هل تقول إن الدوق الأعظم سيُشرف بنفسه على استحمامي؟!
كان أوين يحتسي كأس النبيذ بأناقة حينما قطع الصمت بصوته الهادئ:
“آه، لقد سمعت من المساعد… الآنسة يوديث ستصل إلى القلعة الشمالية قبل الموعد المتوقع. بعد يومين تحديدًا.”
“أهذا صحيح؟!”
سأل بيرك وقد اتسعت عيناه بدهشة، وسرعان ما انقلبت ملامحه من الاسترخاء إلى التوتر والقلق الشديد.
“هذا ليس وقت الاسترخاء! إنها حالة طوارئ. يجب عليّ إعادة الانضباط إلى الجنود والتحقق من حالة التدريب قبل أن تصل الآنسة يوديث.”
“قائدنا؟”
قال أوين بدهشة، لكن بيرك قاطع الحديث وهو يقفز من مقعده على عجل.
“هناك أمر طارئ. عليّ الانصراف فورًا. إلى اللقاء، شو شو.”
وغادر المطعم مسرعًا، تاركًا أوين وأنا نتبادل نظرات حائرة لا نفهم ما الذي يحدث.
“ما الذي يُقلق القائد بيرك هكذا؟ وكأن الآنسة يوديث تخيفه!”
أوين ارتشف النبيذ بابتسامة هادئة وقال:
“الآسة يوديث كانت مدربة بارعة، لدرجة أنها وصلت لمنصب نائب قائد الحامية الشمالية. من الطبيعي أن يشعر القائد بالضغط ويريد أن يكون مستعدًا تمامًا.”
“هممم… إذا كان حتى القائد بيرك يضطرب أمامها، فأنا حقًا متحمسة لمعرفة كيف هي شخصيتها.”
كنت أرتشف شراب البانشو وأشعر بنظرة أوين الثاقبة نحوي. عيناه الزرقاوان لم تكونا كالمعتاد — لم تحملان حنان الأخ الأكبر المعتاد، بل شيئًا غريبًا.
أغمض عينيه برقة، كمن يحاول إخفاء مشاعره. ثم ارتشف النبيذ ببطء، ومد يده ليداعب ذيلي بلطف.
“كنت أتمنى… لو أنكِ لم تعودي بشرًا.”
ما الذي يقصده؟ نظرت إليه بفضول.
“أشعر أنني سأبدأ بالطمع… طمعًا في امتلاككِ.”
نظرة أوين المتوهجة أربكتني بشدة، وفجأة شعرت بحرارة تتصاعد إلى وجهي، حتى شهقت بدهشة.
تراجعت لا إراديًا فصدمت بذَيْلي فنجان الشراب وسكبته بالكامل.
“كااااااه!”
“شو شو!”
انسكب شراب البانشو على جسدي، وبللني تمامًا. لم يكن ساخنًا، لكنه كان لزجًا ولاذع الرائحة.
“هل أنتِ بخير؟!”
سارع أوين بحمل جسدي المبلل، وقطرات الشراب تقطر من فرائي. صرت ثعلبة مبللة بالشراب بكل ما للكلمة من معنى.
نظرت إلى ما تبقى من الشراب على الأرض ودموعي تتساقط في قلبي.
آه… كان لذيذًا جدًا… وكنت أتناوله ببطء لأستمتع به أكثر…
وفجأة، امتدت يد قوية وأخذتني من بين ذراعي أوين.
“رائحة الخمر تزكم الأنف.”
كان كاردين يحدّق بي بانزعاج واضح، حاجباه معقودان.
شهقت مجددًا بدهشة.
“د-دوق كا… كاردين! هذا ليس نبيذ…!”
أردت أن أشرح له أنه ليس نبيذ بل بانشو، لكن رائحتي كانت كمن استحم بالعنب المخمّر. من الواضح أنني ثعلبة غرقت في النبيذ.
كانت نظراته حادة تنذر بانفجار قريب، فقررت أن أتصرّف كما يجب في مثل هذه الحالات…
سأتظاهر بالسكر التام!
بدأت في أداء تمثيلي بجدارة تستحق جائزة الأوسكار:
“كيااااه، دوق كااردين! أنت هنـــاااا؟”
أدرت نفسي في مكاني ببطء وكأنني لا أستطيع التوازن، ثم رميت بنفسي بين ذراعيه العريضتين.
سمعت تنهيدة ثقيلة عند أذني.
“هاه، والآن حتى ثعلبة سكرى عليّ أن أعتني بها. شو شو، لماذا سكبتِ الشراب على نفسك؟”
أخرج منديلاً ولفّني به.
“فراؤكِ أصبح فوضى تامة. عليّ أن أغسلك فورًا.”
وبينما كان يهم بحملي للخروج، وقف أوين في وجهه.
“الخطأ خطئي. لم أعتنِ بها جيدًا. اسمح لي بأن أُحممها.”
