استمتعوا
قالت اختي يوماً.
“إنّ الإلحاح على من يكرهك ويضيق بك ليس من الأدب في شيء… آه، لقد تذكّرت بضعة أشخاص الآن.”
قبل قليل، وأثناء ملاحقة رايان الهارب، فغرت لولو فاها بفرحٍ مبالغ فيه.
‘لقد كنتُ مسرورةً جداً، حتى إنني أزعجتُ رايان بلا قصد.’
انذار، انذار!
بهذه الحال، لن تنقذ رايان، بل ستجلب على نفسها بغضه.
“هيا، عقلي. فكّر!”
ولحسن الحظ، خطرت لـلولو فكرة جيدة في تلك اللحظة الحرجة.
في كتاب الحكاية ‘الأميرة والتنينة الصغيرة’ كانت الأميرة قد أهدت التنينة الصغيرة جوهرة لتكسب صداقتها.
إذن، فلتعطه لولو شيئاً تملكه!
“…أحقّاً ستعطينا هذا؟”
“نعم. لولو يكفيها فستانها!”
وهكذا، أصبحت لولو صديقةً لأصدقاء رايان.
في الواقع، لولو لا تشعر بالبرد لأنها تنين، لكنّها ارتدت الحذاء الفروي والمعطف بناءً على نصيحة أختها الكبرى، كي لا يثير الأمر شكوك الناس.
“شكراً! على فكرة، ألا ترون أن هذا المعطف مناسب تماماً لإيلي؟”
“والوشاح يجعل جسدي دافئاً!”
“انظروا إلى هذا القفاز، ما رأيكم أن نقتسمه أنا وأنت، كلٌّ منّا يلبس فردة؟”
كانت تلك أشياء عادية بالنسبة إلى لولو، لكنّ الأطفال فرحوا بها فرح من امتلك الدنيا.
ورغم أن الأمر لا يخص رايان، فقد شعرت لولو بدفء في قلبها.
‘إنّ تقاسم الأشياء أمر جميل حقاً.’
ابتسمت ابتسامة رضا عريضة، ووجنتاها المستديرتان تتورّدان، حين ناداها أحد الصبية.
“زعيم! هل تريد أن ترتدي الحذاء الفروي؟”
سعل رايان بخفة وقال. “لا، أعطه لإيلي.”
“حسناً!”
هرول الأطفال إلى حيث إيلي، وبقيت لولو مع رايان وحدهما، فتبدّد جو البهجة.
‘يا للبرود! إن رايان يبدو متجمّداً كالثلج!’
كان رايان مختلفاً عن أصدقائه الذين انفتحوا عليها سريعاً، فهو شارد، يحدّق في الفراغ، لا يكلّمها رغم أنها أحسنت إليه.
…لولو تنينة طيبة!
لمحته بطرف عينها ثم تمتمت تغنّي.
“لولو طفلة طيّبة… من يصادقها… تهديه لولو هدية.”
لكن حتى هذا لم يُحرّك ساكناً في قلب رايان.
‘أهو ذاهب؟!’
بدأ يمشي نحو أصدقائه، ثم توقّف فجأة واستدار نحوها.
“أنتِ تعطينني الهدايا لتسقطي حذري، لكني قلت لكِ من قبل… لن أذهب معكِ.”
“يا للأسف… لولو بارعة في خطف الناس.”
“أيُّ مختطفةٍ حمقاءَ تكونين؟!”
“حمقاء؟ لولو؟”
لم تسمع حتى أختها تصفها بذلك، فحدّقت فيه حائرة.
تنهد ثم قال. “سأذهب لأطمئن على إيلي، إن أردتِ المجيء، فتفضّلي.”
“حقاً؟”
“ألا يثير فضولك أن تعرفي من سيرتدي معطفكِ؟”
خفّت حدّة نظرته قليلاً، وهذا كان بدايةً لانفتاح قلبه عليها.
“أوه!”
قفز قلب لولو فرحاً. “حسناً، سأتبعك!”
***
في تلك اللحظة، في مخزن البرج.
“توك.”
أخيرًا انقطع الحبل الأزرق الذي كان يلفّ معصميه خلف ظهره.
غشّت ظلال سوداء وجه الرجل الذي لم يتحرك قيد أنملة.
لكن ما إن فتح عينيه، حتى أضاء في الظلام بوهج قرمزي متقد، كحمم البركان.
