بينما كانت أوريليا تمسك بيد غيلبرت الضعيفة، لم تستطع منع نفسها من التفكير.
‘لو كنتُ معالجةً أكثر كفاءة، ربما كنتُ سأتمكن من تحسين حالة غيلبرت ولو قليلاً…’
وبالرغم من حديثها مع الخادم ألفريد،
لم تكن تعويذاتها العلاجية تبدو كافية لتؤثر بفعالية على جسد غيلبرت.
‘رغم ذلك، ربما ينبغي لي أن أحاول الآن. قد لا تؤثر كثيراً، لكن…’
لطالما دعمت أوريليا ترافيس كشريكةٍ معالجة على مدى سنوات،
و هو ما جعلها تكتسب أسلوباً علاجياً يركز على حالته الخاصة.
وفي حالة دعمها لمستخدم سيفٍ سحري آخر،
كان أسلوب علاجها يختلف كثيراً عن العلاج التقليدي.
فبدلاً من استخدام نمط عام من العلاج يناسب الجميع،
كانت تعمد إلى توجيه طاقتها نحو الأجزاء المتضررة لتعويض النقص،
وأنعاش المناطق المنهكة بطاقتها السحرية.
هكذا كانت تدعم ترافيس.
ونظراً للعلاقة الطويلة بينهما،
لم تكن أوريليا تحتاج لجهد لتدرك متى يتحمل جسده الضغط
عند قفزه نحو الوحوش أو ضرباته بالسيف.
وكلما كان المعالج الذي يدعم المحارب ذو مهارة وسحر قويين،
كانت الأعباء على المحارب أقل.
لكن رغم محدودية طاقتها،فقد استطاعت دعم ترافيس طوال هذه السنوات،
بسبب تلك الخبرة المكتسبة عبر الزمن.
إلا أن استنزاف طاقتها السحرية مع كل معركة تخوضها لدعمه منعها
من تحسين مهاراتها في العلاج العام.
لطالما كانت بريجيت تنتقدها لعدم تمكنها من أداء كلا الأمرين،
قائلةً،”أنا أستطيع القيام بهذا بسهولة، فلماذا لا تستطيعين أنتِ؟”
وكان يُقال إن معالجة مستخدم السيف السحري تصبح أسهل
مع الوقت بالنسبة للشريك المعتاد عليه،
لكن بريجيت كانت تنظر إليها نظرة استعلاء بسبب عدم ملاحظتها لهذا التقدم.
وبمرور الوقت، بدأ ترافيس يظهر تعبيرات من الضجر و الإستياء كلما نظر إليها.
ترددت أوريليا قليلاً قبل أن تتحدث إلى غيلبرت.
“سيد غيلبرت، هل تسمح لي بتجربة تعويذة علاجية؟
أعلم أن قوتي ليست كبيرة، فاعذرني إن خيبتُ أملك.”
“لا بأس يا آنسة أوريليا، لا ترهقي نفسكِ.”
“بل أود ذلك. أتمنى أن يشعر جسدك ببعض الراحة، حتى لو قليلاً.”
“يكفيني صدقُ مشاعركِ، شكراً لكِ. تفضلي إن شئتِ.”
وقفت أوريليا واقتربت خطوة نحو غيلبرت،
ورفعت يدها لتنطق التعويذة، لكنها توقفت فجأة.
تذكرت أنه أيضاً مستخدم سيفٍ سحري، مثل ترافيس.
ووفقاً لتجاربها، كانت تشعر أن استخدام الطاقة سحرية المخصصة
لمستخدمي السيوف السحرية قد يكون أكثر فعالية في التعافي.
وبالرغم من اختلافه عن ترافيس، إلا أن أوريليا فكرت في إمكانية استخدام الخبرة التي اكتسبتها في دعمه لإفادة غيلبرت ولو قليلاً.
‘أعلم أن الأمر يحتاج لوقت وتدريب، لكنه يستحق المحاولة…’
على عكس ترافيس الذي رافقته في معارك لا حصر لها،
لم ترَ غيلبرت يقاتل سوى مرة واحدة، حين أبهرتها مهاراته الفائقة في استخدام السيف.
