الفصل الخامس

 

ربما ساعد الإمبراطور أوجيني دون تفكير عميق. 

 

كما وُصف مرات عديدة في الرواية الأصلية، كان البطل رجلاً بارعًا، عقلانيًا، وعادلًا بطباعه.  

 

بل إنه كان كريمًا مع من هم دونه في المرتبة، لدرجة أنه سَنَّ قانونًا لحماية الخدم.  

 

لكن بالنسبة لمن يتلقى هذا العون، لم يكن الأمر بهذه البساطة.  

 

في الرواية، لم يُذكر هذا الحدث حتى، فقد كان بالنسبة للإمبراطور مجرد تفصيل تافه.  

 

لكن بالنسبة لأوجيني في الرواية الأصلية، كان ذلك الحدث البسيط كافيًا ليوقعها في شرك الحب الأول الذي انتشر كالنار في الهشيم.  

 

‘حسنًا، رغم أنها أُنقذت من قِبل البطل بهذه الطريقة…’  

 

أنهت أوجيني استرجاع ذكرياتها وهزّت كتفيها بلامبالاة.  

 

‘كان من المضحك أنها أصرت على ألا تتخلى عن حبها، حتى تسللت إلى فراش البطل.’  

 

على أي حال، لم يكن الوقت مناسبًا لتستغرق في الذكريات.  

 

بل كان عليها أن تفكر في أمر أكثر إلحاحًا.  

 

‘إن لم أتخلص من الخادمة ماكراي في الوقت المناسب، سأندم أكثر، أليس كذلك؟’  

 

عقدت العزم.  

لأجل سلامتها، كان عليها أن تجد طريقة لإخراج جانيت من قصر الأمير الثاني.  

 

—

 

بعد أيام، وأثناء عيش أوجيني في قصر الأمير الثاني، لاحظت أمرًا غريبًا.  

 

‘لِمَ يبدو أن الأمير الثاني غالبًا ما يكون وحيدًا؟’  

 

نواه لم يتجاوز السابعة من عمره، وهو طفل صغير، وفوق ذلك، الأخ غير الشقيق الوحيد للإمبراطور.  

 

كان من الطبيعي أن يكون هناك بالغ يرعاه عن كثب، لكن باستثناء جانيت، لم يجرؤ أحد على الاقتراب من الأمير الثاني.  

 

بل على العكس…  

 

“لقد خرج سمو الأمير!”  

 

“ابتعدي، بسرعة!”  

 

“هل تريدين أن تقعي في عين الأمير الثاني وتتعرضي لمشكلة؟!”  

 

ما إنْ يظهر ظل الأمير الثاني في الرواق، حتى تتلاشى الخادمات بوجوه مشحونة بالرعب، كأنهن طيور مذعورة.  

 

حتى نواه نفسه بدا وكأنه يتجنب اقتراب أي شخص منه…  

 

‘مهلاً؟’  

 

توقفت أوجيني فجأة أثناء مرورها.  

 

كان نواه يقف عند نافذة غرفة الجلوس الكبيرة، ينظر بحسد إلى الخادمات في الخارج.  

 

كنَّ يحملن سلالًا مليئة بالغسيل ويتحدثن بودٍّ.  

 

“لذا، أفكر في زيارة بلدتي في هذه الإجازة.”  

 

“حقًا؟ أنا حسودة جدًا!”  

 

راقبت أوجيني نواه بعناية، ثم اقتربت منه بخطوات سريعة.  

 

“سمو الأمير الثاني؟”  

 

“آه!”  

 

انتفض نواه مذعورًا ونظر إليها.  

 

ثم ضيّق عينيه بنظرة حادة وقال:  

 

“لا تتظاهري بمعرفتي.”  

 

“أم، معذرةً، هل لي أن أسأل لمَ عليَّ فعل ذلك؟”  

 

“لا أثق بأحد… إلا بجانيت!”  

 

استدار نواه بحركة سريعة وبدأ يمشي بخطوات متسارعة.  

