هذا مستفزّ للغاية
“لـ، لحظة من فضلك! استدعِ خادمة أخرى! الدوق مشغول، فلا داعي لأن يقوم بمساعدتي في الاستحمام!”
صرختُ بذعر، فتوقف كاردين، الذي كان قد رفع بنطاله حتى ساقيه.
تلاقت عيناه الزرقاوان القاتمتان بعيني، ينظر إليّ بجدية.
“لقد قلتها منذ البداية، أليس كذلك؟”
“قلتَ ماذا؟”
“لا أحب أن يلمس أحد شيئًا يخصني. بيتي خادمتكِ الخاصة، فذلك لا بأس به، لكن غيرها؟ لا.”
“أي منطق هذا؟ هذا تعسف!”
“لنذهب بسرعة إلى الحمّام، الماء سيبرد.”
المفاوضات فشلت. لم يتبقَ أمامي سوى الهروب.
استدرتُ بأقصى ما يمكنني من سرعة، لكن يد كاردين كانت أسرع مني، ويا للغيظ!
أمسكني في لمح البصر، ثم خطا بي بخفة نحو الحمّام.
“كياااه! دعني وشأني!”
رغم أنني تململت كثيرًا، لم يتحرك ساكنًا.
لقد خسرت…
انسقتُ بلا حول ولا قوة نحو الحمّام، كقائد مهزوم في ساحة المعركة.
كان حوض الاستحمام الضخم في وسط الحمّام ممتلئًا بماء دافئ ينبعث منه بخار كثيف.
قلل كاردين البخار ورفعني ليضعني في حوضي الخاص، الذي يشبه طبقًا خزفيًا صغيرًا لا يتجاوز حوض الغسيل حجمًا.
ثم أدخل يده في الحوض الكبير ليتحقق من حرارة الماء بعناية فائقة.
“حرارته مناسبة، ليست ساخنة.”
بدأ بسكب الماء برفق فوق جسدي.
حين تبلل فرائي، انكمش فجأة، فتحول مظهري إلى شيء كروي ناعم. رأيت كاردين يشيح بوجهه سريعًا.
“لا تضحك، رجاءً.”
رأيتك جيدًا. وضعت يدك على فمك وكتمت ضحكتك.
“سأبدأ برغوة الرأس. أغلقِ عينيكِ جيدًا كي لا يدخل الصابون.”
ركع أمامي، وبدأ يفرك الصابون حتى صنع رغوة ناعمة، وراح يُدلّك رأسي الصغير وأذني الحادتين وحول عيني بلطف شديد.
لم أتمالك نفسي. يده الناعمة كانت تبعث فيّ نعاسًا شديدًا.
تدلت لساني الصغير من فرط الاسترخاء.
“سأغسلكِ بالماء الدافئ الآن.”
مع أنه لم يسبق له على الأرجح أن ساعد أحدًا في الاستحمام، إلا أن كاردين كان بارعًا ومدهشًا، كأنما يعتني برضيع.
القائد المرعب الذي لا يفارق سيفه، أظهر جانبًا من الرقة لم أتوقعه.
“يجب أن ألفكِ بمنشفة. من الصعب الحفاظ على حرارة الجسم حين يكون الفراء مبللًا.”
لفّني بمنشفة ضخمة، غطتني بالكامل، ثم وضعني في الحوض الكبير المليء بالماء الدافئ.
ما إن غمرني الماء حتى شعرت بالراحة والانفراج.
“آه… كم هو مريح! كم أنا مسترخية.”
خرج صوتي كصوت رجلٍ عجوز في حمّامٍ عام، يستمتع بنقع جسده.
“احذري، شوشو، قد تغرقين.”
كان كاردين يسندني بحذر خشية أن أنزلق في الحوض.
لا داعي لذلك. فأنا أسبح جيدًا الآن!
“دوق كاردين، دعني. لا حاجة للإمساك بي…”
لكن فجأة، تصاعد بخار من جسدي.
بدأت عظامي وعضلاتي تلتوي بسرعة هائلة، لم تمنحني حتى وقتًا للشعور بالألم.
“مـ، ماذا؟”
“شوشو، لا تقولي إنكِ…”
أخذت أرتجف في الماء، واختفى ذيلي، ثم اختفت أذناي الحادتان.
لماذا الآن تحديدًا؟! ولمَ أمام كاردين بالذات؟!
نبتت لي ذراعان بشريتان بيضاء ورفيعة، ومن دون وعي، أمسكت بطرف قميص كاردين.
تشببب!
اجتاحت الحوض موجة ضخمة، وتناثرت المياه في كل الاتجاهات.
سقطت فيه، وابتلعت بعض الماء فورًا.
وحين لامست قدماي قاع الحوض، رفعت وجهي بسرعة.
كل ما فكرت فيه: “يجب أن أخرج فورًا!”
ولحسن الحظ، المنشفة لا تزال تغطيني.
“اهدئي، شوفيليا.”
صوته الهادئ لامس أذني، ويداه الكبيرتان والمبللتان أمسكتا بكتفي.
بدأ البخار الكثيف يتبدد، وعندها أدركت الوضع تمامًا.
كنت جالسة… على فخذَي كاردين!
“آه…”
خرج أنيني رغما عني.
بسبب إمساكي به، سقط هو الآخر داخل الحوض.
ارتبكت بشدة. لم أكن أعرف ماذا أفعل.
شعره، الذي كان دائمًا مصففًا بدقة، كان يتقاطر منه الماء، وبللت المياه قميصه الكتاني الشفاف، فكشفت عن عضلاته القوية بوضوح.
لكن الأسوأ كان أنني أنا نفسي، مغطاة فقط بمنشفة… بالكاد.
