التقطتُ الشرير من روايه رُومانسية مُدمرة - 10
- الصفحة الرئيسية
- جميع القصص
- التقطتُ الشرير من روايه رُومانسية مُدمرة
- 10 - كيليان يسخر
انستا : aahkk_7
………..
فتح رئيس الأساقفة أبواب الغرف واحدة تلو الأخرى دون أن يكلف نفسه عناء الاستئذان، يتفحّصها بنظرة ناقدة قبل أن ينقر لسانه بضيق.
“إهمال فاضح… كيف يُتوَقع من أحد أن يستحمّ في هذا المكان؟!”
لم أستطع منع عينيّ من التقلّب، فأجبت ببرود:
“الخادم أخذ الفارس إلى غرفة نظيفة، وفيها حمّام خاص. يمكنك استخدامه.”
رفع حاجبًا ممتعضًا، وكأنني اقترفت جرمًا:
“وفي هذا القصر بكل غُرَفِه، تريدين مني أن أستخدم غرفة نام فيها شخص آخر؟!”
زفرتُ بحدة ومسحت وجهي بكفّي قبل أن أرميه بنظرةٍ نفد صبرها:
“آه، بحق خالق السماء! متطلباتك لا تنتهي! ما رأيك أن تخرج من هنا وتبحث عن حمّام يعجبك في الخارج؟!”
عندها، أطبق شفتيه أخيرًا، ثم توجه بخطوات ثقيلة إلى الغرفة التي كان فيها كيليان يساعد الفارس على نزع درعه، وأغلق الباب خلفه بصفعة مدوّية.
تطلعت إلى الباب المغلق للحظة، ثم تمتمت بسخط:
“ما هذا المتغطرس المتطلب…”
التفتُّ إلى ليزا والجد أوجين، متجاهلة تمامًا الكاهن المزعج، ثم قلت بنبرة هادئة:
“ريتا، استخدمي حمّام غرفتي. أما أنت يا جدي…”
توقفت للحظة، شاعرة بأن الصياغة غريبة، فعدّلت كلامي بسرعة،
“أقصد، أيها الخادم العجوز، يمكنك الاستحمام بعد أن يخرج رئيس الأساقفة.”
رفع الجد يديه معتذرًا بلطف:
“آه، لا حاجة، يكفيني أنكِ سمحتِ لنا بالبقاء هنا.”
ابتسمتُ قليلًا وقلت بلا اكتراث:
“الغرف كثيرة، لن يضيرني وجود المزيد من الأشخاص هنا.”
لكن رغم ذلك، يبدو أن المخزون الغذائي سيتعرض لضربة قاسية بوجود ذلك الكاهن البدين.
تركتُ الجد أوجين في الرواق ودخلتُ الغرفة برفقة ليزا.
ما إن وقعت عيناها على الستائر الوردية المتدلية من السقف، والأرنب المحشو المستقرّ على الطاولة، حتى بدأت شفتيها ترتجفان، لتتحول نظرتها المتأملة إلى بحرٍ من الدموع.
“ظننتُ أنني… لن أرى أشياء كهذه مجددًا أبدًا… كان لديَّ أرنب محشوٌّ أيضًا، أختي الكبرى اشترته لي…”
توقفت للحظة، ثم أضافت بصوت خافت، كأنما تخاطب نفسها:
“…لكنه احترق الآن، على الأرجح.”
وكأن هذه الكلمات الأخيرة كانت القشة التي قصمت ظهر تماسكها، إذ انفجرت في بكاءٍ حاد:
“أمي… أختي!”
راقبتها بصمت، وعقلي يزدحم بأسئلة لم أملك الجرأة لطرحها.
هل لا تزال أسرتها على قيد الحياة؟ هل نجت إحداهن؟ لكن حتى التفكير في ذلك بدا كابوسًا، لذا اخترت أن أجرّ الحديث بعيدًا:
“إن استحممتِ وخرجتِ، سيكون الأرنب لكِ، وسنحظى بعشاءٍ لذيذ أيضًا.”
رفعت رأسها وعيناها البنفسجيتان تلمعان بالدهشة بين الدموع:
“حقًا؟”
ابتسمتُ قليلًا ومررتُ يدي في شعري:
“طبعًا، لم أعد في سن اللعب بالدمى.”
دفعتُها بلطف نحو الحمّام، ثم توجهتُ إلى غرفة الملابس أبحث عن شيءٍ ترتديه. لكن المشكلة سرعان ما ظهرت…
كل الملابس هنا مصممة على مقاسي فقط.
