استمتعوا
أشعة الشمس تهطل كجداول من النور، وأغصان الأشجار وأوراقها تحيط بالبرج كما لو كانت تحرسه، في مشهدٍ لا يُرى إلا في حكايات الخيال.
شقّ فارسان هذا المنظر الساحر، وسحب كلٌّ منهما سيفه بجرأة.
لقد أتيا إلى هنا لإنقاذ الأميرة التي اختطفها تنين! وبعد ليالٍ من السهر والتسلل، وصلا إلى برج التنين، وفي لحظةٍ حاسمة، فتحا الباب بقوة!
“أيها الوغد، يا رأس التنين! كيف تجرؤ على اختطاف الأميرة…!”
“كيااااا!”
“آااااه!”
“كياااا؟”
هل هذا حقًا تنين؟ الفارس الذي كان يصرخ بثقة انهار على الفور بعدما تلقّى ضربة، وسقط مغشيًّا عليه.
ثم جاء الصوت.
“أوه، ليس هؤلاء الفرسان مجددًا… هل أنتم متشوقون للموت؟”
“مـ، ما هذا…؟!”
كان هناك فارس آخر قد التصق بالحائط، وكانت هناك يد قاسية… أو بالأحرى، ناعمة، تضغط على عنقه بلا رحمة.
الفارس المذهول أدار رأسه بكل ما أوتي من قوة، رغم أن اليد كانت تخنقه.
وفي ظلمة البرج، لاح له طيف امرأة ذات شعرٍ طويل.
‘لا، لا تقل إنّها… التنين؟!’
لكن ما برق في ملامحها لم يكن شيئًا وحشيًا، بل تلك النظرات الجليدية التي لا يحملها إلا أفراد العائلة المالكة.
“سـ، سمو الأميرة؟!”
نعم، من هاجمته فور دخول الباب لم تكن سوى الأميرة المختطفة.
“انت ايضا؟”
“ماذا؟”
“هل أتيت لقتل ما تسمّونه بـ’التنين’؟”
كان قد سمع أن الأميرة فتاة ضعيفة، رقيقة الجمال… لكن ما رآه لا يُشبه ما قيل، وقد دبّ الرعب في جسده.
رغم ذلك، حاول أن يرسم ابتسامة مترددة وهو يتمسك بأمل أن تكون إلى جانبه.
“نـ، نعم! جئتُ لأقتل التنين، لذا… هلا تكرّمتِ ورفعتِ يدكِ عن عنقي؟”
“هَه… يا لهذا الأحمق.”
“ماذا؟”
“اسمع جيدًا.”
بنعومة خادعة، أمسكت الأميرة بياقته وسحبته نحوها.
“إن أردتم قتل ما تسمّونه بالتنين… فعليكم أن تمرّوا فوق جثتي أولًا، أيها الفرسان الأغبياء.”
“أنـ- أن أؤذي الأميرة؟! مستحيل، لا أجرؤ…”
ثم سُمع صوت طفولي حنون.
“أختي، لا تكوني قاسية على الرجال الطيبين. إنهم ليسوا أشرارًا…”
وسط أجواء كانت تقشعر لها الأبدان، اخترقها صوتٌ بريء.
ومع دوران رأس الفارس، رأى خلف الأميرة مخلوقًا صغيرًا يتحرك بخفة.
هبة ريحٍ فجّرت الباب المتبقي على مصراعيه.
“إنهم طيبون، وقد أعطوني حجرًا كريمًا أيضًا. الفارس فيليكس كان غاضبًا من لولو في البداية، لكنه ابتسم في النهاية!”
طفلة في الرابعة من عمرها، اخذت الحجر الذي سقط بجانب الفارس المغشي عليه، وانحنت بمهارة تُظهر أنّها ليست المرّة الأولى.
“مَن… مَن أنتِ؟”
هل هناك أسيرة أخرى غير الأميرة؟ فقد الفارس توازنه أمام هذا الموقف اللامعقول.
“هل أنتَ بخير ايها العم؟ أختي مخيفة، أليس كذلك؟”
ومع تلك الكلمات، فتحت الفتاة جناحيها فجأة…
بفف!
زوجٌ من الأجنحة شقّا الهواء، وتبعه ذيلٌ مغطى بقشور كقشور التماسيح.
إنها… تنين.
“هل فعلتم شيئًا سيئًا؟”
“آآآآااه!! تـ… تـنين!!”
وسقط الفارسان مغشيًّا عليهما مرة أخرى.
***
في سالف الزمان، كانت الأميرة تتجول في الغابة،
فوجدت تنينة صغيرة تبكي بحرقة.
فقدت والديها وهربت من الأشرار.
اقتربت منها وسألتها برفق.
“هل أكون لكِ أختًا بدلًا من والديك؟”
“أخت؟”
ومنذ ذلك الحين، عاشت التنينة الصغيرة بفرح مع الأميرة.
