمتُ ولم يسعني سوا أن الاحظ ارتدائه لملابس مختلفه.
لم يكن يرتدي ذلك الزي الرسمي الخاص بالخدم.
بل كان يرتدي قميص اسود ذات تصميم مريح ومصنوع من الحرير مع بنطال اسود طويل. كانت ملابسه ذات جودة فاخرة تماماً وقميصه مرصع بالأحجار الكريمة الصفراء والبيضاء الملفته للنظر.
وبينما كنتُ انظر الى ملابسه لاحضتُ متأخرة أنه كان يحمل صندوق صغير نسبياً بين يديه.
تقدم ناحيتي بأبتسامة متجاهلاً وجود الخدم ومركزاً علي فقط.
وقف أمامي الى حيثُ كنتُ جالسة على السرير ثم تحدث بصوت ناعم ولكن حازم:
“هذه الهديه اخترتها بنفسي لكِ يا تريسي، اردتُ أن تفهمي مقدار حبي وتفضيلي اتجاهكِ.”
شعرتُ بالأرتباك من كلماته.
لقد خطفني بعد كل شيء لذا من الطبيعي أن يكون شخص مجنون.
كان أيضا مهووس بالكامل بي بطريقة غريبة.. لكن عندما يعبر عن مشاعره ناحيتي لا يسعني سوا الشعور بالحيرة والتردد.
شددتُ قبضة يداي التي كانت تحت البطانيه لتهدئة نفسي، ثم بعد يضع ثواني رفعتُ نظري من الأرض ونظرتُ ناحيته بعيوني الصفراء وحاولتُ عدم قطع التواصل البصري معه.
فتحتُ فمي ببطئ وتحدثتُ بصوت هادئ ولا مبالي ولكن كان يحمل القليل من البرود:
“إذا كنتَ تحبني حقاً فعندها كنتَ ستسمح لي بالرحيل وليس احتجازي هنا مثل سجينة.”
تعثرت ابتسامته عند كلماتي ونظر ناحيتي بصمت.
كان الخدم يراقبون الوضع الذي بيني وبينه بحذر وتوتر.
فجأة جاء صوت آمر من مافريك بينما لا يزال ينظر ناحية عيناي:
“اخرجوا جميعاً.”
دهش الخدم من أمره المفاجئ لكنهم انسحبوا بسرعة دون أعتراض وغادروا الغرفه جميعاً ثم اغلقوا الباب تاركين ملكهم مع ضيفتهم الجديدة.
وضع مافريك الصندوق الصغير على الطاوله القريبه من السرير بحركات هادئة.
راقبتُ كل تحركاته في توتر ولم اعرف ما يخطط لفعله.
شددتُ قبضة يداي في توتر لكني حافضتُ على وجهي الذي كان بلا تعابير.
انحنى مافريك ثم جلس بصمت على حافة السرير، بالقرب مني.
“ماذا.. ماذا تريد أن تفعل؟…”
لم استطع منع التوتر الذي كان في صوتي وعبستُ بعدم راحة وارتباك.
فجأة رفع مافريك يده وامسك بالصندوق الصغير الذي وضعه قبل لحضات على الطاوله وفتحه بصمت ولا زال ينظر ناحيتي في عيون منحنية بهدوء للأسفل في ابتسامة.
تم فتح الصندوق الصغير وظهر أمام ناظري قلادة فضية تحمل جوهرة صغيرة ذات لون أحمر.
“في العادة، هنا في مملكتي يتم تبادل هدايا رمزيه بين الزوجين تحمل نفس لون عيونهم. وبما أن تريسي هي شريكتي ففكرتُ في اعطائها قلادة تحمل نفس لون عيناي.”
كان يتحدث بصوت ناعم ووجه مبتسم بشكل هادئ اثناء تحدثه. ولكن لم يهمني كل هذا.. لأنني كنتُ انتظر اجابته فقط ولم اتوقع أن يغير الموضوع هكذا.
ودون سابق انذار وضع القلاده حول رقبتي ثم غلق الحلقتين الخلفيتين معاً. وبعد أن انتهى تراجع قليلا برأسه ليفحص مظهري مع القلادة.
