كان “كاردن” يلهث بأنفاس متقطعة وهو يحدق بي بعينين محتقنتين، ثم فجأة، انفجر الدم من فمه، يتدفق من شفتيه بلون أحمر قانٍ، يلون وجهه الشاحب بالحياة والموت في آن.
قبض بيده المرتعشة على موضع قلبه، ومدّ يده الأخرى في اتجاهي بإيماءة يائسة، توسل صامت ألا أقترب، لكن حتى هذه الحركة كانت واهنة، تكاد تتهاوى.
“شوشو، لا تقتربي!”
“إنه خطر!”
تعالت أصوات من حولي، محذرة ومذعورة، لكنني لم أنصت. لم يكن هناك وقت للخشية.
اندفعتُ بجسدي الصغير من على الأرض، قافزة باتجاهه.
رفع “كاردن” يده تلقائيًا ليمنعني، لكنني لم أتردد. كشّرت عن أنيابي وغرستها في معصمه، بقوةٍ لم أكن أظن أنني أملكها.
كل قلبي… كل روحي كانت في تلك العضة.
لطالما علمت أن هذا هو السبيل. عندما فقد عمه “بيرت” السيطرة من قبل، هدأ بمجرد أن عضضته. و”كاردن”، في إحدى نوباته السابقة، عاد إلى رشده بنفس الطريقة.
كنت أؤمن بأن هذا سيفلح مرة أخرى.
وحين اخترقت أنيابي جلده، اجتاحتني قوة عظيمة، كأن موجًا هادرًا من السحر تدفق من جسده إلى جسدي.
في تلك اللحظة، شعرت وكأن قلبي يُعتصر بقوة مرعبة، كما لو أن يدًا خفية كانت تعصره بلا رحمة.
“آه…!”
كان السحر المتفجر بداخلي لا يُحتمل. شعرت كما لو أنني أغرق في أعماق البحر دون قدرة على السباحة.
تدور رأسي، وتتأرجح رؤيتي. الظلمة كانت تبتلع بصري.
ركلَتْ قدماي الهواء في محاولة يائسة للهرب، لكن موجة السحر داخل جسدي الصغير كانت أقوى من كل مقاومة.
ومن خلال بصري المتشوش، رأيت “كاردن”.
وجهه الملتاع قد انكمش بالألم، وعيناه تفيض ذنبًا.
وعندئذ، بدأت عيناه الحمراوان تستعيدان صفاءهما، وتحولت إلى زمردتين نقيتين كما كانتا.
لحسن الحظ… لقد عاد.
“شوشو، لماذا…؟”
يده التي كانت تضمّني، أخذت ترتعش كأوراق الحور في مهب الريح.
كنت أود أن أخبره أنني بخير، لكن لساني لم يطاوعني.
ومع آخر طاقة تبقت في جسدي، لوّحت له بذِيلي بحركة خفيفة، ثم غرقت في اللاوعي.
كانت كرة صغيرة من الزغب الأبيض تنام بضعف في كفي “كاردن”.
خفيفة حدَّ أنها لم تحمل أي وزن.
أحسَّ بألم يخنق قلبه.
لم يكن أمامه خيارٌ سوى استخدام سحر مفرط للتغلب على الفجائية المروعة لهجوم الذئاب المتوحشة. لكنه كان يعلم أن السيطرة على السحر بعد إطلاقه ليست بالأمر السهل.
كان قد خطط لإنهاء المعركة سريعًا ثم التوغل في الغابة لتهدئة هيجانه بعيدًا عن الأعين.
كما اعتاد أن يفعل دائمًا.
لكن هذه المرة، فقد السيطرة أسرع من المتوقع، ولم يملك حتى الوقت للانسحاب.
تمسك ببقايا وعيه محاولًا كبح جنونه، وإذا بها—تلك الكرة البيضاء—تتسلل إلى رؤيته المحتقنة.
كتلة من الضوء الخالص، طاهرة كالثلج.
لقد كانت “شوشو”.
أراد أن يصرخ بها أن تبتعد، لكن الأوان قد فات.
“لا…!”
بكل ما أوتيت من إرادة، عضَّت معصمه بأنيابها الصغيرة.
وفي اللحظة التي غرقت فيها أنيابها في جلده، بدأ السحر المتفجر بداخله يتلاشى، كما لو أن قوة خفية قد وجهته نحو مخرج واحد: جسد “شوشو”.
رأى بأم عينه موجات من السحر المتوهج، كضباب أحمر، تتسلل من جسده إليها.
ارتعد جسدها الصغير وهي تمتص تلك الطاقة الهائلة، ثم تجمدت في مكانها.
وفي المقابل، أحسَّ “كاردين” بأن سحره قد هدأ، وأن الضباب الذي كان يعميه قد تلاشى.
أفاق من هذيانه ليتفقدها.
“شوشو! استفيقي!”
صرخ بيأس، لكن “شوشو” لم تتحرك. أحس بقلبه يتمزق، إحساس لم يعرفه من قبل.
“كل هذا… بسببي.”
