متى كانت آخر مرة رأى فيها الأميرة؟ لم يتذكّر بدقة، لكن صورتها في ذاكرته كانت لامرأة ترتدي فستانًا فخمًا، تلوّح بمروحة مرصّعة بالجواهر.
قالت وهي تبتسم ابتسامة واثقة.
“أنا؟ جئتُك بحساء كي لا تدعك جائعًا، كصاحبة لهذا البرج. آه، وأعتذر، لكن حتى أطمئن تمامًا لن أستطيع فك الحبال عنك. لقد أوثقتها بالسحر، فلن يسهل عليك حلّها.”
كانت الأميرة تبدو أكثر راحة مما كان يراها في حفلات القصر.
طَق.
بل، حين أشعلت أنوار الحجارة السحرية بكعب حذائها بمهارة، بدا أن قولها إنها سيّدة هذا البرج لم يكن كذبًا.
ارتسمت على شفتي فيليكس ابتسامة خافتة.
فمملكة ليديا غارقة في فوضى بسبب اختفاء الأميرة.
من الملك حتى آخر النبلاء، ما إن يجتمعوا حتى لا يدور حديثهم إلا عن مصير الأميرة أنجيلا.
لكنها لم تُختطَف، بل جاءت بنفسها لتقيم هنا.
بل وتربي تنينة أيضًا؟
قال محتجًّا.
“أتحتجزين دوقًا جاء لينقذك؟”
أجابته ببرود.
“لم أطلب من أحد أن يأتي لإنقاذي. بل مَن تجرأت وكسرت بابي دون إذن؟ أتعلم كم ارتعبت لولو؟”
“هل أَسمَيتِ تلك الوحش باسم؟! سموكِ، أنتِ ابنة الملك، خليفة الحاكم على الأرض! أفيقي إلى رشدك!”
“نحن في الشمال، وأهل الشمال لا يؤمنون بحاكمكم. أما أنت، فأهل العاصمة معروفون بإيمانهم الراسخ… قل لي، أهو دينك أيضًا ما يجعلك تكره التنانين؟”
أكره التنانين؟
سخر في نفسه.
“سموكِ، ليس أنا وحدي، بل الجميع يمقت التنانين.”
أما هو، فسبب كراهيته لم يختلف عن عامة الناس، وإن كان أشدّ وقعًا على نفسه.
فهو فيليكس، دوق مملكة ليديا، حمى رعاياه، لكنه عجز عن حماية أسرته.
رايان… أخيه الوحيد، الذي لم يكن له غيره بعد أن فقد والديه في سن صغيرة.
كان الصبي لا يتجاوز الثامنة حين خُطف من أمام عينيه بمخالب تنين.
لا تزال الصورة مطبوعة في ذاكرته.
مخالب هائلة حادّة تطوّق جسد رايان، ترفعه إلى السماء.
“أخي! أنقذني! هذا التنين سيأكلني! آآااه!”
ذلك الوجه المبلل بالدموع، وذلك الجسد الذي يتخبّط في الهواء، لم يفارق خياله.
“دوق.”
انتزعه صوت منخفض من ذكرياته، ففتح عينيه على عجل.
“هل أنت بخير؟”
لقد نسي حتى أن يتنفس، والعرق البارد يغمره.
وحين أفاق، وجد الأميرة راكعة قربه، تنظر إليه بقلق.
“يبدو أنك لم تنم ولم تأكل جيدًا. هيا، كلْ شيئًا، فلا بد أنك لم تتناول طعامًا منذ جئت.”
دخلت في مجال بصره المبهَم ملعقةٌ تحمل الحساء.
“…بهذا الأسلوب ستجعلينني أزداد رغبة في الامتناع عن الطعام.”
“ألن تأكل؟ إنها أوامر الأميرة.”
أميرة هاربة تأمره… ابتسم بمرارة، أجل… لولا كونكِ أميرة لما جئت إلى هنا في المقام الأول.
زفر بعمق، وقال ساخرًا.
“الملوك والأمراء… جميعهم سواء.”
“أسمعك جيدًا.”
“أردتُك أن تسمعي.”
ولعله الدوق الوحيد في المملكة الذي يجرؤ على شتم العائلة المالكة في وجهها.
لكن مقاومته اللفظية توقفت عند هذا الحد، إذ لم ينكر أنه لم يتناول وجبة حقيقية منذ أيام.
ورغم اضطراب قلبه بشأن ما إن كان ما يحدث صوابًا، فقد قرر أن يترك عقله جانبًا للحظة، وفتح فمه.
“هكذا أحسنت.”
ابتسمت الأميرة برضا، ونفخت في الحساء لتبرده، ثم قربته إلى شفتيه.
لكن فجأة…
“أيها الفارس، أخاك لم يمت.”
انبعث صوت طفولي من خلفها.
كانت لولو، تقف في فتحة الباب، رافعةً جوهرة بفخر.
“هذه الجوهرة تقول إن أخاك ما زال حيًّا.”
