تسللت أشعة القمر عبر النافذة إلى الغرفة التي احتلها الظلام، وتراقص ضوءه الفضي حتى استقر فوق السرير.
كان هناك، تحت ضوء القمر الساطع، شابٌ ذو شعر فضي يقف. إنه فرانز، وقد اتخذ هيئة بشرية. قامته ممشوقة، بنيته رشيقة، خطّ فكه حاد، وعيناه تنضحان بالأناقة والعمق.
كان يرتدي ملابس بيضاء ناصعة، صنعت من فروه الفضي الذي تحوّل إلى هيئة ثوب أنيق.
توقف نظر فرانز عند سلة موضوعة على السرير، حيث كانت كرة صغيرة من الفرو – شوشو – ملتفة على نفسها نائمة بسلام.
بجوار السلة، كان كاردين مستلقيًا بشكل مستقيم، غارقًا في النوم.
اقترب فرانز بهدوء من السرير وركع على ركبتيه. نظراته الموجهة إلى شوشو كانت ممتلئة بعاطفة لا تُضاهى.
وحين مد يده بحذر نحو تلك الكرة الصغيرة النائمة، قُطع سكون اللحظة بصوت عميق وهادئ:
“توقّف. لا تقترب أكثر.”
كان كاردين قد استيقظ دون أن يلحظ فرانز. جلس متكئًا بخفة وهو يحدق به بنظرة حازمة.
“قد توقظها. تعلم أن آذان الثعالب حادة تجاه الأصوات، أليس كذلك؟”
قالها كاردين بصوت منخفض، ووجهه يشوبه عبوس خفيف.
تقلص وجه فرانز الجميل، وقد بدت عليه ملامح الانزعاج الشديد، لكنه تراجع بهدوء. رغم استيائه، لم يكن ما قاله كاردين خاطئًا.
لم يكن يملك الحق في إيقاظ شوشو، بعد أن نامت أخيرًا بسلام.
تفحص كاردين ملامح فرانز، ثم عاد بنظره نحو شوشو النائمة.
“لقد تحولتَ بالكامل إلى هيئة بشرية. أما شوشو، فجسدها صغير ولا يبدو أنها تستطيع التحول بشكل كامل بعد. هل تعاني من مشكلة صحية؟”
كان في سؤال كاردين نبرة اهتمام حقيقية وقلق صادق على شوشو.
لكن هذا القلق الصادر من إنسان متغطرس لم يرق لفرانز.
كاردين هايلاد، دوق الحدود، القائد الأعلى المسؤول عن حماية المنطقة، أقوى البشر من حيث القوة السحرية.
منذ وصوله، استطاع تطهير المنطقة من الوحوش، وجعل المناطق المجاورة أكثر أمنًا واستقرارًا.
وبفضله، استطاعت قبيلة الثعالب – قبيلة فرانز – أن تعيش أخيرًا دون خوف من هجمات الكائنات السحرية.
فرانز يعرف جيدًا من هو هذا الرجل… بطلٌ عظيم، وغالبٌ لا يُقهر.
لكن ما لم يفهمه قط… لماذا أخذ هذا الرجل شوشو؟ ولماذا يعتني بها بتلك الرقة والحرص؟
ما غايته الحقيقية؟
قال فجأة:
“هيه، أيها الدوق…”
نظر إليه كاردين ببرود، وقد كان يُمعن النظر في شوشو.
“ما الذي تمثله شوشو بالنسبة إليك؟”
خفض كاردين بصره ونظر إلى فرانز بازدراء:
“ولماذا ينبغي لي أن أجيبك؟”
كان صوته هادئًا لكنه مشبع بقوة لا تُقاوَم، ضغطٌ غير مرئي بدأ يسحق فرانز.
“أنا أسألك كأحد أبناء جنسها. إن كنتَ تنوي إيذاء شوشو، فلن أسامحك أبدًا!”
عندها، انخفضت الحواجب المقطبة لكاردين، ثم تلاشى الضغط الساحق فجأة.
تنفس فرانز الصعداء وهو يشعر بجسده يتحرر أخيرًا من تلك القوة الكابوسية.
“إنها رفيقة حياتي.”
“ماذا؟ هل تعتبرها مجرد حيوان أليف؟!” صرخ فرانز.
هزّ كاردين رأسه بسخرية، وقال بنفاد صبر:
“ألست تعرف ما معنى كلمة ‘رفيقة’؟”
لمعت عينا كاردين الزرقاوان ببريق حاد، وقال بلهجة قاطعة:
“لقد قلتها بوضوح. شوبيليا… رفيقة روحي.”
صرّ فرانز على أسنانه حتى كاد يكسرها. كان صوت كاردين أشبه بصوت سيّد يقف على قمة السلسلة الغذائية، لا يملك سوى السخرية تجاه خصومه الأضعف.
‘أهذا هو الوحش الذي بدا مطيعًا أمام شوشو؟ هذا هو؟’
الهيبة التي تسربت من جسد كاردين كانت ساحقة. لكن فرانز تمسك بموقفه، ردّ بأسنانه المطبقة:
“هل جننت؟ شوشو من قبيلة الثعالب، والإنسان لا يتزوج من جنس آخر.”
“وما المشكلة؟”
ردّ كاردين بلا تردد، كأن الأمر لا يُمثل له أدنى إزعاج.