وقتها، لم تكن تركز على دعمه كما كانت تفعل مع ترافيس،
وظروف جسده الآن تختلف تماماً عما كان عليه في السابق.
‘حتى لو لم أفلح، فلن تزداد حالته سوءاً. الأمر يستحق التجربة.’
خفضت أوريليا يدها للحظة، ثم أمسكت بيدي غيلبرت.
“هل تسمح لي بالإمساك بيدك؟ بهذا الشكل أستطيع التركيز بسهولة أكبر.”
أومأ غيلبرت برأسه متفاجئاً، لكنه وافق على طلبها.
“نعم، أعتمد عليكِ”
أغلقت أوريليا عينيها وركزت طاقتها في جسد غيلبرت،
مستخدمة الطريقة ذاتها التي اعتادت عليها في علاج ترافيس.
بدأت طاقة ضوءٍ أبيض وهادئ تشع من يديها، وتغلّف جسد غيلبرت بلطف.
شعرت أوريليا بإحساس غريب كأنها تُستدرج إلى أعماق جسده،
على عكس ترافيس الذي كانت نقاط العلاج فيه واضحة لها،
بدا لها أن معظم أجزاء جسد غيلبرت بحاجة للعلاج.
شعرت بوخز مؤلم في صدرها.
‘يبدو أن جسد غيلبرت عندما أُصيب بشدة لإنقاذ بيل كان قد وصل إلى حافة الانهيار…’
في حين كانت تعرف كيفية علاج ترافيس بدون تفكير، بدا الأمر مختلفاً مع غيلبرت.
‘كأنَّ سعة قدراته أكبر بكثير…’
على عكس ترافيس،
الذي كانت تحدد حدود قوته بسهولة، شعرت بأن غيلبرت يمتلك طاقة مخفية أكبر.
‘كما هو متوقع من غيلبرت، الرجل الذي يُلقب بالعبقري.
لكن، طاقتي لا تزال غير كافية…’
كان من المزعج لأوريليا ألا تشعر بفعالية علاجها بوضوح كما كانت تشعر مع ترافيس.
وبسبب تركيزها الشديد على جسد غيلبرت،
استنفدت طاقتها السحرية واهتزت قدماها لتسقط على حافة السرير الذي كان يجلس عليه.
مد غيلبرت يديه بسرعة لتثبيتها، فسقطت بجسدها على صدره.
“هل أنتِ بخير، آنسة أوريليا؟”
“نعم، أنا بخير… لكن، يبدو أنني لم أتمكن من مساعدتك كما ينبغي،
وأعتذر إن سببتُ لك الإزعاج.”
كانت وجنتاها تحمران ببطء وهي مُحتضنةٌ بين دفء ذراعيه،
وألقى غيلبرت عليها نظرة مفاجأة مليئة بالعطف.
“لا، الأمر ليس كذلك على الإطلاق… إنما أنتِ تملكين قوةً مدهشة.”
شدد غيلبرت من احتضانه لها قليلاً.
“شكراً لكِ، أوريليا. بفضلكِ، أشعر أنني أفضل.”
زاد احمرار وجه أوريليا، وشعرت بالاطمئنان وهي تلاحظ تحسن لون وجه غيلبرت قليلاً.
تلاقت عيناه الزرقاوان بنظرة مشعة مع وجهها.
“أنتِ تمنحينني الأمل، مثل ذاك الضوء الذي رأيته يسطع من يديك.
أشكر السماء على قدومكِ إليّ.”
شعرت أوريليا بذلك النور في عينيه،
مما جعل نبضاتها تتسارع بينما ابتسمت له ابتسامة خجولة.
‘رغم أنني لم أفعل الكثير، إلا أن غيلبرت لطيفٌ لدرجة أنه يشكرني على هذا.
لم أسمع كلمات امتنان منذ فترة طويلة….’
