الفصل 35: لا يمكنني مشاركة غرفة مع رجل غريب
ما الذي يحدث بحق؟! حين أمالت رأسي باستغراب، كرر أوين عبارته بنبرة أكثر جدية:
“مستحيل أن أسمح لكِ بمشاركة غرفة مع رجل غريب، شوشو.”
كان يبدو كأخ صارم يراقب أخته الصغيرة، لدرجة أنني شعرت بالذهول.
“أوين، ما بك أيضًا؟ ذلك الشخص من بني جنسنا!”
“لقد نعتكِ بخطيبته أمام الجميع! بالإضافة إلى ذلك، هو ذكر بالغ، والذكور جميعهم ذئاب بطبعهم.”
“لكن فرانز ثعلب، وليس ذئبًا.”
“لا يهم. الجواب نفسه. مستحيل. لن أوافق أبدًا.”
بينما كنت أتجادل مع أوين، صفّقت بيتي مرتين، فجذبت الأنظار إليها في لحظة.
“كفى. المهم الآن هو راحة الضيف. إن رغبت السيدة شوشو، يمكننا أولًا نقله إلى غرفتها مؤقتًا، ثم إلى غرفة الضيوف لاحقًا.”
كانت بيتي تبتسم بلطف، لكن هالتها التي تنم عن خبرة طويلة ومكانتها كمدبرة الخدم كانت طاغية. لم يجرؤ أحد على الاعتراض، واكتفينا بهز رؤوسنا بالموافقة.
“حسنًا، لنتبع ما قالته بيتي.”
“آنسة شوشو، تفضلي بالخروج الآن. حان وقت تناول الطعام.”
كنت على وشك السير خلف بيتي، لكنني التفتُّ نحو مايلد وأوين.
ربما لاحظا قلقي وارتباكي، فأهديا لي نظرة مطمئنة وابتسامة رقيقة.
“هل أنستي قلقة بشأن الدوق؟”
“لقد عضضته عن طريق الخطأ… لا بد أنه غاضب بشدة الآن.”
أطرقت رأسي خجلًا. يا لي من حمقاء! كان يمكنني أن أمنعه بالكلام… لكنني ظننت حقًا أن كاردن سيؤذي فرانز، فاستبد بي الخوف…
اقترب مايلد وجثا على إحدى ركبتيه أمامي، ليلتقي بعينيّ مباشرة.
“لا تقلقي. لن يغضب الدوق منكِ أبدًا، أؤكد لكِ هذا بصفتي مساعده المخلص لسنوات طويلة.”
“حقًا؟”
اتسعت عيناي وأنا أحدق في مايلد بدهشة. ثم جلس أوين إلى جانبي وربت على رأسي بلطف.
“لا تقلقي يا شوشو. وأنا أيضًا أفهم مشاعر الدوق تمامًا.”
“هاه؟ تفهمه؟ بأي معنى؟”
سألت وأنا أميل برأسي مجددًا، فتغيّر تعبير أوين إلى شيء معقّد وغطي فمه بيده.
“تخيّلي أن رجلًا غريبًا مظلم الملامح يحاول اختطاف ابنته المدللة… ألن يغضب الأب؟”
“ماذا؟! ماذا تقول؟”
كاد رأسي أن ينفجر من الحيرة، بينما تبادل أوين ومايلد نظرات تفيد بأنهما يفهمان بعضهما تمامًا، وكأنهما يشتركان في سرّ لا يُقال.
“ما الأمر؟ لماذا لا تشرحان لي ما يحصل؟”
صرخت غاضبة، فتقدم أوين وربت على ظهري برفق وهو يهمس:
“لأنكِ غالية جدًا، شوشو… لدرجة أننا لا نرغب في أن يأخذكِ أحد. لا أنا، ولا الدوق أيضًا.”
نهض مايلد بعد أن تأكد من أن فرانتز ما يزال فاقدًا للوعي.
“سيأتي رون بعد قليل لإيقاظ الثعلب، انتظري هنا، أما نحن فسنذهب لنرفع تقريرًا للدوق.”
“حسنًا. سأبقى بجانبه وأعتني به.”
غادر مايلد وأوين، وبقيت وحدي مع بيتي التي حدّقت بي بنظرة خفية المعنى وابتسامة تحمل شيئًا من الدهاء.
“يبدو أنكِ قلقة للغاية على صديقكِ، آنسة شوشو.”
“مـ… ما هذا الكلام! من قال ذلك؟”
قفزت من مكاني وكأنني صُعقت.
“ذلك المزعج ثقيل الظل؟ عندما يستيقظ سأدوس على ذيله وأطرده من هنا!”
ضحكت بيتي بخفة. “كما تشائين. سأحضر لكِ طعامكِ إلى الغرفة إذن.”
خرجت بيتي، وجلست أنا إلى جانب فرانتز النائم، ملتفة بجسمي الصغير ككرة قطنية.
بجانبه، بدوت ككتلة صغيرة من الفرو بجوار ذلك الجسد الكبير. ربما لأني ممسوسة الآن بجسد ثعلبة، شعرت بدفء غريب حين أنظر إليه. كان بيننا رابط غريب… مألوف.
كنت أستطيع أن أشعر بصدق كلماته من عينيه، من أنفاسه، من تهيّج فرائه، ومن نبض قلبه السريع.
