في تلك اللحظة، اقترب مايلد من كاردن ليبلّغه بهدوء:
“سيدي الدوق، لقد تم الانتهاء من ترميم الحاجز. هل أبدأ بتجهيز الطعام؟”
أومأ كاردن برأسه وأجاب:
“أجل، حضّر الطعام بسرعة… ثم…”
ثم استدار نحوي بابتسامة ماكرة مرحة وقال:
“أعتقد أن شوشو هي أكثر من يشعر بالجوع بيننا.”
احتججت فورًا، بانزعاج ظاهر:
“هذا ليس صحيحًا! أنا لست شرهة!”
لكن، ويا لسخرية القدر… جسدي خانني في اللحظة ذاتها.
أصدر بطني الممتلئ الصغير صوتًا محرجًا عالياً. آه، هذا الجسد الصغير لا يتوانى عن إحراجي كلما سنحت له الفرصة!
كان الجنود قد أنهوا أعمال قطع الأشجار، وراحوا يجمعون الأغصان المتساقطة والأوراق اليابسة ليشعلوا نارًا صغيرة. راحت النيران تتراقص وتتلوى، فيما راحت قشور الأشجار وأوراق الصنوبر تحترق بصوت خافت.
وأثناء اشتعال اللهب، علق الجنود قدرًا من الحديد فوق النار، وبدأوا في إعداد الحساء.
الجميع كان منشغلًا بالتحضير للطعام، أما كاردين فكان يتناقش مع جنوده بشأن الحاجز المحيط بالمخيم.
‘هممم، يبدو أن الجميع مشغول. أشعر بالملل.’
وأنا أمشط فرائي بمخالبي في كسل، أطلقتُ تثاؤبًا طويلاً كاد أن يشق فمي، حينها اقترب مني “أوين” بخفة وابتسامة منعشة، ومدّ يده نحوي قائلاً:
“شوشو، هل تشعرين بالملل؟ كنت على وشك الخروج لقطف بعض الفطر، هل ترغبين في مرافقتي؟”
“نعم! بكل سرور!”
سرت أنا وأوين جنبًا إلى جنب على الممر المغطى بالثلج الأبيض الناصع. ومع كل خطوة، كان يُسمع صوت خفيف يشبه ‘بوضوضوق، بوضوضوق’.
حين التفتُّ خلفي، رأيت آثار أقدامنا منقوشة بدقة على الثلج، أقدامي الصغيرة وأقدامه الكبيرة، تتداخل على الطريق الأبيض الممتد.
لاحظ “أوين” نظراتي، فابتسم بلطف وهمس:
“آثار أقدامكِ على الثلج تبدو لطيفة للغاية، لدرجة أنني أرغب في الاحتفاظ بها إلى الأبد.”
أفهم مشاعره تمامًا.
فأنا أيضًا، حين أرى كفوف القطط الصغيرة أو الكلاب، خصوصًا تلك الوردية منها، أفقد صوابي من شدة لطافتها.
“أوين، تعال إليّ للحظة.”
رفعتُ قدمي الأمامية ولوّحت له بها. اقترب مني، وقد ارتسمت على وجهه علامات الفضول، ومدّ يده نحوي بثقة.
غمرْتُ كفّي الصغيرة بالثلج، ثم ضغطتها برفق على راحة يده.
وحين رفعتها، ظهرت طبعة كفي الصغيرة على راحة يده، بشكل ظريف ومدهش.
أطلق “أوين” تنهيدة إعجابٍ خافتة، وعيناه رسمتا هلالين من شدة سعادته.
“شكرًا لك، شوشو… سأحتفظ بهذه اللحظة في قلبي إلى الأبد.”
أوه، يا له من تأثير! لقد تأثر بشدة لمجرد طبعة قدم؟ يبدو أنني يجب أن أُكرّر ذلك كثيرًا لاحقًا!
تابعنا المشي معًا في قلب الغابة، فيما راح “أوين” يشرح لي قائلاً:
“ثمة أنواع من الفطر تنمو في الشتاء، تحت الأشجار المعمّرة المتساقطة. سنجدها غالبًا تحت تلك الأشجار القديمة الملقاة على الأرض.”
رفعت أنفي، وأخذت أشمّ الهواء باهتمام، أبحث عن الرائحة الزكية للفطر. وفعلاً، بين الثلوج البيضاء والأشجار الممتدة، بدأ عبق طري لطيف يتسلل إلى أنفي.
“هاه! وجدتُها هناك!”
“شوشو، انتبهي عند الجري، لا تسقطي!”
