استمتعوا
بعد ظهرٍ دافئ.
في البرج الذي ينعم بسلامٍ غير مسبوق، ترددت أصواتٌ متنوّعة.
في الطابق العلويّ من البرج، كان يُسمَع صوتُ أنجيلا وهي تعبث بالأدوات السحرية.
وفي الحديقة الخلفيّة للبرج، كان رايان يسقي حديقته الصغيرة.
وعند الكوخ القريب، كان فيليكس يقطع الحطب.
لكن لو كان لا بُدّ من اختيار أكثر الأصوات إثارةً للاهتمام، لكان ذلك الصوت القادم من الطابق السفليّ.
– “في قديمٍ قديمٍ من الزمان، كان هناك فرخُ بطةٍ لم يتمكّن من الخروج من بيضته.”
في الطابق السفليّ من البرج، وبين مكتبةٍ تكتظّ بكتب الحكايات، كان الحجر يقرأ كتابًا للولو.
وعندما قلّبت لولو صفحتها الصغيرة إلى الصفحة التالية، واصل الحجر الحوار.
– “كان فرخ البطة قد حان وقتُه ليولد، لكنّه ظلّ مختبئًا داخل البيضة بإحكام، لأنّه كان يخشى العالم الخارجيّ. ككّونغ ككّونغ!”
“كّك، كونغ كونغ!”
اهتزّت أرداف لولو فرحًا.
آه… يا له من محاكاة صوتيّة مثيرة لطفلةٍ في الرابعة من عمرها!
“هيا اخرُج، أيّها الفرخ الصغير، وتعالَ لتلعب مع لولو! كونغ كونغ!”
ارتسمت على شفتي الحجر ابتسامةٌ راضية.
فما من شيءٍ يُسعِد أكثر من تفاعل قارئٍ نشيط.
–”فسألته الشمسُ، وهي تتمشّى أيّها الفرخ الصغير، إن كنتَ تخشى الخروج إلى العالم، فلماذا لا تكتب قائمةً بأمنياتك؟”
“ما هي ‘قائمة الأمنيات’؟”
لكن الحكاية توقّفت فجأةً أمام سؤال لولو.
– “أيّتها المحاربة الصغيرة المليئة بالفضول، هاكِ كنز المعرفة! قائمة الأمنيات هي ما يكتبه المرء عن الأشياء التي يرغب في فعلها قبل أن يموت.”
“قبل أن يموت؟ أشياء يريد فعلها؟”
– “أجل، مثل الأمنيات أو الأحلام.”
“أوووه…”
لمعَت عينان كبيرتان بفضولٍ شديد.
“هل تكتب لولو قائمة الأمنيات أيضًا؟”
لم تنتظر لولو حتى تسمع جواب الحجر، بل أغلقت كتاب الحكاية على الفور.
ثم فتحت درجًا وأخرجت علبة ألوان الشمع وورقة.
“همهم~ هم~”
تمدّدت على بطنها فوق وسادةٍ وبدأت تكتب شيئًا ما.
وكان الحجر، المتدلّي قرب ذقن الطفلة، يعلّق بإعجاب:
“أوه، يا إلهي! يا لها من موهبةٍ فنيّة عظيمة! تُذكّرني بعملٍ خيالي مليء بالديدان المتعرّجة…”
“إنها حروف.”
“حروف إذن!”
“لكن لولو لا تعرف كيف تكتب الحروف، لذلك رسمتُها رسمًا.”
“إذًا رسومات!”
“قلتُ لك إنها حروف!”
“يا إلهي!”
توقف الحجر أمام هذا الهراء العجيب.
أما لولو، فلم تكترث، وانغمست في قائمة أمنياتها وهي تغني بأنفاسٍ مرحة.
“لولو… ستكبر حتى تصبح بطول ثمانية أمتار، وتذهب في رحلات مع أختها، وستهزم الأشرار الذين يضايقونها، وستذهب في نزهة مع الفارس ورايان أيضًا~”
ثم…
“… لكن من هما ‘أمّي’ و’أبي’؟”
توقّف القلم الذي كان يتحرّك بخفّة.
– “سيّدتي المؤقتة، ما الأمر؟”
رفع الحجر بصره بدهشة.
