حين أحضر كاردين تلك الثعلبة الصغيرة، ظنّ أنه مجرّد ترياقٍ حيّ لتثبيط طاقته السحرية.
لكن الآن… ربما تكون هذه الكائن اللطيف قادرة على إذابة جليد ذلك القلب الذي لم يعرف الدفء يومًا.
لم يستطع مايلد كبح ابتسامة خفيفة وارتياحٍ دافئ تسلّل إلى صدره.
وفجأة، انفتح الباب بقوة، واقتحم رون المكتب لاهثًا، وشعره مبعثر، ووجهه محتقن من شدّة الاندفاع.
من دون مقدمات، انطلقت كلماته:
“سمعت أن السيدة شوشو سقطت في البركة! هل هي بخير؟!”
“لقد استعادت استقرارها.
لكنني استدعيتك يا رون لأنني بحاجة إلى مشورتك.”
“أنا رهن إشارتك، سيدي.”
وقف رون بوضعية مستقيمة، جادّة، وقد بدا أنه ترك كل شيء خلفه ليسمع فقط ما سيقال الآن.
“حين كانت فاقدة للوعي… عضّتني. وبعدها تحوّلت للحظات إلى بشرية.”
عمّ الذهول المكان.
اتّسعت عينا بيرك، وحدّق مايلد بكاردين غير مصدّق.
اقترب مايلد بخطواتٍ بطيئة وسأل بتردّد:
“أهذا يعني… أن شوشو بالفعل تنتمي إلى فصيلة الشبه البشرية؟”
“نعم. لكن التحوّل لم يكن مستقرًا.
عادت إلى هيئتها الأصلية بعد بضع دقائق فقط.”
راح رون يعضّ إبهامه بتفكيرٍ عميق — عادة اعتادها حين يستغرق في تحليلاته السحرية.
“إذا كانت قد عضّت سيدي الدوق، فهذا يعني أنها امتصّت بعضًا من طاقتك السحرية.
إذًا، يبدو أن قدرتها على التحوّل ترتبط باستهلاكها للسحر.”
“وهل هذا شائع بين أمثالها؟”
“لا، أبدًا. حسب ما أعرفه، فالكائنات الشبيهة بالبشر تبدأ التدريب على التحوّل حين تبلغ سن الرشد، أما أن تتحوّل من خلال امتصاص الطاقة… فذلك لم يُذكر في أي سجلّ أو مرجع.”
“إن استمرّت بامتصاص سحري، فهل يمكن أن يتسبّب ذلك في ضررٍ لجسدها؟”
تردّد رون، وقد حكّ رأسه بعجز:
“أعتذر يا سيدي… لا أستطيع تأكيد شيءٍ بعد. سأواصل البحث.
لكن إن تمكّنا من لقاء ثعلب شبيه بها، فربما نحصل على معلوماتٍ أكثر دقة.”
“كلامك منطقي. الكتب وحدها لن تكفي.”
ثم التفت كاردين نحو بيرك، وقبل أن ينطق، كانت نبرته قد استعادت صلابتها:
“بيرك، هل شوهد أي فردٍ من الفصائل الشبيهة بالبشر مؤخرًا قرب حدود المناطق المحمية؟”
أجاب بيرك دون تردّد، وهو يهزّ رأسه نفيًا.
“لم يظهر أي من الشبه البشريين مؤخرًا سوى ذاك الذئب قبل عدة أعوام.”
“إذًا، أرسل كتيبة من الكشافة لتفتيش غابة أشجار القضبان البيضاء المحيطة بالحاجز.
قد يكون هناك من تبقّى من قبيلة الثعالب الشبيهة بالبشر.”
“أمرك، سأنفذ التعليمات فورًا.”
ثم أدار كاردين بصره نحو رجاله، وصوته يفيض صرامة ووضوحًا:
“أمرٌ أخير — مسألة تحوُّل شوشو إلى بشر… تُعتبر سرًا مطلقًا. ولا يُسمح بتسرب هذه المعلومة تحت أي ظرف.”
“نعم، سمعًا وطاعة يا سيدي الدوق.”
وما إن خرج الجميع من المكتب، حتى عمّ سكون ثقيل مشوب بالقلق.
جلس كاردين متكئًا على مكتبه، وملامحه غارقة في بحرٍ من الأفكار العميقة.
من كان يظن أن احتواءه لثعلبة صغيرة تائهة سيقلب كيانه بهذا الشكل؟
ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة… أشبه بمرارة الذكرى.
