بعد أن غادر زوجها وولداها لإنقاذ برودي في الجنوب، لم تستطع إليزا النوم جيدًا وظلت تنتظر عودتهم بقلق.
ظل الوضع كما هو حتى بعد أن وصلها خبر من الرسول بأن برودي قد تم إنقاذها بأمان.
لذلك، بمجرد أن سمعت أن عائلتها قد وصلت إلى المنزل، هرعت بسرعة إلى الباب الأمامي.
“عزيزي.”
أول شخص استقبلته كان ألكسندر.
لكن بينما كانا يتبادلان عناقًا عميقًا، نادها صوت كانت تفتقده كثيرًا من بعيد.
“أمي!”
رفعت نظرها، فرأت برودي تركض عبر الحديقة، مع كايل وأبيل خلفها.
“برودي!”
لم ترَ إليزا أي إصابات على برودي وهي تركض نحوها.
وأخيرًا، شعرت بالارتياح عندما قفزت برودي إلى أحضانها.
بعد أن احتضنتها بحرارة، تفحصت إليزا وجهها وجسدها بعناية، وسألتها،
“هل أنتِ بخير؟ لم تتعرضي لأي أذى، صحيح؟”
نظرت برودي إليها بملامح مذنبة، ثم وضعت يدها على رأسها بلطف.
“أنا بخير، أمي. لكن كايل وسيدي الشاب هما من تعرضا للإصابات الأكثر…”
قبل أن تكمل حديثها، قاطعها كايل الذي كان قد لحق بها.
“أنا بخير.”
لكن رغم كلماته، بدا عليه الإرهاق الشديد.
أظلم وجه إليزا وهي تتذكر رؤيته مصابًا قبل بضعة أيام.
“كايل، هل أنت متأكد أنك بخير؟ لا تبدو بحالة جيدة. إذا ذهبت إلى غرفتك، سأستدعي الطبيب فورًا…”
لكن كايل سحب ذراعه من قبضتها وقطع حديثها.
“لا حاجة لذلك.”
كان صوته حازمًا، لكنه خرج باردًا، مما جعل إليزا تشعر بالحيرة والإحراج.
شعر كايل بانزعاجها، فشرح لها بلطف،
“الشخص المصاب… هو أبيل.”
ألقى نظرة على أبيل، الذي كان يقترب بساق يمنى ملفوفة بضمادات، ثم تابع بتردد،
“… لذا، أرجوكِ اعتني به.”
نظر الجميع إلى كايل في صدمة. حتى أبيل نفسه تفاجأ.
لم يكن يصدق أن شقيقه كان ينظر إليه، ليس بكراهية، بل بقلق حقيقي.
ظل واقفًا في مكانه، عاجزًا عن الرد.
وبالطبع، لم يرغب كايل في البقاء طويلًا وسط تعابير الصدمة التي ارتسمت على وجه والدته وأخيه، فغادر بسرعة مع برودي.
غير قادر على تحمل الأجواء المحرجة، دخل كايل إلى المنزل، لكنه لم يكن نادمًا على تصرفه.
صعد الدرج، ليجد ألكسندر قد سبقه بالفعل.
“…”
التقت أعينهما للحظة، ثم انصرف كل منهما بنظره بعيدًا. وبعد لحظة صمت ثقيلة، تحدث ألكسندر.
“اصعد واسترح.”
كان هذا كل ما قاله. وبعد أن أنهى كلماته، صعد ألكسندر الدرج قبله.
نظر كايل إلى ظهر والده، فتغيرت ملامحه.
تذكر الحادثة التي وقعت قبل أيام، عندما ألقى باللوم على والده لإنجابه له، خاصة بعد أن تسبب في إيذاء برودي.
لم تفارقه صورة وجه والده المصدوم. كانت هذه المرة الأولى التي يراه فيها بتلك النظرة.
كانت الكلمات القاسية التي ألقاها على والده بمثابة سكاكين حادة اخترقت قلبه. لم يمنحه إيذاء والده أي راحة، بل جعله يشعر بأسوأ حال.
لطالما ظن أنه لن يكون ممتنًا لوالده أبدًا، لكنه الآن وجد نفسه ممتنًا لأن ألكسندر فعل كل ما بوسعه لإنقاذ برودي، الشخص الذي كان يعني له أكثر من أي شيء آخر.
