بعد أن أفرغ كاردن كأس النبيذ الأخيرة، نهض من مقعده بوقارٍ يليق بدوقٍ يحمل أسرارًا ثقيلة. ألقى مايلد عباءةً سميكة من المخمل الأسود على كتفيه، كأنها درعٌ يحميه من برد الليل… أو ربما من شيءٍ أعمق.
“هل ستتوجه إلى جناح النوم، سيدي؟” سأل مايلد بنبرةٍ حذرة.
“سأمرّ بالقصر الغربي أولاً.”
كان صوت كاردن باردًا كالريح التي تعصف بقلعة الشمال، خاليًا من أي اهتزاز عاطفي. لكن عيني مايلد، للحظةٍ خاطفة، لمعتا بالتوتر. مع ذلك، كمن أمضى سنواتٍ في خدمة الدوق، استعاد رباطة جأشه بسرعة، وانحنى باحترام.
“سأجهز الخيل على الفور.”
كان القصر الغربي ملاذًا منعزلاً، مختبئًا في زاوية نائية من القلعة، كأنه سرٌ لا يُراد كشفه. في تلك الليلة العميقة، حيث غطت الظلمة كل شيء، بدت قلعة الشمال وكأنها غارقة في نومٍ موحش. لم تكن هناك سوى أضواء خافتة من نقاط الحراسة ومشاعل متفرقة على الأسوار، ترقص لهيبها في صمت.
على الطريق الحجري البارد، انطلق حصانان يقطعان السكون بسرعةٍ رشيقة. توقف كاردن أمام القصر الغربي، مبنىً من الطوب الأحمر العتيق، يحمل هيبة الماضي وثقل أسراره. قفز من على حصانه بخفةٍ لا تُخطئ، فأمسك مايلد بلجام الحصان بنظرةٍ صامتة.
“سأنتظرك هنا، سيدي.”
دون تردد، سار كاردن نحو مدخل القصر، حيث وقف ثلاثة حراس بوجوهٍ مشدودة، كأنهم يواجهون شبحًا لا مرئيًا. قلعة الشمال، المعروفة باسم الحصن الحديدي، لم تكن لتُهاجم بسهولة، لكن شيئًا في هذا القصر جعل الحراس يبدون كمن يستعدون لمعركةٍ وشيكة.
“افتحوا الباب.”
كلمات كاردن كانت أمرًا لا يقبل النقاش. أدى الحراس التحية بسرعة، ودفعوا الباب الحديدي الثقيل، الذي أطلق صريرًا كأنما يحتج على كسر صمته. لم يكن هذا الباب مزينًا بشعارات عائلية فخمة كما في القصور الأخرى، بل كان مدعمًا بألواح خشبية وصفائح حديدية، كأنه بوابة حصنٍ مصمم لصد جيوشٍ أو… شيءٍ أكثر رعبًا.
عبر كاردن الحديقة المحيطة، التي بدت كأنها نسيت معنى الحياة. أشجار يابسة تميل كأنها تتوسل الرحمة، وتماثيل مغطاة بالطحالب تحدق بصمتٍ مخيف. لم يتوقف، بل تقدم نحو بهو القصر، حيث استقبله فرسان يحملون رماحًا، يقفون كتماثيل حجرية. حيوه بتحيةٍ عسكرية، فأومأ لهم كاردن بتعبٍ واضح.
في الداخل، كان القصر غارقًا في ظلامٍ كثيف، تخترقه فقط بضع شعلات خافتة. كبير الخدم، حاملاً مصباحًا يرتجف ضوؤه، انتظر الدوق عند المدخل.
“لا تدع أحدًا يقترب من الغرفة.”
“أمرك، سيدي.”
أخذ كاردن المصباح، وتوجه بخطى ثابتة نحو الممر الطويل. على الجدران، علقت لوحاتٌ عتيقة لفرسان عظماء من سلالة هيليرد، أبطالٌ حملوا سيوفًا مشتعلة بالسحر، وقاتلوا الوحوش على حدود المملكة. كانت عيونهم، المرسومة بدقة، تتبع كاردن وهو يسير، كأنها تحمله مسؤولية أمجادٍ ثقيلة… أو لعنةٍ لا تُمحى.
ابتسامة ساخرة مرت على شفتيه.
“نفس الشعور القذر كل مرة أعبر هذا الممر.”
كأن أشباح الأسلاف تتشبث به، تهمس بلعناتها القديمة، فتملأ قلبه باشمئزازٍ لا يفسره.
توقف أمام بابٍ حديدي في نهاية الممر، محفورٌ عليه دائرة سحرية تتوهج بخافتٍ باللون القرمزي. كان مقفلاً بسلسلةٍ غليظة، كأنها تحبس وحشًا لا يُروّض. أخرج كاردن مفتاحًا صدئًا من جيبه، فتح القفل، فسقطت السلسلة على الأرض بصوتٍ مدوٍ كالرعد. عندما أمسك المقبض، سرت في يده كهرباء خفيفة من السحر الواقي، لكنه تجاهلها. قوته السحرية، المتفجرة كالنار، جعلته يتخطى هذه الحواجز كأنها نسمة عابرة.
دفع الباب الثقيل، فأطلق صريرًا كأن القصر نفسه يئن. نظر كاردن إلى الظلام العميق خلف الباب، وتمتم بنبرةٍ منخفضة:
“لعنة الشبح… لا تزال تتنفس حتى الآن.”
