Chapters
Comments
- 3 2025-08-21
- 2 2025-08-21
- 1 - مات زوجي 2025-08-21
“أنا آسفة.”
تسلّل ذلك الاعتذار البسيط بخفّةٍ إلى رأس آيلا الصغير المستدير.
وما إن وقع، حتى انفلت من الطفلة نشيجٌ خافت، مكتومٌ في صدر إستيلّا.
ربّما كان ثِقل شعورها بأن عليها ألّا تبكي هو ما كبّلها، فجاهدت ذات الثمانية أعوام لتكتم دموعها، مكتفية بأصوات متقطّعة مخنوقة.
عانقتها إستيلّا بشدّة، وأعادت قولها من جديد:
“أنا آسفة حقًّا.”
وبعد لحظة، خرج صوتٌ خافت من بين أحضانها:
“…لا بأس.”
لكنّ الأمر لم يكن كذلك أبدًا؛ فقد حاولت إستيلّا التخلّي عنها.
انعقد حلقها ولم تستطع أن تنطق بكلمة أخرى.
وما إن أغمضت عينيها بقوّة، حتى انبعث من الطفلة سؤالٌ متردّد:
“إذن… أنا…”
غير أنّها لم تُكمل عبارتها، إذ ظلّت شفتاها الصغيرتان تنفرجان وتنطبقان بلا صوت، فيما أنفاسها الدافئة تتردّد على صدر إستيلّا.
أبعدتها إستيلّا برفق، وقالت:
“لا بأس، يمكنك أن تسألي.”
كان وجه آيلا مشوّهًا بالدموع والعرق، أو ربّما بماء المطر الذي ابتلّت به ثياب إستيلّا. حرّكت شفتيها ببطء:
“إذن… هل سنبقى معًا الآن؟”
وفهمت إستيلّا على الفور.
فالطفلة لم تكن تسأل إلّا: “لن تتركيني بعد الآن؟”
لكنّ دهاءها الطفولي جعلها تُخفي المعنى خوفًا من أن تدفع زوجة أبيها الباردة إلى الابتعاد عنها ثانية.
فمدّت إستيلّا يدها تمسّد شعرها المبعثر، وأجابت:
“نعم. لم يكن الأمر سوى ستّة أشهر، لكنّني كنتُ وصيّتك. ومن الآن فصاعدًا، سنبقى معًا.”
خرجت إستيلّا ممسكة بيد آيلا من محطة القطار، وكان الغيم قد انقشع للتوّ.
فإذا السماء، التي كانت منذ لحظات كئيبة معتمة، قد صارت براقة كأنّها تُمازحها عمدًا.
رفعت رأسها وضحكت ضحكةً واهنة.
لم تكن تؤمن بالآلهة، غير أنّ اللحظة أوحت لها بوجود يدٍ خفيّة.
كأنّ المطر كان تحذيرًا من السماء، يسألها: أحقًّا ستتركين تلك الطفلة؟ أيمكنك أن تعيشي مع ضميرك؟
“يا للمفارقة…” همست، والطفلة تنظر إليها باستفهام.
فالتفتت إليها قائلةً برفق:
“لا تضغطي على يدي هكذا، لستِ مضطرّة لذلك.”
لكنّها لم تُكمل بصوت مسموع: “لن أفرّ من يدكِ بعد الآن.”
“…حسنًا.”
وكان أوّل ما فعلاه أن قصدا نُزُلًا صغيرًا في مدينة شاميرون.
ولعلّ السواد الذي اكتسى ثوبها الجنائزي أثار شفقة صاحب النُزُل، فعرض عليهما غرفة بأجرةٍ أقل.
(ومع ذلك… يا لِغَلائها الفاحش!)
فما كلّف في قرية هامولزن الهادئة القريبة من قصر البارون بانسن ثُلث هذا المبلغ، بلغ في هذه المدينة ثلاثة أضعاف. وهكذا هي المدن الكبرى دومًا.
جفّفت إستيلّا جسدها بمنشفة، وغيّرت ثيابها المبتلّة.
“آيلا، تستطيعين تبديل ثيابك وحدك، أليس كذلك؟”
هزّت الطفلة رأسها.
“أجيبي بالكلمات.”
“…نعم.”
“جيد. إذن جفّفي جسدك وارتدي ثوبًا نظيفًا قبل أن تخرجي.”
ثم جلست إستيلّا إلى الطاولة مع دفترٍ وقلمٍ ثمين احتفظت بهما من قبل زواجها.
خذخَذ القلم على الورق… سطرٌ بعد آخر، تتكشّف الحقيقة القاسية.
“الوضع أضيق ممّا ظننت.”
حدّقت نحو الستارة خلفها حيث تغيّر آيلا ثيابها، وفكّرت:
(عليّ حقًّا أن أجد عملًا سريعًا.)
وما لبثت الطفلة أن خرجت بثوبٍ أسود كأمّها.
أغلقت إستيلّا دفترها واقتربت منها.
“لابد أنّك جائعة.”
“نعم…”
“لنذهب ونأكل شيئًا أوّلًا.”
ومضتا معًا، ثوباهما الأسودان يجرّان نظرات المارّة.
شابة أرملة، بيعت لنبيلٍ مسنّ، ثم حُرمت من الميراث، متأرجحة بين الطبقات… لقد غدت مادّةً للتعاطف والنقاش في مجالس الناس.
وكان مقصد إستيلّا متجر حلويات صغير، لا باذخ ولا مهترئ.
امتلأ الداخل، فجلستا عند طاولة خارجية على الرصيف. طلبت كوبًا من الحليب وقطعة خبز بالسمسم لطفلتها.