“شو شو هي شريكتي. لا علاقة لك بالأمر.”
كانت نبرة كاردين باردة صارمة، وإذا قال أوين شيئًا آخر، لحدث انفجار حتمي.
تجمّدت الأجواء، نظراتهما اشتعلت مواجهة.
ما هذا التوتر المفاجئ؟ ألم يكونا صديقين؟
يا إلهي، سيتعاركان فقط بسبب موضوع استحمامي؟
سينتهي بهما الأمر بالتحديق حتى يغمى عليهما!
صرخت وأنا أرفرف بذراعيّ:
“هل تتشاجران مجددًا؟! هذه المرة سأجعلكما تتعانقان قسرًا! أقسم!”
وكما هو متوقع، صدق التهديد الصادر من القلب.
تحوّل توترهما فورًا إلى تصنع الود.
“بصراحة… لطالما كنت أكنّ احترامًا عظيمًا للقائد.”
“كان هناك سوء تفاهم. السير أوين فارس مخلص لي.”
نظرت إليهما بابتسامة عريضة.
“أرأيتما؟ أنتما لطيفان جدًا! أحسنتم!”
لوّحت إلى أوين فأومأ برأسه بخضوع وكأنه أعلن استسلامه.
ربّتّ على رأسه برفق، ثم أشرت إلى كاردين:
“وأنت أيضًا، دوق!”
تجهم وجه كاردين قليلًا.
“أنا أيضًا؟”
“بالطبع!”
لوّحت بذَيْلي بنعومة، فتنهّد بخفة وانحنى برأسه قليلًا، فانتهزت الفرصة وربتّ على شعره الكثيف الناعم.
رأى أوين هذا المشهد فأمال رأسه يائسًا.
“شو شو… من المستحيل الانتصار أمامكِ. سموّ القائد، أستأذن بالانصراف.”
ألقى تحية مهذبة وغادر بهدوء.
أما كاردين، فحملني وهمّ بالخروج.
“لنعد إلى القصر، شو شو.”
“لحظة! أريد أن أحمل هديتي!”
قفزت من بين ذراعيه ووضعت دبوس الشعر في فمي.
ضاقت عيناه قليلًا.
“من أهداه إليكِ؟”
“أوين! أليس جميلًا؟”
هززت ذيلي بفخر، وكأني أتفاخر بالغنيمة.
بدت ملامح كاردين مشوشة، وكأنه لم يكن يتوقع ذلك.
“أتحبين
الحلي والمجوهرات؟”
“طبعًا! إنها جميلة!”
“أرى أنني كنت مخطئًا… ظننت أنكِ تهتمين فقط بالطعام.”
“كااااه! هل تقول إنني أكولة؟!”
اعترضت غاضبة، لكن شكلي المبلل أضعف حجتي.
ابتسم كاردين وربّت على رأسي.
“لا تغضبي. سأحضر لكِ غدًا خياطًا وصائغًا. اختاري ما تشائين من فساتين ومجوهرات حين تكونين على هيئة بشرية.”
“لا داعي لذلك.”
“أم أنكِ تنوين سرقة ملابسي في كل مرة تتحولين؟”
أوه… لا تعليق.
فرانز والولفيس يمكنهم خلق ملابسهم من فرائهم، لكن أنا…
“ولا ترتدي ذلك الدبوس مجددًا. لا يليق بكِ.”
“لا! إنه هدية من أوين! لم أرتده حتى الآن!”
أمسكت بالدبوس بقوة أمامي.
لماذا يتصرف بغرابة؟ يا له من رجل معقد!
اقترب كاردين من وجهي ومسح بقعة الشراب عن خدي.
ثم انحنى قليلًا وهمس عند أذني بصوته العميق:
“لا أحب أن ترتدي رفيقتي زينة أهداها لها رجل آخر.”
تجمد لساني في فمي. لم أرد.
لماذا أشعر بدقات قلبي تتسارع بعد هذه الجملة؟
عدنا إلى القصر، وقبل أن يدخلني إلى غرفتي، قفزت من بين ذراعيه.
“أين بيتي؟ أحتاجها!”
“لماذا تبحثين عنها؟”
“لأستحم! أنا مبللة تمامًا!”
“دعيني أتولى أمر حمامكِ.”
انتفش فرائي فجأة من شدة الصدمة.
“كاااااه! مستحيل! لا أريد!!!”
لكن كاردين، بكل هدوء، خلع سترته الرسمية وعلّقها بعناية.
ثم فك أزرار كميه وبدأ بطيّهما بإتقان.
ظهرت عضلات ذراعيه البرونزيتين بوضوح.
وحين بدأ بخلع حذائه ورفع طرف سرواله…
أغمضت عيني من هول الموقف.
يا إلهي… لماذا يبدو جادًا جدًا بشأن الاستحمام؟!
التعليقات لهذا الفصل " 61"