الفصل 25 – لمن تُلوّحين بذيلكِ، أيتها الصغيرة؟
أشار “رون” إلى زاوية من الجدار الخشبي، حيث بدا أن إحدى زوايا الدائرة السحرية قد تعرّضت للتلف.
كانت آثار التخريب تبدو وكأن شيئًا ذا مخالب حادة قد خدشها بقوة.
نظر “رون” إلى النقش المتضرر بتمعن، ثم بدأ يدور في مكانه بانزعاج واضح.
“دوائر الحماية السحرية قوية للغاية، لا يمكن كسرها بسهولة… من في العالم تجرأ على فعل كهذا؟”
“هذا ليس من عمل ساحر. أمعِن النظر في العلامات… هذه آثار مخالب.”
حدّق “رون” طويلاً في الخدوش التي حفرت الدائرة السحرية، ثم انكمش وجهه بخيبة أمل.
“لكن… المخلوقات السحرية تتعرض لإصابات مميتة حتى لمجرد اقترابها من الجدار. كيف أمكن لأحدهم تشويهه؟”
كانت آثار المخالب المحفورة مألوفة بشكل مريب…
نظرتُ بخوف إلى كفّي المغطاة بالفراء الأبيض الناعم، حيث اختبأت بينه مخالب منحنية. صحيح أن تلك الخدوش كانت أكبر بكثير، لكنها تشبه مخالب قدمي.
خفق قلبي بعنف. هل من الممكن أن يكون مَن شوّه الدائرة السحرية هو أحد من بني جنسي؟ من الثعالب؟
لكن… لماذا؟
“سأعيد إصلاح الدائرة أولاً. الجميع، ابتعدوا قليلاً.”
مدّ “رون” كلتا يديه إلى الأمام وبدأ يتمتم بتعاويذ. راح نور سحريٌ مذهل يتبع مسار النقش المتضرر.
وسرعان ما بدأ الجدار الخشبي المتشقق يتوهّج كأن الحياة دُبّت فيه من جديد.
بمجرد أن لوّح “رون” بيده، لمع النقش بضوءٍ قرمزي، فعادت الحماية السحرية القوية كما كانت.
وفي تلك اللحظة… اختنق نفسي فجأة.
شعرت بقوة جبّارة تضغط عليّ، كما لو أن جدارًا خفيًا يسحق صدري.
كنت أرغب في الهرب بعيدًا عن الجدار على الفور، لكنني خفت أن يلاحظ أحدهم اضطرابي.
مسح “رون” عرق جبينه وقال:
“انتهيت، سيدي الدوق. أصبح المكان آمنًا الآن.”
“أحسنتَ، رون.”
بعد أن أثنى عليه، التفت “كاردين” إلى “مايلد”:
“مايلد، فتّش المنطقة القريبة من الجدار. وإن لاحظت أي أثر غريب، أبلغني فورًا.”
“أمرك، سيدي.”
“أما نحن، فنتّجه إلى الغابة وننضمّ لباقي الفصيل.”
كنت ما أزال منكمشة في صدر “كاردين”، أتنفّس بصعوبة. تأثير تلك الدائرة كان يضيق عليّ الخناق حتى كدت أختنق.
وضع “كاردين” يده برفق على رأسي، وراح يربّت عليّ بنظرة قلقة.
“لستِ على ما يرام، شوشو. ما الذي يؤلمك؟”
فتحت عيناي على اتساعهما، ونظرت إليه محاوِلة رسم ابتسامة، وحرّكتُ ذيلي قليلًا لتخفيف قلقه.
“أنا بخير…”
“حسنًا، دعينا نذهب للغابة إذن.”
أدار “كاردين” رأس حصانه مبتعدًا عن الجدار، وكلما ابتعدنا أكثر، تلاشى ذلك الضغط المرعب شيئًا فشيئًا…
أخيرًا استطعت التنفس بحرية مجددًا.
لكن التساؤل ظل ينهش داخلي.
ما الذي يجعلني أختنق بالقرب من دوائر الحماية من المخلوقات السحرية؟
من أكون حقًا؟ وما سرّ هذا الجسد الثعلبي الصغير؟
في صمتٍ مثقلٍ بالحيرة، عبرنا الجدار واتجهنا إلى الغابة القريبة.
امتدت غابة شتوية ناصعة البياض أمامنا، ساكنة وساحرة.
أشجار صنوبر شاهقة، ترتفع لأكثر من ثلاثين مترًا، مصفوفة بجلال وكأنها حراسٌ عمالقة في مملكةٍ جليدية.
دوّى صوت الفؤوس في أرجاء الغابة…
قريبًا، تهاوت أولى الأشجار بضجيجٍ صاخب.
صرخ القائد “بيرك”، مشجعًا الجنود بعنفه المعتاد:
“مهمتنا إصلاح الجدار! افتحوا أعينكم! إن لم تريدوا أن تتحولوا إلى عشاءٍ للمخلوقات السحرية، فاضربوا بكل ما أوتيتم من قوة!”
تحمّس الجنود وراحوا يعملون بجدية…
تحفيز؟ بل تهديد صريح! يبدو أنهم سيموتون من “بيرك” قبل أن يقتلهم المخلوق السحري.
كانوا يبدون كعبيدٍ أُجبروا على العمل. أمرٌ غير مقبول إطلاقًا في زمننا هذا!