زاد هذا الشعور من وطأة الذنب الذي يحمله بسبب أفعاله السابقة.
حدق بالسلم حيث اختفى والده قبل لحظات، وشعر بثقل في قلبه، تمامًا كما شعر بثقل في عينيه.
“كايل.”
بينما كان غارقًا في أفكاره، شعر بيد تمسك بيده، فالتفت للأسفل.
كانت برودي تنظر إليه، تمسك بيده بإحكام.
كان ذلك بمثابة لمسة مريحة، هدأت اضطراب قلبه.
أمسك كايل يدها بلطف، ومنحها ابتسامة صغيرة ليطمئنها بأنه بخير.
***
تلك الليلة، بعد عودتهم إلى المنزل، لم تفارق برودي جانب كايل وهو مستلقٍ في السرير يستريح.
حتى مع إصراره على أنه بخير، كانت تعتني به بإخلاص، حتى أنها أطعمتْه بيدها.
وفي الليل، وضعت الدواء الذي أعطاهم إياه الساحر بعناية، للتأكد من أن جروحه قد عولجت.
كان كايل متعبًا، لكنه راقب برودي وهي تضع المرهم بدقة.
“…”
شعر بالذنب، لكنه في الوقت نفسه، كان سعيدًا سرًا.
رغم ألمه الجسدي، كان قلبه ممتلئًا.
لم تفارق برودي جانبه، وكانت عيناها الواسعتان الجميلتان موجهتين نحوه فقط.
في هذه اللحظة، كان يملكها بالكامل، وهذا وحده جعله يشعر بسعادة غامرة—لدرجة أنه ظن أنه لن يمانع البقاء مريضًا للأبد.
لكن سرعان ما اجتاحه شعور بالإحراج من أفكاره الطفولية، واحمر وجهه.
لاحظت برودي ذلك، فتوقفت عن الحركة ووضعت يدها بلطف على خده المتورد.
“هل تشعر بالحرارة؟”
سعل كايل بتوتر وهز رأسه.
“لا.”
“إذا كنت تشعر بالحر، فقط أخبرني. سأقوم بتبريدك بالمروحة.”
قالت ذلك وكأن لا شيء في العالم يمنعها من الاعتناء به. كان حبها له واسعًا وسخيًا للغاية.
سعادة هذه اللحظة بدت وكأنها حلم، لكن أحيانًا، كان كايل يخشى أن يكون مجرد حلم.
كان خائفًا من أن يستيقظ ليجد نفسه قد عاد إلى الماضي، إلى ذلك الوقت الذي حاولت فيه برودي مغادرته.
ومع استعادة تلك الذكريات، راوده سؤال، فقرر أخيرًا أن يسألها.
“برودي، عندما كنتِ تخططين للرحيل… إلى أين كنتِ ستذهبين؟”
“…هاه؟”
تفاجأت برودي بالسؤال المفاجئ، فاحمر وجهها.
بدت محرجة من أنه قد ذكر الوقت الذي حاولت فيه المغادرة سرًا. لكنها سرعان ما رفعت كتفيها وأجابت،
“كنت سأعود إلى المنزل.”
رمش كايل في دهشة. المنزل؟ لم يكن يتوقع هذه الإجابة.
لم تتحدث برودي أبدًا عن منزلها من قبل، لذا لم يخطر بباله مطلقًا أنها تملك مكانًا للعودة إليه.
تسلل إليه شعور بالذنب عندما أدرك أنه أخذها بعيدًا جدًا عن ذلك المكان. تمتم بصوت خافت،
“إذًا… عائلتك لا تعرف حتى أنكِ هنا.”
أصبح صوته أكثر هدوءًا مع حديثه، لكن برودي، التي لاحظت شعوره بالذنب، ابتسمت بمزاح.
“من المحتمل أنهم ما زالوا يعتقدون أنني في رحلتي التدريبية في جبال كالك. ليس لديهم أدنى فكرة أنني انحرفت عن طريقي لأنني قابلت رجلًا وسيمًا في الطريق.”
