استمتعوا
‘لم أسقط كما في المرة السابقة. لولو، لقد نمتِ وتطورّتِ.’
ثم ما لبثت ساقاه المرتجفتان أن لامستا الأرض.
اتخذت لولو وضعية تُعرف بـ’وضعية البطل’، مُقلدة حركة قبض السيف بتعبير جاد.
“لولو، لا تَنهزم أمام الفرسان!”
وما إن رأت أنجيلا هذا المشهد حتى هتفت.
“يا صغيرتي السمندل!”
“آآآه!”
“متى كبرتِ هكذا؟ لا بد من تخليد هذه اللحظة في لوحة زيتية!”
ثم احتضنتها بشدة، وورقة شجر لا تزال ملتصقة بخدها.
“هيهي… كيااه! انه يدغدغ!”
انفجرت لولو ضاحكة تحت سيل القُبل الغزيرة.
بعد لحظاتٍ من السعادة الخالصة، تمدّدت الفتاتان في قلب الغابة التي تعجّ بالوحوش.
“هيهي… هيهي.”
“لمَ تضحكين، صغيرتي السمندل؟”
“لأنكِ أكلتِ وجنتَيّ، فصار وجهي هكذا، هوووب!”
“حقًّا؟ هكذا إذاً؟”
“نعم!”
وحين غلبها الضحك، أخذت لولو تفرك خديها الممتلئين براحتَي يديها.
لا تزال آثار قبلات أختها تثير بها دغدغة لطيفة.
“حتى وإن كان الفرسان يحرسون مدخل الغابة، فطالما أنا مع أختي… فأنا سعيدة!”
حتى لو لم يُسمح لها بمغادرة الغابة، لم تكن لولو تشعر بأي قلق…
“لكن، لولو… هناك أمرٌ محزن.”
لم تكن لولو تشعر بأي شيء… حتى قالت أنجيلا.
“لقد نصب الناس سياجًا معدنيًّا على المخرج، ولا يبدو أنني سأتمكن من جلب البيض والخبز.”
“الخبـز؟!”
— حالة طوارئ حقيقية بدأت!
***
بعد قليل، في المطبخ.
“واحد، اثنان، ثلاثة…”
هبط كتفا أنجيلا بثقل وهي تعدّ أرغفة الخبز.
“ربما يكفينا هذا ليومين… لكن ما بعد ذلك؟ عليّ أن أحاول الصوم قدر المستطاع.”
خلف باب المطبخ نصف المفتوح، اهتزّت عينان حمراوان تراقبان المشهد في صمت.
لا خبز؟ إذًا أختي ستجوع.
وإن جاعت؟ ستكون جائعة…
وإن جاعت كثيرًا؟ ستموت…!
حين رأت لولو ظهر أختها المنحني وكأنها منهكة من الدنيا، دارت في ذهنها أفكار مأساوية.
‘هذه كارثة بكل المقاييس!’
كادت تسقط من الدوار، فتراجعت خطوة إلى الوراء لا إراديًّا.
لكنها ما لبثت أن هزّت رأسها لتستعيد رشدها.
‘المِحن تصنع الأبطال!’
هكذا كانت الحكايات دائمًا.
الحاكم يُنزل الشدائد على البطل ليقوى ويشتدّ عوده.
وإن لم تتوقع أن تكون الشدائد متعلّقة بالطعام…
‘سأتدبر الأمر بنفسي!’
انعقد حاجباها بإصرار، وصعدت الدرج خلسةً حتى لا يُكشف أمرها، ثم دخلت غرفتها وأخرجت شيئًا من جيبها.
كان حجرًا كريمًا.
“هل لا يزال نائمًا؟ أيقظ نفسك، أيها الحجر!”
والجدير بالذكر، أن الحجز الكريم كانت قد غفى بعدما ذرف دموع الفرح عند لقاء رايان بفيليكس.
