1
مات زوجي.
بلا سابق إنذار، ودون أي علامات… مات فجأة في أحد الأيام.
لو كان مريضًا بمرض معروف، لربما كنتُ قد استعددت نفسي لرحيله، أو على الأقل، هيأت قلبي.
لكن لا، لقد مات هكذا، من غير سبب واضح.
ولم يكن قد انتهى العزاء بعد حين حضر إليّ المحامي.
قال بنبرة رسمية:
“بحسب الوصية، فإن جميع ممتلكات البارون فانسين ستؤول إلى الآنسة سيلينا لويل.”
سيلينا لويل؟
ذلك لم يكن اسم ابنة زوجي البالغة من العمر ثماني سنوات، ولم تكن أختًا خفية له.
كانت امرأة لم أرها من قبل قط، غريبة عني، شاحبة وهشة كزنابق الوادي.
نظرت إليّ بعينين وادعتا التعاطف، وقالت بنعومة:
“مؤسف حقًا… لكن هذه هي وصيته. وأنا متأكدة أنكِ تتفهمين الأمر.”
لم أكن أعلم أن لزوجي عشيقة.
وبينما كنت واقفة، أرملة مصدومة، أحدق فيها بعينين ممتلئتين بالريبة، لم أفهم شيئًا.
إن كانت له عشيقة، فلِمَ تزوجني إذًا؟
والأغرب من ذلك: لِمَ لم يترك شيئًا — حتى خاتمًا ذهبيًا — لابنته الوحيدة؟
ثمّة شيء مريب.
لكن الوصية كانت موثقة رسمياً، خالية من الثغرات، لا يمكن الطعن فيها.
وبينما وقفت عاجزة عن الاعتراض، أخرجت سيلينا شيئًا من حقيبتها. تماسكت وسألتها بنبرة هادئة:
“ما هذا؟”
تنهدت بافتعال، وقالت:
“تذكرة قطار. وكما تعلمين… حين تُحسم الميراث، يُطلب من أفراد العائلة المباشرين الذين لم يرثوا شيئًا أن يغادروا البلدة.”
لم يكن ذلك قانونًا مكتوبًا، بل تقليدٌ محلي متوارث.
عادةً ما يمنح الورثة بعض المال لأفراد العائلة غير المحظوظين، كوسيلة ناعمة لطردهم.
لماذا؟
لأنها طريقة لطيفة ولكن صارمة تقول:
من فضلك، ارحل. لا تثر ضجة. غادر بهدوء.
كنت أعلم ذلك جيدًا، ومع ذلك تظاهرت بالجهل وسألت مجددًا:
“تذكرة قطار؟”
اقتربت مني سيلينا وهمست:
“لأكون صريحة، هناك حارس ينتظر عند البوابة ليرافقك إلى المحطة.”
كانت تلك رسالة واضحة: لا تحاولي شيئًا، فقط ارحلي بهدوء.
ثم أضافت، مرفوعة الحاجبين، وكأنها تمنّ عليّ:
“حتى أنني حصلت لكِ على مقعد من الدرجة الأولى. معظم الناس يحصلون على أرخص التذاكر، لكن لم أستطع احتمال ذلك. لم يبدُ الأمر صائبًا.”
بلعت ضحكة مرة، وأنا أحدق في يدها الممدودة نحوي.
“وضعتُ أيضًا بعض المال داخل المغلف… ليعينكِ قليلًا.”
هل أصرخ في وجهها وأسألها من تظن نفسها لتستولي على ميراث زوجي كله؟
لكن لا… الحقيقة أن زواجنا كان اسميًا منذ زمن، وكان الجميع في البلدة يعرفون ذلك.
ثم إني لم أرغب في إحداث مشهد.
“على الأقل، دعيني أجهّز بعض الملابس.”
“بالطبع.”
وبعد سماع ذلك، اتجهت إستيلّا نحو الدرج. لكن قبل أن تخطو، سمعت صوتًا ناعمًا يناديها من الخلف:
“جهّزي ملابس الطفلة أيضًا.”
