عندما رأيت ردّة فعل فرانز الوقحة، غلي الدم في عروقي. ألستَ أنت من في مأزق؟ كيف تتجرأ وتتصرف وكأنك صاحب حق؟
“كيااانغ! جئت لأنقذك، وترد الجميل بالصراخ؟!”
رفعتُ ذيلي وصرخت عليه مهددة، محاكية نفير الثعالب الغاضبة.
فرانز استدار فجأة وحدّق بي. كانت عيناه الفضيتان ترتجفان كأنهما على وشك الانكسار.
“تقولين إنكِ تساعدينني؟ أنتِ في خطر بسببي!”
كان صوته غاضبًا، لكنه ارتجف بخوف حاول عبثًا أن يخفيه. نظرت إليه، وقد انكمش جسده كمن يخشى أن يتسبب بالأذى لغيره، فأحسست بقلبي يضيق.
هو حقًا خائف. خائف أن أُصاب بمكروه بسببه.
رفعتُ كفي الأمامية وربتّ على خده بلطف، ثم ابتسمت له مطمئنة.
“لا تقلق يا فرانز. لن أتهور. فقط ثق بي.”
“أنتِ…!”
ارتبك فرانز وحاول الرد، لكنه سرعان ما عض على شفتيه والتزم الصمت.
مهما بدا صغيرًا مظهري الآن، إلا أن روحي ناضجة. في الواقع، أنا أكبر منك، يا فتى.
“علينا أن نفكر الآن بكيفية الهروب. إلى أين يأخذنا هؤلاء التجار؟”
رمق فرانز النافذة الصغيرة في العربة، وكان الليل قد بدأ يسدل ستاره على الأفق.
“سيأخذوننا إلى مزاد المستذئبين.”
“مزاد للمستذئبين؟! أليس هذا محظورًا قانونيًا في الإمبراطورية؟”
“بلى، هو كذلك. لكن هناك تجار عبيد يعملون في الخفاء، يختطفون المستذئبين ويبيعونهم.”
“يا للفظاعة… كيف يمكنهم ارتكاب مثل هذا الفعل البشع؟”
لم أصدق أذني. فقط لأنهم ليسوا من البشر، لأنهم مختلفون عنهم، يتم استعبادهم؟
غصَّ صوتي من الغضب والأسى المتداخلين.
أجابني فرانز وكأنه يروي قصة تخص غيره:
“قدراتنا الخاصة وندرتنا تجعلنا سلعة ثمينة في نظر البشر. لذلك نحاول جاهدين الحفاظ على مظهرنا البشري. نخفي هويتنا ككائنات متحولة.”
“آه…”
“بمجرد أن نتحول إلى بشر، لا نعود إلى شكلنا الأصلي إلا لأسباب اضطرارية. نعيش مندمجين في المجتمع البشري لنخدعهم. هذا هو السبيل الوحيد لنتفادى أن نصبح عبيدًا.”
“مستحيل…”
اتضح لي حينها أن تحوُّل قبيلة وولفِس إلى بشر، لم يكن رغبةً في التشبّه بالبشر، بل كان وسيلة للبقاء.
أن تُجبر على التخلي عن شكلِك الأصلي لتنجو… أن تضطر لأن تعيش كعدوّك كي لا تفترسك الحياة… كان ذلك مؤلمًا ومهينًا.
أظهَر فرانز أنيابه الفضية، وعيناه اللامعتان اغرورقتا بالدموع، يقطر منهما خليط من الغضب والمرارة.
“شوشو، تظاهري بأنكِ مجرد ثعلب عادي. هؤلاء الأوغاد لا يبيعون إلا المتحولين الذين تحولوا إلى بشر. سأشتت انتباههم، وأنتِ اهربي من بين أيديهم.”
هززت رأسي رفضًا، وسالت دموعي بلا توقف.
“لا. سأهرب معك.”
“لا تكوني عنيدة كالأطفال! لقد كشفوا أمري بالفعل. وإذا وقعتِ بأيديهم فلن تفلتي.”
صرخ في وجهي غاضبًا، فحاولت تهدئته سريعًا.
“انتظر لحظة! هناك تعويذة تتبع سحرية عليّ! أنا متأكدة أن الدوق سيأتي لإنقاذي!”
“ذلك الإنسان وضع عليكِ تعويذة تتبع؟ كم هو مريب! لكن هل تظنين أنه سيتمكن من إيجادك بتلك السهولة؟”
سخر مني، لكنني لم أتزحزح قيد أنملة.
“أنا أثق بالدوق. سيأتي حتمًا لإنقاذي.”
“وكأنكِ أميرة تنتظر فارسًا على جواد أبيض! لا تنسي أنك مجرد ثعلبة صغيرة.”
ربّت على رأسي بكفه الصغيرة بسخرية، وكأنني طفلة غافلة.
“هل هذا وقت التفاخر؟ كنت تتفاخر طوال الوقت، والآن وقعت في قبضة تجار العبيد! أحسنت!”
أخرجت لساني لأغيظه، فوقف منتصبًا بغضب.
