“من هي تلك الثعلبة التي أغوت شقيقي؟”
لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك.
فشوفيليا، وقد التصقت بكردين الذي لم يكن يرتدي سوى قميص خفيف من التونيك، راحت تداعب وجنته بصدره دون تردد.
أتراها لم تتخلّ عن عاداتها عندما كانت ثعلبة؟
“لـ- لحظة فقط…”
تلعثم كاردين، حائرًا لا يدري ما عليه فعله، فيما شوفيليا كانت تضحك بخفة كالأطفال، مستسلمة لسعادتها.
ثم غطّت وجهها بصدره العريض وغفت بعمق.
اضطر كردين إلى أن يبقى مستلقيًا كالصخرة، لا يجرؤ حتى على تحريك إصبعه، خشية أن يوقظها.
وأطلق تنهيدة عميقة كأنها قادمة من جوف الأرض.
“تباً… أنتِ بالفعل ثعلبة تسحر القلوب.”
وقد أيقن أنه لن يذوق طعم النوم هذه الليلة، فراح يربت على كتفها بلطف بيده الأخرى، كما اعتاد أن يهدهدها في صغرها عندما كانت مجرد ثعلبة صغيرة تُدعى شوشو.
* * *
أشعة الشمس سقطت على جبيني، وأصوات العصافير وصلتني من بعيد.
هل أصبح الصباح بالفعل؟
حين فتحت عيني، رأيت أطراف أصابعي تتحرك بخفة وشعري الفضي الطويل ينسدل على الوسادة.
ما زلت على هيئة إنسان… لحسن الحظ، يبدو أنني أتمكن من الاحتفاظ بهذه الهيئة لوقت أطول.
لكن، مهلاً… لا يكون كاردين لا يزال بجانبي، أليس كذلك؟
رؤية وجهه أول شيء في الصباح ستكون كارثة خجل!
صحيح أنه لم يحدث شيء الليلة الماضية، لكن… نومنا في سرير واحد يظل أمرًا محرجًا!
رفعت الغطاء حتى أنفي، وحاولت بحذر أن ألتفت إلى جانبي…
“صباح الخير، شوفيليا.”
صوته العميق الدافئ همس في أذني.
ارتجف جسدي كله، وفزعت في مكاني.
“د- دوق؟ ما الذي تفعله هنا؟ ألم تذهب للتدريب؟!”
قبضت على غطاء السرير بقوة، وكأنني أحتمي به، وأمطرتُه بالأسئلة.
أما هو، فنهض بجسده نصف العاري، متكاسل الحركة.
عضلات صدره توترت وكأنها غضبت.
منذ متى خلع ملابسه؟ أنا متأكدة أنه كان يرتديها قبل النوم!
حرك خصلات شعره المنسدلة إلى الخلف بحركة بطيئة أثارت اضطرابي، فاضطررت إلى إزاحة نظري عنه فورًا.
عقلي كان يعج بعلامات الاستفهام.
“خشيت أن توقظكِ حركتي، فآثرت البقاء.”
“لكـ- لكن…”
كنت أبحث عن أي رد، لكن صوتًا مرتفعًا خارج الغرفة قطع ارتباكي:
“افتح الباب فورًا!”
صاح صوت أنثوي بغضب خارج غرفة النوم.
من الذي يصرخ منذ الصباح الباكر بهذا الشكل؟
“أيها المساعد، افتح الباب حالاً!”
“أرجوكِ، اخفضي صوتكِ. الدوق نائم حاليًا.”
كان صوت امرأة شابة وجدالها مع مايلد يدوي خلف الباب.
“سمعت أن الدوق وقع تحت سحر فتاة ماكرة تشبه الثعالب! يقال إنه لا يفارقها، بل يناديها ‘شريكته’. هل هذا صحيح؟”
“م- مجرد إشاعة خاطئة، أؤكد لكِ…”
“كفّ عن الكذب، دعني أراها بنفسي. تلك الثعلبة!”
“أرجوكِ، تماسكي! ليست فتاة، إنها شريكته من الثعالب… هناك لبس في الفهم.”
“هل تستخف بعقلي؟ تقول إن دوقنا يربّي حيوانًا؟ ربما لو قلت إنه يربّي وحشًا لكنت صدقتك! افتح الباب فورًا يا مايلد قبل أن أستخدم السوط!”
وفجأة، دوى صوت ارتطام عنيف كأن الباب قد تحطم.
أخرجت وجهي من تحت الغطاء بحذر وذهول.
كاردين تنهد بعمق، ونقر لسانه بامتعاض:
“ما زالت فظة وصاخبة كعادتها.”
ثم دخلت إلى الغرفة امرأة طويلة القامة، ذات قوام رشيق وجاذبية لا تخطئها العين.
كانت ترتدي زيًا أبيض فاخرًا مطرزًا بخيوط ذهبية، وسروالًا جلديًا أسود، وشعرها الأسود الطويل يتمايل خلفها بأناقة.
“مر وقت طويل يا دوق.”
قالتها وهي تعقد ذراعيها وتتطلع نحونا بنظرة متعالية.
وحين رأيت وجهها، شهقت وغطيت فمي من الصدمة.