الطفلة؟
استدارت إستيلّا في حيرة. مالت سيلينا برأسها قليلًا وقالت:
“عليكِ أن تأخذي الطفلة معكِ. فأنتِ أمّها، أليس كذلك؟ أعني، قانونيًا، أنتِ زوجة البارون فانسين.”
بعبارة أخرى، كانت سيلينا تُلقي على إستيلّا عبء الطفلة.
نظرت إستيلّا نحو الصغيرة الواقفة في زاوية الطابق الأول، مترددة، لا تدري ما تفعل.
لم تكن تشبه إستيلّا، التي لطالما بدت باردة وقاسية القسمات.
كانت الطفلة دافئة، كأنها محاطة بنور الربيع، كأنها تنتمي لعالم آخر.
“أمٌّ”، أحقًا؟
لم تكن إستيلّا من النوع الذي يحنّ لطفلة لا تعرفها.
لم تمضِ وقتًا كافيًا معها لتكون هناك مشاعر أو روابط.
فقد كانت فقط الزوجة الثانية لذلك الأرمل، ولم يمضِ على زواجهما سوى نصف عام.
هل كان ذلك كافيًا ليشعر الإنسان بشيء؟
عندها، تدخّل المحامي بحزم:
“قانونيًا، السيدة إستيلّا لا تزال الوصي الشرعي للآنسة آيلا فانسين.”
بمعنى آخر: إن لم تأخذها، فستواجه تبعات قانونية.
وقفت إستيلّا تتأمل الأمر. هل تلقي كل شيء خلف ظهرها وترحل؟
راودها ذلك الخاطر، لكنه تلاشى سريعًا.
“لا. وعدتُ نفسي أنني لن أعيش بهذه الطريقة مجددًا.”
كان عليها أن تصبر.
ثم إن سيلينا لم تكن وحدها — كان معها ستة أشخاص.
وحتى لو فكرت إستيلّا في قتلهم والهروب، فذلك مستحيل.
قالت سيلينا بابتسامة مزيّفة:
“لا تقلقي. لقد جهّزت ما يكفي من ملابس الطفلة أيضًا.”
نظرت إستيلّا إلى ابتسامتها المصطنعة وشعرت برغبة في القفز عليها وركل وجهها الوقح.
لكنها كتمت نفسها —
لأن الطفلة اقتربت منها بخفة وأمسكت يدها برقة.
“……”
نظرت إستيلّا إلى الطفلة الصغيرة.
هذا جنون.
نظرت إلى اليد الصغيرة المتشبثة بيدها، ثم قالت ببرود:
“لا تمسكي بيدي بهذه القوة.”
“…حسنًا.”
خففت الطفلة قبضتها قليلًا، لكنها كانت لا تزال رطبة ومبللة بالعرق.
تجاهلت إستيلّا شعورها بالنفور، وواصلت صعود الدرج.
وحين وصلا إلى الممر، قالت بهدوء:
“لا تحزمي الأشياء التي تحبينها، بل اختاري الأغلى منها. أنتِ ذكية، أليس كذلك؟ تفهمين قصدي، صحيح؟”
أومأت الطفلة ثم اختفت في غرفتها.
وقفت إستيلّا لحظة تتأمل الباب المغلق، ثم استدارت لتبدأ حزم أمتعتها.
وهكذا، أصبحت أرملة… ومعها طفلة.
كان القطار صاخبًا ومتسخًا.
وفي كل مرة تُشعل فيها النار في المحرّك، كان الدخان الأسود الكثيف يتصاعد من كل الجهات.
حتى فتح النافذة قليلاً للسماح بدخول بعض الهواء، كان كفيلاً بجلب رائحة الرماد اللاذعة.
رائحة غريبة، ليست خانقة، لكنها بعيدة عن أي شيء يتمنى المرء أن يشمّه.
لهذا السبب، أبقت إستيلّا النافذة مغلقة طوال الرحلة.
