الفصل 38 – تدريب الصيد الخاص
تغريد. زقزقة. تغريد. زقزقة.
في صباح اليوم التالي، اخترقت أشعة الشمس الدافئة جفني بلا رحمة، بينما علا صوت العصافير في الأفق، يملأ المكان ضجيجًا حيًا لا يُقاوم.
“كيييع!”
قفزتُ واقفة بكل ما أملك من قوة في ساقي القصيرتين، متناسيةً حتى طقوسي الصباحية في تمشيط الفراء. اندفعت خارج السلة، مهرولة إلى غرفتي.
لكن السرير، الذي من المفترض أن يرقد فيه فرانز، كان خاليًا تمامًا.
“لا يُعقل… هل هرب مجددًا؟!”
رفعت أنفي الصغير وبدأت أشمُّ الهواء بنشاط. لا زالت رائحته معلقة، خفيفة… لكنها موجودة.
في تلك اللحظة دخلت “بيتي” تحمل وعاء الماء لغسل الوجه.
“أوه، آنسة شوشو! هل نمتِ جيدًا؟ صباح الخير!”
“كيياااه! بيتي! هل تعرفين أين ذهب فرانز؟”
“آه، لقد ذهب مع الدوق إلى ساحة التدريب.”
توقفت الدنيا. هل سمعتُ جيدًا؟ ساحة تدريب؟ معًا؟
“ذهبا للتدريب سويًا؟! ألم يتشاجرا بالأمس؟ لم يصرخ أحد؟ لم يكسر الآخر شيئًا؟”
“أبدًا، بدا عليهما الانسجام، صدقًا.”
مستحيل. كيف لعدوين كانا على وشك افتراس بعضهما بالأمس أن يتحولا إلى رفيقي تدريب في يوم وليلة؟!
قامت بيتي على عجل بتنظيفي، ثم جففتني برفق، ومشطتني، وربطت حول عنقي شريطًا مزينًا بدانتيل أرجواني فاخر.
“هل أجهز الإفطار؟”
“أجل، أرجوكِ. أنا جائعة.”
ثم لفت انتباهها شيء، فعقدت حاجبيها وقالت وهي تحدّق بي:
“أوه… لقد كبرتِ قليلًا، أليس كذلك؟”
“حقًا؟!”
غمرتني السعادة، قفزت في مكاني، أُطقطق بقدميّ القصيرتين.
“إلى أي حد كبرت؟!”
راقبتني بيتي بعين فاحصة، ثم مدّت كفها وأشارت:
“ربما… بهذا القدر؟”
لم يتغير شيء تقريبًا.
نظرتُ إليها بنصف عين، بشك.
ضحكت بيتي بخجل، وغطّت فمها.
“حقًا، لقد كبرتِ عن أول مرة أتيتِ فيها! أقسم بذلك.”
توجهت إلى المرآة الطويلة. نظرت إلى وجهي، ثم جانبي، ثم أدرت ظهري ورأيت مؤخرتي المستديرة تتمايل…
من كل زاوية، أنا مجرد كرة قطنية مثالية. أشبه بكعكة أرز ناعمة… أو قطعة هوتشو يابانية.
فراءي لا يزال ناصع البياض، وأرجلي قصيرة ومستديرة، وبطني وردي ممتلئ.
…انتظري لحظة!
صُعقت. هل أنا لم أُنَمُ… بل زدتُ وزنًا؟!
أجل، حتى وإن كنتُ ثعلبة صغيرة، فإن هذا الحجم… مريب.
انظري إلى فرانز، طويل وأنيق. أما أنا؟ سأتدحرج ككرة.
هل كنتُ… أُربّى هنا كالماشية؟ أتناول ثلاث وجبات مع وجبات خفيفة؟ هل هذا كلّه جعلني… أمتلئ؟!
“أنتِ سمنتِ.”
“كييييع!”
قفزت في مكاني من المفاجأة. من أين خرج صوته؟!
نظرت، وإذا بفرانز واقف خلف المرآة، بهيئة بشرية، يبتسم بمكر.
“لا تسخر! أنا فقط… أنمو!”
صرخت، فاقترب، وجثا على ركبته، وربّت على رأسي.
“كلامكِ صحيح. الطفل ينمو حين يأكل جيدًا. حين كنتِ صغيرة كنتِ هزيلة، باهتة اللون… بالكاد تلاحظين.”
نظرته كانت حنونة، لكنها مشوبة بشيءٍ من الحزن.
“تلقيت الكثير من الحب، أليس كذلك…؟ هذا يبعث في قلبي راحة.”
كان ينظر إليّ بعينيه الفضيّتين، يشع منهما الحنين، والأسى، و… الذنب.
مدّ يده نحو وجهي، لكنه توقف في اللحظة الأخيرة.
أغلق عينيه، ثم فتحهما مجددًا. ولم يبقَ في نظرته أثر لذلك الحزن.
وضع يديه على خصره، وصرخ بنبرة صارمة:
“الشمس في كبد السماء، وأنتِ ما زلتِ تتمطين؟ فقدتِ فطرتكِ البرية بسبب العيش مع البشر؟!”