زفرتُ بخفة وخرجتُ، ثم طرقت على باب الحمّام:
“ريتا! وضعتُ لكِ الملابس على السرير!”
بعدها، التقطتُ زجاجة صغيرة من جرعة علاج مخصصة للإصابات الخطيرة، وذهبت إلى الغرفة المجاورة.
لكن ما إن فتحتُ الباب حتى كاد شيءٌ ينفجر في رأسي…
رئيس الأساقفة، بصوته الجهوري، يغني بألحان نشازة كأنها من تحطّب عذاب الجحيم نفسه.
يبدو أنه كان يستمتع بحمّامه أكثر مما ينبغي.
وقبل أن أتمكن من استيعاب الصدمة، جاء صوت كيليان، الذي كان يجلس قرب الفارس وقد تخلص من درعه:
“تصرفٌ رائع منكِ، ماري.”
وقف ببطء، وابتسامة خفيفة تلامس شفتيه… لكنها لم تصل إلى عينيه.
تبًّا.
“لا يمكنني ترك شخصٍ بحاجةٍ إلى المساعدة… آه، تبًّا.”
كنتُ على وشك التفوه بكلماتٍ مألوفة عن النُبل والأخلاق، لكنني أغلقتُ فمي على الفور، لا فائدة من الكذب على نفسي، خاصةً وأنا بالكاد أكتم ندمي على إنقاذ رئيس الأساقفة، لم يكن لدي أي مبرر مقنع هذه المرة.
“آنستي، هل يمكنك إخباري من أين يمكنني إحضار بعض الماء؟ لا بد من تنظيف جراح السيد الفارس.”
كان الجد أوجين واقفًا بجوار السرير، ينظر إلى الرجل المصاب بنظرةٍ قلقة، من الواضح أن كيليان لم يكلف نفسه حتى عناء إلقاء نظرةٍ ثانية على الجروح.
“انتظر لحظة، لدي جرعة قوية ستفي بالغرض.”
جلستُ حيث كان يجلس الجد قبل لحظات، وفتحتُ زجاجة الجرعة، لم أكن بحاجة إلى النظر لأعرف أن كيليان يحدّق فيّ بعدم رضا، لكنني تجاهلته تمامًا وسكبتُ الجرعة مباشرةً على الجرح.
“آآه…!”
شهق الرجل المصاب متألمًا، وحاول النهوض لا إراديًا، لكن الجد أوجين تحرّك بسرعة إلى الجهة الأخرى من السرير وأمسك به، مانعًا إياه من التحرّك.
يد الفارس المصابة، المغطاة بالرماد قبَضَت على الملاءة بقوة، عندما رفعتُ يدي ومسحتُ العرق المتصبب من جبينه، أغمض عينيه قليلًا… ثم، بشكلٍ غير متوقع، مالَ بوجهه على يدي، يحتك بها وكأنه يبحث عن شيءٍ من الطمأنينة وسط ألمه.
“أوه… تبًّا… يؤلم!”
“اصبر قليلًا، ستشفى قريبًا.”
“أمسك… بيدي… أرجوك…”
كان صوته متقطعًا، أقرب إلى أنين طفلٍ ضائع، لم أفهم لماذا يطلب ذلك رغم أن الجد أوجين كان بالفعل ممسكًا بإحدى يديه، لكنني – وبدون تفكير- مددتُ يدي الأخرى وأمسكتُ بيده المتشنجة.
كانت خشنة، متشققة، مغطاة بندوبٍ قديمة، وأصابعه بارزة تحت الجلد المتصلب.
هذا رجلٌ يحتضن المعارك عن ظهر قلب، لا عجب أن رئيس الأساقفة اعتمد عليه لحمايته.
نظرتُ إلى الجد أوجين وسألته:
“هل هو… فارسٌ مقدّس؟”
“نعم، البارون بارين، رجلٌ نذر نفسه بإخلاصٍ لإلهة لابالي، وأقسم على الطهر، لقد أنقذني أنا والسيدة ليزا عندما تهنا في الطرقات.”
إذن، هو شخصٌ نبيل حقًا، رغم أنه الآن متألمٌ وعابس، إلا أن ملامحه تملك تلك الهالة الدافئة التي لا يمكن تجاهلها.
شعرتُ بالارتياح لأنني أحضرته معي، لكن عندما رفعتُ رأسي، التقت عيناي بعينين أكثر برودة…عينَي كيليان، اللتان كانتا تراقبان فارن بنظرةٍ غير مقروءة.