ومنذ ذلك الحين، كانت لولو تحتفظ به في جيبها كي لا توقظه.
لكن الوضع الآن طارئ!
هزّتها بكل ما أوتيت من قوة.
“استيقظ، أيها الحجر! هيا!”
— “…آه… الحجر الكريم الجميل دومًا ينام طويلًا…”
“ليس هذا وقت التأنق! أتـــتشـــي!”
فجأة.
تساقط المخاط من أنف لولو مع عطسة غير متوقعة.
— “؟…”
وما إن فتح الحجر عينيه بتثاقل، حتى شهق صارخاً.
“يا إلهي! مخاط التنين ينهمر كشلال!”
“شلال… مخاطي؟ رائع!”
اغتبطت لولو بالثناء المفاجئ وضحكت.
— “أين المنديل المخصص للمخاط؟ علينا إنقاذ أنفك من هذا السيل المفسد للأنفاس!”
“أعلم، هُعُم!”
هل كان ذلك مديحًا حقًّا؟ ربما لا…
فقد أرادت أن تتأمل الشلال قليلًا، لكنها مسحت أنفها بحزن.
حينها فقط، تنفس الحجر الصعداء.
— “لكن، أيتها البطلة الصغيرة، لا بد أن أيقظتني لسبب وجيه، أليس كذلك؟”
“آه! صحيح!”
عادت إليها ذاكرتها فجأة.
تذكّرت أختها، تبكي بسبب قِلة قطع الخبز.
“أنا مَن وجدتُ رايان وجعلته يلتقي بالفارس، أليس كذلك؟ لكن رايان جاع وأصابه البرد، فغضب الفارس، أتدرك ذلك؟.”
— “أها؟”
“حينها ذهب ليواجه زعيم قرية شيدوم، وصرخ عليه وضرب الطاولة بقوة…!”
رغم أن الحكاية كانت مبعثرة وطويلة، إلا أن الحجز أومأ برأسه أخيرًا.
— “إذًا، لا يمكنكِ الخروج من القرية لجلب الطعام بسبب حراس الفرسان.”
“نعم!”
لقد لخّص الحجر الذكي كلام الطفلة ببراعة.
— “إذًا، لا بد من تجاوز السور في مكان لا يتواجد فيه الفرسان.”
“لكن… هل هذا ممكن؟ رأيت السور بمنظاري، وكان عااالٍ جدًّا.”
— “هوه…”
ضحكةٌ ساخرة خرجت من الحجر في راحة يد لولو.
— “لا تقلقي، أيتها البطلة الصغيرة، أنا معك.”
“هممم؟”
— “لديكِ ستار مهيب قد يُخفي السماء نفسها!”
بوف!
“واااه!”
وفجأة… ظهرت أجنحة صغيرة على ظهرها!
— “يا للهول! هذه الأجنحة بالكاد تناسب محنة بطل!”
بكى الحجر تأثرًا حين رأى الأجنحة الصغيرة بحجم راحة اليد.
لكن لولو لم تكترث، وراحت تجري حول الغابة المظلمة بحماس.
رغم أنها لم تتحول بعد إلى تنين حقيقي…
“أجنحة! لديّ أجنحة! أنا سعيدة جدًا!”
كل شيء في حياة لولو يحدث للمرة الأولى، وكل جديد يُبهجها.
— “يا للعجب، هل هي المرة الأولى التي تستدعين فيها الأجنحة؟”
“هم؟ هممم! نعم!”
ركضت ناشرة ذراعيها كما لو أنها طائر.
— “إذًا هذا يفسر صغر الأجنحة… يبدو أن قدراتي كحجر لا تكفي بعد.”
“أليست كافية للطيران؟”
— “لستُ واثق، لكن لا تتوقفي قبل أن تحاولي. انطلقي، أيتها البطلة!”
“فيووووم!”
ركضت لولو نحو السياج وهي ترفرف ذراعيها كالأجنحة.