بانتفاضةٍ مفاجئة، رفعت ذيلي وتقدّمت بخطًى واثقة نحو “بيرك”.
بمجرد أن لمحني، تبدّلت ملامحه الخشنة إلى حنانٍ غير متوقع.
“آه! شوشو الجميلة هنا؟”
حتى صوته تغيّر… صار رقيقًا كنسيم الربيع.
يا له من نفاق! لماذا يختلف أسلوبك بيني وبين جنودك؟
أقمت أذنيّ عالياً، ونقرت الأرض بمخلبَي الأماميّين في احتجاج واضح:
“كاااانغ! لا تُرهقهم هكذا!”
تجمّد “بيرك” في مكانه.
“كااانغ! من دون طعام، ومنذ الفجر؟! هذا ظلم!”
ارتبك تمامًا. انحنى نحوي، متوسلًا بصوتٍ خفيض:
“شوشو، أرجوكِ، هناك أسباب…”
“دعهم يستريحون ولو قليلًا! أليسوا بشرًا مثلك؟!”
راح الجنود ينظرون إليّ وإليه بدهشة، يحبسون ضحكاتهم لرؤية قائدهم المرعب يتوسل إلى كرة فراء صغيرة.
“شوشو، اهدئي…”
تدخّل “كاردين”، ورفعني بين ذراعيه، يربّت على ظهري بحنان.
“دعني! لن أهدأ!”
لكن لم أستطع مقاومة أسلوبه… كان يعرف بالضبط أين يربّت ليُسكتني.
“يا قائد، دَع الجنود يستريحون مؤقتًا.”
“ماذا؟ لكننا بحاجة لإنهاء قطع الأشجار قبل الغروب!”
“دعهم يستريحون، وأنت تولّى العمل بدلًا عنهم.”
“مـ… مفهوم، سيدي.”
تناول “بيرك” الفأس، وهتف بصوته الجهوري:
“استراحة لثلاثين دقيقة! سأكمل العمل بنفسي!”
تردّد الجنود، غير مصدقين.
“لا تقلقوا. واصلوا الراحة.”
“اشكروا شوشو! لولاها، لظللتُم تحفرون حتى الموت!”
بدأ “بيرك” العمل بنفسه، يصيح ويضرب الفأس بقوة.
أما “كاردين”، فوضعني بلطف على جذع شجرة وقال:
“انتظري هنا بهدوء. سأنضمّ لهم لبعض الوقت.”
“حضرتك؟ ستعمل بيدك؟”
“إن كانت رفيقة دربي تطلب، فهل أرفض لها طلبًا؟”
…مهلًا. ماذا قال لتوّه؟
حدّقت فيه بدهشة، أنفي مرفوع، وقلبي يضرب بجنون.
رفيقة دربه؟! من سمح لك بمناداتي بهذا؟ أنا لستُ حيوانًا أليفًا!
أردت أن أُظهر أني منزعجة، لكن “كاردين” سبقني إلى الفأس…
رفع كُمّيه وبدأ بالضرب. عضلات ذراعيه توهّجت تحت ضوء الشمس.
فجأة، انهار جذع شجرة ضخمة من أول ضربات.
تجمّع الجنود حوله يصفّقون مبهورين.
“أن يعمل الدوق بنفسه! هذا نادر جدًا.”
انحنى “مايلد” جواري وقال بلطف:
“شوشو، يبدو أنك تغيّرين الدوق حقًا.”
“كاأاو؟ لا أفهم…”
ارتفعت المعنويات، وتسارعت وتيرة العمل.
جلست على جذع الشجرة أراقب المشهد بانتباه… حتى وقعت عيناي على “أوين”.
توقّف ليمسح عرقه. خصلات شعره الذهبي تألقت تحت الشمس، وقطرات العرق انسابت على جبينه. تحت أنفه المرتفع، شفتاه الورديتان تنفستا بقوة.
يا للجمال…
لوّح لي “أوين” مبتسمًا:
“شوشو، ابقي هادئة، حسنة التصرف.”
“أنتَ رائع، أوين!”
أخذت ألوّح بذيل فرحيًا…
فجأة، سقط ظلّ مظلم من خلفي.
تبًا… لقد غفلت.
منذ أصبحتُ ثعلبة، لم يفلت أحد من حواسي. كيف لم أشعر؟
“شوشو… لمن تلوّحين بذيلكِ، يا ترى؟”
صوت بارد سقط فوقي كالصقيع.
أدرت رأسي ببطء… وكان “كاردين” هناك، حاملاً فأسه، يحدّق بي بعيون ضيقة وباردة.
ما بالك تنظر إليّ وكأنك رأيت خيانة حبيبة؟!
كل ما فعلته أنني شجّعت “أوين” فقط!
اقتربت يده من رأسي. كانت كفه متورمة حمراء… ربما جُرحت أثناء العمل لأنه لم يرتدِ قفازًا.
آه، لا بد أنها تؤلمه…
رفعت لساني وبدأت بلعق كفه بهدوء. وشيئًا فشيئًا، تلاشى الجرح، وعاد جلده كما كان.
تجمّد “كاردين” يحدّق بي، ثم رفع يده الأخرى وغطّى وجهه.
لكنني رأيت.
قبل أن يُخفيه… رأيت ابتسامته الراضية.
“أنتِ فعلاً ثعلبة، أيتها الصغيرة… من المستحيل الانتصار عليكِ.”
التعليقات لهذا الفصل " 25"