عضّ على شفتيه بغضب مرير، يجلد نفسه في صمت.
هذه القوة الموروثة عبر الأجيال، لم تكن نعمة… بل لعنة.
لعنة تبتلع حتى أعز ما يملك.
وربما، ربما كان هو الوحش الحقيقي، المتعطش للدماء.
تدفقت قطرة دم من بين شفتيه.
“يا سيدي الدوق! تمالك نفسك! لا تفقد صوابك الآن!”
كان “مايلد” يناشده بيأس، لكن “كاردن” لم يكن يسمع، فقط ظل يحتضن “شوشو” كأن العالم قد انمحى.
“سيدي الدوق في خطر… سيعود إلى الجنون مجددًا إن لم نتدخل!”
أدرك “مايلد” في الحال مدى خطورة الموقف. لم يكن هناك مفر من اللجوء إلى الحل الأخير.
أشار بصمت إلى القائد بيرك، الذي فهم الرسالة بمجرد التقاء النظرات. كانا قد فعلا هذا من قبل.
أومأ بيرك بوجه شاحب، وبدأ بالتحرك خلسة خلف “كاردن”.
أما “مايلد”، فاقترب من “رون” وهمس إليه:
“رون، خذ شوشو فورًا. سنستخدم الطريقة الأخيرة لتهدئة الدوق.”
هز “رون” رأسه بموافقة، وتوجه إلى “كاردن” الذي ظل متسمِّرًا، يحدق بـ”شوشو” كمن انفصل عن هذا العالم.
مدّ “رون” يده، وفي اللحظة التي التقط فيها “شوشو”، رفع بيرك قبضته العملاقة، عازمًا على ضرب مؤخرة رأس الدوق.
هذه كانت الطريقة السرية في قوات الدفاع الحدودية لتهدئة القادة في حالة انفجار سحرهم.
“سامحني… سيدي القائد!”
لكن قبل أن يُوجه الضربة…
“أيها البشر الحمقى، توقفوا.”
خرج من بين أشجار البتولا ثعلب فضي، يمشي ببطء وسكينة. كانت فروته تتلألأ بألق سماوي، وكان هو فرانز.
توقف بيرك، مذهولًا، وأسقط قبضته، واتسعت عينا “رون”.
“ثعلب… تكلّم؟! هل هو من جنس الثعالب المتحوّلين؟”
ظهر فرانز بكل ثقة، وكأن لا شيء يرعبه. تنحى الجنود من طريقه بدهشة، وهو يتقدم بخطى الأمير حتى بلغ “كاردن”.
حدّق “كاردن” فيه، وبدأ لون عينيه يتبدل تدريجيًا، ليعود إلى زرقةٍ هادئة.
“أنت من جنس شوشو؟”
رمق فرانز “شوشو” بنظرة باردة، وقال بلهجة ثابتة:
“إنها ليست ميتة… إنها نائمة.”
“ماذا تعني؟”
سأله “كاردن” بحدة، محذرًا.
لوّح الثعلب الفضّي بذيله، ثم في لمح البصر تحوّل إلى شاب بشعر فضي. أصيب الجنود بالذهول، لكن فرانز تجاهلهم، ووضع يده على جبين “شوشو”.
رغم أن “كاردن” عبس قليلًا، لم يمنعه.
شوشو كانت تتنفس بانتظام، كمن غرق في نوم عميق.
في عيني فرانز، كانت نظرة ألم نادرة، لكنها سرعان ما تلاشت.
“اسمها الحقيقي ليس شوشو… بل رويل. وقد ابتلعت طاقة سحرية هائلة دفعة واحدة، لهذا غرقت في النوم.”
تنفّس الجميع الصعداء.
تنهد “مايلد” براحة، و”رون” الذي بدا شاحبًا، ابتسم أخيرًا.
“لحسن الحظ.. ظننت أن مكروهًا أصابها.”
بيرك خفض كتفيه وبكى بصمت، و”أوين” ربت على كتفه مواسيًا، والدموع تلمع في عينيه.
أما “كاردن”، فقد ظل يحدق بـ”شوشو” بصمت. بدأت مشاعر الذنب والغيظ تهدأ، وهمس أخيرًا:
“إذن، هذا جيد… حقًا جيد.”
ثم وجّه نظره إلى فرانز.
“أنت من جنسها، صحيح؟ ونديتَها بـرويل.. هل هذا اسمها الحقيقي؟”
أغمض فرانز عينيه، وقضم شفته بأسى.
“قبيلة (وولفِس) تخلّت عنها… لا عودة لها إلينا.”
ارتبك “كاردن”، وسأله:
“ماذا تعني؟ لماذا طردتموها؟”
“هذا ليس شأنك، أيها البشري.”
قالها ببرود، ثم استدار، وتحول إلى ثعلب فضي مجددًا.
وقبل أن يختفي بين الأشجار، ألقى نظرة طويلة على “شوشو” النائمة بين ذراعي “كاردن”، ثم اندفع كضوء البرق إلى قلب الغابة.
مدّ الجنود أيديهم للإمساك به، لكن الثعلب قد اختفى…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 29"