لم أكد أستوعب ما حدث حتى انسكب الحبر الأسود كالليل الدامس، يغمر كل شيء في لحظة خاطفة. لم تُتح لي فرصة حتى لإمساك القارورة الزجاجية الهاربة. كأن القدر نفسه قرر أن يرسم فوضى عارمة على صفحة يومي!
تلطخت الأوراق البيضاء النقية، والكتب العزيزة بحبرٍ جرى كالأنهار السوداء، متغلغلاً في أعماق المكتب الخشبي العتيق، ذي النقوش الملكية التي كانت تتألق بفخر. لقد تحولت تلك الزاوية الأنيقة إلى لوحة من الدمار العشوائي.
‘آه، يا للكارثة! ماذا أفعل الآن؟’
وقفت مشدوهة، قلبي يتسارع، عيناي تائهتان وسط هذا البحر الأسود. كدت أغطي وجهي بقدميّ الصغيرتين لأهرب من هول المشهد، لكن القدر لم يكن ليرحمني. في لحظة غفلة، غاصت قدميّ الأماميتان النقيتان في الحبر، فتحولتا إلى كتلتين سوداوين كالفحم.
“كيييييع!”
صرخة فزع انطلقت مني، ودون تفكير، بدأت أضرب بقدميّ على المكتب، محاولةً التخلص من هذا اللون الغريب. لكن، يا للغباء! تفاقم الأمر سوءًا. آثار أقدامي السوداء تناثرت كالنجوم في سماء المكتب، مطبوعة على الوثائق المبعثرة، مضيفةً إلى الفوضى فوضى.
“شوشو!”
دوى صوت كاردن، عميقًا كرعدٍ يهز الأركان. رفعت عينيّ فزعة، لأجد جسدي يرتفع فجأة في الهواء. كان كاردن قد أمسك بي بحركة سريعة، يداه القويتان تحيطان بي بحذر غريب، وكأنني كنز هش يخشى عليه.
في تلك اللحظة، اندفع مايلد نحو المكتب، يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. أزاح الكتب والأوراق بسرعة، لكن بعضها كان قد استسلم للحبر، أوراقٌ باتت الآن مجرد ذكرى لنقائها السابق.
لم يتوقف كاردن لحظة. حملني بخطى واثقة، متجهًا إلى غرفة الجلوس الفسيحة، حيث كان وعاء ماء رخامي ينتظر بصمت. بلّل منشفة ناعمة، وبدأ يمسح قدميّ بلطف لم أتوقعه. كل حركة من يديه كانت دقيقة، كأنه يعزف لحنًا هادئًا على آلة رقيقة. وعندما ارتجفتُ قليلاً من برودة الماء، غمر قدميّ في الوعاء دون كلمة، ينظفهما بعناية فائقة حتى زال الحبر الأسود.
لكن أطراف فرائي ظلت تحمل لونًا رماديًا خافتًا، كأنها تذكرة بذنبي. نظرتُ إلى وجهه، ذلك الوجه الجامد الذي لم أستطع قراءته. هل كان غاضبًا؟ هل سيطردني الآن؟ شعرت بقلبي يغرق في بحر من الندم. لو كنتُ أملك صوتًا بشريًا، لانسكبت كلمات الاعتذار مني كشلال.
توقعتُ صراخًا أو عقابًا، لكن صوته كان كالنسيم الدافئ، يحمل عزاءً لم أتخيله.
“ليس ذنبك. أنا من أهملتُ إغلاق قارورة الحبر.”
في تلك اللحظة، تساءلت: هل أسأتُ الحكم عليه؟ في الرواية الأصلية، كان كاردن الشرير الماكر، عقلًا مدبرًا للظلام. لكن هذا الرجل الذي أمامي الآن… كان رقيقًا لدرجة جعلتني أكاد أذرف دمعًا لو استطعت.
نادى كاردن على بيتي، التي كانت تنتظر عند الباب بهدوء.
“شوشو تبدو مرهقة. خذيها لترتاح.”
“حاضر، سيدي.”
سلمني إلى بيتي بعناية، ثم عاد إلى مكتبه. لمحتُ بقعة حبر صغيرة على كمه الأبيض الناصع، كأنها وشمٌ لخطيئتي. شعرتُ بالذنب يعتصرني مجددًا.
قادتني بيتي عبر الردهة الطويلة، حيث كانت الشموع ترسم ظلالاً متمايلة على الجدران الحجرية. وصلنا إلى غرفة فسيحة، شبه خالية إلا من سريرٍ ضخم وأثاثٍ بسيط.
قفزتُ بحماس إلى السلة. كانت من القش المجدول، مصممة كأنها صنعت خصيصًا لي. غرقتُ في البطانية الناعمة، شعرتُ بدفء يشبه عناقًا أموميًا. بدأت أخرخر دون وعي، عيناي تلمعان بسعادة.
“يبدو أنكِ أحببتيه!” قالت بيتي بابتسامة مشرقة.
شعرتُ بالامتنان يغمرني. لو كنتُ أملك صوتًا، لشكرتها من قلبي. وكنتُ سأعتذر لكاردن أيضًا… آه، كم أحبطني عجزي عن الكلام!