كانت لولو تمسك بالقلم، ووجهها جادّ، وشفتاها مطبقتان، وحاجباها معقودان.
“في الحقيقة… لولو بدأت تشعر بالفضول حول من هما أمّي وأبي.”
بالطبع، كانت لولو سعيدة بوجود أختها فقط.
وبفضل أنجيلا، التي لم تبخل عليها بالحنان، لم تشعر بالكثير من الحنين إلى والديها. لكن أحيانًا…
-“… لماذا جئت الآن فقط؟ لقد كنتُ خائفة جدًّا! أواه!”
كما في تلك اللحظة التي كان الفارس يحتضن فيها رايان.
-“لا تقلقي، أيتها المحاربة الصغيرة، فحتى إن فقد المرء ذكرياته، فإن الجسد يتذكر صاحبه دائمًا.”
عندما أخبرها الحجر أنّ مالكه الحقيقي هو تنين، انتابها الفضول بشأن والديها.
وربّما… رغبت في رؤيتهما.
فقد اعتادت منذ زمنٍ بعيد أن تتخيّل تنّينين عملاقين يطيران في السماء مع تنينٍ صغير.
“يُقال إذا لم تعرف شيئًا، فاسأل أختك!”
وفي النهاية، انفجر فضولها المتراكم.
“هيّا.”
قفزت التنينة الصغيرة واقفةً وهي تخبط بقدميها، ثم صعدت درجات السلّم بسرعة، متجهةً إلى أنجيلا في الطابق الثالث.
كان الطابق الثالث يضمّ ورشة أختها.
أوراق الطلاسم مكدّسة في كلّ مكان، وأحجار سحريّة فقدت بريقها، وكتب غطّاها الغبار.
“همم؟ ما الأمر، أيتها السمندل الصغيرة؟”
قالت أنجيلا وهي ترفع رأسها عن المجهر الذي كانت تركز فيه.
رفعت لولو قبضتيها بحماس، وهتفت: “أختي! هل سبق ورأيتِ أمّي وأبي؟!”
“أاه؟ أاه؟ فجأة؟”
“أجل! لولو الآن كبيرة! لقد بلغتُ الرابعة! ولهذا السبب… أنا فضولية بشأن كيف كان شكلهما!”
بدت أنجيلا وكأنها لا تفهم ما العلاقة بين بلوغ الرابعة من العمر وبين الوالدين، لكن عيني لولو كانتا تتلألآن أكثر من أيّ وقتٍ مضى.
“أم… آه، صحيح. أجل.”
ماذا عساها أن تفعل؟
تظاهرت أنجيلا بأنها لا تتذكر وهي تتحسّس ذقنها، ثم فتحت فمها وكأن فكرة خطرت لها فجأة.
“آه، والدا لولو… قالا إنهما ذاهبان في رحلة.”
“رحلة؟ من دون لولو؟”
حين هبطت حاجبا الطفلة بخيبة أمل، سارعت أنجيلا لتضيف.
“لكنها ليست رحلة عاديّة. إنهما ذاهبان في رحلة لإنقاذ الأطفال.”
“أطفال…؟”
“أجل. لولو لديها والدان وأخت، أليس كذلك؟ لكن في العالم هناك الكثير من الأطفال الذين ليس لديهم والدان ولا أخت.”
وكانت لولو تعرف ذلك.
فأغلب أصدقائها في وحدة البحيرة السوداء قد فقدوا عائلاتهم.
“ولهذا، بما أن والدي لولو بطلان، فقد انطلقا في رحلة بعيدة لإنقاذ الأطفال. وقبل أن يرحلا، قالا ‘لولو ما زالت صغيرة، لذا نرجو أن تعتني بها أختها’.”
“أمّي وأبي حقًّا رائعان…”
انغمست لولو تمامًا في كلمات أنجيلا، وفي مخيّلتها رأت تنّينين بالغين يحلّقان في السماء بفخر، يحملان على ظهريهما أطفالًا.
“ومتى سيعودان؟!”
“بعد أن يُنقذا الأطفال؟”
“هاااه؟!”
ارتدّت لولو إلى الوراء بضع خطوات وهي تصدر صوت امتعاض أمام جوابٍ بلا موعد محدد.