لكن على ما يبدو، فتحتها الطفلة بينما كانت نائمة للحظة.
“حلقي يؤلمني، سأغلق النافذة.”
أومأت الطفلة، وهي تحتضن دميتها الأرنب التي أُهديت لها في عيد ميلادها من والدها الراحل، بينما لا تزال تحدق في الخارج.
أغلقت إستيلّا النافذة دون تردد.
لكن حتى بعد إغلاقها، بقيت الطفلة واقفة على المقعد، تميل بجسدها نحو الخارج، تراقب المشهد المتحرك.
“هل المنظر ممتع؟”
أومأت الطفلة بصمت، تمسك لعبتها بكلتا يديها.
“عندما يسألك أحدهم، أجيبي بنعم أو لا.”
“…نعم.”
“جيد. هكذا يُفعل الأمر.”
وعاد الصمت بينهما مجددًا.
فكرت إستيلّا في قول شيء لكسر هذا الفراغ، لكنها تراجعت.
ما الجدوى من الحديث؟
لن يؤدي إلا إلى التعلّق.
أسندت رأسها إلى زجاج النافذة، تراقب ارتجاج القطار تحتها.
إنه يهتز كثيرًا.
ربما كان اهتزاز القطار… وربما كان ارتجاف مستقبلها الغامض.
لماذا يحب الجميع هذه الأمور الحديثة؟
تنهدت باستنكار وهي تفكر في هوس الناس بكل ما هو “جديد وعصري”، ثم ضحكت بسخرية.
على الأقل، القطار له وجهة.
أما هي، فلا وجهة، ولا محطة نهائية.
ظنت أن الزواج سيغيّر حياتها.
لم يكن زواج حب، لكنها تأملت، ولو قليلًا.
يقولون إن الزواج يمنحك الاستقرار، أسرة تثبّت قلبك التائه.
وهي، بغبائها، صدّقت ذلك.
ظنت أن عقد الزواج، ولو كان مجرد أوراق، قد يثمر مع الوقت شيئًا يشبه العائلة.
لكن الحياة ضحكت في وجهها.
وظلّت حياة إستيلّا ريفرز كما كانت، قلقة… متزعزعة.
وفي غمرة أفكارها، أحست بسحبٍ خفيفٍ في طرف تنورتها.
“أمم…”
فتحت عينيها ببطء، فرأت الطفلة تنظر تارة إليها، وتارة إلى باب مقصورتهم.
“أظن أننا أوشكنا على الوصول…”
لم تجب إستيلّا، فاكتملت الطفلة همسًا:
“القطار… بدأ يبطئ…”
طفلة في الثامنة تفهم السرعة؟
تمامًا كأبيها — ذكية، لماحة.
ومع ذلك، لم يترك لها والدها حتى فلسًا واحدًا، رغم أنها تشبهه كثيرًا…
ظنّت إستيلّا أن الرجل، رغم بروده، كان سيهتم بابنته.
لكنها كانت مخطئة.
نظرت مجددًا إلى الطفلة.
كان دائم الانشغال بمختبره. فمتى كان يجد الوقت لامرأة أخرى غير زوجته؟
هل أبحث عن الحقيقة؟
بدأت دوامة أفكارها من جديد، لكن الطفلة سحبت تنورتها مرة أخرى.
تنهدت إستيلّا، ثم وقفت وسحبت حقيبة السفر الكبيرة من الرف.
“لنذهب.”
ناولت الطفلة حقيبتها الصغيرة، لكنها كانت ثقيلة، وأخذت الطفلة تئن وهي تحاول رفعها.
“أعطني إياها.”
أخذت إستيلّا الحقيبة الثقيلة، وأعطتها بدلاً منها حقيبة يد صغيرة، تشبه حقائب الكبار.
وفي تلك اللحظة، توقف القطار.
ونزلت إستيلّا من القطار… والطفلة إلى جانبها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 1 - مات زوجي 2025-06-22
التعليقات لهذا الفصل " 1"