أشرتُ بوجهي نحو كيليان وقلت بابتسامةٍ هادئة:
“ذلك الرجل هناك تعافى بسرعةٍ بفضل هذه الجرعة، وأنت أيضًا ستتحسن قريبًا، بارين، حتى ذلك الحين، الجد أوجين سيعتني بك.”
“لا تقلقي، آنستي، ما إن يخرج رئيس الأساقفة من الحمام، سأحرص على أن يحصل السيد الفارس على عنايةٍ كاملة.”
“لكن ألا يُفترض أن يمتلك رئيس الأساقفة قوًى مقدسة؟”
خفض العجوز أوجين صوته وكأنه يهمس بسرٍّ خطير:
“الأمر هو… أن اللورد ساندرو ليس سوى الابن غير الشرعي للبابا.”
أوه. إذن، لم يكن رئيس الأساقفة هذا سوى رجل بلا فائدة تُذكر.
وقفتُ وربتُّ على كتف الفارس كما فعلتُ مع كيليان من قبل، ثم هممتُ بالمغادرة، لكن قبل أن أخطو بعيدًا، قُطع مساري حينما اقترب كيليان مني بخطوات سريعة وأمسك بمعصمي.
“إلى أين تظنين أنكِ ذاهبة، ماري؟ ألم تطلبي مني أن أصنع لكِ كعكة الخوخ؟”
كان في نبرته شيءٌ حاد، توترٌ خافت يطفو على السطح، ربما بسبب الضيوف غير المتوقعين الذين اقتحموا يومنا هذا.
“هناك ما هو أكثر أهمية الآن، في الإسطبل بالأسفل، هناك خيول بالكاد تستطيع الوقوف من الجوع، اذهب وأعطها بعض الماء أولًا.”
رفع حاجبًا ساخرًا: “آه، والآن أصبح دوري أن أكون خادم الإسطبل أيضًا؟”
“هل لديك اعتراض؟”
ضحك ضحكة قصيرة خالية من الدفء: “بالطبع لا، ألم أقل إنني سأفعل أي شيء؟”
ثم استدار واتجه إلى الطابق السفلي دون أن يضيف كلمة أخرى. رغم ذلك، لم أستطع التخلص من الشعور بأنه ربما بدأ يضيق ذرعًا بطلباتي. هل كنتُ أرهقه دون أن أدرك؟ لكن… هو من عرض ذلك بنفسه!
حاولتُ أن أُسكت ذلك الصوت في رأسي وتوجهتُ إلى غرفتي.
“آآآه… هذه الملابس كبيرة جدًا!”
استدرتُ لأجد ليزا وسط الغرفة، ترفع ذراعيها الصغيرتين فيما تتدلى الأكمام الطويلة فوق يديها. قطرات الماء ما زالت تتساقط من شعرها المبلل، وعيناها البنفسجيتان المتألقتان تحدقان بي بتعبيرٍ أقرب إلى الحيرة.
ابتسمتُ برفق:” “نادِني ماري، أو أختي ماري، إن أردتِ.”
الآن بعد أن أصبحت نظيفة، بدت أشبه بملاك صغير. بشرتها البيضاء الناعمة، خدودها التي احمرّت من الدفء، وعيناها اللتان لم أستطع التوقف عن تأملهما، لونٌ نادر… في العادة، أصحاب العيون المميزة لديهم أقدار غير عادية في الحكايات.
“تعالي، يجب أن نجفف شعركِ.”
أمسكتُ بمنشفة وبدأتُ أفرك خصلاتها المبللة برفق، فيما كنتُ أُفكر أنني سأحتاج إلى تقصير الفستان قليلًا حتى لا تتعقر به.
والآن وقد أصبح لديّ فردٌ جديد في العائلة، فهذا يعني المزيد من المسؤوليات لكن بما أنها فتاة، فمن الطبيعي أن أقوم أنا برعايتها.
عندما كنتُ أُمرر أصابعي في خصلاتها المتشابكة، جاء صوتها خافتًا، ممتزجًا برجفةِ حنين:
“بهذه الطريقة… أنتِ تُذكرينني بأختي..كم أفتقدها…”
جحظت عيناها قليلًا، وارتعش صوتها وهي تشهق، وكأنها تحاول أن تكبح الدموع التي تهدد بالتسلل إلى خديها.
“ميااو.”
