“أم… هل هو مجرد غيرة، كما توقعت؟”
رددتُ بنبرة خفيفة دون تفكير.
“حسنًا، ربما يكون الأمر كذلك. لا بد أن للأميرة أيضًا عيوبًا.”
“لكن المخيف في الأمر أننا لا نعرف ما هي تلك العيوب. سيرافينا، أتمنى أن تكتسبي بصيرة أعمق في تقييم الأشخاص خلال هذه الرحلة. من الأفضل لك أن تقتربي من أورورا بدلًا من ذلك.”
“بالطبع، ولهذا سأجد أورورا مهما كلفني الأمر.”
فتلك المجنونة مدينة لي بالمال، ولا بد لي من استعادته بأي ثمن…
“سأغادر بعد قليل. لقد اتفقت مع الآخرين على اللقاء في الساحة أمام القصر. سأذهب الآن لتحضير أمتعتي.”
“ماذا؟ ستغادرين اليوم؟!”
“نعم، إذن سأذهب الآن!”
صرخت بذلك قبل أن أركض مسرعةً إلى غرفتي.
بينما كنتُ أستعجل أبيجيل لمساعدتي في حزم الأمتعة، تبعنا والدي إلى الغرفة وهو يثرثر خلفنا:
“سيرافينا! لا تنسي أن تأخذي معك بعض جرعات استعادة السحر. إنها غالية جدًا، بالكاد أستخدم واحدة في السنة، لكن لا شيء أغلى من راحتك.”
هكذا إذًا؟…
“وسأمنحك أيضًا ما يكفي من المصروف، فلا تقلقي بشأن المال. احرصي على الإقامة في أماكن جيدة.”
“الأشخاص الذين سأرافقهم جميعهم أثرياء، لذا على الأرجح سنقيم في أماكن فاخرة.”
“هناك أيضًا شيء أود أن أخبركِ به منذ فترة، يتعلق بالسحر…”
توقفت عن ترتيب أمتعتي ونظرت إليه باهتمام، متسائلةً عمَّا إذا كان ما سيقوله سيكون مفيدًا لي.
أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال بجدية:
“سيرافينا، لكل ساحر طريقة تفكير خاصة به.”
“نعم؟”
“القاعدة الأولى للساحر هي ألَّا يتجاهل الأمور التي لا يفهمها. كل شيء في هذا العالم له سبب، وحتى الأشياء التي تبدو غير مفهومة لا تخلو من تفسير. لذا، لا تترددي في البحث عن إجابات لكل ما يثير فضولك.”
“آه… حسنًا.”
“فالسحر تطور على مر العصور من خلال استكشاف أسرار العالم.”
قد يبدو هذا الكلام مألوفًا مثل نصائح الرجال الكبار في السن، لكنه في الحقيقة مذكور في الصفحة الأولى من جميع كتب السحر التي أمتلكها.
“كل الظواهر لها أسبابها.”
“حتى ما لا نفهمه لا يخلو من تفسير.”
عندما أنهيتُ حزم أمتعتي تقريبًا، لاحظتُ أن لديّ ساعة كاملة متبقية قبل موعد المغادرة، ربما لأنني لم أكن مثل فتيات النبلاء العاديات، فلم أحزم إلا ما هو ضروري فقط، مما أدهش أبيجيل كثيرًا.
عندها تذكرتُ كلام والدي…
“كل الظواهر لها أسبابها.”
إذا كان السحر يتطور عبر البحث والاستكشاف…
إذًا، لماذا أتيتُ إلى هذا العالم؟
ما الذي كنتُ أفعله في حياتي السابقة؟
لم أتعرض لحادث دهس من شاحنة كما يحدث عادةً في القصص، ولم أكن أقرأ رواية خيالية لحظة وفاتي، ولم ألتقِ بأي كائن غامض قبل أن أجد نفسي هنا.
إذًا، لماذا أنا هنا؟ كيف وصلتُ إلى هذا العالم؟
إذا كان لقدومي إلى هذا العالم سببٌ مجهول…
فهل يعني ذلك أن السبب هو “السحر”؟
للحصول على إجابة، يجب أن أبحث عن…
“مذكرات سيرافينا!”
