الكتفان العريضان، اللذان طالما بديا رمزًا للقوة والعظمة، كانا اليوم منحنِيَين، كأنهما مثقلان بما لا يُحتمل.
جلس بيرك أمام الدوق “كاردن” وابتسم ضاحكًا، وقال بنبرة صاخبة:
“منظر “شوشو” وهي تلعب بحرية مع بني جنسها مبهج… تبدو مرتاحة وسعيدة. أعتقد أنّ الوقت قد حان لنُعيدها إلى الطبيعة. لقد كبرت جيدًا… هاهاها.”
رغم محبته لروح بيرك المرحة، كان “رون” يعلم أن افتقاده للبديهة هو أكبر عيوبه.
ولم يخِب ظنه، إذ سرعان ما رمقه الدوق “كاردن” بنظرة باردة حادة كالثلج.
“آه… عذرًا، دوقي المحترم!”
هبّ بيرك من مكانه مرتبكًا، وغادر المائدة متوجهًا إلى مكان آخر ليتناول طعامه بهدوء.
أدار “كاردن” وجهه نحو النافذة، وأخذ يحدّق في البعيد، يحتسي قهوته بصمت.
فكر “رون” أن نظراته تلك كانت… حزينة، بل ومكسورة على نحو يصعب وصفه.
قال أحدهم بهمس:
“يبدو أن الدوق يشعر بالوحدة… هل تراه يفتقد “شوشو”؟”
“ليس مستغربًا… منذ أن بدأت تدريبها، لم تعد تزوره في مكتبه، ولا حتى تنام في غرفته.”
“لا بد أنه يشعر بالخذلان.”
تأمل “رون” ذلك الجو الكئيب المحيط بالدوق، وتساءل في نفسه إن كان ما يشعر به يشبه ما يسمونه “متلازمة العشّ الفارغ” التي تصيب الطيور بعد أن تغادر صغارها العش.
كانت الكآبة تتسلل من هيئته كأنها ضباب ثقيل، حتى أن أحدًا لم يجرؤ على مقاطعته بالكلام.
كان “مايلد” يراقب المشهد بقلق واضح، وكأن قلبه يتمزق شفقة عليه.
وفي تلك اللحظة، دخل الطاهي الكبير حاملًا صينية ضخمة مغطاة بقبة فضية، يتقدم بخطى واثقة وهيبة.
توقف أمام “كاردن” وانحنى احترامًا.
“حضّرتُ ما أمرت به، سيدي.”
“أحسنت.”
أومأ “كاردن” برأسه بجدية، وبين حاجبيه تجعيدة تفصح عن غاية في الأهمية.
وضع الطاهي الصينية أمامه، وساد الصمت المكان، فتساءل “رون” هامسًا إلى “أوين”:
“ما هذا الشيء المهم؟ يبدو وكأنه يحمل مصير أمة!”
“إنه…”
لكن قبل أن يُكمل “أوين”، رفع الطاهي القبة الفضية.
فإذا بها صحن مملوء بشرائح “لحم مجفف مشوي”، تفوح منها رائحة شهية!
حدّق “رون” في الطبق بدهشة.
“مجرد لحم مجفف؟”
“لكنها وصفة خاصة، طلبها الدوق بنفسه.”
بهدوء ووقار، جمع “كاردن” شرائح اللحم داخل منديل، ثم وقف كمن يتأهب لمعركة، تفيض ملامحه بالتصميم.
وقف “مايلد” خلفه يدعو له بصوت خافت، وعيناه تتوسلان:
“أتمنى أن تنجح هذه المرة، سيدي…”
فتح “كاردن” باب القاعة واتجه نحو ساحة التدريب.
وحالما غادر، قفز “بورك” متحمسًا وبدأ يصرخ:
“الرهان بدأ! أنا أراهن بقطعة فضية أن فرانز سيفوز!”
بدأ الجنود يضحكون ويضعون رهاناتهم، فيما ظل “رون” مذهولًا لا يفهم ما يجري.
“ما الذي يحدث بحق؟” تمتم.
ابتسم “أوين” بسخرية حزينة:
“فقط راقب… لنرَ إن كان القائد سينجح هذه المرة.”
وفي ساحة التدريب، وصل “كاردن” حاملًا اللحم. ما إن شمّت “شوشو” الرائحة، حتى ركضت نحوه بحماس.
ناولها قطعة، فابتلعتها بلذة، ثم بدأت تلوّح بذيلها بسعادة.
راقبها “رون” بصمت، والابتسامة على وجه الدوق لم تكن خفية.
“يا للروعة… إنه سعيد فقط لأنها أكلت من يده.”
“شوشو أكلت من يد الدوق!” صرخ أحدهم.
“ربما ستبقى بقربه اليوم؟”
تعالت الضحكات والآمال من الجنود، لكن وجه “بورك” اسودّ، فقد أدرك أنه سيخسر رهانه.
“إنها مجرد قطعة لحم، صحيح؟” سأل “رون” مستغربًا.
لكن “أوين” أشار له بالصبر.
وبعد أن التهمت “شوشو” القطعة الأولى، نظرت إلى “كاردن” كأنها تطلب المزيد.
مدّ لها بواحدة، لكنها هزت رأسها… كانت تريد الكيس كله.
بسرعة، خطفت الكيس من يده، ثم ركضت مبتعدة، تمسك به في فمها كمن حقق نصرًا باهرًا، وتوجهت نحو فرانز.