اخترق ضوء المصباح الخافت الغرفة، كاشفًا عن ديكورٍ فاخرٍ غطاه الإهمال. في المنتصف، كان سريرٌ ضخم تحيط به ستائر ممزقة. وعلى السرير، جلس رجلٌ في منتصف العمر، شعره أشعث كأنه لم يعرف المشط منذ عقود. كان يرتدي ملابسًا أنيقة في يومٍ ما، لكنها الآن مهترئة، ممزقة كأنها شهدت معارك خفية.
كان مظهره لا يزال يحمل هيبة فارسٍ عظيم، لكن جبهته المجعدة وندبة المعركة العميقة على وجهه أخبرتا قصةً أخرى. لم يتحرك، محدقًا في الفراغ بعينين فارغتين. يداه وقدماه كبلتهما سلاسل حديدية متصلة بأغلالٍ محفورة بدوائر سحرية تتوهج باللون الأحمر، كأنها تحبس شيئًا أكبر من مجرد جسد.
“كغغغ…” صوتٌ حيواني خرج من حلقه، كأنه ليس إنسانًا بعد الآن.
في صباح اليوم التالي…
استيقظتُ ببطء، أشعة الشمس الذهبية تداعب عينيّ. لكن ما رأيته جعل قلبي يقفز من مكانه.
“كيااااه!”
كاردن… كان نائمًا أمامي مباشرة! ماذا؟ لماذا الدوق هنا؟ هل هذه غرفته؟
لحظة، هل نمتُ في سريره؟ أنا، ثعلبة صغيرة بعقلٍ بشري، أشارك رجلاً غريبًا فراشه؟ هذه فضيحة حتى في عالم الثعالب!
حاولتُ القفز بعيدًا، لكنني وجدتُ نفسي محاصرة. يد كاردن الضخمة كانت تحيط بجسدي الصغير بحنانٍ غريب، كأنني دمية لا يريد التخلي عنها.
“مممغ!” (ثقيل جدًا… أبعد يدك!)
كافحتُ بكل قوتي، لكن محاولاتي كانت كمن يحارب جبلًا. استسلمتُ أخيرًا، ألهث ولساني يتدلى من فمي. نظرتُ إليه وهو نائم، ملامحه هادئة كبحيرةٍ ساكنة. بدا أصغر سنًا، أقل حدة، بل… لطيفًا بطريقةٍ لم أتوقعها. عادةً، عبوسه وجديته يجعلانه كالإعصار، لكن الآن؟ كان وسيمًا بشكلٍ يصعب تجاهله. حاجباه الكثيفان، أنفه الشامخ، شفتاه الناعمتان… حتى رموشه الطويلة بدت كأنها مرسومة بعناية.
فجأة، تحرك. فتح عينيه ببطء، وسحب خصلات شعره الأسود للخلف بحركةٍ رشيقة.
“نمتُ بعمقٍ لأول مرة منذ زمن. أشعر بالانتعاش.” توقف، ثم أضاف بنظرةٍ جانبية: “ربما بفضلكِ، كرة القطن.”
“كيااااه؟” (هل تقول إنني وسادة نوم سحرية؟)
داعب رأسي بأصابعه بلطف، كأنني كنزٌ صغير.
“مرحبًا بكِ في قلعتي، شوشو.”
تحيته الدافئة أربكتني. هل يريدني حقًا بجانبه؟ لكن… هل يمكنني البقاء مع رجلٍ غامضٍ كهذا؟ قلبي مشوش، وعقلي عاجز عن إيجاد إجابة.
“يبدو أن عليّ إطعام كرة القطن أولاً.”
“كياااه؟” (أكل؟ الآن؟)
أنا في خضم أزمة وجودية، وهو يفكر في الطعام؟ لكن، كأنها إشارة، قرقرت معدتي بصوتٍ لا يُخطئ. حسنًا… ربما الأكل ليس فكرة سيئة. نفكر لاحقًا!
فجأة، سُمع طرقٌ خفيف على الباب. دخلت بيتي بانحناءةٍ مهذبة، عيناها مثبتتان على الأرض.
“صباح الخير، سيدي الدوق. جئتُ لأخذ الآنسة شوشو.”
“حسنًا.”
كانت يداها ترتجفان، ووجهها شاحب كأنها تخشى شيئًا. هل كاردن مخيفٌ لهذه الدرجة؟ أخذتني بيتي إلى غرفةٍ صغيرة متصلة، حيث بدأت ترتب مظهري بعناية. سرّحت فروي المتشابك، نظفت عينيّ بمنشفة مبللة، ونفّشت ذيلي حتى صار كالسحابة. لكن شحوب وجهها لم يفارقها.
“كياااه؟” (ما بكِ؟ هل أنتِ بخير؟)
ضربت يدها بخفة بمخلبي، فارتجفت كأنها استيقظت من كابوس. ثم ابتسمت ابتسامةً باهتة ومسحت ظهري بحنان.
“أوه، يا لي من غافلة! طلب مني المساعد إحضاركِ إلى قاعة الطعام الصغيرة. الدوق يريد تناول الإفطار معكِ.”
تناول الطعام معي؟ ما الذي يخطط له هذا الرجل الغامض؟ حملتني بيتي مسرعةً إلى الطابق الأول، عبر ممرات القصر المزدحمة بالخدم الذين ينظفون ويعدون. عندما دخلنا القاعة الصغيرة، رأيت طاولةً طويلة تتسع لعشرات، تتوسطها ثريا كريستالية تلمع كالنجوم. وفي رأس الطاولة، جلس كاردن، يحتسي قهوته بهدوءٍ ملكي.
كان يرتدي زيًا أسود مزينًا بخيوط ذهبية وأزرارٍ لامعة، أنيقًا بطريقةٍ تجمع بين السلطة والغموض. عيناه تتبعتاني وأنا أُوضع على الطاولة بعناية.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 9"