تحدث بحزم وأعجاب وكانت عيونه متوسعه في ابتسامة صغيرة على وجهه. مثل طفل يمدح الحلوى خاصته:
“أنه جميل جداً.. لا.. تريسي هي التي جعلت من القلادة تبدو أجمل.”
“….”
ما زال وجهي بلا تعابير لكني كنتُ اعض شفتي في توتر وارتباك من الوضع الذي أنا فيه الآن.
كان سبب شعوري بعدم الراحة هو سلوكه اللطيف ناحيتي.
لم أعرف كيف أتعامل معه بعد أن أدركتُ مدى تفضيله لي، ولكن على الرغم من ذلك، لم أكن أثق به أيضًا.
لم أعلم أبدًا متى سيتم التخلي عني.. أو ربما يفعل كل هذا لسبب ما.
أنزلتُ رأسي للأسفل مع عقلي المضطرب وتعابير وجهي التي كانت تبدو أنني في حالة صراع مع افكاري.
كان مافريك صامتاً وهادئاً أثناء مراقبته لي بتعابير وجه غامضه وغير معروفه.
فجأة رفع ذراعيه بهدوء ولفها حول نصف جسدي العلوي ليعطي عناقاً مفاجئاً.
وضعَ يديه على ظهري، ثم قربني منه من خلال دفعي بخفه ناحيته حتى أصبح رأسي على كتفه.
“يمكنك أن تثقي بي يا تريسي. ستعيشين حياة مريحة وآمنة طالما أنكِ معي. ولا داعي للتفكير في العودة إلى عائلتكِ. لأنك لن تجدي هناك أحدًا يمكنكِ الوثوق به. لذا لن يكون الأمر سهلاً.”
كان هذا… مثل همسات الشيطان عندما يريد اغراء ضحيته.
اغمضتُ عيناي لأزاحة الافكار عديمة النفع من رأسي ثم فتحتهم ببطئ ورفعتُ يداي ووضعتهم على صدره ثم دفعته بخفه فتراجعتُ للخلف قليلاً ونظرتُ بعيداً للأسفل في صمت وكانت تعابير وجهي عابسة ومفكرة.
راقبني مافريك بصمت ولم يعترض يداي اثناء دفعي له لكنه لم ينهض أيضاً وبقي جالس بالقرب مني كما هو.
نظر إلي بتعابير وجهه المبتسمه بهدوء تحت نظراته المركزة.
“أنت.. سمعتُ.. أنكَ تعرف انني لستُ من هنا..”
في اللحضة التي طرحتُ فيها الموضوع تغيرت تعابير وجهه وبدا مصدوماً من معرفتي لذلك.
ثم بعدها مباشرة، أصبحت تعابير وجهه باردة ومخيفه.
سارت قشعريرة في جسدي بسبب رؤيتي لتعابير وجهه التي كانت مخيفه حقاً، فنظرتُ بعيداً بسرعة في توتر.
أدرك مافريك متأخراً أنه كان يقف أمام تريستيا فغير تعابير وجهه بسرعة الى الهدوء وعاد مبتسماً كالمعتاد.
لقد فقدَ رشده بسبب غضبه ناحية ديليا التي تحدثت بكل شيء حرفياً.
رفع يده للأعلى في استسلام بحركة هادئة ثم قال بصوت مرح:
“أنا آسف. أنا لستُ غاضباً منكِ ابداً تريسي.”
كان واقفاً بأستقامه ناظراً لي بوجه مبتسم.
حاولتُ تهدئة نفسي بسرعة لأني اردتُ التحدث، ثم بعد بضع ثواني فتحتُ فمي وتحدثت بصوت يحمل نوع من الأنزعاج والتردد:
“هل.. هل سبب اعجابكِ بي هو لأنني من عالم آخر؟ اعني.. أنت احببتني لأنني مختلفه بشأن هذا الأمر، صحيح؟”
اختفت ابتسامة مافريك عند سماعه لكلماتي وبدا تعبيره مفكراً وهادئاً حتى فتح فمه أخيراً وتحدث بلطف ولكن بحزم:
“هل تريسي تضن انني أحبها لأنها من عالم آخر؟ هذا فقط؟ لكن الأمر ليس كذلك.”
“….”