كانت قد اعتادت في الآونة الأخيرة على أن يعتبرها ترافيس، الذي انفصلت عنه مؤخراً،
داعمةً له بحكم الواقع، حتى أنه أشار لها بأنها محظوظة بالبقاء بجانبه.
كان شكر غيلبرت لها مصدر سعادة عميقة،
وكأن الألم الذي تركه الأنفصال قد بدأ يخف تدريجياً.
“أنا من يجب أن أشكرك، يا سيد غيلبرت، على استقبالك لي بجانبك.”
نظر إليها غيلبرت بابتسامة محبة وهو يرى احمرار خديها وابتسامتها المتواضعة.
“أنتِ حقاً رائعة… لم أتخيل يوماً أنني سأشعر بمثل هذا السعادة.”
مجدداً، احتواها بين ذراعيه برفق، وبدأ شعور رقيق مفعم بعذوبة يغمر قلبها.
***
في ذلك الحين، كان ترافيس يجلس في عربة متوجهة نحو مواجهة الوحوش،
وهو يشعر بقلق غير مستقر. بجانبه كانت تجلس بريجيت، شقيقة أوريليا.
نظرت إليه بريجيت وهي تمسك بذراعه.
“هذه أول مرة أدعمك فيها كمعالجة، لكنني اعتدت منذ زمن أن أشاهدك تقاتل الوحوش،
وأعدك أن أدعمك بكفاءة تفوق أختي الكبرى.”
أجابها ترافيس بابتسامة متكلفة،
“أشكركِ…أتطلع لما ستفعلينه يا بريجيت و كيف حال أوريليا بعد ذلك؟”
“هل تفكر بأختي الكبرى لي لحظةٍ كهذه!؟
أختي الكبرى ستتزوج بالفعل ربما لم تسمع الشائعات.”
“ماذا! لم يمضِ وقت طويل منذ انفصالنا!”
شعر ترافيس بقطرات من العرق البارد تتساقط على ظهره.
” أنت من وافقت على إنهاء خطبتك بأختي يا سيد ترافيس،
فما الذي يشغلك بزواجها الآن؟ على كل حال، يبدو أنها وجدت زواجاً مناسباً لها.”
سألها بوجهٍ عابس، “من هو الزوج؟”
تابعت بريجيت بمرح، “إنه السيد غيلبرت من عائلة إليزيل.”
“غيلبرت؟ لقد سمعتُ أنه مريض ولا يقوى على النهوض منذ زمن!”
ضحكت بريجيت بصوت منخفض.
“لقد طُلب منها أن تكون الزوجة التي ترعاه قبل أن يموت، لن يعيش طويلاً، و ستكون زوجةً للزينة فقط. أعتقد أن هذا الشيء الأنسب لأختي، فليس من الصعب عليها أن تعتني برجلٍ يحتضر، أليس كذلك؟”
كانت بريجيت سعيدة بخروج أوريليا من المنزل بسلام، لكن والديها لم يخبراها بكل التفاصيل حرصاً على عدم إثارة غيرتها، وأخبراها فقط أن أوريليا ستعتني بغيلبرت حتى وفاته.
‘أن تتزوج لرعاية رجلٍ مريض حتى وفاته… هذا أمرٌ لم أسمع به من قبل.
بالطبع هي زوجةٌ للزينة. هل يا ترى ستعود أوريليا إلى البيت بعد موته؟’
بينما كانت بريجيت تفكر مع نفسها، بدأ ترافيس يشعر بقلق غامض يعم قلبه،
لكنه أقنع نفسه أن هذا مجرد توهم.
‘أنا الأقوى، صحيحٌ أنني قاتلتُ وقتاً طويلاً مع أوريليا بجانبي، لكن مع وجود بريجيت،
الأجدر والأكثر كفاءة، فلا يوجد ما يدعو للقلق.’
تذكر وجه أوريليا، التي طالما قدمت له الدعم في صمت، وهز رأسه بقوة لطرد تلك الأفكار.
كان يضغط على قبضته بشدة، ولم يكن يدرك أن العرق البارد كان يتصبب منها.
التعليقات لهذا الفصل " 9"