“كيييع! لديّ طريقتي الخاصة! وأنت؟ ماذا كنت تفعل منذ الفجر؟”
“ذهبت لصيد الأرانب.”
سقط قلبي.
تخيلت الأرانب الصغيرة ككرات قطن تقفز بين الأعشاب…
ثم ظهرت صورة عيني ثعلب يراقب من خلف الأدغال.
“ماذا؟! لا تقل إنك… اصطدت أرانب بريئة؟!”
أومأ برأسه كأنه أمر تافه.
“أجل. كانت فطوري.”
“كيياااااه! قاتل! وحشي!”
ضربته بكفيّ الصغيرتين على صدره. فابتسم بسخرية.
“الثعلب يأكل الأرنب، هذه سُنة الحياة. إن اكتفيتِ بطعام البشر، ستتحولين إلى مجرد حيوان أليف.”
ثم نظر إليّ باحتقار مصطنع، وأعلن بحزم:
“هذا لا يجوز. بدءًا من اليوم، ستخضعين لتدريب صيد خاص. عارٌ على نسل أولفيس ألا يتمكن من صيد أرنب!”
“ومن قال إني أريد أن أعيش كثعلبة؟ حين أتحول لإنسان بالكامل، سأتخلى عن الحياة البرية!”
زمجرت بغضب، فأجابني بابتسامة أخٍ يرى شقيقته الصغيرة تتدلل.
“لكي تُتقني التحول البشري، تحتاجين إلى تدريب بدني وذهني متوازن. هل نسيتِ؟”
“لا أعلم. ذاكرتي غير موجودة، أليس كذلك؟!”
حدّقت فيه بعينين ملؤهما اللوم، فتنهد، ومرّر يده خلال شعره الفضي المذهل.
تصرفاته مزعجة، لكن وسامته كانت خرافية.
“بما أن الخطأ من عشيرتي، سأتحمّل المسؤولية. اسمعي جيدًا… لكي تصبحي إنسانة حقيقية، يجب أن تكتسبي القوة. لا طريق مختصر.”
“كييع… هل التدريب شاق؟ لأني أكره التعب!”
في تلك اللحظة، كنت مستلقية على الأرض، ألعق فرائي بلساني.
أنا لم أمارس الرياضة يومًا حتى كإنسانة… والآن تريدني كثعلبة أن أتدرب؟ مستحيل.
نظر إليّ فرانز وكأنني نكتة مأساوية.
“الدوق دلّلكِ أكثر من اللازم، لهذا صرتِ مدللة إلى هذا الحد.”
أدرت وجهي عنه بتكبّر:
“كف عن الثرثرة. سأذهب لتناول طعامي.”
“أين تظنين نفسك ذاهبة؟ ثعلب لا يصطاد لا يأكل. هذه قاعدة.”
ثم فجأة… لفّ المكان ضباب أبيض. أمامي، تحول فرانز إلى ثعلب فضي عملاق.
وبهدوء قاتل، أمسك مؤخرة عنقي بأسنانه، وسحبني!
“دعني! كيياااااه! أطلقني!”
قاومت بجسدي الصغير، لكن بلا جدوى.
“تحتاجين إلى تدريب خاص، أيتها المشاغبة الصغيرة.”
“كييييع! لمَ تقرر عني كل شيء؟! لن أتدرب!”
لكنه تجاهلني، وركض بي بسرعة رياح، عابرًا أروقة القصر الكبير.
كان الهواء يصفع أذني، والمشاهد تمر بسرعة جنونية.
بصراحة؟ كنت خائفة حتى الموت. ظننتُ أنه سيفلتني بالخطأ!
وهكذا… وصلت إلى ساحة التدريب، سُحبًا، بأسنانه.
أسقطني في منتصف الساحة، ثم هرول فجأة نحو مطبخ الساحة.
“أين تذهب؟!”
كان الجنود يتدربون، يركضون، يبارزون. لاحظوا ما يحدث، فتجمهروا.
وفجأة…
صياح!
دجاجة ضخمة تصرخ وهي تُقاوم بين أنياب فرانز، تطير بجناحيها بعنف.
جلبها وألقاها أمامي. ثم قال بفخر:
“ها هي فريستكِ. أمسكي بها.”
لحظة… هل هذا… مجرد دجاجة؟!
لم ألاحظ وهي بفمه، لكنها الآن أمامي… ضخمة!
أكبر من أي دجاجة رأيتها. ريشها أسود، عرفها أحمر، عيناها صفراوان متوحشتان.
مخالبها صلبة، منقارها حاد لدرجة يلمع تحت الشمس.
وتبدو… غاضبة جدًا.
بدأت تدور حولي ببطء، تراقبني بعين القاتل…
تجمّدت.
“اهجمي عليها! امضغي عنقها!” صرخ فرانز.
“كييييع! مستحيل! عندي رهاب من الطيور!”
سقطت على الأرض، باكية، لا أملك سوى دموعي.
أنا خائفة، أنا أرتجف، والذكريات تمر أمامي…
كل دجاجة أكلتها في حياتي… هل جاءت تنتقم الآن؟
“أنا آسفة يا دجاج… لكن… أنتن كنتم لذيذات جدًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 38"