لم يسبق لي أن كُرهت بهذا الشكل الصريح من قِبل أحد، ولذا وجدت نفسي في حيرة تامة.
ربما هو غرور منّي، لكن مذ دخلت قلعة الشمال على هيئة ثعلب صغير، كنت أتلقى الحب والاهتمام كل يوم، حتى خلت أن هذا الحب أمر طبيعي بديهي.
نعم… لقد أسرفت في الثقة بجمالي وظرافتي، وأُصبت بنوع من الغرور الطفولي.
الناس كانوا يُبتهجون لكل حركة أؤديها، لكل لمحة، ولكل نقرة بمخلب صغير. لا شك أنني قد أصبت بما يُشبه “داء النجومية”.
وبينما كنت أغوص في لحظة تأمل ولوم ذاتي، خطرت لي فكرة مفاجئة…
ماذا لو كانت يوديث تبتعد عني لأسباب جسدية؟ كأن تعاني من حساسية شديدة تجاه الفرو، مثلًا؟
“هل تعلمين إن كانت السيدة يوديث تعاني من حساسية تجاه الفرو؟ أو ربما تكره الحيوانات؟”
“بقدر ما أتذكر، لم تكن لديها أي حساسية من هذا النوع.”
“إذًا… هل من الممكن أنها تعرضت في طفولتها لهجوم من كلب أو ثعلب وسبّب لها ذلك صدمة نفسية؟”
سألتها بيأس، كمن يتعلق بقشة في عرض البحر.
أن تكرهني بلا سبب واضح… أمر لا أستطيع تقبّله ببساطة.
فكرت بيتي للحظات بجدية، ثم ما لبثت أن أشرق وجهها وكأنها تذكّرت شيئًا.
“آه، بل كانت قريبة جدًا من كلاب التدريب. الكلاب نفسها كانت تتبعها بحب.”
“…هكذا إذن.”
أحسست بثقل مفاجئ في كتفيّ.
نظرت إليّ بيتي بقلق، وقد لاحظت التغير في ملامحي.
“آنسة شوشو، ما بكِ؟ هل هناك ما يزعجك؟”
“هاه؟ لا، لا شيء… عليّ الذهاب الآن. شكرًا لك، بيتي.”
تمتمت بسرعة وتسللت عبر الممرات باتجاه مطعم مركز التدريب. وبينما أنا في طريقي، صادفت “رون”.
رون هرع نحوي مبتسمًا، وضمني إلى صدره بحنان.
“شوشو! هل سنأكل سويًا اليوم؟”
“طبعًا! بالتأكيد.”
ضمّني رون مجددًا، ثم راح يداعب وجنتي ويحتك بيها بودّ.
سواء كنت على هيئة بشرية أو ثعلب، رون كان دائمًا يعاملني على سجيتي. وجوده يشعرني بالراحة والامتنان.
جلسنا في مطعم مركز التدريب نأكل الخبز والحساء، ونتجاذب أطراف الحديث.
وبينما كنا نضحك ونتحدث، بدأ الجنود داخل المطعم يحيّونني بحرارة.
وفجأة، ساد صمت مفاجئ.
ما الذي يحدث…؟
كنت ألعق القليل من حساء الدجاج عندما رفعت رأسي.
ومن عند مدخل المطعم… دخلت يوديث، وإلى جانبها القائد بيرك.
يوديث كانت جامدة القسمات كعادتها، بينما بدا بيرك مرتبكًا وهو يشرح لها شيئًا.
أن يكون بيرك بهذا التوتر أمامها… يبدو أن ما سمعته عن يوديث حين كانت تقود فرسان القلعة الشمالية كان صحيحًا. فهي تملك كاريزما ساحقة.
عند رؤيتها، شحبَت وجوه الفرسان والجنود وكأنهم رأوا شبحًا.
جميعهم وُلدوا وتربّوا هنا، وفي لحظة، وقفوا وكأن غريزتهم العسكرية استيقظت، ثم وضعوا قبضاتهم على صدورهم وهتفوا بصوتٍ واحد:
“تحية للقائدة العامة للفرسان!”
“هل أنتم بخير منذ آخر لقاء؟”
“فخر لنا أن نراكِ مجددًا!”
يوديث ردّت التحية بإيماءة هادئة من ذقنها الحاد، ثم نظرت بعينيها الحادتين إلى جميع الجنود الجالسين.
كل من التقت عينيه بعينيها، إما تصلّب مكانه، أو خفض بصره، أو توقف عن الأكل تمامًا.
رغم هدوء تعبيراتها، كانت تنضح بهيبة باردة تقشعر لها الأبدان. تشبه كاردن تمامًا حين لا يبتسم… الدم لا يُكذب، كما يقولون.
“المكان لم يتغير. لا شيء تغيّر هنا.”
انبعث صوتها البارد في المطعم الذي عمّه الصمت. بيرك ابتسم ابتسامة متوترة وحكّ مؤخرة رأسه.
“صحيح. خمس سنوات مرت، وكل شيء بقي كما هو.”
“كما توقعت… حفنة من الضعفاء الكسالى يملؤون بطونهم وحسب، وقد نسوا أن وحشًا قد يبتلعهم غدًا.”
“آآه… نعتذر! سنصحح الوضع فورًا!”
بيرك، وقد شحب لونه، ردّ بصرامة وهو يؤدي التحية العسكرية.
لكنّ يوديث لم تكتفِ به، بل صبّت غضبها على الجنود أيضًا:
“أيها المتكاسلون! إلى متى ستكتفون بالأكل؟! إلى ساحة التدريب فورًا! الكل!”