“أنا معجب بكِ لأنكِ تملكين إرادة في البقاء على قيد الحياة رغم شعوركِ باليأس. وأيضاً…”
انحنى في مستواي وأصبح وجهه قريب من وجهي هامساً بلطف:
“تعجبني روحكِ التي تمتلكينها. إنها غامضة ولكنها آسرة.”
توسعت عيناي في دهشه من كلماته وشعرتُ بأذناي تحمر بسبب الخجل. استدرتُ برأسي الى الجانب الآخر بسرعه وحاولتُ تهدئة خفقان قلبي السريع.
لاحظ مافريك كيف احمرت اذناي تريستيا في خجل ولم يسعه سوا أن يبتسم بشكل أوسع.
تراجع للخلف ووقف مرة أخرى بأستقامة قائلاً بصوت لطيف ومراعي:
“سأغادر الآن. آه… ولا تنسِ أن تأكلي جيدًا، سيحضر لكِ الخدم وجبة الإفطار هنا قريبًا.”
كان لا يزال يبتسم عندما تحدث ثم استدار بهدوء ومشى بخطوات واسعة ناحية الباب وفتحها وخرج غالقاً الباب خلفه.
****
عند ظهيرة اليوم حيث كانت الشمس شديدة الحرارة.
كان يمشي مافريك ملك مملكة لودريس في جو انيق وملكي داخل ممرات القلعه الواسعة.
كان حضوره قوي ويمشي بخطوات واسعة وتعابير وجهه مبتسمه قليلا بسبب تذكره لتريستيا.
تبعه مستشاره المدعو براين بخطوات متعجلة، حيث كان يرتدي نظارات ولديه مظهر فوضوي ولكن ذكي.
“جلالتك! جلالتك!”
توقف مافريك عند مساره وأستدار رأسه للخلف متحدثاً بأزعاج ونفاذ صبر:
“ما الأمر؟”
توقف المستشار عن المشي في لهاث محاولاً الحفاظ على انفاسه بسبب ركضه السابق.
تحدث بصوت متعثر ومتسرع:
“الأميرة أبيجيل.. لقد.. اه.. لقد عادت الى القلعه منذ ساعة..”
اختفت ابتسامة مافريك عند سماعه لكلمات مستشاره. كما لو أن ابتسامته قبل لحضات كانت كذبه.
احيطَ به فجأة ظلال مظلمه..
كان يعني أن قوته المظلمه الشيطانية خرجت عن السيطرة.
ركع براين بسرعة على ركبتيه وأخفض رأسه للأسفل عند رؤيته للمشهد ولم يستطع منع ارتجاف جسده وخفقان قلبه السريع والمرتعب.
كان الأمر مشابه لديليا عند شعورها بالخوف الغريزي من مافريك.
مافريك هو ملك ورئيس الشياطين ودمائه نبيله وهي دليل على كونه الأكثر قوة.
شد مافريك قبضة يده التي كانت منسدله للأسفل واختفت الظلال المظلمه ببطئ ولكن ما زال الشعور الخانق منتشر في المكان بشكل خافت.
تحدث بصوت بارد:
“أين هي الآن؟”
بلعَ براين لعابه في توتر وأجاب بأحترام وخضوع:
“توجهت قبل لحضات نحو قاعة العرش..”
كان كلاماً متوقعاً.
أبيجيل، أخت مافريك الكبرى والمعروفة بأنها الأكثر أناقة في الدوائر النبيلة. لقد كانت تتوق دائمًا إلى منصب الملك ولكن لم يكن لديها فرصة لأن مافر
يك كان هو المختار في يوم الطقوس وليس هي لذلك تم تتويج مافريك.
هذا ما جعل أبيجيل تكره اخيها الاصغر مافريك كثيرا وتزيد من تنمرها عليه عندما كان الأثنان اصغر سناً.
لا يزال مافريك يتذكر كيف عاقبته بقسوة عندما كان مجرد صبي صغير بحجة تعليمه السلوك النبيل.
شدَ مافريك على قبضته بوجه ذات تعابير باردة وتوجه بثبات نحو قاعة العرش مع مستشاره براين الذي كان يتبعه بصمت من الخلف.
—✎✎✎✎✎—
نهاية الفصل
يتبع…
—✎✎✎✎✎—
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"