***
“لولو الصغيرة… حان وقت الاستيقاظ! لنبدأ بتمارين التمدد!”
— ششششش…
صوت الستائر وهي تُفتح، تبعه ضوء ساطع هاجم الجفون النائمة.
انكمشت لولو تحت اللحاف، تحاول الفرار، لكن يدًا بارعة أمسكت بكاحلها الممتلئ.
“يجب أن نبدأ التمارين فورًا!”
“ممم… لولو تريد أن تنام قليلاً بعد…”
“الشمس في كبد السماء! هيا لتناول الإفطار.”
“لكن الشمس اليوم كسولة… السماء غائمة.”
مهما يكن، جاء الأمر الحاسم.
“لولو، ابدئي التمرين!”
“سأنام قليلاً فقط… تـمـدد، تـمـدد…”
رغم أنها كانت تهمّ بالعودة للنوم، إلا أن جسدها تحرّك تلقائيًا وبدأت تحرّك أردافها.
لقد أمرت الأخت بأن تمارس التمارين ثلاث مرات يوميًا، كي تنمو لولو وتصبح تنينة بطول ثمانية أمتار!
“تـمـدد، تـمـدد، تـمـدد!”
ورغم التعب، استسلمت تمامًا لهذا الروتين…
نفخت خدّيها الممتلئين، لكنها رفعت حاجبيها ومدّت ساقيها بحماس.
“آه، لولو المسكينة… نعسانة، لكنها لا تفرّط في التمارين! هل تتمرنين وأنتِ تتثاءبين؟”
“أمم… عندما أكبر، سأحميكِ يا أختي…”
كان من الصعب على صغار التنانين استعادة هيئتهم الأصلية بعد التحوّل إلى البشر، فقد كانت قوة التحوّل محدودة.
لهذا، كان حلم لولو الأكبر أن تكبر وتصبح تنينة ضخمة،
وتطير مع أختها في سماء قارة تون.
فبعد أن فقدت والديها وذكرياتها،عُثر على لولو في الغابة، وأخذتها أختها إلى هذا البرج المعزول، قائلة إن العالم الخارجي خطير.
لكن إن كبرت بما فيه الكفاية لتطير؟
فستتمكن من العودة إلى موطن التنانين!
‘حين أتمكن من الطيران… سأجوب العالم بكل فخر!’
كانت أيامها مع أختها هي أجمل ما عاشته… بل لم تعرف طعم الحياة حتى دخلت الأخت حياتها. آخر ما تتذكره، هو بكاؤها الحزين وهي ترفرف بأجنحتها الصغيرة.
ومَن مدّ لها يد العون؟
أختها فقط.
لكن لماذا فتاة جميلة وموهوبة بالسحر تعيش في برجٍ مهجور؟
سؤال يطاردها أحيانًا… لكنها كانت سعيدة.
رغم ذلك، هناك أمرٌ يزعجها في الآونة الأخيرة…
تلك القصة المملة التي تصرّ أختها على قراءتها كل ليلة!
“حان وقت حكاية قبل النوم… اسمها الأميرة والتنينة الصغيرة.”
مجددًا!
كانت تقرأها لها منذ اليوم الذي دخلت فيه إلى هذا البرج.
في البداية أحبتها، لأنها تشبهها…
لكن بعد عام كامل من التكرار، أصبحت تشعر بالنعاس لمجرد رؤية الغلاف.
“أنا أعرف هذه القصة!”
“أوه؟ لولو تعرفها؟”
نفخت لولو خدّيها، ولوّحت بأصابعها الممتلئة.
“أختي قرأت لي هذه القصة عشر مرات، ومئة مرة، ومئات المرات…”
“بعد المئة نقول ألف.”
أوه! معلومة جديدة!
“إذن… ألف مرة! لذا، أريد قصة جديدة!”
قالت ذلك بعناد، مع عقد ذراعيها بإصرار.
“أمم، لكن لا توجد قصص أخرى… فلنكتفِ بهذه الليلة أيضًا؟”
“لااااا.”
“لكنها قصتك المفضلة!”
“ذات يوم… عرفت الأميرة بقصة التنينة الحزينة…”
ماذا؟! بدأت بالفعل؟! رغم اعتراضها، وجدت نفسها مجبرة على الاستماع للنسخة الألف من القصة المملة.
‘آه، ملل…’
وضعت كفيها على أذنيها محاولة حجب الصوت.
‘لماذا لا تقرأ لي قصة أخرى؟’
أليس هناك طريقة للعثور على كتاب مختلف؟
وبينما غاصت في أفكارها، انفتحت عيناها فجأة.
الطابق السفلي من البرج… مستودع أسرار أختها!
ربما هناك… تجد كتابًا آخر تقرؤه.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 1"