ركضتُ إلى رفوف الكتب وبدأتُ أقلب الصفحات في دفتر يومياتها، ذلك النصف الذي لم أقرأه بعد.
ولكن، رغم بحثي، لم أجد شيئًا غير عادي، باستثناء شيء واحد كان مزعجًا بشكل غريب…
『2 أبريل 』
اليوم دعَتني الأميرة إيفا إلى القصر! لا أصدق أن هذا يحدث لي! كما توقعت، الأمنيات الصادقة تتحقق.
أفكار الأميرة دائمًا ما تكون مثيرة للاهتمام. اليوم، تحدثت عن عالم لا يخضع للطبقات الاجتماعية، عالم يقوم فقط على الكفاءة.
في الحقيقة، هذا ليس حديثًا معتادًا لأميرة، كما أنني لا أتقبل الفكرة بالكامل، لكنها تبقى فكرة مشوقة. إن حديثها دائمًا ممتع.
كانت هذه مجرد كلمات فتاة مغرمة بالأميرة، تكتب عنها بإعجاب…
لكن…
『 3 مايو 』
الأميرة إيفا ليست مثل الآخرين.
إنها شخصية عظيمة، لا يمكن لأشخاصٍ تافهين مثلنا أن يفهموها.
حتماً لديها رؤية عظيمة للعالم، إنها ترسم صورةً لعالم لم أتخيله من قبل، وستجعله حقيقةً.
عالم لا تحكمه الطبقات الاجتماعية، ولا المال، بل شيء مختلف تمامًا.
أنا ممتنة لاختياري كخادمة لها. إنه لشرف عظيم!
『 17 مايو 』
آه، لا أحد في هذا العالم يفهم الأميرة إيفا سواي…
أنا وحدي من أستطيع أن أكون خادمتها ومساعدتها المخلصة.
أنا أول رسولة لعالمها الجديد.
『 27مايو』
من أجل الأميرة إيفا، أنا مستعدة للتضحية بحياتي.
حتى لو نبذها العالم، سأكون مستعدة للموت من أجلها.
إنها حياتي!!
كلما قرأتُ أكثر، كلما ازداد وجهي عبوسًا.
لقد تحولت من مجرد معجبة بالأميرة إلى شخص يعبدها حرفياً…
أي شخص يرى هذا سيدرك أن الأمر مريب جدًا!.
『 30 مايو 』
لا يهمني أي سر تخفيه سيدتي الأميرة.
أياً كان ذلك السر، سأقبله بصدر رحب.
أتوق بشدة لاكتشاف الاختراع العظيم الذي توصلت إليه.
بعد اجتيازي لتلك الأسطر التي تبدو ككلمات مهووسة، وصلت أخيراً إلى الأيام التي سبقت انتقالي إلى هذا الجسد بيومين فقط.
『 1 يونيو 』
اهربي، اهربي، اهربي!
لا أستطيع تحمل هذا.
إلى أين؟ إلى أين يمكنني الفرار؟
لكن عليّ الهرب!
لقد اكتشفتِ الحقيقة!
سوف تقتلكِ… اهربي، اهربي، اهربي!
『 2 يونيو 』
وجدتُ طريق الهروب.
في النهاية، انتصرت العلوم الإنسانية.
سرافينا فيفيانا، ماذا حدث لكِ بحق السماء؟…
❈❈❈
في غرفة مزينة بتروس ذهبية تدور بلا توقف على الجدران،
كان هناك ثريا تتدلى من السقف، تتحرك بفضل آلية التروس،
كما تملأ الغرفة طيور كناري آلية، تغرد بألحان متناغمة، مما أضفى تناغماً فريداً على المكان.
بين الحين والآخر، تدخل خادمة آلية إلى الغرفة لتسلم رسالة.
كانت الغرفة مزينة بروعة، لكن أكثر ما كان يجذب الانتباه فيها هو الاختراعات المنتشرة في كل مكان.
ومع ذلك، كانت الغرفة خالية تماماً من أي إحساس بالحياة، وكأنها مجرد نموذج لبيت دُمى أو متحف غريب.
