جلس بيل على الأريكة مقابل الطاولة، يحدّق بأوريليا ووالدها.
“لا عجب أنكم مندهشون. كما أعلم أن السيدة أوريليا قد فسخت خطوبتها مؤخراً، ومن الطبيعي أن لا تتقبل فكرة الزواج فجأة.”
“إذن كنت على علم بأن ابنتي قد فسخت خطوبتها مع السيد ترافيس.”
“نعم، فقد صادف أنني كنت حاضراً حين تحدث السيد ترافيس بالأمر ليلة البارحة.”
تذكرت أوريليا ما حدث في الحفلة وأحست بوخزة ألم في قلبها.
‘يبدو أن السيد بيل يفهم مشاعري تماماً…’
على الرغم من الكلمات القاسية التي سمعتها من ترافيس، إلا أن قلب أوريليا كان لا يزال يحمل ألماً باهتاً بعد فسخ خطوبتها مع ترافيس، الذي دعمته طويلاً كمستخدمٍ للسيف السحري.
عندما همّ والد أوريليا بالحديث، استأنف بيل كلامها.
“من الطبيعي أن تتساءلوا عن هوية الشخص المقترح، وأود أن أخبركم بأنه أخي.”
“معذرةً؟ ماذا تعني بذلك؟”
قبض بيل على يده وأخذ نفساً عميقاً قبل أن يرفع عينيه بحزن.
“أخي يعاني من قيود جسدية شديدة، وقد لا يعيش طويلاً. الأطباء والمعالجون أكدوا ذلك، بل هو نفسه يشعر بذلك.”
ثم التفت نحو أوريليا، موجهاً نظره إليها بثبات.
“آنسة أوريليا، لدي طلب منك.
هل يمكنكِ الاعتناء بأخي غيلبرت كزوجةِ له في أشهره الأخيرة؟”
كانت كلمات بيل غير متوقعة لدرجة أن أوريليا لم تجد رداً.
‘لم أكن أعلم أن حالة السيد غيلبرت سيئةٌ إلى هذا الحد…’
لاحظ بيل تعبير أوريليا الحزين، فتابع بنبرةٍ ملؤها الرجاء.
“أدرك تماماً أن هذا طلب غير عادي،
لكنني أرجو أن تمنحي أخي بعض النور في وقتِ شدته هذه.”
كانت الأسئلة تتردد في ذهن أوريليا.
‘قدراتي كمعالجة ليست ذات شأن كبير. إضافة إلى أن وجهي يحمل ندبة قبيحة.
و السيد غيلبرت، الذي لم ألتقِ به سوى مرة واحدة، ربما لن يرغب بوجودي إلى جانبه…’
ثم سألت أوريليا بيل بعد تفكير.
“لماذا أنا تحديداً؟”
“لأنك الوحيدة التي يمكنها فعل ذلك.”
لم تستطع أوريليا فهم ما يعنيه، وكأن حديثه أشبه بالألغاز، لكنه استدرك الوضع.
“بالطبع، إذا وافقت على هذا الزواج ورعيتِ أخي، فسوف تحصلين على تعويضٍ ملائم.”
تولدَ بريقٌ مفاجئ في عيني والد أوريليا.
“حقاً؟ هل هذا مؤكد؟”
“نعم، سأضمن للآنسة أوريليا مبلغاً يكفي لتعيش حياة كريمة في أي مكان تختاره.”
اقترب والد أورليا متلهفاً، لكن بيل أكمل حديثه بحزم،
“لكن التعويض سيُدفع للسيدة أوريليا وحدها.”
سعل والد أوريليا بخفة وسأل بيل.
“لم أستوعب بعد مغزى قولكَ في البداية.
لكن إذا وافقت أوريليا على رعاية السيد غيلبرت، فما الذي سيحدث بعد ذلك؟”
“كما قلت، سيتم منحها مبلغاً مالياً كبيراً،… وإذا رغبت بعد ذلك،
قد أطلب منها أن تصبح زوجتي. لكن علينا الانتظار حتى أبلغ سن الرشد.”
في الواقع كان من الطبيعي حدوث هذا في الزيجات النبيلة كهذه،
لكن قد ارتسمت الدهشة على وجه أوريليا، بينما ابتلع والدها ريقه بتوتر.
“إذن، إذا رغبت ابنتي، فيمكنها أن تصبح زوجةً مستقبلية لسيد دوقية إليزيل.”
رأى والد أوريليا أن إنجابها لطفلٍ من غيلبرت أمر شبه مستحيل،
لكن إذا ضمنت الزواج من بيل، الذي بدا شاباً واعداً،
فستكون فرصتها في حياةٍ مرفهة مضمونة و ستكون أوريليا مرتاحة.
نظر إليها والدها بلهفةٍ و تحدث،”لن تجدي مثل هذه الفرصة مجدداً.”
“لكنني لم أتحدث مع السيد غيلبرت مباشرة بعد. هل يريدني فعلاً كزوجة؟”
رمقها والدها بنظرة ثابتة نحو جرحها العميق على جبينها.
“إذن، عليكِ أن تجعلي السيد غيلبرت يرغبُ فيكِ، فهذ اواجبكِ الآن.”