لدي الكثير من الأسئلة لأسأله إياها حين يستيقظ: عن قدرتي على امتصاص الطاقة السحرية، وعن وقت اكتمال تحولي إلى هيئة بشرية كاملة…
كنت غارقة في أفكاري بينما أستمع إلى تنفسه الهادئ، إلى أن التقطت أذناي صوت خطوات خفيفة.
هل يمكن أن يكون كاردن؟ خفق قلبي بشدة.
لكن الأمل تبدّد سريعًا؛ لم تكن خطواته الثقيلة الوقورة. كانت خطوات خفيفة مرحة… رون.
تدلت أذناي خيبةً. فتح رون الباب وأطل برأسه.
“شوشو، هل أنتِ بخير؟ تبدين حزينة.”
“كـ… كلا! لا شيء على الإطلاق!”
كانت تفوح منه رائحة خفيفة تشبه كاردن… لعله جاء من عنده.
“رون، أين الدوق؟”
“في اجتماع عاجل. مررت عليه سريعًا ثم أتيت إليكِ.”
“أوه… فهمت.”
أومأت برأسي بفتور، فاقترب مني رون وربت على رأسي.
“تبدين متعبة. لا تقلقي بشأن ذراعه. عالجته بنفسي، وكانت إصابته سطحية.”
“شكرًا لك.”
أحسست بالراحة. كنت قلقة أن يكون جرحه أعمق مما ظننت، خاصة أنني لم أتمكن من كبح قوتي وقتها.
“لقد كنتِ تحاولين حماية صديقكِ، والدوق سيتفهم ذلك، أنا واثق.”
شكرًا، رون…
“سأزيل الآن تعويذة النوم. يبدو أنكِ تودين الحديث مع صديقكِ.”
“نعم، رجاءً.”
لوّح رون بيده، فتكون دخان أزرق يحيط بفرانتز بلطف.
“سيستيقظ قريبًا…”
أخرج رون من جيبه قطعة أثرية معدنية صغيرة وناولني إياها.
“ما هذه؟”
“إذا حاول هذا الثعلب إيذاءكِ، ارميها عليه. ستطلق شبكة سحرية لا يمكن لأي ناب اختراقها. حتى الوحوش لا تستطيع الإفلات منها.”
كان جديًا لدرجة الضحك. كأنه يشرح لي وسيلة للدفاع عن النفس من لصوص الشوارع.
ضحكت بخفة. “فرانز؟! الجميع يبالغ في الحكم عليه. قد يكون مزعجًا، لكن ليس شريرًا.”
“لكنه خطيبكِ، أليس كذلك؟ ماذا لو حاول اختطافكِ؟ لا يمكنني السماح لأحد بسرقة شوشو الصغيرة.”
أقسم رون بحماسة، وكأنه أخ صغير يدافع عن شقيقته الكبرى.
(رغم أنني أكبر منه بكثير بالسن…)
ابتسمت بخبث. “رون، تعال لحظة.”
لوّحت له بمخلب صغير، فانحنى نحوي، فبادرت بضغط رأسيه بمخالبي كما يفعل القطط.
“آه، مجددًا؟! لماذا تفعلين هذا يا شوشو؟ أنتِ ثعلبة، وليس قطة!”
“هواية شخصية. لا علاقة لها بنوعي. كآآآآ!”
رغم تذمره، بقي هادئًا وسمح لي بتدليك رأسه. لطيف فعلًا.
دخلت بيتي وهي تحمل صينية عليها طعام شهي: خبز دافئ وحساء دجاج عطِر. رغم أن شهيتي كانت معدومة، إلا أن الرائحة أعادت لي الجوع فجأة.
بينما كنت ألعق الحساء بلساني الصغير، أحضرت بيتي مع رون مجموعة من المفارش.
“دعيني أساعدكِ، أختي بيتي. هذه ثقيلة عليكِ.”
كم هو مهذب هذا الفتى.
فرشا الأرض بمفرش سميك، ونقلا فرانتز معًا بعد عناء.
“شكرًا لكما. تعبتم كثيرًا.”
قالت بيتي إنها ستنتظر بالخارج، بينما نهض رون أيضًا.
“سأعود فور انتهاء الاجتماع. وإذا حدث شيء، ارمي الأداة، فهمتِ؟”
حسنًا… إنه حقًا يتصرف كأخ قلق.
حين غادر الجميع، بقيت أنا وفرانتز فقط. مرّت بضع دقائق وأنا أنتظر استيقاظه… لكن لا شيء.
هل هو نائم إلى هذا الحد؟!
اقتربت منه وضربت جبهته بلطف بمخلب صغير.
“هيا أيها الكسول. استيقظ!”
أشبه ما يكون بإيقاظ أخي الكبير النائم بركلة…
تقدمت وضغطت على وجنتيه الناعمتين بمخالبي. كان ملمسهما طريًا وجذابًا بشكل خطير.
أوه لا… هذا ممتع أكثر مما توقعت.
واصلت اللعب به حتى…
“توقفي قبل أن أُجبركِ، شوشو.”
رن صوته العميق المنخفض فجأة. رفعت مخالب الدهشة.
رمش بعينيه ببطء، وسرعان ما اعتدل في جلسته، آذانه مشدودة، فراؤه الفضي يتلألأ، وذيله الطويل يلوح برقيّ.
دار برأسه نحوي، وعيناه الزرقاوان تخترقانني…
يا إلهي، كم هو وسيم.
الآن فهمت… لماذا يُقال إن الثعالب تخطف القلوب.
التعليقات لهذا الفصل " 35"