«الجندي الجديد، هذا المكان هو الجحيم. اهرب!»
في تلك اللحظة، فُتِح الباب فجأة، ودخل جنديان يحملان سلة صغيرة.
“آنسة شوشو، حان وقت التدريب الصباحي.”
“كآآآنغ! أريد أن أنام أكثر… ألا يمكنني فقط أن أرتاح؟”
حتى وأنا أتقلب متذمرة ببطنٍ ممتلئ، لم يكن لذلك أي جدوى.
حتى لو كانت ثعلبة صغيرة ولطيفة تتلوى أمامهم، فإن الجنود المتجهمين لم يلقوا نظرة واحدة، بل وضعوني قسرًا في السلة.
“آنسة شوشو، رجاءً عودي بسلام.”
ودّعتني بيتي بعيون دامعة، بينما استسلمت أنا لكل شيء، مستلقية داخل السلة، ألعن كاردين في سري دون توقف.
ماذا؟ يقول إنه سيكافئني على جميل صنعته له طيلة حياته؟ جميلٌ جدًا… مكافأة؟! بل هو يرد الجميل بالعداوة! سنرى…
عند مدخل ساحة تدريب الفرسان، لمحت وجهًا مألوفًا.
كان ذلك “رون”، الساحر ذو الشعر الأحمر، مرتديًا رداءً بنيًّا. ما إن رآني حتى لوّح لي بفرح طفل صغير.
“آه؟ إنها شوشو!”
ما إن رأيته حتى اهتزّ ذيلي من شدة الفرح. الآن يمكنني الهروب بفخر!
“شوشو، إلى أين تذهبين؟ الدوق خرج في جولة تفقدية على الأسوار الخارجية.”
أدى الجنود التحية لرون باحترام، رغم صغر سنه، فقد حاز على احترامهم كونه ساحرًا معتمدًا في حصن الشمال.
شعرت بالفخر، لا أعلم من أي بيت جاء، لكن من الواضح أنه نشأ جيدًا.
“القائد أمر بتدريب الصباح لآنسة شوشو، فنحن في طريقنا إلى ساحة التدريب.”
“حقًا؟ هذا رائع، فأنا ذاهب إلى هناك أيضًا. سأصطحب شوشو بنفسي.”
“لكن… إنها مهمتنا…”
تردد الجنود، إلا أن رون ابتسم بلُطف ودود.
“أنتم منشغلون أيضًا، أليس كذلك؟ دعوني أعتني بها، لا تقلقوا.”
أخرجني رون بسرعة من السلة وضمني بين ذراعيه، يسير بحذر خشية أن أسقط منه.
الآن تذكرت، لقد قضى الليلة الماضية في رعاية السيد بيرت. لا بد أنه مرهق أيضًا… هل سيكون بخير؟
“رون، لقد بذلت جهدًا كبيرًا البارحة في رعاية السيد بيرت. كيف حاله الآن؟”
“استعاد هدوءه الآن، ويتلقى علاجًا متناوبًا من قِبل المعالجين.”
“هل نِمتَ قليلًا؟ تبدو متعبًا جدًا.”
مرر رون يده عبر شعره الأشعث وابتسم بخجل، بدت النمشات على أنفه تتجعد فزادته لطافة.
“لا تقلقي. جئت فقط لأتفقد شوشو. لقد امتصصتِ مقدارًا كبيرًا من الطاقة السحرية البارحة، كيف حالك الآن؟”
“أنا بخير كعادتي، لكن مدة تحولي إلى بشرية كانت قصيرة. عدتُ بعد ساعة فقط.”
عبستُ بأنفي وأنا أتذمر. بالرغم من امتصاصي كل تلك القوة السحرية، فلم أبقَ بشرية إلا لساعة واحدة فقط. كيف لي أن أعيش كإنسانة طوال الوقت إذًا؟
غرق رون في التفكير بوجه جاد.
“صحيح… لا توجد أبحاث عن كيفية تحول الثعالب الشبيهة بالبشر إلى هيئة إنسان. لو كانت هناك عشيرة من جنسك، لكان الأمر أسهل. هل تملكين أية ذكريات عنهم؟”
سؤاله جعلني أرتبك في داخلي.