***
“أيتها الوحش اللعينة!”
“أختيييي!”
دَوِي!
ركضت أنجيلا وهي تمسك بلولو المذعورة، خارج المخزن، فقد بلغ الغضب بفيليكس منتهاه وانفجر.
“تلك التنينة الملعونة، أهي تحاول خداعنا؟! أتتكلم بلسان كاذب؟! أم أنك تعرفين التنين الذي قتل رايان؟!”
رغم أنها كانت بين ذراعي أختها، في مأمن، ظل قلب لولو يخفق بعنف حتى خُيّل إليها أنه يصرخ.
لم يكن غضب الفارس عليها أمرًا جديدًا، لكن هذه المرة كان أشد من كل مرة مضت… أو ربما، كان في صوته شيء من الحزن.
“… لولو، هناك مزاح لا يجوز. هل أردتِ عمدًا إغضاب الفارس؟”
جلستها أختها على كرسي في المطبخ وقد انسحبت بهدوء.
لكن هذا لم يكن ما توقّعته لولو أبدًا.
كنت أظنه سيفرح حين يسمع أن رايان حي…
هيب!
شهقت وهي تبتلع ريقها، وما زالت القشعريرة تسري فيها.
“…اختي، الجوهرة قالت لي، وهذا صحيح.”
“الجوهرة قالت لك؟”
“نعم. طلبت مني أن أبحث عنه، لأنه حي.”
“…فهمت.”
ربّتت على ظهرها بيد دافئة، لكن وجهها بدا في حيرة.
“لولو، حتى لو سمعتِ ذلك من الجوهرة، فلا تقولي للناس شيئًا ما لم تكوني متأكدة منه.”
“إذن لنذهب نحن والفارس ونبحث عن رايان.”
“لولو.”
وضعت إصبعها الطويلة على شفتيها، في إنذار واضح أن الجدال أكثر من ذلك لن يُسمح به.
لكنني متأكدة…
وانتهى الأمر بأن أُعيدت لولو إلى غرفتها بعد دقيقة واحدة من دخولها المخزن.
***
“أيتها الجوهرة، ماذا سنفعل؟ أخشى ألا نجد رايان…”
وكانت القصة كالآتي.
رايان هو الأخ الأصغر الوحيد للدوق فيليكس.
أما الجوهرة، فقد شهدت الواقعة بنفسها، وهي معلّقة على عنق التنين وقتها.
عرفت عن نفسها بأنها ‘جوهرة تنين’، وقالت إنها سقطت من عنقه أثناء المعركة، واحتفظ بها الدوق تذكارًا وعهدًا على الانتقام.
لكنها أكدت.
– لم يختطفه التنين ليؤذيه، بل لأن جدار المبنى وراءه كان يوشك أن ينهار عليه، فأمسك به لينقذه. لكن الناس أساؤوا الفهم، وأمطروه بالسهام، فاضطر إلى الطيران بعيدًا.
ولم يستطع العودة إلى المدينة مجددًا، فبحث عن مكان آمن ليترك فيه الصبي، فاختار قرية شادوم الملاصقة لغابة الظلال، الأقرب إلى موطنه.
إن كانت الجوهرة صادقة، فهذا يعني أن رايان قريب جدًا منهم الآن!
لكن كيف أجد رايان؟
“أممم…”
شدّت لولو شعرها بيديها الصغيرتين، وهي تفكّر لأول مرة في حياتها لأجل أحد غير نفسها.
وفجأة… وجدت الخطة المثالية.
***
أما فيليكس، فكان قد رفض الطعام أيامًا، منذ أن سمع من لولو أن رايان حي.
راح يحاول إقناع الأميرة بصوت هادئ لكن فيه رجاء.
“سموكِ، أعيدي التفكير، لقد مات مئات الأبرياء بسبب التنانين. أيهما أهم عندك، البشر أم الوحوش؟”
لكن أنجيلا، بعد محاولات عدّة لإطعامه قسرًا، قررت أن تدعه وشأنه، معتبرةً أن رجلاً بالغًا لن يدع نفسه يموت جوعًا.
وفعلاً، ما إن تجاهلته تمامًا لبضعة أيام حتى بدأ يتناول الحساء من تلقاء نفسه، وتوقف عن توجيه اللوم إلى لولو.
وظنّت الأميرة أن الأمر انتهى، وأنه قد تخلّى عن فكرة الهرب.
فقررت الخروج إلى السوق، فقد نفد الخبز والحليب، وحتى البيض الذي تعشقه لولو.
لكن حين فتحت باب غرفة الصغيرة، فوجئت بأن السرير خالٍ.
دق!
كأن قلبها هوى في قاع بئر.
“لولو…؟ لولو؟”
“أختي!”
التفتت نحو الصوت، فإذا بلولو واقفة أمام الباب مباشرة، بحيث لم تكن تراها.
لكن مظهر الصغيرة كان يوحي بأن شيئًا ما يدور في الخفاء…
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"