عند سماع مزاحها، ضحك كايل بصوت خافت. ثم، وبدون تفكير كثير—تقريبًا بدافع غريزي—نطق بشيء كان يفكر فيه منذ فترة.
“برودي، لنرحل.”
رفعت برودي رأسها عن وضع المرهم، واتسعت عيناها.
“نرحل؟ تقصد… من هنا؟”
رأى ارتباكها، فابتسم كايل بشكل متوتر وشرح،
“لقد كنت أفكر في الأمر منذ فترة. لا أعتقد أنني أنتمي إلى هذا المكان بعد الآن.”
“لكن كايل… هذا منزلك. لقد عشت هنا منذ أن كنت صغيرًا. عائلتك، أقاربك، وأصدقاؤك جميعهم هنا…”
ذكّرته برودي بكل الروابط التي تربطه بـ رودين، لكن كايل هز رأسه، وكأنه لم يعد يشعر بأي تعلق بها.
“لم يعد هناك شيء يبقيني هنا. وحتى لو كان هناك، فأنا لا أريد البقاء. من الأفضل للجميع أن أرحل.”
كان كايل الوريث المعزول—وجودًا غير مرغوب فيه، تهديدًا محتملاً لأبيل، الوريث الحالي، وللعائلة التي اختارته.
حتى لو تخلى كايل عن حقه في الخلافة، فإن وصمة كونه الوريث السابق ستظل تلاحقه دائمًا.
لم يرغب في أن يكون تهديدًا دائمًا، ولم يكن يريد استعادة اللقب وإجبار الناس على الولاء له رغمًا عنهم.
كان مغادرة رودين هو الخيار الأفضل للجميع—له، ولعائلته، ولشعب رودين.
حتى بعد سماع منطقه، بدت برودي مترددة.
رأى كايل تعبيرها، فأجبر نفسه على الابتسام.
“لا داعي لأن تنظري إليّ بهذه الطريقة. أنا فقط أريد الرحيل والبدء من جديد. معكِ.”
لكن حتى مع كلماته المطمئنة، لم يتغير تعبير برودي القلق.
لم يكن الأمر أنها لم تفهمه—بل العكس تمامًا.
ما آلمها هو تخيل كم كان الأمر مريرًا، ووحيدًا، ومحزنًا بالنسبة له ليصل إلى هذه القناعة.
كم كان عليه أن يعاني ليصل إلى هذا القرار؟
انقبض صدرها عند التفكير بذلك، وقبل أن تدرك، امتلأت عيناها بالدموع.
مدت يدها ولمست يد كايل، وأصابعها ترتجف قليلًا.
رأى كايل ذلك، فشعر بالذهول وسأل بتردد،
“هل… لا تريدينني أن أرحل؟”
هزت برودي رأسها بسرعة.
“لا، ليس هذا ما قصدته. أنا فقط… كنت أفكر في مدى صعوبة الأمر عليك.”
عض كايل شفتيه بصمت. كان يتحدث عن المغادرة وكأنها أمر بسيط، لكن برودي استطاعت رؤية ما خلف كلماته.
كانت تحزن من أجله، تشعر بألمه كما لو كان ألمها الخاص.
وبطريقة ما، ذلك الفهم، ذلك التعاطف—كان يريحه أكثر مما يستطيع التعبير عنه.
حاول كايل أن يبدو عاديًا وهو يتمتم،
“بصراحة، عندما اتخذت قراري بالمغادرة… لم يكن الأمر صعبًا.”
حتى عندما تخلى عن وطنه، عن روابط الدم، وعن السلطة التي كان يسعى إليها ذات يوم، لم يشعر بالحزن.
لأنه كان هناك شيء، شخص، أكثر أهمية لديه الآن.
“طالما أنكِ معي، لا يهمني إلى أين أذهب.”
احمر وجه برودي عند سماع اعترافه الصادق.
لقد حسمت أمرها منذ فترة—إن أرادها كايل بجانبه، فستذهب معه.
الآن، بعدما أدركت مدى حبها له، لم يعد تركه خيارًا مطروحًا.
“برودي، لنرحل معًا.”
هذه المرة، عندما طلب منها كايل ذلك، لم تتردد.
“حسنًا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 133"