“أنا فقط أعبّر عمّا شعرت به. لقد مضى وقت طويل منذ أن رأيت شقيقي يبتسم. والشخص الذي جعله يبتسم هو…”
اتجهت نظرات يوديث مباشرة نحوي.
عيناها الزرقاوان كانتا صافيتين بشكل يبعث على الدهشة، لدرجة أنه كان من الصعب إدراك المشاعر الكامنة خلفهما.
“أن تكون تلك الشريكة… من فصيلة الثعالب، أمر مذهل لا أكثر.”
“اظهري الاحترام لشريكتي، يوديث.”
“شريكتك، تقول؟”
تأملتني يوديث بنظرات فاحصة وحادة، كما لو كانت تزنني بعين ناقدة وهي غارقة في أفكارها.
جلست في مكاني مجمدة بالكامل، لا أدري كيف عليّ أن أتصرف وسط هذا التوتر.
تجمد جو المكتب فجأة ليغدو بارداً وكأن صقيعاً اجتاحه.
بين الأخوين المتنافرين، كنت أنا ومايلد نتحرك بأعيننا يميناً ويساراً لا ندري كيف نتصرف.
هما حقاً شقيقان من دم واحد، فبمجرد أن تتلاقى أعينهما، تتطاير شرارات التهديد والتحدي.
مهلاً لحظة… هل يُعقل أن سبب نظرات يوديث العدائية نحوي هو اعتقادها أنني سرقت حبّ كاردين منها؟
رغم المظاهر التي توحي بعلاقة مضطربة بينهما، لعلها في الحقيقة تكنّ له الإعجاب والاحترام، لكنها لا تُفصح.
إنها الكليشيه الشهيرة: الأخت التي تكره البطلة لأنها خطفت حبّ أخيها منها.
لو كان هذا هو السبب، فها أنا أجد تفسيراً لنظراتها المخيفة كلما وقع نظرها عليّ.
لكن هذا محرج فعلاً، فأنا لا أرغب أبداً في أن أكون سبباً في زعزعة علاقة الأخوة بينهما.
من كسر الصمت الثقيل كان المساعد مايلد، إذ تنحنح قليلاً ثم تحدث:
“سيدي الدوق، بما أن السيدة يوديث تزور قلعة الشمال بعد غياب طويل، فهلّا أقمنا مأدبة ترحيبية على شرفها؟”
عندها أجاب كاردين ويوديث في آنٍ واحد، وكأن بينهما اتفاقاً مسبقاً:
“لا حاجة لذلك.”
“ليس ضرورياً. مجرد إزعاج لا أكثر.”
ها هما يتشابهان حقًا، يتفقان فقط عندما يكون الأمر سلبياً!
لكن العلاقات الباردة تُذيبها المحادثات والشراب. مأدبة صاخبة ومليئة بالبهجة قد تكون فرصة لتصفية الأجواء بينهما.
تحمّست وهززت ذيلي بعنف بينما أقدمت إلى الأمام قائلاً:
“أنا أؤيد الفكرة! الجميع سيكونون سعداء إن أقمنا مأدبة!”
“همم، إن كانت شوشو ترغب بذلك، فسنقيمها.”
أومأ كاردين برأسه ببساطة، ثم أسرعت نحو يوديث وابتسمت لها بلطف وقد اتخذت عيني شكلاً نصف دائري كالهلال.
“سيدتي يوديث، هل ستنضمين إلينا في المأدبة؟”
عضّت يوديث على شفتيها الحمراء بصمت.
كانت لا تزال ترفض النظر إليّ مباشرة. بل إنها قبضت على يديها بشدة حتى برزت عروقها.
أشبه ما تكون… خائفة مني؟ هل تعاني من رهاب الثعالب مثلاً؟
ثم التفتت فجأة وقالت ببرود:
“ما دمتِ تصرين… فسأحضر.”
“كياااااه؟! حقاً؟! شكرًا لكِ!”
قفزت في مكاني من شدة الفرح، بينما أومأ مايلد برضى وهو يبتسم.
“من الرائع أنها وافقت. سأسرع الآن في الترتيبات اللازمة. سيُسعد الجميع سماع ذلك.”
وما إن خرج مايلد من المكتب، حتى جلست يوديث على الأريكة المقابلة لكاردين.
“شقيقي، لديّ ما أبلّغك به. إنها رسالة من جدتنا.”
آه، الأمر يتعلق بالعائلة. إذاً من الأفضل أن أنسحب بهدوء.
“تفضلا بالحديث على راحتكما. سأغادر الآن.”
“لا. شوشو ستبقى هنا.”
قال كاردين بنبرة قاطعة وهو يربّت على المقعد إلى جواره.
أملت رأسي بحيرة قائلاً:
“كياااه؟”
عقدت يوديث حاجبيها في انزعاج واضح.
أيتها الأخت، أليس هذا الحذر مبالغًا فيه قليلاً؟
“هذه مسألة عائلية، شقيقي.”
“شوشو هي شريكتي، وهي بذلك فرد من عائلتي.”
لحظة، متى أصبحت فردًا من عائلته؟ ألم نتفق على ذلك أساسًا؟ كيف يقرر من تلقاء نفسه هكذا؟
كنت على وشك الاعتراض، لكن وجه كاردين كان جادًا إلى درجة جعلتني أبتلع كلماتي وأقفز إلى جواره وأجلس مطوية الذيل.
لحسن الحظ، لم تُبدِ يوديث اعتراضاً إضافياً، بل تنهدت بخفة.
