كنت أختبئ خلف صندوق، أكتم شهقات البكاء التي أوشكت على الانفجار. فرانز، الذي استعاد هيئته البشرية، كان يحدّق في الفراغ بعينين خاليتين من أي روح، كأنما تحوّل إلى دمية بلا حياة.
هل هو بخير؟
بدا كدمية فقدت روحها.
أمسك الساحر العجوز بذقن فرانتس وراح يتفحص وجهه من كل زاوية، قبل أن ترتسم على محياه ابتسامة رضا.
“لقد نجحنا في تحويله إلى إنسان بنجاحٍ تام.”
ثم صرخ باتجاه الخارج:
“أيها الخدم! جهّزوا ذلك الثعلب المتحول!”
دخلت الخادمتان، بوجوه خالية من المشاعر، تحملان حقائب الزينة. راحتا تلبسان فرانتس الملابس وتضعان له مساحيق التجميل، فيما هو جالسٌ بلا حراك، كمجسمٍ صامت.
لا بد أن هناك شيئًا في العقار الذي حقنه به ذلك الساحر… حالته خطيرة.
لم أستطع التفكير في أي طريقة لإنقاذ فرانتس والهرب معًا، مهما حاولت. كل شيء بدا مسدودًا، وقلبي يحترق ببطء.
هل سيتمكن الدوق كاردين وجنود الحامية الحدودية من العثور علينا؟
في تلك الأثناء، كان تجهيز فران زقد انتهى.
كان أشبه بدمية خزفية مذهلة الجمال. ارتدى سترة فاخرة بيضاء مزينة بالدانتيل، وعباءة أرجوانية فاخرة، وسروالًا جلدياً يليق بنبلاء القصور. وُضِع على وجنتيه اللون الوردي ليخفي بهتانه، وطُليت شفاهه بأحمر شفاه وردي، أما شعره الأشعث فقد سُرح بعناية متقنة.
بينما كانت الخادمتان تغادران لتبلغا بالتجهيز، تسللتُ خلسةً داخل عباءته.
تعلّقت على كتف فرانز، أخفيت جسدي جيدًا بين طيات العباءة. لحسن الحظ، كانت واسعة بما يكفي.
دخل أتباع تاجر العبيد فجذبوا السلاسل التي تُقيد عنق فرانتس.
“هيا، تحرك بهدوء أيها الحيوان.”
فرانز، بعينيه الخاويتين، أطاعهم دون مقاومة، يتمايل في خطواته.
لا يمكن أن أتركه يُعرض في المزاد، لا بد من طريقة للهروب…
كنت أتعلق بيأس على كتفه، أراقب ما حولي.
اقتادوه عبر ممرٍ ضيقٍ حتى وصلوا إلى بابٍ فتحوه، لنجد أنفسنا أمام ستارة حمراء سميكة، ينبعث من خلفها ضوءٌ خافت. بدا واضحًا أنها كانت تفصلنا عن ساحة المزاد.
الغرفة كانت مظلمة، تشبه غرفة انتظار خلف المسرح. في الزاوية المهملة وُجدت أقفاص حديدية فارغة، والسلاسل مبعثرة على الأرض. رأيت بقايا دماء، وخصلاً من فراء عالقة بالقيد، فاشتعلت نيران الغضب في صدري.
كيف تجرؤون؟ هؤلاء الأرواح الحية تُعاملونهم بهذه القسوة؟!
في تلك اللحظة، دق جرس ثلاث مرات — إشارة بدء المزاد.
ومن بين فتحات الستارة، رأيت تاجر العبيد يعتلي خشبة المسرح، ثم ينحني نحو الجمهور قائلاً:
“شكراً لكم، أيها السادة والسيدات، لتكريمكم مزاد اليوم بحضوركم.”
قالها بصوتٍ متحمس، يشوبه الزهو، ما جعل غضبي يتجدد أكثر فأكثر.
“استدعيتكم على عجل لأنني حصلت على كنزٍ نادر — ثعلبٌ متحولٌ من الدرجة الأولى. ما ترونه اليوم ليس إلا معجزة.”
بدأ الهمس يعلو في القاعة:
“حقًا؟ ألم تنقرض الثعالب المتحولة؟”
“سمعتُ أنها تعيش في الشمال، لكنه مليء بالوحوش، لا بد أن صيده كان شبه مستحيل!”
صاح تاجر العبيد مبتهجًا:
“خاطرنا بحياتنا لنحضره لكم. ثعلبٌ بفراءٍ فضي نادر… إنه استثمارٌ لن تندموا عليه أبداً.”
ثم صفق بيديه إشارة إلى معاونيه.
شدّ أحدهم السلسلة التي كانت تُقيد عنق فرانتس.
“تحرّك أيها الحيوان، بسرعة!”