لكن أكثر ما جعل الغرفة تبدو غير طبيعية…
هي المرأة التي جلست وسطها بكل أناقة على الأريكة.
كانت تجلس باستقامة تامة، ظهرها مستقيم دون أدنى انحناء، كأنها مثال للكمال.
إذا كانت هذه الغرفة أشبه ببيت دُمى، فهذه المرأة حتماً هي الدمية التي تعيش فيه.
شعرها البلاتيني الطويل يتلألأ كالحرير، وعيناها البنفسجيتان تشعان بهدوء غامض،
ملامحها متناسقة إلى حد الكمال، لدرجة تجعل مجرد التفكير في حبها يبدو كإثم لا يُغتفر.
كانت تجسيداً حيًّا للجمال.
في يديها، أمسكت الأميرة إيفا بورقة برسائل أرجوانية اللون،
كانت بالتأكيد من شخص واحد فقط…
فقط فتاة واحدة في هذا العالم كانت لتختار ورق رسائل طفولياً كهذا.
“يا سيرا العزيزة…”
قرأت الرسالة حتى النهاية، ثم انحنى طرفا شفتيها بابتسامة رقيقة.
كانت ابتسامتها في غاية الأناقة والجمال، ولكن…
أي شخص يتمتع بعقل سليم لم يكن ليشعر بالرغبة في الاقتراب منها.
عيناها اللتان بدتا وكأنهما تفتقران إلى أي مشاعر بشرية،
لم تعكسا أي شيء سوى الفراغ…
كأنها دمية تتحرك، لا أكثر.
“إذًا، في النهاية، هذا هو القرار الذي اتخذته سيرا…”
لم يكن في ملامحها ما يوحي بالحزن، ومع ذلك، كانت حزينة بالفعل.
كانت تشعر بالخذلان العميق.
تذكرت الأميرة إيفا الفتاة التي كانت تتبعها بعينيها اللامعتين المليئتين بالإعجاب.
كانت فتاة لطيفة المظهر، وكان بإمكان أي شخص أن يقع في حبها بسهولة،
ولكن إيفا راقبتها بصبر، حتى النهاية.
لم تكن لتكشف عن حقيقتها للآخرين، لكنها فعلت ذلك مع سيرافينا…
لأنها كانت مختلفة عن الجميع.
“تلك الفتاة… كانت مثالية أكثر من اللازم.”
على الرغم من أنها وُلدت في عائلة سحرة، فإنها كرّست نفسها للعلوم الإنسانية بدلًا من الرياضيات،
وكانت تؤمن بقوة تلك العلوم أكثر من أي شخص آخر.
بل إنها اعتقدت حقًا أن بإمكانها تغيير العالم بها.
أرادت الأميرة إيفا أن تحطم ذلك الحلم.
أن تدهس آمالها حتى تنطفئ تمامًا.
ثم، بعد ذلك، تجعلها ملكًا لها.
وهكذا، منذ فترة ليست ببعيدة، بدأت تكشف لها شيئًا فشيئًا عن حقيقتها.
وأخيرًا، قبل أسبوعين، أخبرتها بكل أسرارها…
“سيرا، لقد خيبتِ أملي بشدة…”
كان رد سيرافينا واضحًا تمامًا.
لقد قررت أن تهرب.
أن تترك العاصمة بأكملها وراءها.
وهذا يعني أنها رفضت يد إيفا التي امتدت نحوها.
ولكن، بالطبع، لم يكن لدى إيفا أي نية لتركها ترحل.
فبعد أن منحتها ثقتها، وكشفت لها كل شيء، قررت سيرافينا أن تهرب؟.
لا، هذا غير مقبول.
عليها أن تستعيدها.
عليها أن تدفع الثمن.
وحينها…
كما في الماضي، ستعود سرافينا لطاعتها من جديد.
“حسناً يا سيرا… فلتحاولي الهرب قدر استطاعتك.”
سأطاردكِ حتى النهاية.
❈❈❈
حتى أغبى شخص يمكنه أن يفهم الآن ما قصدته سرافينا بقولها:
“وجدتُ طريق الهروب.”
لقد هربت… إلى عالمي.
لقد استدعت روح شخص غريب لتحل محلها في جسدها.
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 10"