بصوتٍ رقيق، ظهر القط الرمادي فجأة وسحب طرف ثوبها بأسنانه الصغيرة، يبدو أنه كان يراقبنا طوال الوقت، مختبئًا في الزاوية.
تلاشى الحزن من وجه ليزا وهي تحدق به بدهشة، ثم همست كمن عثرت على كنز.
“قطة؟! ما هذا الجمال! ما اسمه؟”
توقفتُ للحظة، وكأنني لم أفكر بهذا السؤال من قبل: “في الواقع… لم أُسمِّه أبدًا… أنا فقط أناديه بـ‘الصغير’.”
احتضنت القطة بحنان: “مرحبًا، أيها الصغير! أنا ليزا!”
لحسن الحظ، يبدو أنها نسيت حزنها بسرعة.
في اللحظة التي انتهيتُ فيها من تمشيط شعرها، دوى صوتُ قرقرة خافتة.
نظرتُ إلى المرآة، فوجدتُ ليزا وقد احمرّ وجهها من الخجل.
“آه… أنا آسفة، كنتُ جائعة.”
ضحكتُ وربتُّ على رأسها: “لا بأس، فلنذهب إلى الطابق السفلي ونرى إن كان هناك شيءٌ للأكل.”
بينما كنا في طريقنا، ألقيتُ بنظرة عابرة إلى الغرفة المجاورة، حيث كان البارون ممددًا بهدوء على السرير بعد أن نظف نفسه، العجوز أوجين لم يكن هناك، ربما ذهب هو الآخر ليغتسل.
لكن فجأة، وقفتُ في منتصف الدرج.
“انتظري لحظة…”
شعرتُ بقشعريرة مفاجئة تزحف في ظهري: “أين رئيس الأساقفة؟”
دون تفكير، اندفعتُ نحو الطابق السفلي، كان هناك شيءٌ غير مريح بشأن ترك ذلك الرجل دون مراقبة.
عندما وصلتُ إلى الإسطبل، لم يكن هناك، فقط الخيول التي استعادت بعض حيويتها بعد أن شربت الماء، تراقبني بأعينٍ واسعة متوقعة المزيد.
تنهدتُ وربتُّ على رقبة أحدها: “حسنًا، حسنًا، سأحضر لكم الطعام أيضًا.”
لكن قبل أن أتحرك، دوّى صوتُ صراخٍ حادٍّ من أسفل، من الطابق السفلي.
“آاااااااه! سأموت! أرجوكم، أنقذوني! يا إلهي لابالي! ارحم خادمك المخلص هذا!”
وقفتُ متجمدة للحظة، ثم، دون تفكيرٍ آخر، اندفعتُ نحو مصدر الصوت.
ما الذي فعله هذا الأبله هذه المرة؟!
“هاه… لو أنه التزم الصمت، لربما احتفظ ببعض كرامته.”
تمكنتُ من تخمين ما حدث دون الحاجة إلى السؤال. لم أشأ أن ترى ليزا شيئًا غير سار، لذا انحنيتُ نحوها وقلتُ بلطف:
“لمَ لا تبقين مع كبير الخدم لبعض الوقت؟ سأعود لأخذك قريبًا.”
ترددتْ للحظة، ثم أمسكتْ بطرف كمّي وسألت بصوتٍ خافت:
“لكن… لن تتأخري، صحيح؟”
ابتسمتُ وربتُّ على رأسها. “بالطبع لا! أوه، صحيح، يمكنكِ أخذ دمية الأرنب من غرفتي إن أردتِ.”
اتسعت عيناها بفرح، ثم قفزتْ على الدرج صاعدةً بخطواتٍ سريعة، وهي تهتف بحماس:
“واااه! شكرًا جزيلًا!”
راقبتُها للحظة، ثم استدرتُ وسرتُ بسرعة باتجاه المطبخ.
وهنالك، ظهر أمامي مشهد كوميدي غير متقن يلتوى من الألم:
رئيس الأساقفة يتدحرج أمامي كـطابة بولنج عملاقة بشكل مثير للشفقة، يئن وينتحب كأن روحه الفاسدة ستهرب من جسده وهو يقرأ وصيته الأخيرة. بجانبه، يقف كيليان كمشاهد عاشق للكوميديا السوداء، يراقب العرض بأعين مفعمة بالاستمتاع ورغبة جامحة، مليئة بنشوة التسلية، وكأن ما يحدث أمامه ليس إلا طرفة فكاهية في عرض مسرحي هزلي.
********
انستا : aahkk_7