“إنقاذ الضعفاء والأخيار هو قدر الأبطال. ولولو أيضًا بطلة، أليس كذلك؟”
تساءلت لولو عندها متى يمكن أن يعود والداها، لكن ما إن سمعت كلمة “بطل” حتى بدأ قلبها يخفق بحماسة.
“ك، كهيك!”
وضعت يديها على صدرها أمام تلك المشاعر الجيّاشة.
– “أيتها البطلة الصغيرة! هل أنتِ بخير؟”
نعم، فهي رغم صغر سنّها… بطلة.
“إذ، إذا كان الأمر كذلك…”
أخذت نفسًا عميقًا، ثم رفعت رأسها بجدّية.
“… يمكن للولو أن تنتظر حتى يعود والداها.”
“نعم، نعم هكذا ستكونين ابنتهما حقًّا.”
“حتى عودتهما، سأكبر كثيرًا وأصبح قويّة جدًّا!”
“بالطبع. ستطيرين في السماء البعيدة، وتنفثين النيران متى شئتِ. إلى أن تصبحي تنينًا رائعًا، سنبقى في البرج…”
ويييييينغ…
في تلك اللحظة، انبعث صوت اهتزاز مريب من جيب أنجيلا.
كانت تقبّل وجنة لولو حين سارعت لتفتّش في جيبها.
كان أداة إنذارٍ سحرية تطلق جرسًا طارئًا.
خرجت لولو وأنجيلا على عجل من البرج، ولحسن الحظ، كان فيليكس قد تعامل مع الوضع بالفعل.
“هذا هو الخامس حتى الآن.”
“القتلة يأتون بانتظام، وكأنهم متأكدون أن أحدًا يعيش في البرج.”
كان سبب الإنذار منذ أسابيع هو ظهور قتلة مأجورين.
أول قاتل اكتشفته أنجيلا بينما كانت تتجوّل في الغابة.
ومنذ ذلك الحين، ظهروا واحدًا تلو الآخر، وكأنهم يتلقّون أوامر بظهور فردٍ واحد فقط في كلّ مرة، وهو أمر مثير للريبة.
فلو كان الملك قد أرسلهم لاختطاف أنجيلا ولولو، لكان أرسل فرسانًا لا قتلة.
حينها…
“كُك.”
تحت أنظار البالغين القلقة، كانت لولو جاثية على ركبتيها تضغط على خدّ القاتل المغمى عليه.
أسرع رايان وأمسك بيدها الصغيرة ليُبعدها.
“لولو، لا تلمسي هذا. ماذا لو فتح عينيه فجأة؟”
“إن فتحهما، فهو شرير. عندها سأطلب من الحجر أن ينفث عليه ‘عطسة النار’.”
“في الحقيقة… نعم، الإعدام حرقًا أكثر ألمًا من القتل المباشر، كما أنه لا يترك جثّة.”
“الإ… إحراق؟ ما هذا؟”
رمشت لولو بعينيها المستديرتين.
“ألا تعرفين؟ حين يحترق الإنسان، يختفي.”
“أوووه؟ أنا قلت ذلك من دون أن أعرف معناه. لأنّه عندما نفختُ عطسة النار على وجه الفارس، كنتُ متأكدة أنّ…”
“هاه!”
شهقت، وأسرعت لتغطي فمها بكفّها الصغيرة بعد أن أفلتت منها زلّة لسان.
أدرك رايان متأخرًا ما كانت تعنيه، فعبس.
“ماذا فعلتِ لأخي…؟”
“أممم، لولو… ستذهب إلى الحمّام.”
“لحظة، لم ننتهِ من الكلام بعد!”
وأخذ يطاردها بينما كانت تهرب منه مثل شرٍّ بريء.
في تلك الأثناء، قبضت يدٌ قويّة على ساقٍ كثيفة الشعر وسحبته.
كان فيليكس يجرّ القاتل المغمى عليه إلى مكانٍ ما.
وحين ابتعد الأطفال حتى لم يعودوا يُسمَعون أو يُرَون، ربطه فيليكس بحبلٍ بإحكام إلى جذع شجرة.
في مثل هذه المواقف، كان فيليكس وأنجيلا يعملان بانسجامٍ تام، فقد كانت أنجيلا قد عادت بسرعة من البرج لتسكب الماء على جسد القاتل.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: لينا.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 18"