مرت يد بيتي على ظهري بلطف. لاحظتُ خشونة يديها، ندوبًا تحكي قصص عملٍ شاق. شابة في العشرينات، لكن يديها كأنها عاشت ألف عام من الكد. دون تفكير، لحستُ ظهر يدها، محاولةً إيصال تعاطفي.
“آه، هذا يدغدغ، آنسة شوشو!” ضحكت.
“كيا!” (أوه لا!)
خفتُ أن أكون قد أسأتُ، لساني ليس نظيفًا بالتأكيد! لكن بيتي نظرت إلى يدها بدهشة.
“مستحيل… الجروح اختفت!”
“كيااااا؟” (حقًا؟!)
كانت يدها نقية، كأن الندوب لم تكن يومًا هناك. هل شفيتُها بلحسة؟ هل أملك قدرة شفاء سحرية؟
“حان وقت النوم الآن. يومكِ كان طويلًا، أليس كذلك؟”
“كككك…” (نعم، فوضوي جدًا…)
تحولتُ إلى ثعلبة، وقعتُ في يد عقلٍ مدبر، ثم صنعتُ فوضى عارمة… يا له من يوم!
أطفأت بيتي المصباح وغادرت، تاركةً إياي أحدق في وهج المدفأة. في البداية، ظننتُ أن قلعة الشمال مكانٌ مظلم مليء بالشر. لكن الخدم هنا طيبون، وبيتي قلبها من ذهب. حتى كاردن، الذي توقعتُه شريرًا لا يرحم، كان… مختلفًا، رقيقًا بطريقة لم أفهمها بعد.
هززتُ رأسي بقوة. “لا، شوشو! لا تكوني ساذجة! إن استسلمتِ لهذا الدفء، قد تصبحين مجرد أداة له!” يجب أن أهرب، أن أعود بشرًا، وسريعًا!
لكن صوت النار الهامس كان كتهويدة ساحرة. قاومتُ النعاس بكل قوتي، لكن عينيّ استسلمتا أخيرًا، وغرقتُ في حلمٍ عميق.
في وقت لاحق تلك الليلة…
كان قصر الدوق غارقًا في صمتٍ موحش، كأن الزمن نفسه توقف. الساعة تجاوزت منتصف الليل، والخدم جميعًا في أحضان أحلامهم. لكن بيتي كانت تسير بخطى متسارعة، قلبها يخفق كطائر محبوس. وصلت إلى باب مكتب الدوق، حيث وقف حارسٌ كتمثال.
“توقفي! الدوق يخضع لعلاجه الآن. أنستِ القوانين؟”
“أعلم، لكن لديّ أمرٌ عاجل عن الآنسة شوشو يجب أن يعرفه الدوق!”
تحدثت بهدوء، لكن صوتها كان يحمل إصرارًا. فتح الحارس الباب، فدخلت بحذر، كأنها تمشي على حبل مشدود فوق هاوية.
داخل قصر هيللايد، كان هناك قانونٌ لا يُناقش: “لا تقترب من مكتب الدوق بعد منتصف الليل.” في تلك الساعات، يخضع الدوق لعلاجٍ سحري لتهدئة طاقته الجامحة. إن فشل العلاج، قد يتحول إلى وحشٍ لا يُردع، يهاجم كل من حوله. شهدت الجدران ذات يوم خادومًا جديدًا كاد يلقى حتفه لمجرد عبوره هذا الحد.
ارتجفت يدا بيتي، لكنها تقدمت. داخل المكتب، كانت هناك غرفة سرية، محاطة بدوائر سحرية تكتم الصوت. وبينما همّت بطرق الباب، فُتح فجأة، وخرج معالجٌ شاحب كالموت، محمولاً بين الحراس، كأنه شبحٌ استُنزف روحه.
“……!”
ارتعدت بيتي رعبًا. ثم ظهر كاردن، برفقة مايلد. كان يرتدي رداءً أسود مبللاً بالعرق، شعره الأسود يلتصق بجبينه، وعيناه الحمراوان تلمعان كجمرٍ متقد. كانت نظرته كالذئب الذي شبع لتوه من صيدٍ دموي. من فتحة ردائه، بدت عضلات صدره البرونزية، تتوسطها دائرة سحرية حمراء كأنها نحتت بنار.
“بيتي!” صرخ مايلد غاضبًا. “ما الذي تفعلينه هنا؟ أنستِ القوانين؟”
“أ-أنا… جئتُ لأخبركم بشيء عاجل عن الآنسة شوشو…”
جلس كاردن على كرسيه ببطء، نبرته كسولة لكنها تحمل برودة الجليد:
“تحدثي.”
ارتجفت بيتي، لكنها جمعت شجاعتها وقالت:
“أظن أن الآنسة شوشو تملك قدرة شفاء. لحستْ جرحًا على يدي… فاختفى كأن لم يكن!”
تبدلت ملامح كاردن فجأة. اختفى الكسل من عينيه، وحلّ مكانه تركيزٌ حاد. حتى مايلد لم يخفِ ذهوله. “ما حدث اليوم…” قال كاردن بنبرة لا تقبل الجدل، “يجب أن يبقى سرًا. لا أحد يعلم بقدرة هذه الثعلبة. هل فهمتِ؟”
كانت كلماته كالسيف، حادة ونهائية. لكن في أعماق عينيه، لمحت بيتي شيئًا آخر… شيئًا يشبه الأمل.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 8"