الجنود رَموا أدوات الطعام وقفزوا كأنهم ينتظرون الأمر منذ زمن، يركضون نحو ساحة التدريب.
أما أنا ورون، فوقفنا مذهولين نراقبهم. في لحظة، أصبح المطعم الذي كان يعجّ بالحركة… خاليًا تمامًا.
وبينما كانت يوديث تهمّ بالاستدارة وهي تصدر صوتًا مزعجًا بلسانها، توقّفت فجأة.
نظرت مباشرة ناحيتي… عيناها الصارمتان تثبّتاني في مكاني.
في لحظة، عانقتُ ذيلي الكثيف بتوتر. عادة تلقائية عند الخوف. لكن… لا! لا يجب أن أظهر ضعفي، أنا ثعلبة راقية، ويجب أن أتحلى بالوقار!
نظراتها الباردة اجتاحتني من أعلى رأسي حتى أخمص قدمي… ثم استدارت وغادرت دون كلمة.
“شوشو؟ ماذا بك؟ هل أنتِ بخير؟”
رون سألني بقلق، لكنني لم أستطع الرد. كنت لا أزال متجمّدة من أثر نظرة يوديث تلك.
رون ابتسم وقال باهتمام:
“هل نذهب لنرى التدريب؟ أريد رؤية كيف كانت القائدة العامة للفرسان تتولى القيادة!”
“أ-آه… طبعًا، فلنذهب.”
في ساحة التدريب، كانت الأصوات تعلو… الجنود يصرخون، يتصبّبون عرقًا، يبذلون أقصى جهدهم كي لا يُقصوا.
كانوا يركضون وهم يحملون جذوعًا ضخمة،
بينما يوديث تضرب بالسوط في الهواء وتصرخ بأوامرها.
“الضعف يؤدي إلى موت رفاقكم! المعركة مع الوحوش تتطلب تعاونًا كاملًا! إن تعثّر واحد، انهارت الجبهة كلها! عليكم القتال وكأن حياتكم —وحياة زملائكم— تعتمد على كل نفس!”
صوتها القوي كان يصدح في الساحة.
وقفت أحدق بها، مذهولة… كم هي قوية! مرعبة، نعم… لكنها فاتنة ومهيبة.
رون ضحك وهمس لي وهو يعانقني:
“شوشو، أعتقد أنك تفضلين رؤية تدريب يوديث أكثر من كاردن نفسه!”
هززت أنفي بمزاح، وأجبت:
“صحيح… وجود أخت قوية مثلها سيكون أمرًا مذهلًا.”
“ستحبك بالتأكيد، لا تقلقي.”
لكني لم أستطع قول الحقيقة لرون.
يوديث قد… تكرهني فعلًا. كلما رأتني، تصبح نظراتها كأنها تريد سلخي وتحويلي إلى وشاح من الفرو.
“م-مخيفة!!”
تجمدت، واندسست في حضن رون مرتعشة.
“هاه؟ شوشو، هل تشعرين بالبرد؟”
رون سألني بقلق وهو يربت عليّ.
وفجأة… دوى صوتٌ حازم في ساحة التدريب:
“ما الذي تفعلونه الآن؟”
كان أوين.
اقترب بخطى ثابتة، يحدق بيوديث بنظرات صارمة.
رأى الجنود فيه منقذهم، وارتفعت آمالهم كأنهم تنفسوا للمرة الأولى.
“كيف تجرؤ على إيقافي؟! أأردت أن تموت؟”
توقفت يوديث، ثم جمعت سوطها، وعبست حاجبيها بحدة.
رياح الشمال عبثت بخصلات شعرها الأسود الطويل… وعيناها تضيقان وهي تتفحص أوين بنظرة مريبة.
“من أنت؟ ما منصبك؟”
“أقدم نفسي رسميًا: الفارس المسؤول عن تدريب فرقة الحرس، أوين.”
حتى تحت نظرات يوديث الحادة… لم يطرف له جفن. يا لقوة قلبه! كم أحترمه الآن.
هززت ذيلي بسرور، خلسة، كي لا تراني يوديث.
“لماذا تدربين الجنود بهذه القسوة؟ هذا لا يتماشى مع اللوائح. بعد الوجبة، يجب أن يأخذوا استراحة ثم يتولوا مهام الدورية والحراسة.”
“وأنت… تجرؤ على مقاطعتي؟ هل تجهل من أنا؟”
قالت ذلك ببرود، ونظراتها تزداد حدة.
إنها تشبه كاردن إلى درجة مخيفة… فعلًا، الجينات لا ترحم.
“لا أقاطعكِ… فقط أطالب بتطبيق النظام.”
وضعت يوديث يدها على خاصرتها، واقتربت بنظرة صارمة:
“عدتُ بعد غياب طويل لأتفقد بنفسي مدى انضباط الجنود. التدريب سينتهي قريبًا، لا تتدخل أكثر من هذا يا أوين.”
“لكن حسب القوانين، لا تملكين سلطة تدريب الحرس أو إصدار أوامر لهم. ما تفعلينه يُعد تجاوزًا وانتهاكًا للنظام.”
كان رده صارمًا، دقيقًا، وواضحًا.
الجنود ذُهلوا… لم يسبق لهم أن رأوا أحدًا يقف بوجه يوديث بهذا الثبات.
بردت ملامحها كريح شمالية في عزّ الشتاء، وبرز العرق في جبينها.
ثم… ارتسمت على شفتيها ابتسامة باردة ملتوية.
“أيها الفارس أوين… استل سيفك. دعني أختبر إن كنت أهلًا لتدريبهم.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 66"