آآآآه، ماذا أفعل؟!
تمسكت بالمنشفة بشدة، وخفضت رأسي. شعري الفضي الطويل التصق بجسدي المبلل.
كان يجب أن أبتعد عن فخذيه، لكنني كنت مصدومة جداً ولم أستطع تحريك قدمي.
“هـ، هذه غلطة……”
كنت محرجة للغاية فلم أتمكن حتى من تكوين جملة.
ربما لأنني في الماء الساخن، لكن وجهي احمرّ كليًا، وقلبي ينبض بعنف لدرجة أني كدت أسمعه بأذني.
كان كل شيء ساخنًا… جسدي، رأسي، أنفاسي…
كاردين رفع خصلات شعره الأمامية، وتنهد بعمق.
“في المرات القادمة، أتمنى أن تبلغيني مسبقًا إذا كنتِ ستتحولين.”
“آ، آسفة…”
تدافعت الكلمات من فمي بسرعة. كان لا بد من قول شيء قبل أن ينفجر قلبي.
“هذا ليس خطؤكِ حتى تعتذري.”
حين هممت بالنهوض من الحوض، لامست يده خدي برقة.
ربما كانت حرارة الماء السبب، لكن يده بدت دافئة على نحو غير معتاد. كل نقطة تماس بيننا كانت تنبض بحرارة غريبة.
رفعت رأسي ببطء، والتقت عيناي بعينيه.
وفي زرقة عينيه، لاح بريق غامض… شعور لم أستطع تحديده.
ولم أدرك سوى متأخرة أن أنفاسه، التي اعتدت هدوءها، صارت أكثر عمقًا وحدة.
“فقط…
هذا مستفزّ للغاية.”
بصوت متقطع يتخلله النفس، أطلق ضحكة خافتة، ثم أمسك وجهي بلطف وطبع قبلة رقيقة على جبيني.
قبلة ودّ؟ لا، كان هناك شيء مختلف تمامًا…
انزلقت شفتاه من جبيني إلى طرف أنفي برقة مدهشة.
تجمدتُ في مكاني، عاجزة حتى عن التنفس. يده ثبتت كتفي بخفة وكأنه يخشى أن أبتعد.
ثم حطت قبلته التالية على وجنتي، تحمل معها دفء أنفاسه القريبة.
قلبي خفق بقوة من هذا القرب، من أثر تلك اللمسة.
حتى أنفاسي نسيتها. أغمضت عيني، وتمسكت بالمنشفة كمن يتمسك بتوازنه الأخير.
‘لا… لا بد أنه ينوي تقبيلي حقًا!’
شفتيّ ارتعشتا تحت وطأة الرطوبة والحرارة. وكل ما شعرت به هو احتراق وجنتي بلهيب قبلته.
نبضات قلبينا كانت قريبة، تكاد تتلامس… والتوتر بيننا أخذ بالتصاعد كأن الزمن توقف في تلك اللحظة.
“شوفيليا…”
صوته كان أعمق من المعتاد، وكلماته همست إلى أعماق أذني.
أمسك خديّ بكلتا يديه.
وفي اللحظة التي شعرت فيها بأنفاسه قريبة جدًا…
فاض الماء من الحوض فجأة.
ما الذي يحدث؟
كاردين أمسك بي من ظهري ورفعني من الماء.
فتحت عيني، فإذا به يشيح بنظره عني، حاملاً إياي بين ذراعيه كأميرة، خارج الحوض.
غطيت نفسي بسرعة بالمنشفة، لكن ساقي البيضاء لم أتمكن من إخفائها بالكامل.
الشيء الجيد الوحيد؟ كاردين لم ينظر.
كان يقاوم، يحاول بكل جهده ألا ينظر.
“كـ، كاردين؟”
“أعتذر… كدتُ أتجاوز حدودي.”
أي حدود هذه؟ لم أجرؤ على السؤال.
وضعني على أرض الحمّام بأمان، ثم استدار مغادرًا كفارس محترف.
“سأجلب لكِ ملابس. انتظريني هنا.”
“آه… نعم.”
سقطت على أرضية الحوض بلا طاقة.
كأن قلبي على وشك الانفجار.
“آه… ظننت أنني سأموت من شدة الخفقان.”
لا بد أن حرارة الحمّام هي السبب في احمرار وجهي هكذا.
وبينما كنت ألتقط أنفاسي، فُتح باب الحمّام قليلاً، ودخلت منه ملابس مطوية بعناية.
“ارتدي ملابسي مؤقتًا.”
“شكرًا… يا دوق.”
كانت قميصًا أبيضًا واسعًا وسروالًا بنيًا. وبما أنها ملابسه، وصل القميص حتى فخذي، والسروال كان يجر خلفي من طوله.
طويت أطراف البنطال عدة مرات، وربطت الحزام بإحكام.
لم أحتج إلى مرآة لأدرك… أنني أبدو كطفلة صغيرة تسرق ملابس والدها.
فتحت باب الحمّام بحذر، وتسللت إلى الخارج، مرورًا بغرفة الملابس، حتى دخلت غرفة النوم.
كان كاردين جالسًا على السرير، يحدق في الموقد المشتعل.
حين سمع خطواتي، نهض بتوتر، متخشبًا كدمية خشبية.
ما به؟ لماذا يبدو متوترًا بهذا الشكل؟
* * *
﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
- سُبحان الله .
- الحَمد لله .
- لا إله إلا الله .
- الله أكبر .
- لا حَول و لا قوة إلا بالله .
- سُبحان الله و بِحمده .
- سُبحان الله العَظيم .
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ.
-لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
-اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.
-يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك .
التعليقات لهذا الفصل " 62"