‘لو علم العم بيرت أنني احتضنت مخلوقًا ضعيفًا، لما غفر لي بسهولة.’
لم يُسمح لكاردين يومًا بتربية حتى جرو صغير.
كانت طاقته السحرية منذ صغره أقوى مما يمكن احتماله.
ففي السادسة من عمره، بدأت تظهر تلك الطاقة الغامرة، خارجة عن السيطرة.
وذات يوم، ببراءة طفلٍ لم يعرف الخطر، لمس عصفورًا صغيرًا… فأسلم روحه بين كفّيه.
برد جسد الطائر الصغير فجأة، وتصلّب كحجرٍ بين راحتيه الناعمتين.
تلك اللحظة الباردة القاسية ظلت محفورة في ذاكرته، وفي يده.
تكررت المأساة… قطّة مرّ على ظهرها بدافع الحنان، فخمدت.
ثم مُهرٌ صغير كان يمتطيه، ذوى ببطء حتى لفظ أنفاسه.
أصدر عمه بيرت، معلمه الوحيد، أمرًا صارمًا لا يقبل التراجع:
“لا تلمس الحيوانات، لا تقترب من الأطفال، لا تقترب من أحد.”
ومنذ ذلك اليوم، أيقن كاردين شيئًا مؤلمًا…
“ما دامت هذه القوة تجري في دمي، فلن أمتلك يومًا روحًا ترافقني إلى الأبد.”
تمّ عزله في الجناح الغربي، ليخضع لتدريبات السيطرة على تلك الطاقة المتوحشة.
لم يبدأ تدريبات الفرسان رسميًا إلا بعد أن بلغ الخامسة عشرة، حين تمكّن أخيرًا من كبح العاصفة التي تسكنه.
وفي الثامنة عشرة، أصبح أصغر قائد عسكري في تاريخ الإمبراطورية، يقتنص الوحوش ويُخمدها، لا حبًا في الحرب، بل لأنها كانت الوسيلة الوحيدة التي تجعله يشعر بأنه لا يزال بشرًا.
لقد كانت مطاردة الوحوش بالنسبة لعائلة “هيللايد” تقليدًا متوارثًا، لكنها أيضًا كانت طقسًا مقدسًا للجم تلك اللعنة السحرية المتأصلة في دمهم.
الناس خافوه، وصفوه بالوحش، بالمجنون المولع بالقتال، لكنهم لم يعلموا أن الحرب كانت خلاصه الوحيد.
ومنذ أن تولّى منصب الدوق، وهب نفسه بالكامل لحماية الشمال، ساهرًا على أمن القلعة والناس، يكافح كي لا تتفجّر قوى الشر من بين ضلوعه.
اعتقد أن إخلاصه للعرش وكرامة العائلة كافيان، ولم يفكر أبدًا في شريكة لحياته… بل لم يسمح حتى بفكرة اقتناء حيوان أليف.
ربما لأن الجراح القديمة لم تلتئم بعد.
كان يخاف المخلوقات الصغيرة، الرقيقة، اللطيفة…
لأن لمسة واحدة قد تُزهق أرواحها تحت ثقل قوّته.
وما إن جاء بتلك الثعلبة إلى قلعته، أدرك أنه تصرّف بدافعٍ غريب.
دهشته من جرأتها، من كونها الوحيدة التي لم ترتعد من حضوره المظلم، ولكن ما هزّه بحق هو دفء جسدها الصغير حين نامت في حضنه الملطخ برائحة دماء الوحوش.
كان ذلك أول شعور بالدفء…
أول مرة يشعر فيها بأن شيئًا ما، مهما صَغُر، لا يزال ينبض بالحياة وهو بين ذراعيه.
تطلّع إلى راحة يده، حيث لا تزال ذكرى ملمس خصلات شعرها الفضية عالقة.
لينطق بصوت خافتٍ حائر:
“ثعلبةٌ تستطيع أن تصبح إنسانًا…”
بل والأدهى… قد تكون المفتاح لكبح طغيان سحره.
ولكن، ما الذي ينبغي عليه فعله الآن؟
هل يضمها إلى جانبه؟
أم يعيدها إلى حيث تنتمي؟
نهض من مقعده وسار نحو النافذة.
خلف جدران القصر المتداخلة، خفقت راية زرقاء تعلو البرج الغربي.
راية السلام…
لو أن شيئًا خاطئًا حدث في الجناح الغربي، لارتفعت بدلاً منها الراية الحمراء.
نظر إليها وهي تتمايل تحت ضوء القمر، وقال بصوتٍ متحشرج لا يكاد يُسمع:
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 13"