“وأنتِ؟ ألا تأكلين شيئًا؟”
“لا. لستُ جائعة.”
لكنها كانت تكذب. لم يكن غياب الشهية ما منعها، بل ضيق ذات اليد.
“لكن…”
“لا تقلقي. سآكل لاحقًا. ركّزي في طعامك.”
أيّ إنسان عرف إستيلّا لبرهةٍ كان سيُصدم؛ إذ لم تكن يومًا تردّ طعامًا. لكن الأوضاع تغيّرت.
(إيجاد مسكنٍ مع طفلة هنا… سيكون عسيرًا.)
وزاد الطين بلّة أنّ التذكرة التي منحتها لها خليلة زوجها الراحل قادتهما إلى شاميرون تحديدًا؛ العاصمة الثانية، وكلّ شيء فيها باهظ على نحوٍ فاحش.
“ها هو الحليب والخبز.”
حتى ذاك الخبز كلّف ضعف ثمنه المعتاد في قريتها القديمة.
(يجب أن أوفّر كلّ قطعة نقدية.)
راقبت إستيلّا طفلتها تغمس الخبز في الحليب وتأكل.
(إنّها ذكيّة… يمكنني أن أتركها وحدها إن وجدت عملًا.)
لكن أيّ عمل؟
عمل خادمة؟ أغلبه إقامة داخلية وأجره زهيد.
(لا أستطيع أن أكون خادمة مقيمة، لا ومعي طفلة.)
فلم يبقَ إلا عملٌ يومي أو أمر آخر إن وُجد.
(وإن لم أجد عملًا…؟)
لا جواب. العالم ما زال قاسيًا على النساء رغم شعارات التقدّم.
(آه، رأسي يؤلمني…)
لم تشأ أن تُفكّر. كلّ ما رغبت فيه لحظة راحة. تركت ذهنها فراغًا وهي تراقب آيلا تنهي طعامها. كانت تشرب الحليب بكلتا يديها، وشاربٌ أبيض يزيّن شفتيها.
“على وجهك آثار حليب.”
“أوه…”
مدّت إستيلّا يدها إلى حقيبتها تبحث عن منديل.
(كنت قد وضعت واحدًا… ها هو.)
لكن حين عادت ببصرها…
“آيلا؟”
لم تكن هناك.
قبل لحظات فقط جلست أمامها، والآن اختفت.
هبت إستيلّا واقفةً، تبحث عنها في كلّ اتجاه.
وفجأة سمعت الكلمة:
“أبي…”
كلمة لم تسمعها يومًا من فم الطفلة، ولم تتخيّل أن تسمعها.
(أبي؟ من تُنادي؟)
استدارت بسرعة، فإذا برجلٍ باسط الوجه يبتسم، وإلى جانبه خادم بثيابٍ بالية… ومعهما آيلا.
“هل تعرف هذه الطفلة، يا لورد ويندهام؟”
أدارت آيلا نظراتها الحائرة نحو إستيلّا، وحين التقت عيناهما، التفت الرجل وخادمه إليها أيضًا.
تردّدت إستيلّا لحظة، ثم تقدّمت تقول:
“المعذرة، لابد أنّها…”
لكن الرجل قاطعها مبتسمًا:
“ما أبهى المصادفة أن نلتقي هنا.”
بُهتت إستيلّا من ترحيبه غير المنتظر، فيما انحنى الرجل إلى مستوى نظر الطفلة قائلًا:
“هل تذكرينني؟”
قبل قليلٍ فقط، كان خادم أسرة رينوار يتوسّل اللورد إيان ويندهام:
“مولاي، ألا تعيد النظر مرّة أخرى؟”
لكن إيان أجابه ببرود معهود:
“مهما أعدت التفكير، فجوابي لا يتغيّر.”
“لا يمكن أن تبقى عازبًا العمر كلّه! وإن كان لا بدّ من الزواج، أليس من الأفضل أن تختار الليدي ماريان التي تعرفك منذ زمن—”
“ليست لي نيّة بالزواج… مطلقًا.”
“…مستحيل.”
“أنا القائل، وأنا جادّ.”
كان صوته الهادئ الصارم كفيلًا بترك الخادم قاب قوسين من البكاء.
“طبعها يزداد سوءًا يا مولاي…”
المقصودة هي ماريان رينوار، الابنة الوحيدة للكونت.
كانت ناريّة الطبع، وما إن وقعت في حبّ إيان ويندهام حتى اشتدّت حدّتها.
“أما ترقّ لها؟ امرأةٌ تلحّ عليك بالزواج خمس سنوات متوالية؟”
“ما سمعتُ بثقافةٍ يتزوّج فيها المرء بدافع الشفقة.”
“كيف تقسو على صديقةٍ قديمة هكذا؟”
“لقد كسرت صداقتنا يوم رأتني رجلًا، فكان جوابي ردًّا كرجل.”
“تعلم أنّ هذا ليس قصدي! لا تتلاعب بالألفاظ!”
وفي خلوة نفسه، تساءل الخادم:
(أترى… مولاي لا يفضّل النساء؟)
تنفّس يائسًا، وقال أخيرًا:
“فلتحتسِ كوب شاي على الأقل—”
فقاطعه إيان:
“للأسف، لا وقت لديّ للشاي.”
“…يا للعجب منك، مولاي.”
“أسمعها كثيرًا.”
نظر إليه الخادم بذهول، أمام ابتسامةٍ مهذّبة خالية من الدفء.
وعندها—
امتدّت يدٌ صغيرة شاحبة إلى المشهد.
“أبي.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات