30- أنا الخادمة الجديدة
عندما همّ الجنود بمطاردة الثعلب الفضي، رفع كاردين يده وأوقفهم.
“لا تطاردوه. عودوا فورًا إلى القلعة.”
فور صدور أمر كاردين، بدأ الجنود بتنظيم المنطقة من حولهم.
اقترب مايلد بوجهٍ يحمل القلق، وسأل بتحفظ:
“سيدي الدوق، هل أنت بخير؟ كيف هي حالة المانا لديك؟”
أغمض كاردين عينيه لبرهة، متفحصًا تدفق المانا في داخله.
“لقد استقرت. لم أشعر يومًا بأن المانا بداخلي كانت بهذا الهدوء.”
تقدّم رون، الذي كان يقف بجانبه، بدهشة:
“سيدي الدوق، اسمح لي أن أتأكد بنفسي.”
أمسك رون بمعصم كاردين وبدأ يتمتم تعويذة سحرية.
ظهرت دائرة سحرية لقياس المانا فوق معصمه، متوهجة بضوء ناعم.
ومع مراقبته لتغيرات الدائرة السحرية، بدأ وجه رون يتفتح بالبشرى.
“إنه حقيقي! من بين كل الفحوصات الأخيرة، هذه المرة هي الأكثر استقرارًا. يمكننا أن نطمئن الآن من خطر فقدان السيطرة، على الأقل مؤقتًا.”
ابتهج رون بالقفز فرحًا، لكنه سرعان ما بدا متجهمًا عند رؤيته لـ”شوشو” في حضن كاردين.
“ربما… شوشو هي من امتصت المانا؟ كما قال الثعلب الفضي… هل ستكون بخير؟”
تجعد جبين كاردين، وانعكست على عينيه الزرقاوين، خلف أهدابه الطويلة، مشاعر الذنب والعذاب.
“إنها أقوى من أي أحد، ستكون بخير.”
ردّ كاردين بصوت خافت وهو يربت بلطف على فراء شوشو، كأن صوته يحمل رجاءً من أعماق قلبه.
أوكل كاردين مهمة إنهاء الترتيبات لمساعديه، وصعد إلى العربة للعودة إلى قصر الشمال.
في صمتٍ تام، بدأت العربة تتحرك ببطء، وكاردين يحدق إلى “شوشو” النائمة في حضنه بسلام.
لماذا أنقذتِني يا شوشو؟
تذكّر كيف أن شوشو قفزت نحوه دون تردد بينما كان في حالة فقدان للسيطرة، فخنق الألم صدره.
الثعلبة النائمة، بأنفاسها الناعمة ووجهها المسالم، بدت ككرة من القطن الناصع.
صوت دقات قلبها الصغير، المتناغم مع تنفسها، بدا أشبه بمعزوفة دافئة. كم هو هش وثمين هذا الكائن الصغير.
كاردين عضّ على أسنانه. عاد إليه فجأة ذلك الرعب واليأس المدفون في أعماقه.
ماذا لو تحطم هذا الكائن أيضًا؟
شدّ كاردين ذراعيه حول شوشو أكثر، ثم ألصق جبهته برفق بفرائها الناعم.
لم يسبق له أن صلى للحاكم في حياته.
لكن هذه اللحظة فقط… تمنى لو بإمكانه أن يجثو أمامه ويصلي بيأس.
تسللت من بين شفتيه الجافتين كلمات اعترافٍ مؤلم:
“أرجوك… امنعني من أن أكون سببًا في كسر شوشو.”
* * *
عندما دغدغت أشعة الشمس جفوني، فتحت عيني بثقل.
كان الضوء ساطعًا. أشعة الصباح تسللت من بين الستائر. فركت أنفي بمخلبٍ أمامي.
آه، لقد ابتلعت مانا كاردين وأغمي عليّ بالأمس… هل مضت ليلة كاملة؟
وفجأة خطر ببالي: ماذا عن فرانز؟ هل هرب؟
بينما كنت أحدق حولي بشرود، ظهر وجه كاردين النائم أمامي.
كنت مستلقية فوق صدره العريض القوي.
ومع كل نفسٍ عميقٍ يتنفسه، كان صدره يرتفع وينخفض كسريرٍ يهتز بلطف.
ممم، كم هو دافئ ومريح.
رفعت رأسي قليلاً لأتأمله. حتى وهو نائم، كان أنفه المستقيم وذقنه المنحوت يشعّان جمالًا. مزعج بجاذبيته.
ومدّدت يدي، بدافع الفضول، لألمس ذقنه…
انتظري… يد؟
كانت هناك ذراع بيضاء رفيعة، وبها عشرة أصابع.
متى تحولتُ إلى إنسانة؟!
أصابني الهلع. نظرت إلى أسفل…
كنت ملفوفة بشراشف السرير البيضاء… دون أن أرتدي شيئًا تحتها.
آآآه!! هل جننت؟! كيف أتحول إلى إنسانة أثناء النوم؟!
صرخت داخليًا بينما حاولت الانسحاب من فوق جسد كاردين.
في تلك اللحظة، مسح يده الكبيرة على شعري الطويل بلطف.
“ممم… فتاة طيبة، شوشو.”
تجمدت مكاني. بالكاد كنت أتنفس. يده أسرتني.
يبدو أنه اعتقد أنني أتحرك لأني ثعلب، فأخذ يربت عليّ.
لحسن الحظ، كان لا يزال نائمًا ويهذي.
استمر بتمسيد شعري، معتقدًا أنه يربت على فرو الثعلب.
ثم، خارت قوته، وسقطت ذراعه إلى جانب جسده.