حواجبها الكثيفة، عيناها الزرقاوان الحادتان، أنفها المستقيم، وشفتاها المرسومتان بلون دموي أرستقراطي…
إنها صورة طبق الأصل من كاردين!
وحين التقت نظراتها بي، ارتسمت على شفتيها تلك الابتسامة الساخرة ذاتها.
يا إلهي… حتى تعبيرات وجهها تشبهه!
من تكون هذه؟
“صباح رائع يا أخي… تستيقظ في حضن حسناء؟ ألن تعرّفني على من تقاسمك هذا السرير؟”
لحظة… أخته؟
هل تكون… الأخت الوحيدة لكاردين؟
نظرت إلى كاردين بدهشة، وهو يرمقها بنظرات غاضبة ويعقد حاجبيه.
“يوديث… لقد تجاوزتِ كل حدود اللباقة. أأصبحتِ تجهلين أصول التحية؟”
أشعر وكأنني سمكة صغيرة ستُسحق بين حيتان تتقاتل.
جلست في ركن السرير، ألفّ الغطاء حولي بإحكام، متمنية لو أختفي تمامًا.
لكن لا مهرب… فالأجواء أمامي مشتعلة.
أمام ناظري، كان الشقيقان المتشابهان حد التطابق يتبادلان نظرات حادة مخيفة.
الجينات هنا تتجلى في أقوى صورها… وقد شعرت بالخطر.
كاردين كان يحدّق في يوديث بنظرة جليدية، وطاقته السحرية كانت تهتز حوله.
“يوديث، أنتِ تعلمين أن تصرفاتكِ لن تمر دون عقاب.”
نبرته كانت صارمة، أقرب إلى محكمة ميدانية.
لكن… مهلاً يا دوق! إنها شقيقتك الوحيدة!
ومع أن الجميع يخشى من هيبة كاردين، فإن يوديث لم ترتجف قط.
بل رفعت إحدى زوايا شفتيها بابتسامة فاخرة:
“لقد أُجبرت على المجيء بسبب طارئ. سمعت أنك اتخذت لنفسك شريكة بلا إذن من جدتنا!
هلل هناك ما هو أخطر على سمعة عائلة هيللايد؟”
ثم راحت تتأملني من رأسي حتى قدمي.
آه، وياللحظ! كنت لا أزال مغطاة بالملاءة فقط…
“لم أركِ من قبل في أي محفل أرستقراطي.”
عيونها الزرقاء المتوهجة امتلأت بالازدراء.
“وأتساءل… ما اسم هذه الحسناء الغامضة التي لا نعرف لها أصلًا ولا نسبًا؟ عرفني بها يا أخي.”
هل تكرهني؟ يبدو أنها تعتبرني مجرد عشيقة سرية لكردين…
مع أنني لم أفعل شيئًا سوى النوم ببراءة، في سرير… بجانبه.
الظروف ضدي تمامًا!
رفعت يدي بتردد، لأتحدث دفاعًا عن نفسي:
“أعتقد أن هناك خطأ كبيرًا هنا، أنا في الواقع…”
“إنها شريكتي، شوفيليا.”
“ماذاااا؟!”
صرخة فزعتُ بها من رد كردين الجريء.
تملكني الغضب والذهول في آن.
لماذا تزيد الطين بلة؟ لماذا تقول ذلك الآن؟!
“هذا ليس صحيحًا! أنا لست شريكتك! لا تفهميني خطأ!”
صرخت يائسة كمن يغرق في بحر من الافتراضات.
لكن يوديث لم تتأثر، فقط رفعت خصلة من شعرها خلف أذنها بابتسامة باردة.
كأنها أميرة… ساحرة في هيئتها وهيبتها.
حتى في هذا المشهد الفوضوي، وجمالها يسرق الأنفاس.
“كما توقعت…”
ثم مدت يدها البيضاء نحو السوط المعلّق على خصرها، تمسكه كما تمسك السيدة مروحتها.
انتظري، لماذا السوط؟ حتى لو لم أعجبكِ، بإمكاننا التفاهم بالكلام!
لكن عينيها الزرقاوين التمع فيهما لهيب الغضب.
“لابد أن تلك الثعلبة قد أغوت شقيقي. هذا إهانة لعائلة هيللايد!”
“إهـ- إهانة؟! لم أفعل شيئًا!”
صرختُ بفزع.
“توقفي، يوديث!”
صرخ كاردين بقوة، وقفز من السرير.
ثم أمسك بالسوط بيد واحدة وقيد معصمها بحركة خاطفة.
“استفقِ، يوديث! هل ستسمحين لنفسكِ بتدنيس شرف العائلة؟!”
رغم أن معصمها ملتف، ظلت تقاوم بعناد.
أما أنا، فقد كنت أرتجف، لا أعلم ماذا أفعل…
ثم، فجأة، غشيت عيناي سحابة بيضاء، وجسدي بدأ بالتحول…
عظامي، عضلاتي، كل شيء فيّ بدأ يتغيّر.
“لا… لا أصدق، أيمكن أن يكون…؟”
التعليقات لهذا الفصل " 64"