تحت شجرة ظليلة، جلس الاثنان يتقاسمان اللحم بمودة وهناء.
أما “كاردن”، فقد وقف مذهولًا، لا يصدّق ما رأى.
كان ذلك المشهد كافيًا ليكشف عن قلب مكسور، عن رجل فقد ما لا يُعوّض.
قال أحدهم:
“دوق… لا تيأس!”
“لا تَدَعْ ثعلبًا صغيرًا يهزمك!”
لكن الكلمات لم تصل إليه.
“مايلد” عضّ على منديله، وعيناه تغرورقان بالدموع.
“أشعر وكأنني أرى أبًا يشاهد ابنته الوحيدة تُؤخذ منه دون مقاومة…”
أما بيرك، فجمع العملات منتشيًا.
“ألم أقل لكم؟ “شوشو” ستختار من هم مثلها!”
أحسّ “رون” بوجع في قلبه عند رؤية ظهر الدوق يغادر بصمت، دون أن تتبعه “شوشو” كعادتها.
منذ وصول فرانز، تضاءلت مكانة الدوق في عينيها، وانشغلت باللعب والضحك معه.
نظر “رون” إلى السماء، والشعور بالفقد يخترق صدره.
“هل ستتركنا “شوشو”؟ هل سترحل حقًا؟”
وضع “أوين” فنجانه، وأجاب بهدوء:
“الثعالب عادةً تغيّر مواطنها في مواسم معينة. هذه فترة انتقال. فرانز لا يعلّمها فقط التدريب… بل كيف تبقى على قيد الحياة.”
نهض “أوين”، وعاد بعد قليل بوجبة صباحية لـ “رون”.
“هيا، كل جيدًا. تحتاج إلى طاقة للعمل اليوم.”
“شكرًا… يا “أوين”.”
وراح “رون” يتناول طعامه بصمت، رأسه يعجّ بالأسئلة.
ماذا لو غادرت “شوشو” فعلًا؟ هل أستطيع تقبّل ذلك؟ هل يُمكنني أن أُحبّها فأدعها ترحل؟
هو يعلم بعقله أن هذا هو الصواب… لكن قلبه، قلب فتى في الخامسة عشرة، لم يكن مستعدًا للوداع.
بعد الإفطار، عاد “رون” إلى المختبر. كان عليه العمل حتى الليل.
وفي طريقه، لمح كرة بيضاء صغيرة تركض نحوه.
“شوشو؟”
توقفت، ثم التفتت نحوه بابتسامة تنبض بالحياة.
ركضت إليه، وهزّت ذيلها بودّ.
“مرحبًا، “رون”! هل أنت ذاهب للبحث؟”
يا إلهي.. كم هي رائعة.
ابتسم “رون” بعفوية، وجثا ليمسح على فرائها الناعم، وفي داخله عاصفة من المشاعر.
لا، لا أريد أن تذهبي.
مدّ يده، وعانقها بقوة، يشتم فيها رائحة الطفولة والطمأنينة.
“رون؟ ما بك؟ هل حدث شيء؟”
كانت عيناه تلمعان بالدموع، حاول حبسها… لكن لم يستطع.
“لا أستطيع ترككِ تذهبين، “شوشو”… أرجوكِ، لا تتركينا وتغادري.”
“ها؟ إلى أين أذهب برأيك؟”
“ألن تذهبي مع بني جنسك؟ أنتِ تتدرّبين لهذا السبب، أليس كذلك؟”
نفخت “شوشو” خدّيها، وقالت بوجه متجهم:
“ماذا تقول! لا أنوي الرحيل أبدًا. هل هناك مكان أريح من هنا؟ الحياة صعبة خارج البيت، “رون”!”
“حقًا؟ لحسن الحظ…”
مسح دموعه، فبادرت “شوشو” بمسح أنفه بذيلها الناعم.
“لا تبكِ. أنا دائمًا بجانبك.”
همست بكلماتها تلك بصوت يشبه النسيم.
أذهله نُضجها، كأنّ تلك الكرة الصغيرة من الفرو تخفي روحًا عظيمة.
مسح دموعه خجلًا، وسأل:
“إلى أين كنت ذاهبة؟ وأين فرانز؟”
“انتهى تدريب الصباح، أردت أن أرتاح.”
“ألن تستريحي معه؟ أعني، هو خطي… أقصد—”
توقف، إذ تذكّر أن “شوشو” تكره ذلك الموضوع.
وقد كان محقًا، فقد ارتجفت فورًا.
“أمضي وقت راحتي مع ذلك الشيطان؟ لا! حتى أثناء الراحة يُلقي محاضرات عن الانضباط!”
انتفخت وجنتاها بغضب، وكان شكلها يفيض جمالًا وظُرفًا.
ضحك “رون”، وسألها:
“إذًا… هل تأتين معي؟”
كان يودّ قضاء بعض الوقت معها وحدهما.
لكنه لاحظ أن نظراتها تتجه نحو باب المكتب… كان مفتوحًا قليلًا.
“آسفة، “رون”، لنؤجل حديثنا. أراك لاحقًا!”
قفزت مثل أرنب، ودخلت المكتب بخفة.
تركته خلفها، ممسكًا بقلبه، وهو يدعو في سرّه:
“شوشو… ابقي معنا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 40"