الفصل 58: يا للروعة… إنّه لطيف جدًا!
“كياااه؟ بيتي؟”
ما إن التقت عيناي بعيني بيتي المتألقتين ببريق غريب حتى ارتجف جسدي لا إراديًا.
هناك شيء مريب… من الأفضل ألا ألعب بالدمى أمام بيتي بعد الآن.
لكن، من باب التقدير لاهتمامها، قررت أن أحمل دمية الأرنب في فمي لبعض الوقت.
وفي طريقي إلى ساحة التدريب، والدمية تتدلّى من فمي، التقيت بالقائد بيرك.
“أوه، شوشو! ما قصة دمية الأرنب هذه؟”
“آه، بيتي هي من…”
وقبل أن أُكمل حديثي، ضحك بيرك ضحكة جهورية وقال:
“أها! فهمت، هل تمارسين الصيد مستخدمة دمية الأرنب؟”
“كياون؟ لا، إنها مجرد دمية…”
لكن بيرك، بطبعه المتسرع، خطف دمية الأرنب مني وألقاها إلى ما وراء ساحة التدريب.
“هيا، اذهبي وأحضريها! تمرين ممتاز لتنمية الرشاقة. سيفيدك لاحقًا في صيد الأرانب البرية.”
“كياااه؟! أنا؟!”
أنا لست كلبًا، بل ثعلبة! ثم، هل يُعقل أن أتمرن على صيد الأرانب باستخدام دمية أرنب؟! إنه تحطيم لبراءة الطفولة!
“هاها، هيا جربي. يمكنكِ فعلها.”
ابتسم بيرك مشجعًا، وأنا استسلمت للأمر. ركضت وأحضرت دمية الأرنب بفمي.
هزّ بيرك يده بابتسامة راضية.
“أحسنتِ. أما أنا فعليّ تدريب الجنود. استمتعي مع دمية الأرنب.”
وقفت مذهولة أراقبه يبتعد، والدمية لا تزال في فمي.
“شوشو، ماذا تفعلين هنا؟”
استدرت فوجدت “رون” يقف خلفي.
شعره الأحمر بدا أشعثًا كعش الطيور، ووجهه شاحب، وكأنه مرهق جدًا من البحث مؤخراً.
ومع ذلك، ابتسم بلطف عندما رآني. يا إلهي، كم يبدو مرهقًا… مسكين.
“هل هذه دمية أرنب؟ لطيفة جدًا. ولكن شوشو وهي تحملها تبدو ألطف!”
“بيتي صنعتها لي كي تكون صديقتي.”
“صديقة؟ هل أطلقتِ عليها اسمًا؟”
“آه؟ لا… لم أفكر بذلك…”
أنا بالغة في نهاية الأمر. أن أُطلق اسمًا على دمية أرنب؟ أليس هذا مبالغًا فيه؟
رون فكّر قليلًا وهو يضع يده على ذقنه، ثم نقر بإصبعه قائلًا:
“ماذا عن ‘توتو’؟ شوشو وتوتو! أليست تركيبة رائعة؟”
“كياون؟ فعلاً… يبدو لطيفًا.”
نظر إليّ طويلًا، ثم أخرج شريطًا من عند خصره.
“لابد أن حمل الدمية بفمك متعب، أليس كذلك؟ سأربطها لك على ظهرك، سيكون الأمر أسهل.”
رفع رون دمية الأرنب ووضعها بلطف على ظهري، ثم ربطها بإتقان.
رغم خفتها لأنها محشوة بالقطن، لكن ثعلبة تحمل دمية أرنب على ظهرها؟! هذا مربك!
وقفت مكشرة قليلاً منزعجة، بينما رون، البعيد عن استيعاب الموقف، شعّ بالفرح.
“واو! شوشو تبدين مذهلة. وكأن دميةً تحمل دمية أخرى! لطيفة جدًا… أتمنى أن أرسم هذه اللحظة وأخلّدها للأبد!”
لا، لا وألف لا! لا أريد أن يُخلَّد هذا المشهد! تخيلي أن يُعرض في متحف بعد مئات السنين… سأعيش في خزي أبدي.
