في هذه الأثناء، في الوادي الهادئ رودين، مسقط رأس كايل الذي لا يزال يتوق للعودة إليه، والمكان الذي بدأت فيه كل مصائبه، استمرت الحياة كالمعتاد.
ألكسندر رودين، قائد قطيع الذئب الأسود وسيد الأرض، استدعى ابنه الوحيد المتبقي، آيبل، إلى مكتبه.
“هل اكتملت تحضيرات المهرجان؟” سأل.
كان مهرجان الخريف، الذي يشرف عليه القائد تقليديًا، قد أُسند بالكامل إلى آيبل هذا العام.
كانت هذه مهمته الرسمية الأولى بصفته الوريث، مما منحه فرصة لإثبات كفاءته في دوره الجديد.
“نعم، تم إعداد كل شيء دون أي مشاكل”، أجاب آيبل بنبرة واثقة.
راضيًا عن إجابة ابنه، أومأ ألكسندر بهدوء.
كان مهرجان الخريف الذي يستمر ثلاثة أيام وقتًا يتوقف فيه الجميع عن العمل، ويجتمعون في الشوارع لمشاركة الطعام مع الجيران، ويقدمون الشكر لحاكم الأرض والحصاد.
كان من المقرر إقامته بعد أسبوعين، لكن ألكسندر قرر تقديم موعده.
كان هدفه ترسيخ مكانة آيبل كوريث جديد وتهدئة أي معارضة نشأت بسبب التغيير المفاجئ في القيادة.
“تأكد من تأمين الحدود خلال فترة المهرجان، لا سيما الحدود الشمالية”، أمر ألكسندر.
كان قلقه أن يستغل قطيع إيربي التراخي الأمني أثناء المهرجان لشن هجوم.
“لقد أرسلت بالفعل تعزيزات إضافية إلى الجبهة الشمالية في وقت سابق اليوم. لا داعي للقلق”، أجاب آيبل.
كان التمركز العسكري الثقيل في الشمال قد ترك الجبهتين الشرقية والجنوبية ضعيفتين إلى حد ما، لكن كان ذلك تضحية ضرورية.
كان قطيع إيربي، الذي شكّل تهديدًا دائمًا، يشكل خطرًا أكبر بكثير من الدببة السوداء المسالمة في الجبال الشمالية الغربية، أو النمور في الوادي الشرقي التي بدت وكأنها تخلت عن طموحاتها الإقليمية، أو الأسود الهادئة في السهول الجنوبية.
شعر ألكسندر بالارتياح من تدابير آيبل الاستباقية، فتلاشت ملامح القلق من وجهه.
بعد تلقي جميع التقارير، استند ألكسندر إلى كرسيه وأطلق تنهيدة صغيرة.
على الجانب الآخر من الطاولة، راقب آيبل والده بصمت.
كان وجه ألكسندر مرهقًا، وبشرته شاحبة، وعيناه الزرقاوان اللتان اشتهرتا بحدتهما قد فقدتا بريقهما المعتاد.
جسده الذي كان مهيبًا ذات يوم قد فقد الكثير من قوته.
كانت هذه التغيرات واضحة منذ شهور، وكان آيبل يعلم تمامًا السبب.
بدأ كل شيء بعد أن تم تجريد كايل، شقيقه الأكبر، من منصبه كوريث ونُفي إلى مكان مجهول وربما خطير عبر بوابة سحرية.
وبينما أظهرت العائلة ابتسامات أكثر في العلن، اختفى الضحك داخل المنزل.
لطالما تمسكت عائلة رودين بتقليد أن يكون الابن الأكبر هو الوريث، لكن هذا الترتيب تعرض لاضطراب غير مسبوق.
للمرة الثانية على التوالي، تم استبدال الوريث، وطُرد الابن الأكبر بلا شيء.
أدى هذا الاضطراب في عائلة القائد إلى انتشار الهمسات القلقة بين الناس، حتى بين أولئك الذين دعموا آيبل.
ولهذا، كان على القائد وعائلته أن يظهروا بمظهر القوة والحزم للحفاظ على الثقة.
لهذا السبب، ظلوا متماسكين حتى عندما ظهر كايل فجأة خلال حفل خطوبة آيبل.
فأي علامة على الاضطراب كانت ستثير الفوضى بين الحضور.