لقد فرّ فيليكس.
***
“إيلي! هل تعرفين ما أحضرتُ لكِ؟”
“لولو أعطتني وشاحاً ومعطفاً… وحذاءً فروياً أيضاً.”
كان الأطفال قد قصدوا ركن الصناديق الورقية، حيث تجلس طفلة صغيرة في حجم لولو تقريباً، منكمشة بين الصناديق التي رُصّت كالجدار.
ألبسوها المعطف والحذاء، فسألوها.
“هل ما زلتِ تشعرين بالبرد؟”
“قليلاً… لكن أقل من قبل.”
ارتسمت على شفتيها الزرقاوين ابتسامة باهتة شاكرة، لكنّ ثقل البرد المترسّخ في جسدها لم ينقشع.
“شـ… شكراً لكِ… كح، كح!”
أخذت تسعل بعنف حتى اختنقت، تضرب صدرها من شدّة الألم.
لم تجد لولو في ذلك جدوى، وازداد قلقها حين رأت رايان يحاول تهدئتها قائلاً.
“لقد أُصيبت بالزكام. أمثال هذه الحالات تتحسّن سريعًا لو نامت في مكان دافئ وتناولت طعامًا جيدًا. لكن البيئة السيئة تجعل الأمر يزداد سوءًا.”
كان في ملامح رايان شيء من التعقيد، ربما خليط من الحنين واللوم.
سألت لولو.
“إذًا، هذا لأنها لا تملك سريرًا دافئًا ولا طعامًا؟”
“نعم. لكن بفضل معطفكِ وحذائكِ، لا بد أنها تشعر بتحسّن قليل الآن.”
كانت على حق… لكن لولو سألت ما هو أبعد.
“وأنت… هل أنت بخير؟”
“أنا؟ ولماذا؟”
“أنت أيضاً مريض… بيئتـ…”
فجأة كمم فمها بكفه الباردة، وحدّق فيها مذهولاً.
“كـ… كيف عرفتِ؟”
ابتسمت قائلة. “لأني خاطفة رايان.”
“كفّي عن الكلام المخيف!”
لكن السبب الحقيقي أنها لاحظت سعاله المتكرر منذ البداية.
“إنه مجرد سعال لا إرادي… أنتَ تحاول إخفاءه بذلك الصوت الغريب.”
قلّدته وهي تغطي فمها بقبضتها الصغيرة، فتلفّت حوله بارتباك.
“تعالي معي.”
قادها بعيداً عن الأطفال، ثم قال بجدية.
“لا تخبريهم… هنا، أنا زعيمهم، الأكبر سناً، وجمعتهم بنفسي.”
“واو… أنت حقاً زعيم.”
“لهذا إن عرفوا أنني مريض، سيفزعون.”
أومأ بثقة، لكن يديه كانتا متشققتين محمرتين من البرد.
قالت لولو بصرامة.
“إذا مرضتَ، يجب أن تعتني بك أختك أو أحد ما في مكان دافئ.”
“هذه مسؤولية الزعيم… اعتدت قيادة الناس منذ كنت صغيراً.”
“يبدو أن كونك زعيماً أمر شاق.”
“قبل أربع سنوات… كنت أعيش في بيت دافئ.”
اشتد سعاله حتى لم يعد يقوى على كتمه.
“لم أكن أعلم أن الطقس المعتدل والطعام الدسم نعمة عظيمة… كح، كح!”
“رايان! هل أنت بخير؟”
“لا… ربما أشعر بالبرد… كح!”
حاول النهوض وهو يتكئ على يده المرتجفة، ثم تمتم بصوت متهدج.
“أتمنى… لو كان هناك موقد…”
ثم انكمش على نفسه كدودة، يتنفس بصعوبة كسمكة ألقيت خارج الماء.
“موقد؟ شيء دافئ؟ تقصد النار؟”
تسارعت أنفاس لولو وهي تحدّق فيه، تعرف أن شرارة بسيطة قد تنقذه… لكن ماذا لو اكتشف أنها تنين؟
‘لقد وعدت أختي… إن عرفوا أنني تنين، سيكرهونني…’
لكن إن لم تقترب النار منه… فقد يفقد حياته.
تجمّعت دموعها الكبيرة في عينيها وهي تحدّق في صديقها المترنّح.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 7"