ارتجفت من هذا التصوّر الرهيب وتراجعت بخطوات مرتبكة.
“رون، سأذهب الآن.”
“آه؟ بالفعل؟ لماذا لا نشرب الشاي سويًا؟ وبالمناسبة، يمكننا استدعاء رسّام ليرسم هذه اللحظة!”
“آه! الطباخ قال إنه سيعطيني لحمًا مجففًا جديدًا! عليّ الذهاب!”
“آه، حسنًا… شوشو، إلى اللقاء.”
لوّح لي بإخلاص، وأنا تنهدت وسرت عبر الممرات ببطء. حسنًا، الكذب للهرب كان تصرفًا سليمًا.
كانت أرجل دمية الأرنب طويلة، تجرّ على الأرض خلفي.
آه، دمية مزعجة على عدة مستويات… تشبه فرانز كثيرًا.
“يا إلهي، آنسة شوشو! ما هذه الدمية؟”
اقتربت مني الخادمات، يحملن أكوامًا من المناشف، وبدأن بالتحية بحماسة.
ما إن رأينني حتى بدأن بالصراخ من فرط اللطافة، وبدأت واحدة تلو الأخرى تربت على رأسي، أو تُخرج بسكويتًا مخفيًا في مئزرها وتضعه في فمي.
“يا له من منظر! آنسة شوشو تبدين رائعة مع دمية الأرنب.”
“صديقة لطيفة اكتسبتها! كوني لطيفة معها، حسناً؟”
الكل يظن أن دمية الأرنب صديقتي الحقيقية! إلى متى سأستمر بالتمثيل؟
يعتقد الجميع أني حزينة بعد مغادرة فرانز… شكرًا لنيّتهم الطيبة، لكنني بخير الآن، حقًا.
تنهدت وأنا ألف في ساحة التدريب، وإذا بدمية توتو تنزلق عن ظهري.
كانت الأرض موحلة، وقد تتسخ الدمية. أسرعت وأمسكت قدم توتو بأسناني، وفجأة…
شعرت بشيء يتفجّر بداخلي، وكأن غريزة الصيد الكامنة في أعماقي قد استيقظت!
لا… لا يجوز… يجب أن أتوقف، لكن لا أستطيع!
“كاااااه!”
قمت بسحب قدم الدمية الصغيرة بأنيابي، وانقضضت عليها قافزة في الهواء.
عضضت أذنيها الطويلتين، وتدحرجت معها وأنا أزمجر بحماسة!
يا إلهي… هذا ممتع جدًا! كل ضغوطي النفسية تتلاشى! أشعر بسعادة لا توصف!
وبينما كنت أعضّ وأمزّق، مرّت صورة بيتي في ذهني كوميض.
بيتي التي سهرت طوال الليل تخيط هذه الدمية، وتتأذى من وخز الإبر…
آه… آسفة يا بيتي. يبدو أنني لا أستطيع الهروب من طبيعتي كـ ثعلبة.
“كروووه! كااانغ! كروووه!”
كنت أدور وأعضّ وأصرخ بحماس، حتى غطى ظلي ظلّ أسود طويل خلفي.
“شوشو، ماذا تفعلين؟”
كان كاردن يقف هناك، عباءته السوداء تتمايل، ونظراته ثاقبة.
يرتدي زيه الداكن المطرّز بخيوط ذهبية، وقد صفّف شعره للخلف
بانضباط.
عيناه الطويلتان، أنفه الحاد، وذقنه القوي المشدود…
لم أكن قد تأملت وجهه منذ مدة… للأسف، يجب أن أعترف، إنه وسيم جدًا.
تأملني بعينيه الداكنتين وكأنه يحاول فهم ما يرى.
“شوشو… تلعبين بخشونة مع دمية. هل كنتِ دائمًا تحبين الدمى؟”
“ه… هذه دمية تعلق… تعني لي الكثير.”