 

‘لحظة، لا يثق بأحد سوى جانيت؟’  

 

توقفت أوجيني للحظة، وجهها يعكس الدهشة، ثم تبعت نواه بخطوات خفيفة.  

 

فالتفت إليها نواه بنظرة متذمرة:  

 

“لمَ تتبعينني؟!”  

 

“هذا سوء فهم، سموك. أنا فقط أسير في نفس الاتجاه الذي تسير فيه.”  

 

هزّت أوجيني كتفيها ببرود متظاهر.  

 

نفخ نواه خديه بعبوس، لكنه لم يجد ما يقوله، فكيف يعاتبها على سيرها في نفس الاتجاه؟  

 

“…”  

 

استدار نواه بحركة حادة، ضامًا شفتيه، وأسرع في خطواته.  

 

حينها، نادته أوجيني:  

 

“سموك، هل لي أن أسأل شيئًا؟”  

 

“ماذا؟”  

 

“منذ أن تم تعييني في قصر الأمير الثاني، لاحظت أنكَ دائمًا بمفردكَ.”  

 

ارتجف كتفا نواه، كأن كلماتها أصابت مقتلًا.  

 

“هل هناك سبب يجعلكَ تتجنب الخادمات الأخريات باستثناء الخادمة ماكراي؟”  

 

“…”  

 

لكن شفتي نواه ظلتا مغلقتين بإحكام، دون أي نية للإجابة.  

 

ضيّقت أوجيني حاجبيها قليلًا.  

 

‘هناك شيء غريب، أليس كذلك؟’  

 

قبل قليل، كان نواه ينظر إلى الخادمات من النافذة.  

 

كانت نظرته تحمل شوقًا واضحًا للاندماج مع الآخرين…  

 

“وأيضًا، لقد قلتَ للتو إنكَ لا تثق إلا بالخادمة ماكراي.”  

 

واصلت أوجيني طرح أسئلتها:  

 

“أريد أن أعرف لمَ تقول ذلك.”  

 

“هذا…”  

 

تردد نواه للحظة، كأنه على وشك القول بشيء.  

 

لكن في تلك اللحظة، اقتربت خادمة في منتصف العمر.  

 

كانت جانيت.  

 

“سمو الأمير الثاني!”  

 

هرعت جانيت نحوه، وحملته بين ذراعيها بسرعة، ثم رمقته أوجيني بنظرة مليئة بالحذر.  

 

‘يا إلهي، كأنني سألتهم سمو الأمير!’  

 

أوجيني أخفت تنهيدة داخلية.  

 

“سموك، هل ندخل إلى الداخل؟”  

 

تحدثت جانيت بصوت مرتفع، كأنها تتعمد أن تسمع أوجيني.  

 

نظر نواه إلى أوجيني بنظرة جانبية، ثم عانق جانيت بقوة.  

 

“…نعم.”  

 

حملت جانيت نواه ومشيت بثقة متعجرفة.  

 

‘بالتأكيد هناك شيء مريب.’  

 

عبست أوجيني وهي تراقب ظهرهما وهما يبتعدان.  

 

—

 

ما إن رأت جانيت أوجيني ونواه معًا، حتى هرعت نحوهما كالصاعقة وحملت نواه بعيدًا.  

 

لكن بمجرد أن ابتعدت عن أوجيني، وضعت جانيت نواه على الأريكة بملامح تنم عن الضجر، ثم خرجت من غرفة الجلوس بخطوات سريعة.  

 

“جانيت، إلى أين أنتِ ذاهبة؟”  

 

“آه، لديَّ بعض الأمور لأنجزها. يمكنكَ البقاء بمفردكَ، أليس كذلك؟”  

 

ابتسمت جانيت ابتسامة سريعة وغادرت دون تردد.  

 

تُرك نواه وحيدًا في غرفة الجلوس الواسعة.  

 

‘…وحيد مرة أخرى.’  

 

أسند نواه كتفيه بحزن وهو ينظر إلى الأرض.  

كانت جانيت دائمًا هكذا.  

 

كلما حاول نواه التحدث مع أحدهم، كانت تتدخل بسرعة لتفصله عنهم، لكن في بقية الأوقات، كانت تتركه وحيدًا.  

