استمتعوا
بقب، بقب، بقب…
كانت الأرضية الخشبية تصدر صريرًا تحت خطوات الأرجل القصيرة الصغيرة وهي تخطو بجدّ ونشاط.
لولو، تلك التنينة الصغيرة، تقدّمت بخطى حازمة نحو هدفها، ثم أطلقت ركلة قوية بساقها اليمنى مرفقة بصيحةٍ حماسي.
“بـيَـق!”
هجوم مباغت… يُعرف باسم ‘ثأر الأرجل القصيرة’.
في الليلة الماضية، تأثرت لولو بشدة حين أخبرتها أختها الكبرى بنيّتها سجن الدوق، ومنذ تلك اللحظة اتخذت لنفسها هدفًا واحدًا.
“سأُصبح قويّة!”
قويّة بما يكفي لحماية أختها أنجي، لا لتجوب العالم كما يفعل الفرسان، بل لتلقّنهم درسًا حتى لا يتجرأ أحد على الاقتراب منهما!
مرّ يومٌ منذ أن تمّ احتجاز الدوق فيليكس.
ورغم أنه لم يستفق بعد، فقد أعلنت لولو حالة الطوارئ صباح اليوم، وانطلقت إلى تدريباتها البطولية.
أسقطت الوسادة بضربة سريعة من قدمها القصيرة، ثم رمقت ما حولها بنظرة حذرة.
الهدف التالي هو…
“هذا هو! بياق!”
غرست قدمها الصغيرة في وسادة ناعمة بيضاء، ضاربة إيّاها بكل قوتها.
رغم أن ضربتها كانت حماسية، إلا أن لولو، لصغر سنّها، لم تتمكن من تمزيق الوسادة أو تفجيرها.
لكن لا بأس، فحتى طيّةٌ بسيطة تركتها على سطحها تُعدّ إنجازًا يُذكر!
قالت بحزم.
“سأحمي أنجي! وقد اخترت قصتي المفضلة. الأميرة والتنينة الصغيرة! “
وفي اللحظة التي همّت فيها بالهجوم على الوسادة التالية…
تعثّرت ساقها الصغيرة من فرط الحماس، وسقطت أرضًا.
“أوه… لعلّ أحدًا لم يرَ ذلك؟”
وضعت يدها الصغيرة على جبهتها المحمرّة محاولة إخفاء أثر السقوط، ثم أسرعت بالنهوض.
لكن عندها…
رأت شيئًا يلمع على الأرض.
…؟
كان حذاءً جلديًا فاخرًا، لامعًا رغم أنه غير مصقول، حتى ظنّته لوهلة جوهرة متلألئة.
رفعت نظرها إلى الأعلى، عبر السروال الطويل الذي يرتديه صاحب الحذاء، فإذا بها ترى رجلًا ضخمًا جالسًا على الكرسي…
إنه الدوق فيليكس، لا يزال نائمًا.
“أوه لا… لقد تسللت إلى معقل الزعيم الأخير دون أن أدري!”
ابتلعت ريقها بقلق، ثم بدأت تتراجع بهدوء محاولة الهروب.
لكن قبل أن تدير ظهرها تمامًا، سمعت صوتًا غائمًا، مؤلمًا.
“لا ترحل… أرجوكِ… لا، رِيـان…”
ذلك الصوت الباسم من الفارس، نداءً حزينًا في نومه.
“هل يحلم الفارس بكابوس؟”
لو علمت أختها بوجودها هنا، لعاقبتها بالتأكيد.
لكن نبرة الصوت التي تمسّكت بها بشدة جعلت لولو تعود بنظرها إلى وجه الفارس.
كان يتلوّى في نومه كمن يعاني ألمًا دفينًا، وجبينه مقطب.
“رايان… أرجوك، رايان…”
كان يتمسّك باسمٍ ما… ‘رايان’.
“فارس… من هو رايان؟”
سألت لولو بصوتٍ خافت وهي تنظر إليه، لكنه لم يجبها… كما هو متوقع.
الغريب في الأمر… أن هذا الفارس الذي كانت تراه مخيفًا، بدا الآن كمن يعاني من ألم فقدٍ شديد.
كأنّه يبحث عن أحد… تمامًا كما كانت لولو تبحث عن والديها قبل عام.
“لكن… آسفة أيها الفارس، لولو في صف أنجي دائمًا.”
رغم رغبتها في معرفة من هو رايان، لم يكن من اللائق إيقاظ الفارس.
فهو يكره لولو أصلًا، وربما لو رآها، سيزداد حزنًا.
وضعت يديها الصغيرتين على أذنيها متظاهرة بعدم السمع، ووقفت على أطراف أصابعها لتمسك بمقبض الباب.
لكن حين أمسكته، سمعَت صوتًا… لا، نداءً.
— لا ترحلي، أيتها التنينة الصغيرة.
كان صوتًا مختلفًا، هادئًا، عذبًا…
لم يكن صوت الفارس، بل شيء آخر، ناعم في نبرته.
استدارت لولو فجأة تبحث عن مصدر الصوت، لكنها لم تجد أحدًا سوى الفارس النائم.
ثم جاء صوتٌ آخر.
— نعم، أنا أخاطبكِ أنتِ.
“مـ، من هناك؟!”
رغم خوفها، رفعت لولو قبضتها الصغيرة، تلك التي أطاحت بالوسادة.
“أيا من تكون، لن أسمح لك بإيذاء أختي أو إيذائي!”
صوتها اهتز، لكنها تظاهرت بالشجاعة. وإن لزم الأمر… فهي ستُنادي أنجي!