كبح آيبل تنهيدته وهو يتحمل ثقل الموقف بصمت.
كان يعلم أن برود والده الظاهر يخفي حزنًا عميقًا.
قد يكون ألكسندر قد كره كايل أحيانًا، لكنه لم يفعل ذلك دائمًا—فهو، قبل أن يكون قائدًا، كان أبًا.
كان كايل في يوم من الأيام أعظم فرحة في حياته.
إرسال ابنه إلى مصير مجهول، وربما إلى موته، عبر تلك البوابة كان أشبه بقتله بيديه.
بعد إنهاء حديثه مع ألكسندر، غادر آيبل المكتب، وملامحه يكسوها القلق.
فهو، في النهاية، كان أصل كل هذا.
رغم أنه كان في الماضي أخًا يحترم كايل كوريث شرعي، إلا أن الأمور تغيرت.
كان كايل قد أمضى حياته بأكملها يستعد ليكون القائد، متحملًا انضباط والده القاسي بصفته الابن الأكبر والوريث.
ومن شدة شفقته على شقيقه، كان آيبل يحترمه بعمق.
لكن مع مرور الوقت، أصبح كايل أنانيًا أكثر، قاسيًا، ولا يرحم الضعفاء، مما جعل آيبل يشكك في مدى أهليته للقيادة.
‘لن أتصرف هكذا’، كان يفكر.
ثم تطور هذا التفكير إلى أمل لم يكن يجب أن يراوده:’ألن أكون قائدًا أفضل منه؟’
تحول الأمل إلى طموح، وفي النهاية، اغتصب آيبل منصب شقيقه ليصبح الوريث—الرجل الذي يستحق زيلدا، المرأة التي يحبها.
لم يشعر بأي ندم على أفعاله، بل كان يحمل فقط شعورًا بالذنب تجاه شقيقه ووالديه اللذين فقدا ابنهما الأكبر بسببه.
غادر آيبل مكتب والده متجهًا نحو غرفة والدته.
كانت والدته، إليزا، تعاني من المرض لفترة طويلة ونادرًا ما غادرت غرفتها.
عندما طرق الباب ودخل، استقبلته إليزا بابتسامة دافئة وهي جالسة على سريرها.
“لقد أتيت”، قالت بلطف، وكان شعرها البني وملامحها الناعمة تنعكس في ملامح آيبل.
كانت أقوى وأشجع امرأة في القطيع خلال شبابها، لكن صحتها تدهورت كثيرًا بعد ولادة آيبل.
المرض الذي أصابها أثناء تعافيها تركها ضعيفة، مما جعلها حبيسة غرفتها منذ ذلك الحين.
نشأ آيبل بجوار والدته، وطور مشاعر عميقة من الحنان تجاهها.
اقترب من سريرها، وجلس على الكرسي القريب وسأل بلطف، “كيف تشعرين اليوم؟”
“أنا بخير”، أجابت بابتسامة.
لكن آيبل لم يستطع تصديق كلامها بسهولة.
تحولت نظرته إلى زاوية الغرفة، حيث وُضعت علبة تحتوي على أدوات التطريز الخاصة بوالدته.
كان التطريز أحد الهوايات القليلة التي استمتعت بها إلى جانب القراءة خلال فترة بقائها في غرفتها.
ومع ذلك، منذ اختفاء كايل، لم تلمس والدته كتابًا أو تعمل على التطريز.
في معظم الأيام، كانت تجلس في غرفتها فقط، تحدق في الحديقة الممتدة خلف الشرفة.
اليوم لم يكن مختلفًا على الأرجح قبل وصول آيبل.
كان يعلم ذلك، ولهذا لم يستطع إخفاء الكآبة عن وجهه رغم كلماتها المطمئنة.
شعرت إليزا بقلقه، فمدّت يدها وأمسكت بيده، مقدمة له عزاءً صامتًا.
“هل استعددت جيدًا للمهرجان؟” سألت.
عندما أومأ آيبل برأسه، تألقت عيناها بفخر، وهي تشجعه بنظرتها.
بدفء تأييدها، شدّ آيبل على يدها في المقابل، متعهدًا بصمت بأن يجعل المهرجان نجاحًا.