 

“…”  

 

اعتاد الطفل الصغير على الوحدة، ففتح كتاب قصص بصمت.  

 

كان هناك رسم لأطفال يلعبون بالكرة.  

 

للحظة، أظلمت عينا نواه.  

 

‘أمي.’  

 

في السابق، عندما كانت أميليا، والدة نواه، لا تزال على قيد الحياة، كان يزور قصر الإمبراطورة الأم كثيرًا.  

 

‘أريد أن ألعب بالكرة.’  

 

كان يتشبث بها ويتذمر، فيأخذه أخوه الأكبر، رغم ملامح الحيرة على وجهه، إلى الحديقة.  

 

كانت الإمبراطورة الأم وأميليا تبتسمان بحنان لهما وهما يلعبان.  

 

‘لكن الآن، لا يمكنني فعل ذلك.’  

 

أمسك نواه الكتاب بقوة.  

 

لم تعد والدته موجودة، وغادرت الإمبراطورة الأم القصر بحجة النقاهة.  

 

وأما أخوه…  

 

‘جلالة الإمبراطور.’  

 

أخوه، الذي يضع تاج الإمبراطورية المتلألئ، أصبح الآن شخصًا لا يمكن لنواه أن يقترب منه بحرية.  

 

لم يعد بإمكانه أن يتصرف كطفل مدلل كما في السابق.  

 

لكن، كان هناك شخص واحد اقترب منه لأول مرة منذ زمن.  

 

‘…الخادمة سييرز، أليس كذلك؟’  

 

كانت الخادمات يهربن من نواه كالطيور المذعورة عند رؤيته.  

 

لكن أوجيني كانت مختلفة.  

 

مهما حاول نواه أن يكون حادًا معها، كانت تبتسم بودّ ولا تتجنبه أبدًا.  

 

‘هذا سوء فهم، سموك. أنا فقط أسير في نفس الاتجاه الذي تسير فيه.’  

 

رغم نبرتها المراوغة، إلا أن نواه أحب ذلك.  

 

كان الحديث مع شخص آخر غير جانيت أمرًا نادرًا بالنسبة له.  

 

ربما لهذا السبب، عندما ظهرت جانيت من بعيد، شعر نواه بقلبه يهتز.  

 

‘هل هناك سبب يجعلكَ تتجنب الخادمات الأخريات باستثناء الخادمة ماكراي؟’  

 

‘لقد قلتَ للتو إنكَ لا تثق إلا بالخادمة ماكراي. أريد أن أعرف لمَ تقول ذلك.’  

 

ترددت كلمات جانيت في ذهنه، كأنها تعويذة تُلقى يوميًا:  

 

“تذكر، سمو الأمير الثاني، أنا الوحيدة التي تهتم بكَ حقًا.”  

 

“لا تريد مني أن أغادر جانبكَ، أليس كذلك؟”  

 

‘نعم، الخادمة سييرز ستغادرني يومًا ما أيضًا.’  

 

‘جانيت هي الوحيدة التي ستبقى بجانبي.’  

 

أغلق نواه كتاب القصص واستلقى على الأريكة.  

 

“…أريد أن ألعب بالكرة.”  

 

خرج صوت الطفل كتنهيدة خافتة.  

 

—

 

بعد ذلك اليوم، لم يتغير شيء يُذكر.  

 

ظلت جانيت تحيط بنواه، ونواه ينظر بحسد إلى الخادمات بينما يبقى محصورًا في ظلها.  

 

لم تستطع أوجيني تحمل ذلك، فقبضت على يديها بقوة.  

 

‘يجب أن أبني بعض النفوذ لنفسي.’  

 

في الوقت الحالي، يبدو الاقتراب من نواه أمرًا صعبًا، بسبب دفاعات جانيت الحصينة.  

 

في النهاية، كانت قوة جانيت تأتي من تعلق نواه بها، لذا لم يكن مفاجئًا أنها تحميه بعينيها المشتعلتين.  

 

لذلك، قررت أوجيني أن تستهدف شخصًا آخر…