في تلك اللحظة، كانت هي والحجر قد خرجاً خفيةً من البرج دون علم أنجيلا.
وإن لم يكن هذا الفعل مما تُحبه أختها، إلا أنها قد تفرح لو عادت لولو ومعها طعام.
“ها هو المكان. الفارس في الاتجاه الآخر، لذا إن قفزتُ من هنا…!”
السياج بدا كجدار منيع أمامها.
حتى الرجال البالغون لا يمكنهم تجاوزه بسهولة.
لكن، لولو… ستنجح.
“أنا ذاهبة، أيها الحجر.”
— “اقفزي بثقة، أيتها البطلة!”
“فيووووم!”
ومع زفير غريب، بدأت الأجنحة الصغيرة تخفق بخفة.
“أنا أطير! لولو تطير!!”
— “أوه، أن أرى سيدتي وهي تُحلّق لأول مرة… لحظة لا تُنسى!”
رغم أنها كانت تتأرجح بلا قوة مثل ريشة، إلا أنها اجتهدت لتعلو أكثر.
انشدّت قبضتاها، وأغمضت عينيها بقوة.
وهكذا… حلّقت لولو، حينها…
“واو! لقد تجاوزتُ السياج!”
وسقطت سقوطًا دراميًّا.
كــــوَادانغ!
“آخ…”
بعد دقيقة.
رفعت لولو جذعها ببطء وهي تتأوه.
— “هل أنتِ بخير؟!”
ركبتاها وراحَتا يديها كانتا تحترقان وكأن نارًا اشتعلت فيهما.
كانت رُكبتيها قد خُدشتا وكأن قطة هاجمتها.
بل أكثر من ذلك…
“أوه، د…دم!”
حين رأت الدم يسيل من راحتها، شعرت بوخز حاد كأن الألم المجهول تذكّر أن يعود.
“لولو تنزف!”
حين أدركت الوضع، امتلأت عيناها دموعًا ساخنة.
“إن بكيتُ، فهل ستحضنني أختي؟ كما فعلت حين أنقذتني من الفارس؟”
لكن…
— “انهضي، أيتها البطلة الصغيرة!”
كلمة ‘بطلة’ جعلت قلبها يرتجف.
نعم…
لولو بطلة!
والحجر هو من منحتها هذا اللقب!
“…البطل لا يبكي. شهيق…”
قبضت على يدها بشجاعة ونهضت.
وكان في ارتعاش فكّها، واتساع منخريها، ما يدلّ على عزيمة صلبة.
“هيا بنا نتسوق، أيها الحجر!”
— “هكذا أريدكِ!”
بوف!
اختفت الأجنحة. يبدو أن قوة الحجر قد انتهت مؤقتًا.
***
‘البيض… البيض… آه، ها هو!’
بعد جولة طويلة في القرية، توقفت خطوات لولو أخيرًا.
رأت لافتة خشبية قديمة على شكل بيضة أمام باب خشبي.
كان متجرًا للبيض بلا شك.
“مرحبًااا.”
انحنت لولو بأدب، ثم أشارت إلى صينية فيها عشر بيضات.
“أريد بيضًا، من فضلك.”
“هل أرسلتكِ والدتك؟ كم أنتِ رائعة! عشر بيضات بعشر غليومات.”
“عشر… غلو… ماذا؟”
“غليوم.”
“غليو؟”
شعرت أن لسانها الممتلئ ينثني على نفسه.
“غليوم؟ ما هو غليو؟”
ارتبكت، وأخذت تتلعثم، فابتسم البائع بلطف وفتح أصابعه العشر أمامها.
“أعطتك أمكِ نقودًا دائرية، أليس كذلك؟”
“لكنني خرجت خفية! ولم تُعطني شيئًا!”
“فقط أعطني منها عشر قطع، وستحصلين على البيض.”
‘إنها محنة أخرى…!’
اهتزت عينا لولو من صدمة هذا العائق غير المتوقع.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 11"