قفزتُ كالأرنب بين الصخور والثلوج، وها هي ذي، فوق جذع شجرة ضخمة ساقطة، كانت هناك مجموعة من الفطر البني المستدير تتجمع معًا.
“هنا! وجدت الفطر!”
اتسعت عينا “أوين” بدهشة وسرور، واقترب مني ثم مدّ يده وربّت على رأسي بلطف قائلاً:
“أحسنتِ، شوشو! وجدته ببراعة!”
جمعنا الفطر بأكفّنا، وعدنا إلى المخيم وكأننا أبطال منتصرون. وحين وصلنا، استقبلنا الجنود بذراعين مفتوحتين.
وبدا أن كاردين أُعجب بجهدي، فابتسم لي بفخر وحنان وقال:
“عملٌ رائع، شوشو.”
قام الجنود بإضافة الفطر الطازج الذي جلبته إلى الحساء، وعلقوا بعض القطع على أسياخ خشبية وشوَوها على النار.
انبعث من الفطر المشوي عطر لذيذ، عبقٌ يتسلل إلى الأنف ويوقظ الشهية. وبفضل إنجازي البطولي، نلتُ شرف تذوق أول سيخ بنفسي!
جلس الجنود حول النار، يأخذون قسطًا من الراحة وهم يتشاركون الطعام.
وما هي إلا لحظات، حتى بدأ الجنود يتسللون نحوي بهدوء.
اقترب مني جندي تملأ النمش أنفه، ومدّ يده قائلاً:
“شوشو، أعطيني يدكِ!”
تجهمت وضيّقت عينيّ:
“هَففف! هذا وقح! أنا لست كلبًا!”
“آه! آسف، لم أقصد الإساءة!”
حك رأسه بخجل واعتذر، فما عدتُ غاضبة.
كانت راحة يده حمراء ومنتفخة من استخدام الفأس طويلاً. منظر يده المتعبة جعل قلبي يلين.
فرفعتُ كفي الصغيرة، ووضعتها فوق كفه بصمت.
اتسعت عيناه بدهشة، ثم ابتسم ابتسامة مشرقة كالأطفال:
“حقًا؟! شكراً لكِ، شوشو!”
لكن… بدأ الجنود الآخرون يقتربون بتوتر، وكل واحد يمد يده.
“شوشو! أنا أيضًا أريد أن ألمس يدك!”
“هل أستطيع فقط تمرير يدي على فرائك؟!”
بات المشهد يشبه مهرجان توقيع لفنان شهير. شعرت بالإرباك، وبدأت أرجع للخلف، لكن فجأة…
وقف كاردين أمامي، حاصرني بذراعه وقال بحزم:
“توقفوا. شوشو خائفة.”
لمّا لمع بصره القاسي، شحبَت وجوه الجنود من الرعب.
“آآآسفين، سيدي القائد!”
“لقد تجاوزنا الحدود، نعتذر!”
تراجعوا فورًا، فحملني كاردين بذراعيه وابتعد بي، ليس نحو النار… بل نحو عمق الغابة.
“إلى أين نحن ذاهبون؟”
“إلى المكان… الذي كنتِ تتوقين لزيارته.”
قالها بهدوء، لكنه بدا حزينًا. تجمدت الكلمات على لساني.
كان المكان هو غابة البتولا، نفسها، مغطاة بالثلج الأبيض، ساكنة، حالمة، وهادئة كالأحلام.
أشجار البتولا البيضاء المصطفة، والثلوج الكثيفة فوقها… كانت وكأنها نفق ضوء نقي يخترق السماء.
وتسللت خيوط الشمس بين الأغصان، فأنارت الغابة بضوء خفيف يشبه الحنين.
همس كاردن:
“شوشو… لقد التقيتكِ هنا أول مرة. أما زلتِ تذكرين؟”
أومأت برأسي.
كيف لي أن أنسى؟
كان يواجه وحشين شرسين بمفرده، وحده، وسط الدماء والصراخ، في مذبحة مروعة لا تُنسى.
ومع ذلك، كانت نظرات كاردين الآن… حالمة، تفيض بالشوق.
“يقولون إن الذكريات تختلف باختلاف القلوب… لكن لماذا تنظر لي بتلك النظرة الحنونة؟”
حدّقت في وجهه مطولاً.
كنت أظنه شيطانًا بلا قلب، نهاية كل شيء.
لكنه… كان إنسانًا دافئًا، حنونًا، يُخفي رقة لا تُرى.
وفجأة، خيّم الحزن على وجهه. طالت رموشه، وظهرت مرارة دفينة في صوته.
“كنت أظن أني مضطر لجلبكِ إلى هنا. لكن في أعماقي… لم أرغب في ذلك قط.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 26"