عندما رأت أوريليا نظرةَ والدها الصارمة تنهدت بإستسلام
“هل يمكنني أن أتحدث مع السيد بيل وحدي لبعض الوقت؟”
“أود أنا أيضاً أن أتحدث مع الآنسة أوريليا على انفراد.”
نظر والد أوريليا بينهما ثم أومأ على مضض.
“سأغادرُ الغرفة لبعض الوقت،… لكن يا أوريليا، لا تضيعي هذه الفرصة.”
ثم خرج من الغرفة برفقة كبير الخدم العجوز الذي انحنى مودعاً.
بعد أن أُغلق الباب، تنهدت أورليا بعمق.
“أشعر وكأنني في حلم، لم أتوقع مثل هذا الاقتراح.”
ابتسم فيل ابتسامةً خفيفة.
“لكنني جاد. إذا التقى أخي بالآنسة أوريليا، فلا شك أنه سيسعد بذلك.”
نظرت إليه أوريليا بفضول وسألته.
“لكن، لماذا علي أن أتزوج؟ إن كان من الضروري أن أعتني بالسيد غيلبرت،
أعتقد أنني يمكنني خدمته إلى جانبه دون الحاجة إلى الزواج.”
هز رأسه بالنفي.
“لا، لا يمكننا فعل ذلك. أريد أن أضمن مكانكِ في أسرة إليزيل بأسرع وقت ممكن. كما أنني أؤمن أن هذا سيحميكِ أيضاً.”
نظرت أوريليا إلى بيل بنظرة ثاقبة، فشعرت بصدقه. بدا لها أكثر حكمة من عمره الحقيقي.
‘يبدو أن السيد بيل يعرف شيئاً ما لا أعلمه.’
صمتت أوريليا متأملة للحظات، ثم ابتسمت لبيل بلطف.
“لقد فهمتُ مدى استعدادك. على الرغم من أنني أكبر منكَ وأحمل ندبة قبيحة وأفتقر للمهارة كمعالجة، إلا أنكَ مستعدٌ حتى للزواجِ مني….لكن لا داعي لأن تضحي بمستقبلك المزدهر لأجل هذا الأمر. حتى لو كنتَ تهتم لأمر السيد غيلبرت بشدة.”
قالت أوريليا ذلك بهدوء، ونظرتها تحمل دفئاً.
“لذا، لا داعي للقلق. إن كان لا مانع لديه، فسأقبل الزواج من السيد غيلبرت وأبقى إلى جانبه. فقط، أود أن أتأكد من أنه يحتاج فعلاً لوجودي.”
“بالطبع، هذا حقكِ.”
كانت رؤية بيل وهو يحاول جاهداً إقناعها لأجل أخيه عززت من قرار أوريليا.
قررت أن تقطع مشاعرها نحو ترافيس نهائياً. ومع ارتخاء ملامح بيل قليلاً، ابتسمت له أوريليا.
“أشعر بامتنان لهذه الفرصة، فقد فقدت مكانتي في بيت عائلتي،
وأشعر بأنني وجدت ملاذاً هنا و أيضًا…”
نظرت في عينيه الزرقاوين الصافيتين.
“أظنك تتمنى في الحقيقة شفاء السيد غيلبرت، أليس كذلك؟ لذا، لا تتحدث بهذه الطريقة الحزينة عن رعايته قبل وفاته.”
تراجع بيل بدهشة، فقالت أوريليا بلطف.
“لا أعلم ما يمكنني فعله، لكن إن أراد السيد غيلبرت ذلك،
فسأبذل قصارى جهدي للبقاء بجانبه.”
ردّ بيل بصوت متهدج، “أشكركِ يا آنستي.”
“اعتبرني كأختٍ غير كفء أضفتها إلى عائلتك.”
“لا، بالنسبة لي، الآنسة أوريليا هي أروع أخت يمكن أن أحظى بها….”
“إذاً، سيسرني أن أتعاون معك يا سيد بيل. هل أستدعي والدي الآن؟”
“بالتأكيد.”
وبينما كانت أوريليا تستدير لتستدعي والدها، تمتم فيل بهدوء.
“الآن أفهم سبب رغبة أخي في أن تكون الآنسة أوريليا إلى جانبه.”
وأثناء تأمله الباب المغلق، ابتسم بهدوء.
“أعتقد أنني معجب بالآنسة أوريليا أيضاً…”
ابتسم بيل وهو يخفي مشاعره الحقيقية، تاركاً قلبه يخبئ رغبته بصمت.
***
بسبب إلحاح والدي أوريليا، توجهت في اليوم التالي، حاملة أمتعة قليلة،
إلى منزل عائلة دوق إليزيل.
استقبلها بيل عند وصولها، وقادها إلى غرفة أخيه غيلبرت.
“أخي، عذراً على المقاطعة.”
طرق بيل برفق وفتح الباب. نظرت أوريليا بتوتر إلى غيلبرت المستلقي على السرير.
كان غيلبرت، الذي بدا ضعيفاً مقارنة بآخر مرة التقته فيها، لا يزال يحمل وسامةً آسرة.
“لقد مر وقتٌ طويل يا سيد غيلبرت.”
“آنسة أوريليا؟ ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟”
حدّق بها غيلبرت، وقد اتسعت عيناه الزرقاوان العميقتان بدهشة،
وكأنه غير مصدقٍ لما يراه
.
التعليقات لهذا الفصل " 5"