“دمية تعلق؟”
“بيتي صنعتها لي… لأنها ظنّت أنني أشعر بالوحدة… الجميع مشغول هذه الأيام…”
“أعتذر. لقد كنت مشغولًا ولم أستطع قضاء وقت معكِ.”
مدّ يده كعادته ليحتضنني، لكنه توقف فجأة.
رفعت نظري إليه، ويده بقيت معلّقة في الهواء، ثم هبطت بخفة على رأسي ليربت عليّ بلطف.
لقد تغيّر. سابقًا كان يضمّني بلا تردد، يمسح على ظهري.
ضيّقت عينَي وحدّقت به. حينها، ظهر “مايلد” مسرعًا.
“سيدي الدوق، ها أنت هنا! لديّ تقرير عاجل!”
“فهمت. سآتي حالًا.”
تردد كاردين قليلًا، وكأنه يريد قول شيء، ثم أخرج من جيبه كيسًا صغيرًا.
من داخله، أخرج لحمًا مجففًا.
قائد عسكري يحمل اللحم المجفف في جيبه؟ هل احتفظ به لأجلي؟
“شوشو، هذه هدية. أراكِ لاحقًا.”
وضعه في فمي وغادر.
شاهدته وهو يبتعد. فجأة، شعرت بالغضب يشتعل في داخلي.
ما هذا؟! ما زال يعاملني كحيوان أليف. حتى بعدما نجحت في التجسّد البشري؟! لم يتغير شيء!
عضضت اللحم المجفف بأسناني، غاضبة. رغم كل شيء… كان طعمه شهيًا للغاية.
في تلك الليلة، استحممت ونمت ملفوفة في سلّتي، محتضنة دمية توتو.
كنت أشعر ببعض الذنب بعدما مزّقت الدمية نهارًا.
لكن ملمسها الناعم والدافئ… كان يريح قلبي بشكل غريب.
وفي خضم النوم، سمعت صوت خشخشة.
ما هذا؟
انتبهت، ونصبت أذنيّ، نظرت نحو الباب، فرأيت ضوءًا خافتًا يتسلل من تحته.
هل عاد كاردين إلى مكتبه؟
تسللت كالقطة نحو مصدر الضوء.
وبينما أنظر من فتحة الباب، رأيت ظهر كاردين العريض، جالسًا على الأرض.
كان منحنيًا، وكتفاه يتحركان بخفة.
ماذا يفعل في هذا الوقت من الليل؟ يأكل شيئًا دوني؟ مستحيل.
اقتربت أكثر، أراقبه بحذر.
كان يُمسك بإبرة رفيعة بين أصابعه الكبيرة… ويخيط قماشة.
كان يتصبب عرقًا من شدة التركيز.
ما الذي…
يا إلهي! إنه يخيط دمية! لا… إنها دمية تشبهني!
صُدمت، ثم تجمّدت في مكاني.
هل رآني؟!
أسرعت إلى غرفتي، ودخلت في سلّتي، قلبي يخفق بجنون.
لففت ذيلي واحتضنت توتو بقوة. لم أستطع منع الابتسامة من الظهور.
تخيط دمية صغيرة من أجلي بيديك الكبيرتين؟! يا للروعة…
يا إلهي… هذا خطر… إنه يزداد لطافة يومًا بعد يوم…
في صباح اليوم التالي، ذهبت إلى غرفة كاردين، وكان سريره مرتّبًا بدقة.
“ذهب إلى العمل باكرًا كالعادة…”
رغم أنه كان يخيط طوال الليل، إلا أنه لم يبدو عليه التعب؟
تساءلت عن مدى تقدمه في صناعة الدمية، لكني قررت التظاهر بعدم معرفتي.
إنه على الأرجح يعدّ مفاجأة لي، لذا من الأدب أن لا أتدخل.
وبعد أن تجهزت بمعونة بيتي وتناولت فطوري، خرجت من الغرفة.
وهناك، كانت مجموعة من الخادمات مصطفات بانتظاري.
“صباح الخير، آنسة شوشو!”
“صباح النور! لكن، ما الخطب؟ ما الذي يجري منذ هذا الصباح الباكر؟”
التعليقات لهذا الفصل " 58"