إكماله لهذا الحدث الرسمي الأول بصفته الوريث الجديد لن يؤكد مكانته فحسب، بل سيجلب السعادة لوالديه أيضًا.
ارتسمت ابتسامة واثقة على شفتيه وهو ينظر إلى والدته.
… لكن آيبل لم يكن يعلم.
فالتهديد الحقيقي لنجاحه لم يكن قادمًا من مرتفعات إيربي في الشمال، حيث كان تركيزهم منصبًا، بل من الوادي الشرقي للنمور، حيث تُركت الحدود بلا حماية.
***
“مرحبًا، ارنب، اخرجي للحظة. أحتاج للتحدث مع صديقك عندما يستيقظ”، قال فابيان إيربي وهو يقتحم الخيمة دون سابق إنذار.
“ماذا تريد أن تتحدث عنه؟” سألت برودي، التي كانت تسهر على رعاية كايل منذ الليلة الماضية، بنبرة حذرة وهي تراقب فابيان بريبة.
“ليس من شأنك”، أجاب فابيان بلا مبالاة.
شعرت برودي بالانزعاج من رده الفظ، فحدقت به بغضب وقالت متحدية، “إذا لم تخبرني، فلن أغادر”.
“أوه، حقًا؟”
علّق فابيان ساخرًا قبل أن يتقدم نحوها، وانتزع الحقيبة عن كتفها، ثم رفعها بسهولة.
“آآآه!”
صرخت برودي وهي تُرفع عن الأرض، لكن فابيان تجاهل احتجاجاتها، وحملها إلى الخارج، ثم ألقاها هناك بلا اكتراث قبل أن يغلق مدخل الخيمة.
والآن، وقد تُركت برودي خارجًا بسبب تصرفات فابيان الفظة، جلست تنتظر انتهاء حديثه.
في الظروف العادية، لم تكن لتخضع بهذه السهولة—خاصةً لشخص كانت تعتبره عدوًا حتى الأمس فقط.
لكنها كانت قد تأكدت بالفعل من أن فابيان لا يضمر أي نية سيئة تجاه كايل.
في البداية، كانت متشككة، لكنها رأت بأم عينها كيف حمل فابيان كايل المريض إلى المرتفعات وحرص على تلقيه العلاج.
كان اهتمامه بكايل واضحًا، فقد تصرف تمامًا كعمّ يرعى ابن أخيه.
بعد إدراكها لهذا، تنازلت برودي طواعية، متفهمةً رغبة فابيان في الحديث مع كايل على انفراد بصفته عمه.
مدفوعة بفضولها، اقتربت برودي من الخيمة، وركزت سمعها للتنصت.
بعد لحظة، التقطت أذنيها أصوات رجلين يتحدثان داخلها.
يبدو أن كايل قد استعاد وعيه.
شعرت برودي بالارتياح، فتراجعت عن مدخل الخيمة، واضعةً كفّها على صدرها وهي تزفر.
كانت قلقة عليه منذ الليلة الماضية، فقد كان يعاني من حمى شديدة.
وبعد أن تناول الدواء عند وصولهم إلى هنا، غرق في نوم عميق وكأنه كان ميتًا.
أما الآن، وقد استيقظ، تلاشت مخاوفها.
متذكرةً تفسير الطبيب لحالة كايل، حكّت برودي رأسها بيدها في حيرة.
“إذًا، السبب الذي جعله يفقد السيطرة في تلك الليلة كان تلك الشموع المعطرة في غرفة النزل…”
الآن، بات كل شيء منطقيًا.
لقد استغربت حينها كيف فقد كايل رشده فجأة وتصرف كوحش هائج.
كايل رودين لم يكن من النوع الذي يتصرف بهذا الشكل في الظروف العادية.
بعد أن أدركت السبب وراء تصرفه في تلك الليلة، أطلقت برودي ضحكة خافتة ساخرة.
‘نعم، لا يمكن أن يتصرف كايل هكذا وهو في وعيه.’
اللغز الذي كان يشغل بالها قد حُل أخيرًا، مما جعلها تشعر بالراحة.
لكن حتى بعد أن أزاحت الأمر من عقلها، شعرت بحرارة غريبة تصعد إلى وجهها.
بغض النظر عن الظروف، فإن ما حدث في تلك الليلة ظل ذكرى محرجة وحية في ذهنها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 81"