ارتسمت ابتسامة مائلة على شفتي لوكاس وهو يضع يده تحت ذقنه. غير أنّ سيلا لم تشيح ببصرها عن تلك العينين التي لمعت بريقًا من الفضول.
“أما زلتِ تتظاهرين بعدم المعرفة؟ لا بدّ أنّك تعلمين أنّ من جاء يومها نيابةً عن جلالة الإمبراطورة لم يكن سواي. إلا إن كنتِ لا تملكين ذاكرة تحفظ وجوه الناس بحيث لم تستطيعي حتى تمييز ذلك التنكّر الركيك.”
إذن، فذلك التنكّر السطحي كان متعمّدًا… راحت سيلا تمرّر أصابعها على الصندوق البيج الفاخر قبل أن تفتح فمها بهدوء.
“لقد كان التنكّر متقنًا إلى درجة أنّي لم أرَ إلا شبهًا بسموك فحسب. ولم أعلم الحقيقة إلا بعد أن رأيت جلالة الإمبراطورة اليوم.”
“أهكذا تقولين؟”
“نعم.”
“همم… إذا قالت الانسة ذلك، فلابدّ أنّ الأمر كذلك.”
حين أوحت سيلا وكأنها لم تعرف من البداية، أزاح لوكاس يده عن ذقنه وابتسم ابتسامة خفيفة.
تذكّر قول. الأحبة يتشابهون، وبدت له جرأتها التي لا تقلّ عن جرأة حبيبها مثيرةً للضحك، فاختار أن يتغاضى عمّا يعلم.
أما سيلا، فقد تقبّلت نظراته المتمعّنة بها ببرودٍ يشبه برود قردٍ خلف قضبان حديقة الحيوان، وفي الوقت نفسه كانت تراقب لوكاس بعناية.
‘لقد قال إنّه يعرف سبب سوء العلاقة بيني وبين هيلي…’
استحضرت تلك الذكرى ونادت ولي العهد.
“صاحب السمو، لي سؤال أود طرحه.”
“وما هو؟”
“سمعت أنّك تعلم السبب وراء برود هايلي لي، هل هذا صحيح؟”
طالها بنظرة متفحّصة، كأنّه يريد أن يتبيّن صدقها من زيفها، ثم أجاب بلهجة مازحة.
“يبدو أنّك بارعة في الكذب، يا انسة.”
“ليس كذبًا.”
كان إنكارها جازمًا لا يتردّد.
“كل ما أعلمه أنّني حين تلقيت رسالة هايلي وذهبت إلى مكان اللقاء، وجدتها تبكي بحرقة ثم ابتعدت عني.”
تقبّضت ملامح لوكاس قليلاً، كان يشكّ منذ البدء أنّها حقًا تجهل، ولكن كيف يمكن أن تجهل هذا؟ ارتسم الاستغراب والارتياب في عينيه.
وفي تلك اللحظة أحاط كاليكس كتفيها بذراعه وقال مدافعًا عنها.
“أقسم بشرف أسرتي أنّها صادقة في قولها.”
“قسم متهوّر.”
“ليس تهوّرًا، بل ثقة.”
“كلّما سمعتك تقول مثل هذا الكلام، شعرتُ بالقشعريرة في جسدي.”
هزّ لوكاس رأسه وهو يمرر أصابعه في شعره. حسنًا، لا بأس. سواء علمت أو لم تعلم، فإنّ الحديث معها لن يضرّ.
“سأخبرك، ولكن ليس الآن، فلديّ أمر آخر أقوم به.”
“إذن، هل يمكن أن نلتقي في وقت آخر؟”
“همم… حسنًا. سأرسل لك دعوة رسمية.”
“سأنتظرها، يا صاحب السمو.”
وبينما كانا يتفقان على الموعد، قال لوكاس فجأة كمن تذكّر شيئًا.
“آه، وبالمناسبة… لا أريد أن يأتي الدوق معك تلك المرّة.”
قفز حاجبا كاليكس عاليًا بدهشة، غير أنّ لوكاس ثبّت كلماته بقسوة.
“هذه هي شرطي الوحيد، يا انستي.”
“كما تشاء.”
كان شرطًا غريبًا، غير أنّه ليس عسيرًا، فأجابت سيلا بالموافقة فورًا. حينها أحسّت بارتجاف في يده التي كانت تمسك بكتفها. رفعت بصرها إليه فرأت سوادًا تحت عينيه.
أكان مريضًا قبل أيام ولم يرتح بعد؟ أم أنّه لا يجد وقتًا للراحة؟
قطّبت حاجبيها قليلًا ثم التفتت إلى ولي العهد قائلة.
“يا صاحب السمو، هل لي أن أبدي ملاحظة؟”
“همم؟ تفضّلي.”
“الأدوات لها عمر، والدواب تحتاج إلى راحة بين جولات الركض، فكيف بالإنسان؟ أعتقد أنّ العمل الفعّال لا يكون إلا إذا رافقه قسط من الراحة.”
“قول صائب. وأنا أيضًا أعتبر الراحة أمرًا جوهريًا.”
أغمضت سيلا عينيها قليلًا ونظرت خفية إلى الهالات تحت عيني كاليكس. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا حاله هكذا؟ لمح لوكاس نظرتها، فابتسم ابتسامة دقيقة.
“لا تقلقي، لا أسيء معاملة رجالي.”
“…نعم.”
أجابت بنبرة مترددة ثم انسحبت.
وما إن تلاشى أثرها حتى رمق لوكاس كاليكس ساخرًا.