استدعت خادمة وأصدرت بعض الأوامر: إعداد الشاي وإحضار شيء من غرفتها.
بأسلوبها الطبيعي، لكن الحازم، تألقت كالسيدة الثانية لقلعة الشمال.
حتى الخادمة كانت تنظر إليها بإجلال ممزوج برهبة ظاهرة.
وبعد قليل، جاءت خادمتان تحملان صينية عليها فناجين شاي، وشيئاً مستطيلاً مغلفاً بقماش فخم.
احتست يوديث الشاي بأناقة، ثم وضعت الفنجان.
“أتيت إلى قلعة الشمال حاملة رسالة جدتي.”
أخذ كاردين يحدّق بها بصمت، نظرته كانت باردة كالثلج.
“قالت إن هذه آخر مهلة تمنحها لك.”
قالت الجدة؟ أليست هي التي تعيش في العاصمة؟ إذًا ما الذي ستقوله الآن؟
“إن لم تكن تنوي الزواج، فهي ستتخذ القرار بنفسها وترسل خطيبتك إلى قلعة الشمال. عزمها على رؤية حفيدٍ لها لا يتزعزع.”
انعقد حاجبا كاردين على الفور.
“نفد صبر جدتي إذن. لكنها تعرف تمامًا… لا يمكنني الزواج بسهولة بسبب انفلات قوتي السحرية.”
ابتسمت يوديث بخفة، ثم وجهت نظراتها نحوي.
“لكن أليس وجود هذه الثعلبة كافياً؟ قدراتها على امتصاص الطاقة السحرية ممتازة، لدرجة أنها تغني عن الحاجة لأي معالج.”
أمسك كاردين فنجانه بقوة
حتى بدا وكأنه سيتحطم، وقال بأسنان مشدودة وهو يحبس غضبه:
“هل قمتِ بالتحري عن شوشو؟! كيف تجرؤين!”
يوديث وصلت البارحة، ولم يخبرها أحد عن قدراتي. هل كانت تملك شبكة معلومات واسعة بحكم إدارتها للتجارة في العاصمة؟
مع ذلك، لم ترفّ لها عين، وظلّت محافظة على هدوئها التام.
“اهدأ يا شقيقي. أرسلت من يحقق بعدما سمعت أن عمنا بدأ بالتعافي من انفلاته السحري. وبفضله، بل بفضل تلك الثعلبة، استقرّت طاقتك أيضاً. أليس الوقت قد حان للذهاب إلى العاصمة ومقابلة الجدة؟”
ثم نظرت إلى الخادمة الواقفة خلفها وقالت:
“أحضري ذلك الشيء.”
تقدمت الخادمة وهي تحمل ذلك الشيء المستطيل، ثم أزالت عنه القماش.
ظهر إطار فاخر يحتضن لوحة زيتية. وكانت اللوحة تصوّر فتاة نبيلة في عشريناتها.
شعر بلاتيني يلمع تحت الضوء، وجه ناصع كالمرمر، عينان واسعتان، أنف أنيق، وشفاه بلون الورد. أشبه بإلهة الربيع على هيئة بشر.
تسمّرت أمام اللوحة مشدوهة. وجهها لم يكن غريبًا عليّ، وكأنني رأيته من قبل.
نظر إليها كاردين بنظرة مقتضبة ثم صرف وجهه، وقد بدا الضيق واضحًا في قسماته.
أما يوديث، فلم تفاجأ بردّة فعله، بل اكتفت بهزّ كتفيها بلا مبالاة.
“لقد بلغ صبري منتهاه في الدفاع عنك. إما أن تذهب بنفسك وترفض الخطبة أمام الجدة، أو… ستكون الآنسة أوليفيا إترين، المرشحة لخِطبتك القادمة.”
لحظة! أوليفيا إترين؟!
تلقيت الخبر كما لو أن صاعقة أصابتني.
أوليفيا إترين…
بطلة الرواية الأصلية التي وقع كاردين في حبها من النظرة الأولى. المرأة الوحيدة التي أرادها حتى لو اضطر لخيانة بلاده من أجلها.
كيف أصبحت أوليفيا مرشحة لخطبة كاردين؟! هذا الحدث لم يكن موجوداً في القصة الأصلية!
بدأ كاردين يحدق في اللوحة مطولاً. ظهرت نظرة ازدراء عابرة على وجهه، ثم اختفت.
لكني لم أستطع صرف نظري عن تلك اللوحة.
لم أتخيل قط أنني سأقابل بطلة الرواية الأصلية بهذه الطريقة.
هل بدأت قوة الرواية الأصلية تتحرك لتجمع بين أوليفيا وكاردين؟ هل هذا قدرهما الذي لا مفرّ منه؟
لا يمكنني التحديق في اللوحة أكثر، فقد يبدو ذلك مريبًا أمامهما.
“الجدة تتكبد عناء بلا طائل. خذوا هذه اللوحة من أمامي.”
بمجرد أمر كاردين، أسرعت الخادمة لتأخذ اللوحة وتغادر الغرفة.
“انتظر، على الأقل عليك أن تفكر بجدية…”
لكن كاردين رفع يده ليقاطع احتجاج يوديث قائلاً:
“أرسلي لها رسولًا. أخبريها أنني هذه المرة… سآتي إليها بنفسي.”
لم أسمع إلا نبرة السخرية الباردة في صوته وهي تخترق أذني.
عدت إلى غرفتي بعد مغادرة المكتب، وظللت جالسة أحتضن نفسي حتى غابت الشمس.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 68"