فأنا كنت قد تقمصت هذه الثعلبة، ومن الطبيعي ألا أملك أي ذكرى عن جنسها.
“أعتقد… أنني فقدت ذاكرتي. لا أذكر سوى أنني وجدت نفسي فاقدة للوعي في الغابة.”
لم أستطع إخباره أنني متجسدة، وأن ذاكرتي ليست ذاكرة الجسد.
حين استيقظت، كانت الثعلبة وحيدة. أين ذهب بقية جنسها يا ترى؟
راح رون يداعب أذنيّ بلطف ويواسيني بصوته الحنون.
“لا تقلقي، شوشو. سنجدهم قريبًا. لقد أرسل الدوق فرقة استكشافية لتتبع أثرهم.”
“السيد كاردين فعل ذلك؟”
“نعم. إنه يتمنى لك أن تجدي عائلتكِ. لا تقلقي، ستلتقين بهم عما قريب.”
عند وصولنا إلى ساحة التدريب، كان صوت الهتافات العسكرية يدوي في الأرجاء.
تحت قيادة أوين، كان الجنود الجدد يتدربون على حمل جذوع الأشجار الثقيلة والركض بها.
رغم تراكم الثلوج في ساحة التدريب، لم يبدُ عليهم أي ضيق، بل استمروا يتدحرجون وسط الثلج بكل حماس.
“الجنود يبدون نشطين كعادتهم. ماذا لو لعبنا هناك كي لا نزعجهم؟”
“موافق!”
اهتزّ ذيلي بحماسة، وتلألأت عيناي من الفرح.
بدأنا، أنا ورون، نبني رجل ثلج في زاوية مغطاة بكثافة من الثلوج. أنا جمعت الثلج بالخلفية بأطرافي الخلفية، بينما هو لفّه بدوائر لطيفة.
“لحظة، لا تنظري. سأفاجئكِ!”
حجب جسده عني ليُخفي ما يصنعه من رجل ثلج، ويبدو أنه أراد مفاجأتي.
هل يمكن أن يكون رون أيضًا يتظاهر باللعب هربًا من أبحاثه السحرية؟
بعد مدة، استدار رون بعد أن أتمّ صنعته. خداه كانتا محمرتين وعيناه الزرقاوان تتلألآن فرحًا.
“ها قد انتهيت! إنه رجل الثلج شوشو!”
“هذا أنا؟”
كان على هيئة كعكة أرز، وثُبتت ثلاث حبات فول سوداء لتكون عينين وأنفًا وفمًا.
شممت رجل الثلج واقتربت منه. كان بالحجم ذاته الذي أنا عليه… بل ربما ألطف مني!
“آه، شوشو الحقيقية بجانب شوشو الثلجية. كم هو لطيف المشهد.”
راقبته وهو يبتسم بمرح فابتسمت بدوري. شعرت بالشفقة على رون، الذي يقضي أغلب وقته في البرج منشغلًا بأبحاثه السحرية. لا يزال صغيرًا، ومن حقه أن يلعب.
حسنًا، سأكون الأخت الكبرى الرائعة اليوم، وألاعبه.
“أوه، هل تريد أن نحفر حفرة؟ سمعت أن الثعالب التي تعيش في البرد تحب حفر الثلج.”
جلس رون القرفصاء وحدق بي بحماس.
أنا جسدي ثعلبة، لكن روحي إنسانة عاقلة. لا يمكن أن أجد الحفر ممتعًا…
لكن نظراته البريئة حالت دون رفضي. لم أستطع تدمير طفولته.
بدأت بحفر خفيف بمخالبي الأمامية تمثيلًا فقط.
همم؟ لكن… هذا ممتع؟
وبدون أن أشعر، بدأت أواصل الحفر بجديّة حتى صنعت ثلاث حفر بحجم جسدي. شعرت بفخر وإنجاز غير مبرر!
“واو، شوشو! أنتِ بارعة في الحفر!”
صفّق رون لي بفرح، وأنا شعرت بالزهو وبدأت بحفر أخرى جديدة. ثم، وأنا أراقب إنجازي، انزلقت.
“كآآآآآنغ!”
رغم أن الحفرة لم تكن عميقة، فقد شعرت بالإحراج. حفرت قبري بنفسي وسقطت فيه! نهضت بسرعة من الحفرة.