— أنا هنا، أيتها التنينة الصغيرة.
جاء الصوت من جهة عباءة الفارس.
نعم، من هناك! بالتحديد… من الزينة الحمراء على طرف العباءة، حجر كريم على هيئة تنين، كان يُحرّك فمه.
“لولو ليست تنينة سهلة!”
صرخت.
— أعلم، فأنتِ محاربة صغيرة.
“محاربة؟”
تسمية لم تعهدها لولو من قبل.
أهي حقًا محاربة؟
“لماذا تناديني بمحاربة؟”
سألت بصوتٍ يختبئ فيه الفخر.
ثم أدارت وجهها إلى مصدر الصوت، فوجدت الحجر الأحمر يحرّك فمه.
— والآن فقط نظرتِ إليّ! هل تحبين قصص الأطفال؟
“حـ، حجرٌ كريم يتكلم؟!”
يا للمفاجأة!
في البداية ظهر الفارس كما في القصص… والآن حجرٌ يتحدث؟
هل تعيش لولو داخل قصة خرافية؟
أعجب الحجر بردة فعلها، فابتسم ابتسامة راضية.
— هل تسمحين لي ببعض الحديث؟
رغم نيتها في الرحيل، لم تستطع لولو مقاومة إغراء حجرٍ كريم يتحدث.
كما هو معروف، لا يُقاوم التنانين الأحجار الكريمة.
مسحت لولو لعابها المتساقط، وقالت بحماس.
“طبعًا!”
***
إنذار! إنذار!
انتزعت لولو الحجر من العباءة، وعادت مهرولة إلى غرفتها.
كادت تخبر أختها، لكن…
“أنجي خبّأت عني قصص الأطفال… ربما لو علمت بأمر الحجر ستبتلعه كي لا أراه!”
لذا قررت أن تحتفظ بالسر وحدها.
“أيها الحجر المتكلم، هل أنت بخير؟”
أغلقت الباب بإحكام، ثم أشعلت الضوء وجثت على كرسيها الصغير.
وبين أصابعها، أضاء الحجر الأحمر مجددًا.
— أنا بخير، لولا حرارة يدك الرطبة المتشبعة بالعرق التي تُزعجني قليلًا.
“آه، آسفة!”
ومسحت يدها في كمها.
— أشكركِ على لطفكِ، أيتها الصغيرة.
الجوهرة تقول ما تريد، لكنها تبدو جوهرة مهذبة لطيفة.
لكن، لماذا تتكلم الجوهرة أصلًا؟
أيمكن أن يكون السبب أنّ لولو محاربة أسطورية؟!
تراكمت في ذهنها أسئلة كثيرة، حتى صارت تتململ في مكانها.
لكنها قررت أن تسأل أول ما أرادت معرفته.
“أيتها الجوهرة، ما سبب مناداتك لي؟”
— أولًا… هلّا أخرجتني من يدكِ اللزجة؟”
“آه، فهمت!”
بحثت عن منديل ناعم.
— إن أمكن، أفضل الحرير على الأرض الباردة…
“وجدته! هذا منديل أحبه كثيرًا.”
— أوه، نعم… يبدو أنه ملطّخ بمخاطك، أليس كذلك؟”
فتح فمه متحيرًا، لكنه حاول الابتسام.
“قالوا إنني أعاني من شيء اسمه ‘التهاب الأنف’، لا أعرف معناه بالضبط.”
كانت لولو في غاية الفرح لأنها تشارك شيئًا من أغراضها لأول مرة.
رفع الحجر صوته بالدعاء.
“ايها الحاكم أنقذ هذه التنينة الصغيرة من سيلان أنفها!”
“آمين.”
تمتمت.
وأخيرًا… دخل الحديث في صلب الموضوع.
— أيتها التنينة الصغيرة، شكرًا لتجاوبكِ. لقد ناديتكِ… لأني أحتاج إلى مساعدتكِ في أمرٍ مهم.
“ما هو؟”
— أيمكنكِ… إنقاذ الصبي المُسمّى رايان؟
“رايان؟”
نفس الاسم الذي ردده الفارس أثناء نومه…
عبست ملامح لولو، وأجابته بنبرة جادة.
“تحدث، قل لي كل شيء!”
فربما، فقط ربما…
ستكتشف لولو سبب حزن الفارس.
***
في تلك الأثناء…
ارتفع جفن الدوق فيليكس ببطء.
“…؟”
فتح عينيه ليجد نفسه داخل مخزنٍ مهجور.
نافذة مستطيلة صغيرة بالكاد تدخل الضوء، جدران خالية، لا شيء في الداخل سوى الهواء.
لو لا النظافة، لظنّ أنه قد نُسي في زاوية العالم.
وحين حاول النهوض…
“…؟”
وجد نفسه عاجزًا.
كان مقيدًا.
وتذكر حينها صوتًا أنثويًا كان يسمعه قبيل فقدانه الوعي… لقد كانت الأميرة.
ضحك بسخرية.
“…حقًّا، ما أغرب ما قد يمرّ به المرء في حياته. أتحتجزون من جاء لينقذكم؟”
ثم فُتح الباب، ودخلت الأميرة…
لكن هيئتها لم تكن كما تخيلها.
فستان داكن بسيط كملابس العامة، وشعر مرفوع بطريقة عشوائية تتطاير منه خصلات.
تحمل بيدها طبق حساء يتصاعد منه البخار وملعقة خشبية.
“أنت مستيقظ، أليس كذلك؟”
حدّق بها في دهشة…
ثم سأل، وقد غاب عنه حتى إلقاء التحية.
“ما الذي تفعلينه هنا؟!”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 4"