تمنيت لو استطعت كسر معصمه. لا يمكن أن أسمح لفرانتس بأن يُعرض كسلعة.
فرانز… أرجوك، استفق!
همست برجاءٍ بينما كنت معلّقةً على كتفه، لكنه لم يظهر أيّ استجابة.
أُزيحت الستارة الحمراء ببطء، ليظهر أمامنا مسرحٌ فخم، يُشبه دار أوبرا صغيرة، مزينة بالثريات والذهب.
الجمهور كان يجلس في مقاعده مرتديًا الأقنعة، وكأن المزاد يُدار في سرية تامة. أغلبهم كانوا نبلاء بلباس فاخر، والعدد بالعشرات.
فرانز وقف في منتصف الخشبة، يترنح كدميةٍ مربوطة بالخيوط. كانت عيناه فارغتين تمامًا، وكأنه جسد بلا روح، يتلألأ تحت أضواء الشاندلييه.
ثم بدأت همسات الدهشة تتصاعد:
“يا له من جمال نادر!”
“هل هو الثعلب الفضي الأسطوري؟”
“انظروا إلى شعره اللامع… مهما كان الثمن، سأفوز به.”
من خلف أقنعتهم، كانت عيونهم تلمع بجشعٍ مقزز.
كتمت صرخة غيظٍ في حلقي. أيها الحثالة، أنتم لا تستحقون حتى لفظ البشر!
حينها، دوّى صوت باردٌ متعالٍ من قلب القاعة:
“سأتفحصه بنفسي.”
رجلٌ ذو قناعٍ أسود وقف من مقعده. كان يرتدي زيًا أسود قاتمًا، ووجهه مغطى بالكامل. لكن الغريب أنه… لم ينبعث منه أي رائحة.
هذا مستحيل… لا حيوان ولا إنسان يمكن ألا يكون له رائحة.
صعد إلى الخشبة، وخلفه حارسان مقنّعان. تاجر العبيد انحنى باحترام وهو يرحب به:
“بالطبع، يمكنك معاينته عن قرب.”
توقف صاحب القناع الأسود أمام فرانز، وابتسامة خبيثة تشق شفتيه. راح يتفحصه بنظرةٍ غامضة، وأنا أكتم أنفاسي، مختبئة بين طيات العباءة.
لكن فجأة… امتدت يده داخل العباءة — وأمسكني.
صرخت لا إراديًا من شدّة الألم:
“كياااه!!”
تلاقت أعيننا. من خلف القناع، تلألأت عيناه الذهبية المفترسة.
أمسك بمؤخرة عنقي، ورفعني أمام تاجر العبيد. كنت أضرب بقدميّ الهواء محاولة الفرار.
“كيااا! كيييك! (دعني، أيها الوغد!)”
“هل هذه… جرْو ثعلب؟”
“ماذا يفعل هنا؟! عذرًا، سيدي، لم نكن نعلم— سنُبعده فورًا!”
لكن القناع الأسود ابتسم بخبث.
“بل هذا أفضل. أعطوه جرعة التحويل إلى الإنسان.”
“… ماذا؟!”
“أريد أن أرى بعيني كيف يتحوّل المتحولون.”
ما الذي تقوله، أيها المجنون؟!
صرخت وضربته، وعضضت قفازه الجلدي، لكن دون جدوى.
ابتسم وقال:
“هاه، عنيفة وصغيرة… أعجبتني.”
“كياااااااااه!!!”
أطلقت صوتًا ثعلبيًا متعمدًا، في محاولة لإخفاء قدرتي على التحدث… لكن الأوان كان قد فات.
رفست بقدمي، صرخت:
“اتركني، أيها المجنون!”
سقطت الكلمة، وأدركت الكارثة.
“كما توقعت… إنها متحولة ناطقة.”
ارتسمت على فمه ابتسامة انتصار، وأنا أصيح بأعلى صوتي:
“أيها الأوغاد! لن أدعكم تنجحون!”
أطلقت عاصفة من الجليد من طرف ذيلي، لتضرب القناع الأسود.
نجحت!!
لكن حارسه ظهر كوميض برق، وتصدّى للعاصفة بسيفٍ يلمع بهالةٍ زرقاء — ذاب الجليد قبل أن يمسّه.
حاولت الهجوم مجددًا، لكن القناع الأسود قبض على ذيلي بقوة.
“كياااااه!! أوجعني!!”
صرخة خرجت رغماً عني. الألم فاق احتمالي. حينها، وقف الساحر العجوز أمامي وهو يحمل زجاجة… نفس الزجاجة التي أعطاها لفرانز.
لا… لاااا!
* * *
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 50"
متشوقة حتى اعرف اذا الجرعة تگدر اتحولها لانسانة