“هل أنتِ بخير؟ هل تأذيتِ؟”
هُرع رون إليّ ونفض الثلج عني بلطف.
لحسن الحظ، لم يرَ أحدٌ ذلك غيره، أليس كذلك؟
نظرت نحو ساحة التدريب، فإذا بالجنود جالسين يستريحون بعد إنزال الجذوع.
رأيت بعضهم يضحكون مكبوتين، وآخرين يلوّحون لي بابتسامة.
لااا، لقد رأوا كل شيء!
غطيت وجهي بذَيلي الكثيف من شدة الإحراج.
وفي تلك اللحظة، اقترب منا أوين ملوحًا بلطف.
“أحضرت شوشو، أليس كذلك يا رون؟”
“نعم، سير أوين. شوشو جاءت لتتدرب أيضًا.”
أزال أوين الثلج من أذني بإصبعه، وابتسم بودّ.
“هل استمتعتِ باللعب في الثلج، شوشو؟”
شَعّ شعره البني وعيناه الزرقاوان تحت أشعة الشمس. كان جذابًا لدرجة جعلتني أُحدّق به بعينين نصف مغمضتين.
“بفضل قدوم شوشو، ارتفعت معنويات الجنود. يقولون إن مجرد رؤيتهم للثعلبة اللطيفة وهي تلعب منحهم دفعة قوية.”
“هيهي، أعترف أنني لطيفة فعلًا.”
رفعت أنفي بفخر وهززت ذيلي. ابتسم رون وأوين معًا لرؤيتي.
ثم اقترب بعض الجنود بحذر.
“سيدي المدرب، هل يمكننا الاقتراب من الثعلبة؟ سنشاهد فقط من بعيد.”
لا أحب الحشود. شعرت بالرهبة.
اختبأت خلف ساق أوين، غريزتي الحيوانية جعلتني أتحرك تلقائيًا.
فطن أوين إلى خجلي، فأمرهم بهدوء.
“الثعالب الصغيرة ليست معتادة على البشر، لا تقتربوا منها كثيرًا حتى لا تُفزع.”
حكّ الجنود رؤوسهم بحرج.
“آه، لم نكن نرغب بإخافتها… آسفون، أيتها الثعلبة.”
“لا تقلق، رغم مظهره المخيف، هو لن يؤذيكِ.”
“مَن الذي له مظهر مخيف؟ أنت من أفزعها!”
بدأ الجنود يتشاجرون حول من يخيفني أكثر.
كانوا جميعًا شبابًا طيبين وبسطاء. يناسبهم حمل المعاول أكثر من السيوف.
سمعت أن الحدود الشمالية قاسية، فلا زراعة هناك، لذا يتطوع أبناء الفلاحين الفقراء في حرس الحدود.
حين يصير أحدهم جنديًا، يحصل على الطعام والراتب، فيعيل عائلته.
لكن لماذا اختاروا حرس الحدود، أكثر الأماكن خطرًا لكثرة هجمات الوحوش؟ يا لهم من مساكين…
لوحت بذَيلي نحوهم.
يا أيها الجنود الجدد… هذا المكان جحيم! اهربوا ما زال أمامكم الوقت!
تمنيت أن أصرخ بهم للفرار فورًا.
بينما كنت أبحث بعيني عن شيء ما، رأيت غصن شجرة وسط الثلج.
أخذته بفمي وبدأت أكتب على الثلج حروفًا ملتوية.
تفاجأ الجنود وراحوا يراقبونني مبهورين.
“هاه؟ إنها تكتب شيئًا!”
“حقًا! إنها تكتب كلمات! يا للعجب، الثعلبة تعرف الكتابة!”
اقتربوا مني بفضول.
“ماذا كتبت؟ دعني أرى… هرب…”
“اهربوا!”
صرخ أوين بكل قوته بوجهٍ مذعور.
هممم؟ صحيح أنني كتبت “اهربوا من حرس الحدود”، لكن… أليست ردة فعله مبالغًا فيها؟
وفي تلك اللحظة، دَوّى صراخ مرعبٌ من السماء!
“كييياااااااااااااااااااااااه!”
“وايڤرن!”
التعليقات لهذا الفصل " 22"