في تلك اللحظة، اهتزت العربة بشدة. وفي لمحة، لفّ فرانز ذيله حولي وضمني إلى صدره.
خارج العربة، سُمعت أصوات الخيول تصهل، وهمهمات الرجال. همستُ بخفوت:
“هل وصلنا؟”
“اصمتي. ومهما حدث، لا تخرجي من ذيلي.”
ثم فُتح باب العربة. تمتم فرانز وسقط متصنعًا الإغماء.
غمرت العربة المظلمة أشعة المصابيح التي حملها التجار. اختبأتُ داخل ذيله وراقبتُ بصمت.
خلفهم ظهر قصرٌ عتيق تنبعث منه هالة مشؤومة. بدا كأنه منزل مهجور من الخارج، لكن ما لفت انتباهي كان عدد العربات الفخمة المتوقفة أمامه — عربات لا يركبها إلا النبلاء.
نبلاء في هذا المكان؟ هل هذا هو المزاد السري المحظور؟
اقترب أحد التجار من فرانز ورفس ساقه بعصاه المزينة.
“هاع، ما زال فاقدًا للوعي؟ كم هو ضعيف. هل هو حقًا مستذئب؟”
سأله مساعده الواقف بقربه:
“بلى، رأيته بنفسي يتحول في غابة البتولا.”
مرّر التاجر يده فوق لحيته القصيرة وضحك ضحكة خبيثة.
“لا بأس، سنتأكد عند إخضاعه للتحول البشري. أسرعوا، علينا تحويله قبل بدء المزاد!”
“أمرٌ مطاع!”
تحويل قسري؟ هل يمكن ذلك؟ لم أفهم ما يقصدونه.
تقدم الحُرّاس عضليو الأجسام نحو فرانز لإمساكه. لكن قبل أن يلمسوه، انقض فرانز كالسهم.
قفز فرانز عاليًا، وسرعان ما هاجمه العشرات بالسياط والعصي.
“أمسكوا به!”
“لا تدعوه يفلت!”
لكن بينما كان يهمّ بالفرار…
فوووش! سمعنا صفير السوط.
“آهغ!”
ارتطم السوط بجسده، وسقط مترنحًا.
ثم تبعه سوط آخر وآخر…
“حيوان وقح، تجرؤ على الهرب؟!”
زمجر التاجر، وراح يجلد فرانز بقسوة. الجلد تمزق، والفراء الأبيض تلون بالدم القاني.
“كفااااااااا!”
كنت على وشك الاندفاع نحوه، لكن ذيله التفَّ حولي أكثر ليمنعني.
رغم الألم الذي يعتصر جسده، لم يتخلَ عني.
توسلت عيناه لي ألا أتحرك. ألّا أخرج.
انفجرتُ باكية. بينما هو يئنّ ويتلوى، متحملًا الجلد دون أن يتزحزح.
كم آلمني عجزي عن معالجته، عن حمايته.
نظرتُ نحو التاجر بنظرةٍ مملوءة بالكراهية.
سوف أدفعك ثمن كل هذا، أيها الوغد.
غضب التاجر أخيرًا وألقى بالسوط أرضًا.
“خذوا هذا الوحش إلى المخزن حالًا. احقنوه بعقار التحول البشري فورًا. المزاد على وشك أن يبدأ، لا وقت للمماطلة!”
امتثل الحُرّاس وسحبوا فرانز إلى باب خلفي، مرورًا بممر مظلم بالكاد أضاءته مصابيح خافتة. ثم ألقوه داخل مستودع كريه الرائحة.
“فرانز، هل تسمعني؟ هل أنت بخير؟”
هززته، لكنه لم يفتح عينيه.
وفجأة، سُمعت خطوات تقترب من الباب. فبحثت عن مكان للاختباء، واندفعت خلف صندوق خشبي قديم.
دخل رجل مسن يرتدي زي الساحر. حدّق في جراح فرانز وتنهد.
“حتى مع سحر العلاج، لن تختفي هذه الندوب. مزعج للغاية.”
لوّح بيده، فظهر دائرة سحرية تشع ضوءًا خافتًا، تسللت إلى ظهر فرانز. في لحظات، اختفى الدم، وشُفيت جروحه الظاهرة.
ثم أخرج الساحر زجاجة تحتوي على سائل أرجواني لامع.
ما هذا العقار المشؤوم؟
فتح الزجاجة، وأجبر فرانز على ابتلاع السائل رغماً عنه.
“كياااااانغ!!”
صرخ فرانز وهو يتلوى. صدر صوت طقطقةٍ مرعب مع تحوّل هيكله العظمي.
طقطق طقطق!
اختفى الفراء الأبيض تدريجياً، وحلّ محله شعر فضي بشري. جلده صار أملسًا، وبدأت ملامحه تتغير.
ثم، وبكل هدوء… أصبح فرانز شابًا كاملًا.
وقفت أرمق المشهد بذهول.
كيف يمكن للتحوُّل البشري أن يحدث دون إرادته؟… فقط عبر عقار؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 49"