بكل حذر، زحفت بعيدًا عنه، حابسةً أنفاسي.
ولم أنس أن ألفّ جسدي جيدًا بالملاءة.
خشيت أن يستيقظ، فتحركت بصمت حتى نزلت من السرير.
وضعت قدمي على السجادة الناعمة، وانطلقت مسرعة إلى غرفتي.
أغلقت الباب خلفي، وأطلقت تنهيدة طويلة.
ارتجفت ركبتيّ من شدة التوتر.
“كاد قلبي يتوقف… لو رآني، لهلكت خجلًا.”
إلى متى سأظل أتحول عارية هكذا؟
كيف سأعيش بهذا الإحراج؟
“آه، ماذا أفعل الآن؟ أخجل حتى من النظر إلى وجه كاردين. هل أعود إلى شكل الثعلب؟”
ركّزت طاقتي لأعود إلى هيئة الثعلب، لكن كما توقعت… لم تنجح.
كما أنني لم أكن أُجيد التحول عندما كنت ثعلبًا، والآن لا أستطيع العودة.
أطلقت تنهيدة ثقيلة.
“يا إلهي، كل شيء يسير بشكل فوضوي!”
وبينما كنت أشدّ شعري من الإحباط، فُتح بابي قليلًا.
“سيدة شوشو، صباح الخير، آه! لقد أصبحتِ بشرًا…”
“آه! بيتي، ششش!”
قفزت بسرعة الضوء، ووضعت يدي على فم بيتي.
“مممف!”
توسعت عينا بيتي، وقد بدت مثل أرنبٍ مذعور.
رفعت يدي بسرعة واعتذرت:
“آسفة… لقد تحولت فجأة. لا أريد أن يعرف الدوق بعد.”
“لكن لماذا؟ أظن أنه سيكون سعيدًا بذلك.”
نظرت إليّ بيتي بدهشة.
أدركت حينها أنني ما زلت ملفوفة بالملاءة، فخفضت رأسي خجلًا.
“على أية حال، سأعود إلى ثعلب مجددًا. فهل تبقين الأمر سرًا؟”
“بالطبع، سأفعل ما ترغبين به.”
ابتسمتُ مرتاحة، بينما بدا على وجه بيتي القلق وكأنها تذكرت شيئًا.
“لكن… ماذا عن الصباح؟ الدوق يطمئن عليكِ كل صباح بنفسه. ألا يكتشف أنك اختفيتِ؟”
“لا تقلقي، لديّ خطة. هل تذكرين عندما قلتِ إنك تجمعين فرائي؟”
“أوه، نعم! الدوق أمرني ألا أرمي شعرة واحدة. انتظري لحظة.”
فتحت بيتي أحد الأدراج، وأخرجت كيسًا كبيرًا مملوءًا بفرائي الأبيض.
هززت رأسي بعدم تصديق.
“ما الذي ينوي فعله بكل هذا الفراء؟ هذا الرجل غريب.”
ضحكت بيتي، مدافعة عنه:
“هذا لأنه يحبكِ كثيرًا.”
بدأت أضغط كرات الفراء بقوة حتى صارت ككرات قطنية.
“رائع! بيتي، اجمعي الفراء وصنعي منه شكلًا مستديرًا. ثم ضعيه في سلتي الخاصة. إذا غطيناه ببطانية، سيبدو وكأنني نائمة فيها.”
“واو، فكرة ذكية. سأقوم بذلك فورًا.”
عملنا أنا وبيتي معًا، نصنع كرة فراء على حجم ثعلب صغير.
وضعناها في السلة وغطيناها بالبطانية. بدت تمامًا مثلي.
“إنه يشبهني لدرجة مخيفة.”
“هيهي، شوشو القطنية لطيفة جدًا.”
ثم تذكرت بيتي شيئًا، ونظرت إليّ:
“سأجهز لكِ فستانًا. لا يمكنكِ البقاء هكذا.”
“لا حاجة لفستان. هل لديكِ زي خادمة؟”
“نعم، لدي زي احتياطي. لكن لماذا؟”
“سأتخفى كخادمة جديدة. وسأخدع الجميع. أحتاج أيضًا إلى شعر مستعار.”
ابتسمتُ بخبث مثل طفلة تخطط لمقلب.
هزّت بيتي رأسها، يائسة من تصرفاتي.
“حتى بعد أن أصبحتِ بشرًا، ما زلتِ شقية كما أنتِ. لحسن الحظ، الدوق سيخرج في جولة تفقدية اليوم. لديكِ نصف يوم لتتخفّي.”
ذهبت بيتي وأحضرت زي خادمة: فستان أسود مع مئزر أبيض وقلنسوة دانتيل أنيقة.
“لطالما أردتُ ارتداء زي خادمة. إنه جميل للغاية.”
“حقًا؟”
ألبستني بيتي الزي بمهارة، ثم صففت شعري الطويل، وجدّلته وثبّته، ووضعت الشعر المستعار البني فوقه.
ارتديت القلنسوة، والآن أبدو تمامًا كخادمة من قصر الدوق.
“خذي هذه النظارات أيضًا. لا يمكن إخفاء جمالكِ بشعر مستعار فقط.”
صحيح، شوشو (أنا) جميلة بالفعل. اضطررت للاعتراف بذلك، رغم أنه وجهي.
ارتديت نظارات بإطار سميك، واستعرت أدوات المكياج من بيتي، ثم وضعت أحمر خدود وردي ورسمت الكثير من النمش.
شوشو بعينين مشرقتين وأمامها مرآة:
“هاه، تنكّر مثالي. سيخدعهم تمامًا!”
التعليقات لهذا الفصل " 30"