ضحك فرانز بسخرية:
“أنت… إنسان مجنون بحق.”
ارتسمت ابتسامة باردة على شفتي كاردين:
“ليست لدي خيارات أخرى. شوشو… هي خياري الوحيد.”
“ماذا؟”
“أنت تشعر بها، أليس كذلك؟ السحر بداخلي.”
ازدرد فرانز ريقه:
“نعم… لم أرَ في حياتي بشرًا يحمل هذه القوة السحرية. كيف تتحملها بهذا الجسد البشري؟”
أجاب كاردين بهدوء:
“لهذا السبب، أفراد عائلة هايلاد… نادرًا ما يعمّرون طويلًا.”
ثم تمتم بمرارة:
“هذه القوة السحرية هي لعنة وبركة في آنٍ واحد. منحَتنا المجد والسلطة والثروة، لكنها تستهلكنا حتى الجنون والموت. أجسادنا البشرية لا تحتملها، حتى أقصى حد يمكننا بلوغه… ربما أربعون عامًا فحسب.”
أومأ فرانز:
“أفهم الآن… لهذا تخرج للصيد باستمرار، لتفرغ تلك الطاقة قبل أن تلتهمك.”
“تمامًا. جربت كل شيء… رُهبان، معالجين، لا فائدة.”
ثم نظر كاردين إلى شوشو النائمة، وعيناه تمتلئان بدهشة رقيقة:
“وحدها شوشو… تهدئ سحري. وجودها قرب جسدي… فقط وجودها، يكبح الجنون الذي يغلي بداخلي.”
ضحك فرانز بانكسار:
“كنت أشك بذلك. إذن هذا هو السبب الحقيقي لبقائها معك.”
ثم أردف، بعينين ضيقتين تشعان دهاءً:
“قد لا أتحمل فكرة أنك تسميها ‘رفيقة’، لكن الحقيقة أنك الوحيد الذي يمكنه حمايتها الآن.”
“ماذا تعني؟”
“تعال، نبتعد عنها. لا نريد إزعاج نومها.”
انتقلا إلى غرفة الجلوس المجاورة. جلسا وجهًا لوجه.
عض فرانز إبهامه بتوتر، ثم قال:
“شوشو وُلدت بمقدرة نادرة على امتصاص السحر. طفرة من نوعها بين جنسها. يجب أن تمتص السحر دوريًا لتظل على قيد الحياة، ولتنضج، ولتحافظ على توازن روحها. وإلا…”
“إلا ماذا؟”
“إن لم تحصل على سحر كافٍ، تمر بحالة حرمان… تبدأ بامتصاص الطاقة الحياتية من كل شيء. بشرًا كانوا أو ثعالب.”
“هل هذا… صحيح؟”
هزّ فرانز رأسه:
“كنت أجوب القارات، أقاتل الوحوش، حتى أُطعمها. هذا كان السبيل الوحيد لحمايتها.”
ثم نظر لكاردين:
“وجودها بجانبك أكثر أمانًا الآن. فأنت… مصدر سحري لا ينضب.”
مال كاردين إلى الوراء، وأراح ذقنه على راحة يده:
“يعني أنني… طعامها.”
“في الواقع، نعم.”
تألقت عينا فرانز ببرود:
“وتبدو موافقًا على أن تكون فريستها، أليس كذلك؟”
“بكل طواعية.”
لم يتردد كاردين لحظة واحدة، بل ابتسم بثقة.
تشوه وجه فرانز غيظًا:
“مقرف… تُسرّ لأنك فريسة.”
ثم أطبق يديه وقال بانفعال:
“كاردين، أنا… أغار منك بجنون. أحسدك حتى الجنون. لا أستطيع إنقاذها. لكنني سأجمع القوة، وأعود لأخذها. حتى ذلك الحين… احمِها أنت. تذكر… فقط حتى ذلك الحين.”
زمجر فرانز كوحش، ولمع جسده بالفضة.
أما كاردين، فنظر إليه كما ينظر إلى قط مشاكس، بابتسامة جانبية وعينين كالسكاكين:
“فلنتبادل الصفقة، يا فرانز.”
“صفقة؟ أي صفقة؟”
“علّم شوشو كل ما تحتاجه لتكون ثعلبةً حقيقية. في الشمال لا يوجد من يُرشدها كجنسها. قم بتعليمها، وارحل. مقابل ذلك، أضمن حماية قبيلتك بأكملها. هذا شرطي.”
ضحك فرانز بسخرية:
“نحن نحمي أنفسنا، لسنا بهذا الضعف لنطلب حماية البشر.”
“حين علمت أن قبيلتك تخلّت عنها… فكرت بإبادتها.”
“أيها الوغد!”
نهض فرانز غاضبًا، واشتعلت عيناه وغمره وهج فضي.
لكن كاردين واجهه بهدوء متغطرس:
“لكنها… تنتمي إليكم. لو فعلت ذلك، ستكرهني للأبد.”
“تبًا…”
ارتعش فرانز من الغيظ، ثم صرخ:
“شوشو من قبيلتي. تعليمها مسؤوليتي، لا شأن لك بها!”
“إذن… الصفقة تمت.”
ابتسم كاردين بانتصار.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 37"