“أيها الدوق، ماذا تفعل ليلًا حتى تحمل تلك الظلال تحت عينيك؟ لم أرهقك بهذا القدر من العمل قط.”
“ألستَ تفكر بواجباتي كرئيس للأسرة؟”
“كنتُ دائمًا أراعي ذلك وأحسب حسابه.”
انتظر لوكاس صمته ثم قال كاليكس بجدية.
“ولماذا لا تريدني أن أرافقها؟”
تلقت عيناه بريقًا مسمومًا، فضحك لوكاس متهكّمًا.
“ألستَ تفهم؟ الحديث بين المعنيّين، فلا ينبغي لشخص ثالث أن يتدخّل. واضح أنّك غير مقتنع، ولكن… لن أغيّر قولي. أنتَ ممنوع.”
“……”
“وهذا أمر أمبراطوري، فلا تفكر باللحاق سرًا.”
“أتستخدم الأمر الإمبراطوري في هذا؟”
“بل وأجد في ذلك لذّة عظيمة. إن غرتَ، فلتكن أميرًا أنت أيضًا!”
كان في كلامه ثقل المزاح، غير أنّه ترك أثرًا غريبًا هذه المرّة. وضع كاليكس يده على صدغه ضاغطًا بشدّة وقال.
“هاه… أيّ جنون هو هذا!”
عضّ لوكاس شفته وهزّ رأسه متمتمًا.
لقد أحسنتُ إذ منعته من الحضور… إن كان ردّه هكذا على مجرّد رفض، فكيف سيكون حين يعلم الحقيقة؟
وأزاح عن رأسه تلك الأفكار المثقلة.
***
ركبت سيلا العربة التي أقلّتها من قبل. حدّقت طويلًا في الدمية بين يديها، ثم حين توقّفت العربة أغلقت الصندوق ودخلت قصر عائلة أرسيل.
في الداخل كان الخدم يروحون ويجيئون مسرعين، وبينما صعدت الدرج التقت بالماركيز.
“أين كنتِ؟”
“زرت بعض الانسات.”
“وما ذاك الصندوق؟”
أجابت ببرود وهي تشير.
“إنّه هدية من الآنسة ديزي. والآن أنا مرهقة، فأستأذن.”
“انتظري.”
لكنّه قبض على معصمها بخشونة.
“آخ…”
تأوّهت من الألم، فأفلت يدها مسرعًا وقد ارتبك.
“ما زلتِ غاضبة إذن.”
“نعم، لا شكّ في ذلك.”
قالت بفتور وهي تدلّك على معصمها أمام عينيه. فتنحنح متوترًا، وقد أكل القلق قلبه.
كانت دومًا لطيفة مطيعة معي، مهما حدث… لكن منذ أن عاتبتُ كلارا ووقعت حادثة السمّ تغيّرت…
كلماتها لا تزال ترنّ في أذنه.
[كيف تجرؤ أن تطلب الصفح بهذه البساطة؟ السمّ الذي صُبّ في شرابي شربه كاليكس. لو لم يكن هو لكان أنا.]
منذ ذلك الحين أصبح جوّها باردًا كبرد الشتاء القارس.
“أنا ذاهبة الآن، فأنا متعبة.”
“حسنًا، ارتاحي إذن.”
كان المركيز يواسي صدره الموجوع وهو يراقب ظهرها يبتعد.
لكنّ تعابير وجهه لم تكن تحمل ألم أبٍ تغيّر ولده، بل شيئًا آخر مختلفًا تمامًا.
‘إوزّتي التي تبيض ذهبًا…!’
قطّب جبينه وهو يحصي المكاسب التي كان يحصل عليها عبر سيلا.
ومادام قد ذاق ولو قليلًا منها، ازداد اضطرابه في صدره وتشنّجت أحشاؤه أكثر.
تأجّج اللهيب في داخله، ولم يلبث أن صبّ غضبه على كلارا.
كان ينبغي أن يوجّه إليها تحذيرًا صارمًا قبل أن تقع الكارثة، فلو فعل، لما حدث هذا اليوم.
رغم شعوره بالأسى ورغبته في استرجاع ما فات، لم يجد سبيلًا لذلك.
لقد سُكب الماء بالفعل، فلا جدوى من محاولة تصحيحه بتهور قد يُفاقم الأمر إلى الأبد.
فقرر أن يستجمع صبره الذي تربّى عليه منذ الصغر.
‘ربّما مع مرور الوقت، سيهدأ الأمر قليلًا’
أقنع نفسه بذلك وضرب صدره بقبضته. ثم تذكّر أنّه بانتظار ‘ضيف’ هذا المساء، فطهّر فكره من الشجون، وأخذ يصرخ في الخدم.
“نظّفوا القصر كأنه مرآة! لا أريد ذرة غبار!”
وظلّ يفتّش بعينه في كل زاوية حتى اطمأن. ومع غروب الشمس، وقف عند الباب الرئيسي ليستقبل ضيفه بنفسه.
وما إن توقّفت عربة عند البوابة حتى أسرع الخادم لفتح بابها، فنزل منها رجل بشَعر أزرق داكن مربوط إلى الخلف بعناية.
ابتسم الماركيز أرسيل وبسط ذراعه مرحّبًا.
“مرحبًا بك في منزل عائلة أرسيل!”
فابتسم الرجل وردّ وهو يمسك يده بقوة.
“إنه لشرف عظيم أن يستقبلني رئيس أسرة أرسيل العريقة بهذا الترحيب.”
وكان الضيف ليس سوى فابيان… ممثّل ‘سيل’.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 98"